تعبير' بير السلم' يوحي للوهلة الاولي لمن يسمعه أو يقرأه بانه يعني العشوائية ومخالفة القواعد والقوانين والعمل في الخفاء, للضحك علي الذقون والنصب علي خلق الله.. وهو كلام صحيح بدرجة كبيرة..!! وبيرالسلم, أو بمعني أدق' تحت بير السلم', لمن لا يعرف من شبابنا, هي منطقة مظلمة تقع تحت السلم في مدخل البيوت الشعبية القديمة; التي كان يتم بناؤها من مواد بسيطة, وكان يستخدم الخشب في البناء لتثبيت الاسقف والجدران بدلا من الحديد المسلح, وهو, أي تحت بير السلم, عادة ما كان ملتقي العشاق الذين يريدون اختلاس القبلات بعيدا عن أعين الاهل والناس..! وفي بداية التسعينيات تفجرت في مصر فضيحة سياسية أطلقت عليها بعض الصحف' فضيحة قبلة بير السلم', وقد أطاحت ببعض كبار المسئولين آنذاك..! عموما ليس هدفي اليوم الكتابة عن تاريخ' بيرالسلم', لكنني أعتبر هذا مجرد مقدمة للموضوع الذي أكتب عنه اليوم وهو عن الصناعات العشوائية التي اتفق علي تسميتها ب'صناعات بير السلم', وهي تلك النشاطات التي تتم بعيدا عن أعين الاجهزة الرقابية وبدون أي سند قانوني من تراخيص أو غيرها, ودون اي مراعاة لمعايير واشتراطات الصحة والسلامة والامان. وهذه الصناعات' قاتلة' بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني; فهي تبدأ من صناعة الاسلحة, القاتلة بالفعل, وحتي المناديل الورقية وحفاضات الاطفال التي تصنع من مواد ملوثة أعيد تدويرها, وهي تصيب مستخدميها بجملة من الامراض القاتلة, ليس أخطرها السرطان بالمناسبة..! أما عن أخطار صناعات بير السلم' الغذائية'.. فحدث ولاحرج.. فهي كلها بالطبع ملوثة, ولا يتم انتاجها تحت أي معايير او مواصفات صحية.. المهم تسمي قبل ما تاكل.. ويا ريت تنطق كمان بالشهادتين من باب الاحتياط لا أكثر..! وقد يعتقد البعض أن المنتجات' الغذائية' لمصانع بير السلم لا تباع الا في الاسواق العشوائية الفقيرة, لكنني فوجئت بأنها تباع في بعض محلات السوبر ماركت الكبيرة في المناطق الراقية..! ومنذ أيام نشرت الصحف واقعة مصنع الدواجن الذي توقف عن انتاج الدواجن المحلية وتخصص في استيراد الدواجن التي انتهت مدة صلاحيتها, أو قاربت علي الانتهاء, ليقوم بإعادة تعبئتها في عبوات تحمل اسم المصنع وعلامته التجارية وتاريخ صلاحية جديدا.. ليبيعها علي أنها دواجن منتجة محليا..!! وهناك جرائم متكاملة الاركان يرتكبها أصحاب ورش أو مصانع بير السلم فيما ينتجونه من منتجات غذائية' عامرة' بكل ملوثات الدنيا التي تصيب أكباد و كلاوي و'فشش' المصريين.. حتي اصبح الفشل الكلوي أحد أكثر الامراض الشائعة في مصر الان.. وهي كارثة بكل المقاييس..! والحقيقة أنني ما كنت لأكتب عن منتجات بير السلم لولا أنني وجدت أنها أصبحت ظاهرة, حيث تباع في الشوارع والطرقات مع الباعة الجائلين وفي المحلات الكبيرة والصغيرة علي السواء.. كل ذلك وسط غياب تام للاجهزة المنوط بها مراقبة الاسواق, وحالة من السبات العميق أو فلنقل' الطناش'من جهاز حماية المستهلك الذي ثبت عدم جدواه.. نعم أكررها عدم جدواه.. اقول ذلك وأؤكده بعد تجربة شخصية لي معه..! وفي تقديري أن ظاهرة مصانع بير السلم هي الابن السفاح للفوضي التي تضرب بأطنابها في أسواقنا دون أن يحرك أي احد ساكنا, علي اعتبار أن هذه القضية.. قضية ثانوية بالقياس الي القضايا السياسية والاقتصادية التي تشغل الرأي العام والحكومة علي السواء الان.. علي الرغم من أن هذه الظاهرة أخطر علي المجتمع المصري من أي قضية مطروحة الان علي الساحة لأنها تتعلق بصحة هذا الشعب, فما جدوي أن تكون هناك حرية وديمقراطية لشعب مريض بأمراض فتاكة قاتلة..؟! فمثل هذه القضية يجب أن تكون لها الاولوية عما عداها من القضايا, ولابد من منظومة تشريعية وأمنية لاجتثاث ظاهرة مصانع بير السلم من جذورها, ولابد من تشديد العقوبات ضد أصحابها, حتي تصل الي حد الاعدام; لأن ما يرتكبونه من جرائم هو قتل عمد مع سبق الاصرار والترصد. وبالمناسبة هذا الكلام ليس فيه أدني مبالغة, فأصحاب المصانع العشوائية, الذين ينتجون منتجاتهم الفاسدة الحرام بعيدا عن الرقابة وبدون مراعاة أدني شروط الصحة والسلامة ولا حتي النظافة, لا يقلون خطرا علي المجتمع من تجار المخدرات وغيرهم من الخارجين علي القانون.. علينا أن نتحرك بسرعة لأن الظاهرة تتفاقم وكوارثها في تزايد.. وشعبنا الغلبان لديه ما يكفيه من هموم وأعباء حياة وضغوط لا أول لها ولا آخر.. وليس من العدل أن نضيف له هما آخر هو هم' البلاوي' التي تنتجها له مصانع بير السلم والتي عليه أن ينطق بالشهادتين قبل أن يلتهمها بدون أي هناء أولا شفاء..!