فى ظل تزاحم الآراء حول التحديات التى يواجهها الاقتصاد المصرى وتسليط الضوء فى كثير من الأحيان على الأزمات ونقاط الضعف التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، نجد أن مثل هذا المدخل فى التحليل من شأنه أن يقدم نظرة متحيزة للوضع القائم أو على أفضل تقدير يقدم نظرة متشائمة للواقع. هذه النظرة المتشائمة من شأنها أن تثبط من دافعية المواطنين أو القائمين على إدارة النظام السياسى والاقتصادى فى مصر. إن التحليل المتوازن غير المتحيز ينبغى ألا يركز فقط على نقاط الضعف التى يعانى منها الاقتصاد المصرى حاليًا مثل زيادة عجز الموازنة العامة، وارتفاع الدين المحلى، وزيادة معدل التضخم، وارتفاع معدل البطالة، وانخفاض قيمة الجنيه وغير ذلك من الأمور، بل يجب أيضًا أن يبرز ويوضح نقاط القوة فى هذا النظام الاقتصادى وما تم تحقيقه من إنجازات. إن التركيز على نقاط القوة وتأكيدها لا يزيد فقط من دافعية الأطراف ذات الصلة بالاقتصاد المصرى من عاملين ومتعاملين ومستخدمين، بل أيضًا يساعد القائمين على الاقتصاد المصرى فى تحديد واستغلال المزايا التنافسية لهذا النظام بشكل يساعد على استغلال الفرص المتاحة وتجنب أو التقليل من التهديدات المتوقع أن تنال من هذا النظام الاقتصادى. وعلى الرغم من وجود العديد من المداخل التى يمكن الاعتماد عليها فى استقراء نقاط القوة فى الاقتصاد المصرى، فإن تحديد نقاط القوة من خلال الاعتماد على تقييمات ومؤشرات صادرة عن مؤسسات عالمية ذات سمعة - يفترض فيها الحيادية إلى درجة كبيرة - يعد مدخلًا أكثر اعتدالًا فى الوصول إلى إنجازات النظام السياسى فى مصر. فمن خلال استطلاع العديد من تقارير المؤسسات العالمية أمكن رصد أحد عشر مؤشرًا التى جميعها تؤكد - من زوايا مختلفة وباستخدام معايير مختلفة - أن الاقتصاد المصرى قد أحرز تقدمًا وتحسنًا ملحوظًا فى العامين الماضيين. هذا التحسن فى أداء الاقتصاد المصرى شمل العديد من المجالات مثل محاربة الفساد، والقدرات التنافسية، والتنمية البشرية، ورأس المال البشرى، والقدرات الابتكارية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والحرية الاقتصادية، والسعادة، وحقوق المستثمرين الأقلية، والخدمات اللوجستية، والأمن والسلام. هذه المؤشرات العالمية يمكن بيانها كما يلى:- 1- مؤشر مدركات الفساد Corruption Perceptions Index (CPI): مؤشر مدركات الفساد يصدر عن منظمة الشفافية العالمية Transparency International منذ 1995، وهى منظمة دولية غير حكومية تفع فى برلين - ألمانيا معنية بخلق عالم دون فساد. تصدر المنظمة سنويًا تقريرها الذى يتم فيه ترتيب بلدان العالم سنويًا من خلال رصد مستويات الفساد السياسى والاقتصادى وغيرها فى تلك البلدان. ووفقًا لهذ المؤشر فقد أظهر الاقتصاد المصرى تحسنًا مضطردًا من 2012 إلى 2016 فبعد أن كان الاقتصاد المصرى يقبع فى المرتبة 118 فى عام 2012، أصبح يرتب فى المركز 94 فى عام 2014، ثم فى المركز 88 فى 2015 وفقًا للتقرير الصادر 2016، ما يعنى أن الاقتصاد المصرى استطاع من 2012 إلى 2015 أن يحقق قفزة قدرها 30 مركزًا على المؤشر ما يعكس صحة الإجراءات السياسية والاقتصادية المطبقة. 2- مؤشر التنافسية العالمية Global Competitiveness Index (GCI): مؤشر التنافسية العالمية هو تقرير سنوى يصدر عن المنتدى الاقتصادى العالمى The World Economic Forum منذ عام 2004، وفى هذا لتقرير يتم تقييم بلدان العالم المختلفة بناء على قدرة الدولة على استغلال مواردها المتاحة فى تحقيق رفاهية مواطنيها فى الوقت الحاضر والمستقبل بناء على دراسة مئة عنصر على مستوى الاقتصاد الكلى والاقتصاد الجزئى لكل بلد. ووفقًا للتقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى فى 2014-2015 احتل الاقتصاد المصرى المرتبة 119 بين 144 دولة شملها التقرير. إلا أن التقرير الصادر فى 2015-2016 أوضح تحسنا نسبيا فى ترتيب مصر فى التنافسية العالمية حيث حقق الاقتصاد المصرى المرتبة 116.
3- مؤشر التنمية البشرية Human Development Index (HDI): مؤشر التنمية البشرية يصدر بصورة سنوية منذ عام 1990 من قبل برنامج الأممالمتحدة الإنمائى UNDP ليشير إلى مستوى رفاهية الشعوب. هذا المؤشر يعتمد على قياس وملاحظة العديد من المعايير على مستوى بلدان العالم ووفقًا لهذا المؤشر فقد حقق الاقتصاد المصرى تقدمًا ملحوظ فبعد أن كانت مصر تحتل المركز رقم 113 فى التقرير الصادر عام 2012، أصبحت تحتل المركز رقم 108 فى عام 2015 وذلك على مستوى 188 دولة شملها التقرير. 4- مؤشر رأس المال البشرى Human Capital Index (HCI): مؤشر رأس المال البشرى تم إصداره أول مرة فى عام 2013 من قبل المنتدى الاقتصادى العالمى The World Economic Forum من أجل قياس قدرات الدول المختلفة ومقارنتها ببعض فى مجال تنمية قوة عاملة صحيحة، ومتعلمة، ومنتجة. ووفقًا لهذا المؤشر نجد أن الاقتصاد المصرى قد حقق إنجازًا عندما تقدم فى الترتيب العالمى من المرتبة 111 من بين 122 دولة فى عام 2013، ليحقق المرتبة 84 من بين 124 دولة فى عام 2015. 5- مؤشر الأسواق الناشئة لخدمات اللوجستيات Emerging Markets Logistics Index (EMLI) مؤشر الأسواق الناشئة لخدمات اللوجستيات هو مؤشر يصدر عن مؤسسة أجيلتى Agility العالمية بشكل سنوى من خلال جمع وتحليل بيانات اقتصادية وتجارية وبيانات عن تنمية وسائل النقل فى 45 اقتصادًا من الاقتصاديات الناشئة على مستوى العالم لبيان مدى فرصهم نحو تحقيق تميز فى الخدمات اللوجستية. ووفقًا لهذا المؤشر فقد أحرز الاقتصاد المصرى تقدمًا بنحو 10 مراكز من 2014 إلى 2015 فبعد أن كانت مصر مصنفة فى المركز 32 من 45 سوقا ناشئا فى عام 2014، أصبحت تحتل المركز رقم 22 فى 2015 وفقًا للتقرير الصادر عام 2016. 6- مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات Information and Communication Technology Development Index (ICTI) : مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يصدر عن الاتحاد الدولى للاتصالات Inter national Telecommunication Union (ITU) التابع للامم المتحدة. . وبمتابعة هذا المؤشر نجد أن الاقتصاد المصرى قد حقق تحسنا قدره 26.4 من 2010 إلى 2015، فبعد أن كانت قيمة المؤشر 3.48 نقطة فى عام 2010، حققت مصر قيمة مؤشر 4.40 نقطة فى عام 2015. 7- مؤشر الابتكار العالمى Global Innovation Index (GII): يصدر مؤشر الابتكار العالمى من خلال تقرير سنوى يعد بالاشتراك بين ثلاث جهات وهى جامعة جونسون كورنيل Johnson Cornell University ، والمعهد الاوروبى لإدارة الأعمال (الانسياد) INSEAD، والمنظمة العالمية للمكلية الفكرية (الوبيو) WIPO. حيث يتم سنويًا تقييم وترتيب أداء 140 دولة على مستوى العالم وفقًا 79 مؤشرًا فرعيًا تستخدم لقياس القدرات الابتكارية ونتائجا وتأثيرها على النمو الاقتصادى والتنمية. ووفقًا لهذا المؤشر فقد حقق الاقتصاد المصرى تقدما ملحوظًا؛ فبعد أن كان ترتيب مصر الدولة رقم 108 فى عام 2013، أصبح ترتيبها الدولة رقم 100 من بين 140 دولة فى عام 2015. 8- مؤشر الحرية الاقتصادية Economic Freedom Index (EFI): يصدر مؤشر الحرية الاقتصادية منذ عام 1995 بشكل سنوى كجهد مشترك بين كل من مؤسسة التراث الاميريكية The Heritage Foundation ، ومجلة وول ستريت Wall Street Journal. ويعتمد ترتيب الدول المختلفة على هذا المؤشر على جمع بيانات ودراسة 42 مؤشرًا فرعيًا لقياس درجة الحرية الاقتصادية. وباستقراء التقرير السنوى لهذا المؤشر نجد أن الاقتصاد المصرى قد أحرز تقدمًا ملحوظًا من 4102 إلى 2015 وفقًا للتقرير الصادر فى 2016، فبعد أن كانت مصر تأتى فى المرتبة رقم 135 (52.9 درجة على المؤشر) فى 2014، أصبحت تحتل المركز421 (2.55 درجة على المؤشر) من بين 186 دولة. 9- مؤشر حقوق المستثمرين الأقلية Protecting Minority Investor Index (PMII): يعد مؤشر حقوق المستثمرين الأقلية أحد الركائز الأساسية التى يعتمد البنك الدولى عليها فى إعداد مشروع ممارسة أنشطة الأعمال Doing Business الذى يتم إصداره فى شكل تقرير سنوى منذ عام 2003 ليغطى أحد عشر مؤشرًا اقتصادية فى 189 دولة فى عام 2016 ،ووفقًا للتقرير السنوى لهذا المؤشر نجد أن الاقتصاد المصرى قد أحرز تقدمًا ملحوظًا على مستوى الترتيب الدولى. فقد تقدم الاقتصاد المصرى 13 مركزًا من 2014 إلى 2015، فبعد أن كان ترتيب الاقتصاد المصرى رقم 133 فى التقرير الصادر عام 2015، أصبح ترتيبه رقم 122 فى التقرير الصادر 2016 من بين 189 دولة شملها التقرير. 10- مؤشر السعادة العالمى World Happiness Index (WHI): مؤشر السعادة العالمى يصدر منذ 2012 بشكل سنوى من قبل منظمة شبكة حلول التنمية المستدامة Sustainable Development Solutions Network التابعة للأمم المتحدة. يووفقًا للتقرير الصادر فى عام 2016 نجد أن مصر قد حققت قفزة على هذا المؤشر. فبعد أن كانت مصر تقبع فى المرتبة 135 من بين 158 دولة فى عام 2015، أصبحت تحتل المرتبة 120 من بين 175 دولة. 11- مؤشر السلام الدولى Global Peace Index (GPI): يسعى مؤشر السلام الدولى - الذى تم إنشاؤه من قبل معهد الاقتصاد والسلام Institute For Economics & Peace - إلى قياس الموقف النسبى لكل بلد أو إقليم من ناحية تمتعها بالسلم؛ حيث يتم التقييم بناء على دراسة ثلاثة أبعاد، وهى: مستوى الأمن والأمان فى البلد، ومستوى الصراعات الداخلية والخارجية، ومستوى القوة العسكرية.
وبتقييم موقف مصر على هذا المؤشر نجد أنها حققت تقدمًا ملحوظًا من 2014 إلى 2015، ففى حين كانت مصر تحتل المرتبة 143 فى عام 2014، أصبح ترتيبها الدولة رقم 137 من بين 162 دولة فى عام 2015 وفقًا للتقرير الصادر فى 2016 ، وقد عزا التقرير تقدم مصر بنحو 9 مراكز إلى انتخاب الرئيس السيسى، وانخفاض معدل الجرائم فى المجتمع المصرى.مما لا شك فيه أن نتائج المؤشرات السابقة تقدم دليلًا قويًا على اتجاه الاقتصاد المصرى نحو التحسن فى العديد من المجالات. هذا التقدم كان له العديد من النتائج منها على سبيل المثال توقعت مؤسسة BIM العالمية المتخصصة فى دراسات الاقتصاد والأبحاث التابعة لمؤسسة فيتش Fitch للتصنيف الائتمانى