إن كان هناك ما يجب أن نخرج به من الأزمة التى تسببت فيها كلمات إياد مدنى ، التهمكية على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، فهو أن يدرك النظام المصري وأجهزته الأمنية والمؤيدين المتعصبين له ، حقيقة مهمة وهى أن ليس كل معارضي النظام خونة وعملاء وإخوانجية وإرهابيين وممولين ومغرضين و..... .
فالسوشيال ميديا التى أطلق عبرها المصريون سهام غضبهم نحو المسئول السعودى والرئاسة التونسية بوصفها البلد المضيف، كانت بلا شك وراء الاعتذار السريع من مدنى وتفكير السلطات السعودية فى إجباره على الاستقالة من منصبه إرضاء لمصر . هذه السوشيال ميديا التى غضبت للكرامة المصرية عندما أهانها مسئول سعودى فى شخص رئيس المصريين ،هى نفسها،هى التى هاجمت النظام المصري من قبل وفى مقدمته الرئيس بعد توقيعه اتفاقية تيران وصنافير مع الجانب السعودى ، غضبا للكرامة المصرية بعد أن فرطت حكومتنا فى قطعة من ترابنا الوطنى ..
السوشيال ميديا التى حاول الناشطون من خلالها إثبات مصرية تيران وصنافير بالخرائط والوثائق ،لم يكونوا ليفعلوا ذلك رغبة فى إحداث الشغب أو إحراج الرئيس والحكومة-كما قيل آنذاك، بل حرصا على كل ذرة تراب فى هذا البلد
السوشيال ميديا التى صبت جام غضبها على السيد مدني عندما تهكم على ثلاجة الرئيس السيسي وكأنه يعايره بفقره، هى نفسها التى انتقدت إصرار الرئيس على مطالبة المصريين بالتقشف وشد الحزام بدلا من محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المهربة وتقليل الفوارق فى الأجور . السوشيال ميديا التى وقفت وقفة رجل واحد وراء السيد الرئيس، هى نفسها التى وقفت مرارا وتكرارا تدافع عن الحريات، مطالبة الرئيس بالإفراج عن شباب مصر الذين ذبلوا فى المعتقلات بسبب آراءهم السياسية ...فاختلافهم فى الرأى لا يعنى سجنهم طالما أنهم لم يلجأوا إلى التعبير عنه بالعنف.
نشطاء السوشيال ميديا سيدى الرئيس هم من اتهمهم عدد من مؤيديك المتعصبين بالخيانة والعمالة وهم ليسوا كذلك . وليس لجوء المواطن المصري إلى النكتة اللاذعة والكلمة الساخرة إلا لون خاص من ممارسة الديمقراطية ، لون يتسم بالحكمة والبلاغة اللغوية وسرعة البديهة ، مهارة متوارثة عبر الجينات منذ جدنا الفلاح الفصيح الذي كانت كلماته سوطا على ضمير النبيل المستبد الذي لم يجد فى نهاية الأمر بدا من إنصاف الفلاح المظلوم. المصريون أحبوا عبد الناصر وما زالوا ، لكنه لم يسلم من نكاتهم . وقد ذكر الكاتب أنيس منصور فى كتابه «عبد الناصر المفتري عليه والمفتري علينا»، أن ناصر قال: «إحنا من غير ما نعرف بنسمع الإذاعات ونرددها، ونقول مفيش فايدة، الشعب المصري يسمع أي حاجة وينكت عليه، تعرفوا موجة النكت الزيادة عن الحد التي طلعت في الأيام اللي فاتت، أنا عارف شعبنا، شعبنا طبيعته كده، وأنا لم آخذ الموضوع بطريقة جدية وعارف الشعب المصري كويس، ما هو أنا منه وأتربيت فيه، كل واحد يقابل واحد يقول له سمعت آخر نكتة ويحكى».
لم يتهم ناصر المصريون بالخيانة والعمالة والخونة والتمويل من قطر وإيران وغيرها وغيرها من التهم المعلبة التى يطلقها حملة المباخر حتى يغسلوا أيديهم من دماء الشعب ويسكتوا ما بقى من وخز الضمائر ويتمتعوا بما كسبته أيديهم بفضل السلطة والسلطان .
هكذا قد أجبت على سؤالك سيدى الرئيس الذي أطلقته منذ بضعة أشهر ""انتو مين """. احنا ياريس شباب مصر الذى وجد فى السوشيال ميديا منبره ليعبر عن رأيه بكل حرية وينتقد رئيسه وحكومته من منطلق الحرص على هذا البلد .وهم أيضا الذين ستجدهم فى ظهرك وقت اللزوم ..ولكم فى أزمة إياد مدنى أسوة حسنة.. فقد قالها له الشعب المصري "اختلف مع رئيسي وأكره اللى يقول آمين".