المؤسسة التعليمية ورطت المصريين فى علم لا ينفع.. وهى الآن تعبث بثوابتهم الوطنية - قرارات بعض المسئولين تدعم «المؤامرات» دون قصد - على الوزارة تجنب استفزاز الشباب أرهقته الأحداث السياسية - لا يجب أن نتخذ خطوة لافتة للنظر ومثيرة للجدل بين الشباب فى هذا التوقيت، فنشعل الخلاف ونصنع الصراع بين أبناء جيل ذى حماس مشتعل قامت وزارة التربية والتعليم فى خطوة غريبة ومتسرعة بحذف " تيران" و"صنافير" من الأطلس الدراسى على موقع الوزارة!! مما أثار جدلا وصل إلى حدّ الخلاف - بل والصراع أحيانا فى أوساط المعلمين والطلبة. وأنا لن أتحدث عن مصريتهما أو سعوديتهما، فأنا لا أملك وثائق التاريخ ولا خرائط الجغرافيا لكى أتحدث فى هذا الشأن، ولا أملك بالطبع سلطة القضاء لكى أحكم، ولكنّى قد أملك رأياً عن كيفية إدارة العملية التعليمية وتربية جيل قادم، وكيفية إدارة حوار بين وزارة مسئولة - ليس فقط عن تعليم الطلاب - وإنما أيضا عن بنائهم النفسى والفكرى . ولا أبالغ إذا قلت إنها تمتلك مسئولية أكبر وأعمق وهى بناء ولائهم وانتمائهم لهذا الوطن، والذى ربما تكون حساسيتنا، نحن من قدر لنا أن نقيم سنوات بعيدا عن مصر فى كندا وغيرها من دول المهجر، أكبر تجاه هاتين القيمتين "الانتماء والولاء للوطن مصر "، ذلك الولاء الذى يواجه تحديات عديدة من مؤامرات وأفكار متطرفة داخلية وخارجية ندعمها أحيانا بدون أن نقصد. يجب علينا - أولا- أن نعلمهم قيمة احترام القضاء حتى إن لم تُحسم أحكامه، فالقضاء شىء مقدّس لا ينبغى أن نزايد عليه أو نعترض على نتائج حُكمه، وهذا ما تؤكدّه الدولة دائما، كما لا يجب أن نتخذ خطوة لافتة للنظر ومثيرة للجدل بين الشباب فى هذا التوقيت، فنشعل الخلاف ونصنع الصراع بين أبناء جيل ذى حماس مشتعل وطاقة تبحث عن أى شىء يفجرها، وكل ذلك قبل أن تكلّف تلك الوزارة نفسها بتعليم هؤلاء الطلاب طريقة الحوار وقبول الآخر وثقافة الاختلاف، وكأنها تدعوهم للرفض والتظاهر خلال مرحلة نحتاج فيها إلى التلاحم أكثر من الفرقة، وإلى العلم أكثر من السياسة، فالعلم هو الذى سيؤدى إلى ممارسة صحيحة للعمل السياسى، وبدونه ستتحول السياسة إلى قَبلية وتطرف، فلا يجب على وزارة أن تستفزّ أبناءها بمشهد ينقلهم من حوار علمىٍّ مثمر إلى جدل سياسىٍّ عقيم. كما أنه من أهم طرق بناء الولاء لهذا الوطن التأكيد على قيمة الأرض، و بالتالى فالتسرّع فى حذفهما من خريطة مصر ليس موفّقا حتى وإن كانتا سعوديتين، فما بالكم إذا حكم القضاء بمصريتهما. فالتاريخ والجغرافيا لا يتم تدوينهما وتوثيقهما بهذه السرعة، ويجب علينا أن ننتظر حتى يحسم التاريخ أمره وحتى تضع الجغرافيا خطوطها، أو على الأقل حتى يهدأ الشارع السياسى. ينبغى أن يدرك القائمون على العمل بوزارة التربية والتعليم أنهم يتحدثون إلى جيل يسبقهم بأميال، جيل أكسبته الشبكة الإلكترونية عالمية الثقافة، ومنطقية التفكير، وأرهقته الأحداث السياسية فأصبح يحتاج بشدة إلى إعادة بناء الثقة لكى يتفاعل ويقدم جهدا من أجل الوطن، جيل لكى يقتنع لا بد أن تحدثه بلغته، وتتحرك بسرعته، وتتبع منطقيته. ولكى يقبلك لا بد أن تحترم فكره، وتتجنب استفزازه أو تبتعد عمّا يثير الجدل بين أفراده فى تلك المرحلة. عليهم أيضا أن يدركوا أن بناء الولاء لهذا الوطن هو مهمة رئيسية ملقاة على عاتقهم، وهى مهمة تحتاج الى جهد و خطط علمية، واستقراء للواقع، وليس مجرد اقتراحات و تصريحات مسئولين لا تحرّك لدى هؤلاء الطلاب - فى بعض الأحيان - إلا السخرية. نحتاج إلى استعادة شىء من الثقة المفقودة فى المؤسسات القائمة على منظومة التعليم فى مصر، تلك المؤسسات التى تركت الطلاب فريسة للدروس الخصوصية، وتكدس الفصول، وضعف مستوى المعلم، وتدهور الكتاب المدرسى، وغرابة المناهج التعليمية، وتسريب الامتحانات، وغلاء التعليم الخاص، وتفاقم عدد الخريجين، واتساع الفجوة بين ما نتعلمه واحتياجات السوق. تلك المؤسسات التى تدّعى أنّها تقدّم تعليما مجانيا وفى النهاية لا مجانية ولا تعليم . تلك المؤسسات التى ورّطت الملايين من أبناء مصر على مدى عقود فى استهلاك سنوات عمرهم فى علم لا ينفع ودراسة لا يستفاد بها، و صدمت العديد من حملة الشهادات بصخرة الواقع، وكل ذلك بسبب مشاكل يمكن حل معظمها بشىء من الإدارة العلمية والتخطيط، فقط أن نعمل عقولنا وأن فكر قبل أن نخطو. وحتى يتم ذلك التطوير الأسطورى المنتظر منذ عقود، وحتى يستسقظ ضمير مؤسسات التعليم، يجب علينا ألا نعبث بعقول الأبناء وقناعاتهم، وأنِ نفكر جيدا قبل أن نقترب من تاريخ هذا الوطن أو جغرافيّته. * الخبير الدولى وأستاذ التنمية البشرية بالجامعات الكندية