د. عادل عبدالصادق: انتهاك للدستور ونسف قيم الولاء - د. بهجت رشوان: يجب محاسبة كل من كانوا وراء هذه المهزلة - د. حسين البنهاوى: بعض الوزراء يدخلون البلد فى حالة عبثية - فؤاد مرسى: إقحام السياسة فى المناهج يشعل الصراعات بين المصريين بمنتهى البراءة سارع التلاميذ فرحين بتصفح كتبهم الجديدة، ومن بينها كتاب الدراسات الاجتماعية، ليفاجأوا باختفاء قطعتين من أرض الوطن، هما جزيرتا تيران وصنافير، سارع البعض منهم إلى المكتبة المدرسية ليتصفحوا «الأطلس المدرسى»، فوجدوا خريطة مصر خالية من الجزيرتين ، انتظر التلاميذ بفارغ الصبر حصة الكمبيوتر، ليقوموا بفتح الموقع الرسمى لوزارة التربية والتعليم، لكن لم يحصدوا سوى خيبة أمل بمساحة الوطن كله، المثير للاستياء أن الحذف جاء برغم صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى بمصرية الجزيرتين اللتين كانتا تحت حكم وإدارة مصر قبل تأسيس المملكة السعودية نفسها عام 1932، وقد كان تبرير المتحدث الرسمى باسم الوزارة أن حذف الجزيرتين من خرائط وأطلس ومناهج الوزارة جاء لأنهما ليستا تابعتين للإدارة المصرية، بل إن الوزارة سارعت بإصدار أمر إدارى بضبط وإحضار كل نسخ الأطلس القديم، وقامت فى وقت قياسى وبتكلفة تتجاوز عدة ملايين بطبع أطلس جديد خال من تيران وصنافير. ولم يقل لنا الوزير أو متحدثه الرسمى لماذا أقحمت وزارة التربية والتعليم التى هى مشترك عام تؤدى خدماتها لجميع المصريين، أقحمت نفسها فى قضية سياسية خلافية مازالت مطروحة أمام القضاء؟! ولماذا تجاوزت اختصاصاتها لتعتدى على السلطة القضائية وتتجاوز السلطة التشريعية ممثلة فى البرلمان، بل تضرب بكلام رئيس الدولة نفسه عرض الحائط، الذى أكد مرارا أن القضية لن يحلها إلا القضاء المصرى والبرلمان. كتاب الدراسات للصف السادس العام الماضي وبه تيران ضمن جزر مصر ولم يقل لنا الوزير ماذا ستفعل الوزارة، لو أن المحكمة الإدارية العليا ر فضت طعن الحكومة على مصرية الجزيرتين، وحسم القضاء والبرلمان الأمر على غير ما يهوى وزير التعليم، وأية رسالة هذه التى توجهها الوزارة لملايين الطلاب بعدم احترام أحكام القضاء، والتفريط بسهولة ودون مبرر قانونى فى تراب الوطن، ولمصلحة من تشكيك التلاميذ فى حدود بلدهم الجغرافية، وصنع حالة من الجدل والشقاق داخل أروقة المدارس، ومنح أعداء الوطن سلاحا مجانيا جديدا ليطعنوه فيه وتسييس المناهج الدراسية بدلا من التأكيد على الثوابت الوطنية داخل عقول ووجدان الأجيال الشابة. الخبراء فى هذا التحقيق يصفون ما حدث بجريمة جديدة تضاف إلى جرائم وزارة التعليم، بعد تسريب الامتحانات وتدريس مناهج مسروقة، وإهدار المال العام، ويطالبون بإقالة الوزير وإعادة تيران وصنافير إلى مصر. يرى د. عادل عبدالصادق، مدير المركز العربى لأبحاث القضاء الإلكترونى أن إقدام وزارة التربية والتعليم على حذف جزيرتى تيران وصنافير من جميع خرائط موقعها الرسمى، ومن جميع نسخ الأطلس المدرسى، ومناهج الدراسات الاجتماعية يمثل اعتداء على أحكام القضاء، الذى أقر حتى الآن بمصرية الجزيرتين، وانتهاك الدستور المصرى الذى أرسى قواعد الفصل بين السلطات، ويفترض بالوزارة أن تعلم النشء فى سن التعليم ما قبل الجامعى بمراحله المختلفة جغرافيا وتاريخ مصر كما هى الآن، باعتبارها حقائق دون إصدار أحكام عليها، وبما أن الحقيقة تقول إن صنافير وتيران مصريتان حتى الآن، فحذفهما بهذا الأسلوب جريمة وطنية وتربوية معا. المحميات الطبيعية خالية من تيران وصنافير فى منهج هذا العام ويضيف: الخطورة تكمن فى تسييس العملية التعليمية، بمعنى إقحام وزارة التربية والتعليم التى هى للجميع الأهواء السياسية فى مناهج تعليمية، وإقحام طلاب ومدرسى المدارس فى قضية سياسية لا تزال محل جدل، وتنتظر حسم القضاء يحمل رسالة سيئة بأن الوزارة ليست حيادية، ولا تحترم أحكام القضاء، وترى نفسها فوق القانون، والخطورة التربوية فى هذا القرار العجيب أنها ترسخ فى أذهان التلاميذ والطلاب الصغار قيم التفريط فى الأرض، دون سند قانونى، كما أنها لا تأخذ فى الاعتبار حساسية وخصوصية سيناء للمصريين، الذين قدم كل بيت فيهم شهيدا من أجل تحرير سيناء التاريخية بكامل حدودها، وقد شب الملايين على حماية الأرض والتضحية من أجل كل ذرة رمل فى سيناء، وبهذا تنسق الوزارة قيمة الولاء للوطن، واحترام سيادة الدولة وحدودها التاريخية. ويواصل د. عبدالصادق: تربويا هدمت الوزارة جسور الثقة بينها وبين المجتمع باعتبارها مؤسسة تصوغ مناهجها من منطلق حيادى وطبقا للثوابت الوطنية بعيدا عن أهواء وزير أو رغبات نظام، فالتاريخ والجغرافيا لا يتغيران بتغير وزير، وكان يجب عزل الأبعاد التربوية عن الأهواء السياسية. كما أن الوزارة ضربت عرض الحائط بما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن القضية لن تحسم إلا بحكم القضاء النهائى، كما تجاوزت اختصاصات البرلمان الذى أجل نظر القضية احتراما لأحكام القضاء، ولأننا كما ندعى دولة مؤسسات، فكان على وزارة التعليم التنفيذية عدم التغول فى السلطتين التشريعية والقضائية، والانفراد وبإصدار أحكام نهائية فى قضية خطيرة تمس أرض الوطن التى هى ملك للأجيال القادمة، وليس هذا الجيل وحده. ويطالب د. عادل عبدالصادق وزارة التعليم بالتراجع عما فعلته، وإعادة تيران وصنافير لخريطة مصر سواء على موقعها الرسمى أم فى الأطلس المدرسى لحين صدور حكم قضائى نهائى من المحكمة الإدارية العليا، وكذلك قرار نهائى من البرلمان فى القضية. إعدام الخبير التربوى د. بهجت رشوان، العميد السابق للمعهد العالى للخدمة الاجتماعية بسوهاج يؤكد أن الوزارة بجريمتها هذه قامت بإعدام روح الانتماء لدى الشباب المصرى، فإن تحذف قطعة من أرضك وتجعل شعبك جاهلا بحدود وطنه، وتثير لدى الطلاب فى هذه السن الحرجة البلبلة والحيرة فى قضية تمس السيادة الوطنية، فهذا معناه تدمير لفكرة الوطنية، فمن لا يعرف حدود أملاكه لا يستطيع الحفاظ عليها، أو الدفاع عنها، لكننا كتربويين نربى الأجيال على كيفية الحفاظ على الوطن، تعلمهم الوزارة كيفية التفريط فيه. ويدعو د. بهجت رشوان إلى إقالة وزير التربية والتعليم، وكل من تسبب فى هذا التصرف، كما أننى شخصيا باسمى سأتقدم ببلاغ للنائب العام ضد الوزارة لإيقاف هذه المهزلة. تحولات ويشير د. حسين البنهاوى، مدير مشروع موسوعة وصف مصر الحديثة، وعضو الجمعية الجغرافية إلى أننا نمر بمرحلة تحول سياسى واجتماعى كبير، وخلال هذه المراحل تحدث بعض الأفعال المخالفة، وأعتقد أن الوزارة فعلت ذلك بدوافع سياسية، وهذا القرار نموذج لأسلوب الجزر المعزولة الذى تعمل به الحكومات المصرية، ومن المؤكد أن الوزارة بانفرادها بحسم القضية قفزا على القضاء والبرلمان يجب أن تلام على ذلك. ويكشف د. حسين البنهاوى، أن الأزمة ذاتها تكررت مع هيئة موانئ البحر الأحمر، حيث اطلع على خريطة مصر على موقع الهيئة الرسمى، فوجدها خالية من حلايب وشلاتين، مشيرا إلى أنه سارع بتقديم مذكرة لرئيس الهيئة، لتصحيح هذا الوضع المشين، لكن مرت ثلاثة أسابيع، لم يحرك رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر أو أحد معاونيه ساكنا، أو يبادروا بتصحيح هذا الخطأ الفادح، الذى يمس السيادة الوطنية، وهذا التصرف السلبى هو الوجه الآخر لقرار وزارة التربية والتعليم العشوائى، لأنه مع الأسف الحكومات تأتى بوزراء يعيدون اختراع العجلة بلا إستراتيجية عامة، والأخطر أن كل وزير يعمل بمفرده، وحسب أهوائه، ومن سقفه هو وليس من سقف مصر حكومة ودولة «الأفراد»، وليس المؤسسات وهذه كارثة، ويكفى أن نعلم أن سقوط نظام مباركك فى مرحلته الثالثة كان سببه سيطرة دولة الأفراد، التى سقطت بأشخاصها ومشروعاتها فى حالة عبثية مستمرة ستدفع ثمنها الأجيال المقبلة. ويناشد د. البنهاوى، الرئيس السيسى بسرعة تحديد جهة علمية واحدة محترمة تضم خبرات علمية، وطنية مشهود لها، لتوثيق تاريخ مصر، وجغرافيتها، تكون المرجعية الفصل فى هذا الشأن، بدلا من عشرات الجهات التى تتبرع - حسب أجندتها - بتوثيق جغرافية وتاريخ مصر، فتثير بتناقضاتها وأهوائها عشرات المشكلات إلى حد أن عموم الشعب المصرى، خصوصا بعد قرار وزارة التعليم، لم تعد تعرف الآن حدود مصر الجغرفاية. تحفظ من جانبه يوضح د. محمد صلاح، مسئول مكتبات بوزارة التربية والتعليم، أن هناك تعليمات مشددة بجمع والتحفظ على كل نسخ الأطلس المدرسى القديم، الذى تضم خرائطه جزيرتى تيران وصنافير من المكتبات، وتسليمها للمخازن تحت إشراف الموجه العام للمكتبات، وأن بعض المكتبات تسلمت بالفعل الأطلس الجديد، الذى تمت طباعته بصورة عاجلة، الذى جاء خاليا من الجزيرتين. فيما يقول فؤاد مرسى، باحث وكاتب: لقد فوجئنا نحن أولياء الأمور بحذف الجزيرتين من مناهج وزارة التربية والتعليم، متساءلا: لست أدرى ما الذى يدخل وزارة التربية والتعليم فى قضية خلافية كهذه ما زالت مطروحة أمام القضاء الإدارى، ولم يصدر بشأنها حكم نهائى، ولماذا تتبرع الوزارة بمواقف لن تجنى من ورائها سوى المزيد من افتقادها لمصداقيتها أمام المجتمع، خصوصا فى ظل تردى المنظومة التعليمية وعجزها عن الوفاء بشروط النهضة والتقدم المرجو لمصر. ويؤكد أنه ليس من العلمى أو المنطقى أن تعدل وزارة التربية والتعليم المناهج بما يتماشى مع الظرف السياسى أو الاقتصادى، أو حتى الاجتماعى، فالمعروف بالضرورة أن المناهج التعليمية فى المراحل الأولية تعنى بالثوابت والأسس، وتقدم للطلاب الركائز الأساسية للعلوم والمعارف، وأن الدول تظل لعقود طويلة تدرس ذات المناهج لأجيال متعاقبة، حتى تتساوى فى حقوقها المصرفية، وتنشأ على أرضية مشتركة، أما ما يحدث من تعديل سنوى فى المناهج المصرية، فلا عائد من ورائه سوى تكوين أجيال متباينة، لا تجمعها قاعدة مشتركة، وبالتالى يصبح اتفاقها على البديهيات والثوابت الوطنية أمرا مستحيلا، ونتحول جميعا إلى فرق متصارعة، يسعى كل منا لإثبات صحة ما تعلمه وعرفه أو تلقاه ونشأ عليه، والنتيجة مجتمع يعتقد كل فرد فيه أنه يملك الحقيقة، ولا يعرف لغة الحوار والاختلاف ولا يستمع فيه الواحد للآخر. مخالفة قانونية ويصف د. عادل عامر، أستاذ القانون بجامعة طنطا بأن قرار وزارة التعليم بحذف تيران وصنافير غير قانونى، لأنه ما دامت القضية متطورة أمام المحكمة الإدارية العليا، فهذا يغل يد الدولة بجميع أجهزتها التنفيذية عن أى تصرف، لحين صدور حكم نهائى، وهذا السلوك يمثل تغولا من السلطة التنفيذية ممثلة فى وزارة التعليم على السلطة القضائية. ويرى أنه يمكن رفع دعوى قضائية من أصحاب الشأن لإلغاء قرار وزير التربية والتعليم وإعادة الجزيرتين للخريطة لحين البت النهائى فى القضية. ويتساءل د. عامر: ماذا يفعل مستشارو الوزير القانونيين ليتركوه يقع فى هذا الخطأ الجسيم، مطالبا لجنة التعليم بالبرلمان سرعة تقديم طلب إحاطة لوزير التعليم، خصوصا أن هذا القرار يسىء بشدة إلى سمعة مصر دوليا باعتبارها دولة لا تخدم أحكام القضاء. ويشير المستشار رضا أبو حجى، الخبير القانونى ورئيس حزب مصر المستقبل أن هذا القرار غير حكيم، ويمنح الفرصة لفئات مناهضة للوطن لاستغلاله، ومؤكدا أنه كان يجب على الوزارة ترك الأمر والقرار للقيادة السياسية التى لديها الرؤية الأوسع للمصلحة العامة، وتقدير المواقف خصوصا أن جموع الشعب المصرى تثق فى أن الرئيس السيسى لن يسمح بالتفريط فى ذرة رمل واحدة، كما أن البرلمان المنوط به حسم القضية قام بتأجيل النظر فيه إلى دور الانعقاد الثانى، احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، لكن الوزارة بهذا القرار أحرجت النظام بلا مبرر قانونى، وظهرت بمظهر المتغول على أحكام القضاء. ويؤكد المستشار القانونى خالد حمدان حمادة، الخبير فى قضايا التعليم أن الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة، وأن قرار وزير التعليم مخالفة صريحة لحكم المحكمة الإدارية، ويعتبر ذلك طبقا لقانون العقوبات مادة 123 جنحة، يستوجب السجن 3 سنوات والعزل من الوظيفة. ويرى أن الوزير يجب أن يحاسب أيضا على إهدار المال العام بإنفاقه ملايين الجنيهات فى طباعة أطلس جديد إرضاء لأهوائه السياسية فى وقت تعانى فيه الدولة من أزمة الدولار، وارتفاع الديون العامة داخليا وخارجيا، وهو تصرف فضلا عن كونه غير قانونى، فهو مستفز لجموع الشعب الذى تطالبه الحكومة ليلا نهارا بالتقشف، وربط الحزام، بينما تهدر أحد وزرائها ملايين الجنيهات بلا مبرر قانونى. 29 يونيو 2016 .. الرئيس يتعهد باحترام أحكام القضاء فى قضية «تيران وصنافير» فى الوقت الذى فوجىء فيه الشعب المصرى بقيام وزير التربية والتعليم بحذف جزيرتى «تيران وصنافير»، من خرائط مصر بالأطلس المدرسى، والمناهج التعليمية، ضاربا عرض الحائط بأحكام القضاء، نجده يتجاوز حتى تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسى نفسه بأن «قضية تيران وصنافير» لن يحسمها إلا أحكام القضاء المصرى، وهى ملزمة للجميع.. وهو التعهد الذى أطلقه الرئيس خلال كلمته فى حفل إفطار «الأسرة المصرية الثانى» الذى أقيم فى التاسع والعشرين من يونيو 2016. حيث قال الرئيس:«لا تعليق على حكم المحكمة المتعلق بقضية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وأنا حريص على احترام دولة المؤسسات، ولا تعليق على أحكام القضاء وهى ملزمة للجميع. وأطالب الحكومة بمزيد من الإيضاح للناس لقضية تيران وصنافير، والإعلام عليه أن يقدم كل الوثائق والأسانيد التى استندت إليها المحكمة فى حكمها والوثيقة التى ترد على هذه الأسانيد. ولا يليق أن أحدا يفكر أننا ممكن نفرط فى أرضنا والموضوع حساس وكل التقدير للشعب المصرى لحرصه على أرضه».