عبد الرحيم رجب إن الله تعالى جعل هذه الدنيا دار ممرٍ لا مقر، هكذا أرادها ابتلاءً واختبارًا لعباده لينظر كيف يعملون، فمن حكمته تعالى أن جعلها متغيرة الأحوال مُتبدِّلة المراحل؛ فجعل بعد الحُزن السُّرور، وجعل بعد العُسر اليُسر، وجعل بعد المرض الصحة والعافية، فكيف لنا أن نحياها بدون صبر؟! فالصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن معصية الله تعالى؛ فهو إما حبس للنفس على فعل شيء أراده الله، أو حبس النفس عن فعل شيء نهى الله عنه، فهو ضرورة دنيوية، وفريضة شرعية. فالصبر هو زاد المسلم وسرُّ قوته وعتاده؛ والصبر نصف الإيمان، فمن قلَّ صبره قلَّ إيمانه، فالصبر سيد الأخلاق، وهو أساسها وعنوانها، أمر الله تعالى به المؤمنين، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا" آل عمران: 200، وأثنى على أهله، فقال: "وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" البقرة: 177، وأكَّد على محبتهم، فقال: "وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" آل عمران: 146، وأدخلهم معيته، فقال: "وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" الأنفال: 46، وهو خير عطاء كما أخبر -صلوات الله وسلامه عليه-: "ما أعطي عبد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". فالصبر عُدَّة المسلم لجهاد النفس، وهو عزاؤه وقت حلول الكروب ونزول البلايا، فلولاه لغرقنا في همومنا، ولضاقت صدورنا بأحزاننا، فالصبر طريق الفلاح وسبيل النجاح، فمن نجحوا في دنيانا إنما نجحوا بالصبر فهوَّن عليهم الصعاب، واستعذبوا به العذاب. هم والصبر.. قد ذكر المؤرخون لنا قصة عجيبة عن القائد "تيمورلنك"، وهو من قواد الجيوش الذين اشتهر عنهم القوة والبأس ورباطة الجأش، حيث ذكروا دخول "تيمورلنك" معركة من المعارك هو وجنوده، ومع بداية المعركة هُزِِم جيشه وتفرَّق عنه جنوده، فما كان من "تيمورلنك" إلا أن هام على وجهه حزينًا كسيرًا كئيبًا لهذه الهزيمة المُنكرة، ولكنه لم يرجع إلى بلده، بل ذهب إلى مغارة في إحدى الجبال وجلس فيها يتأمل حالته التي وصل إليها، وجيشه الذي تفرَّق عنه. وبينما هو مستغرق في تفكيره، إذ رأى نملة تُريد أن تصعد على حجر أملس لكنها تسقط، فتنطلق وتحاول للمرة الثانية وتسقط، وتحاول للمرة الثالثة وأيضًا تسقط، فالرابعة، فالخامسة، وهكذا، فشدَّت انتباهه وانقطع تفكيره عما هو فيه، وبدأ بالتركيز مع النملة، يعُدُّ محاولاتها للصعود، حتى وصلت إلى ستة عشر مرة تصعد وتسقط، ثم تبادر بالصعود من جديد، وفي المحاولة السابعة عشر نجحت النملة في الصعود!!. فقال "تيمورلنك": عجيب هذا الأمر، نملة تُكرِّر المحاولة سبعة عشر مرة ولا تيأس حتى تنجح!!، وأنا لأول مرّة أنهزم أنا وجيشي فأُصاب باليأس والإحباط!! فنزل من المغارة وقد صمَّم على أن يجمع فُلول جيشه، وأن يدخل المعركة مرَّةً أخرى، وألَّا ينهزم ما دام حيًّا، وكل هذا وصورة النملة لا تُفارق مخيلته وتعيش في رأسه. فجمع جنوده، وتعاهدوا على الثبات والصبر في المعركة، وألَّا ينهزموا أبدًا ما داموا أحياء، فدخلوا المعركة بهذه النية وهذا التوجه والتصميم فانتصروا، وليتنا نتعلم هذا الدرس العظيم من مخلوقٍ صغير، هو في حدِّ ذاته آيةً من آيات الله -عز وجل- في الصبر والتجلُّد والجديّة وقوة العزيمة؛ إنها النملة!!. كيف نكتسب الصبر؟ وما فوائده؟ من الأسباب المعينة على الصبر على البلاء:أن يعلم الإنسان أن ما أصابه مُقدّر عليه من الله تعالى.على الإنسان أن يحذر الجزع؛ فهو يزيد من مصابه. أن ينظر المبتلى لمن هو أشد منه بلاءً، فيرى ما هو فيه من نعمة. أن يعلم أن ابتلاء الله امتحان لصبره. بمعرفة المبتلى لجزيل ثواب الله له جزاء صبره. وأما عن فوائد الصبر فهي أكثر من أن تُعدّ وتحصى نذكر منها: من صبر فاز بمحبة الله ومحبة الناس.الصبر دليل على كمال الإيمان وحُسن الإسلام.الصبر يكون سببًا للفوز بالجنة والنجاة من النار.الصبر يُورِث الهداية في القلب.الصابر يُمكَّن له في الأرض ويُرفع شأنه.