فى اللحظة نفسها التى أعلنت فيها الولاياتالمتحدة عن بالغ أسفها لقيامها بضرب مواقع عسكرية سورية بطريق الخطأ، قامت باتهام روسيا بالسعى إلى إشعال الأمور من خلال عقد اجتماع طارئ بمجلس الأمن. وكانت روسيا قد دعت إلى عقد اجتماع طارئ فى وقت متأخر من ليلة السبت الماضى للحصول على تفسير أمريكى لهذا الخطأ الفادح الذى أسفر عن مقتل عشرات من الجنود السوريين والذى وصفته الولاياتالمتحدة بأنه لم يكن مقصودا معلنة أسفها على هذه الخسائر فى الأرواح. ويبدو أن الولاياتالمتحدة أرادت أن تغطى على هذه الكارثة الإنسانية، فإذا بها تلقى بالانتقادات الحادة ضد موسكو التى طلبت عقد الاجتماع الطارئ متحدثة عن الأخلاقيات والتنظيم، مشيرة إلى أن النظام السورى نفسه تعمد فى مرات عديدة ضرب أهداف مدنية بشكل منتظم وفى الوقت نفسه لم تنتفض روسيا ولم تفعل شيئا حيال ذلك، بل إنها لم تفزع ولم تطلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن مثلما فعلت أخيرا، برغم أن بشار الأسد على حد تعبير الولاياتالمتحدة طالما استخدم الأسلحة الكيماوية وعذب آلاف السجناء، وبالتالى فإن طلب روسيا اجتماع مجلس الأمن الأسبوع الماضى لم يكن إلا محاولة لإبعاد الأنظار عما يحدث على أرض الواقع فى سوريا، ما حدا بالسفير الروسى فيتالى تشوركين إلى اتهام واشنطن بانتهاك اتفاق عدم استهداف المواقع السورية، معتبرا أن هذا الحادث نذير شؤم حيال الحفاظ على اتفاق أمريكى روسى فى سوريا. التوترات الروسية الأمريكية تهدد بدورها الهدنة فى سوريا على حد تعبير مجلة فرانس انفو، والتى تساءلت بدورها عن امكانية استمرار هذه الهدنة بعد قيام التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة بضرب الجيش السورى وأوقع ما لا يقل عن 90 جنديا سوريا ما جعل أصوات إطلاق النار تسمع هنا وهناك مرة أخرى، بينما يحاصر الجوع سكان حلب التى لا تزال تنتظر المساعدات الإنسانية فيما لا تزال الحدود مغلقة مع تركيا. المجلة فى البداية طرحت ثلاثة أسئلة فى محاولة لفهم ما حدث فى اليوم الخامس لهذه الهدنة التى وصفتها المجلة الفرنسية بأنها هدنة هشة، السؤال الأول كان عن الذى حدث بالضبط والإجابة أنه وفقا للجيش السورى فإن طائرات التحالف الأمريكية قصفت أهدافا للجيش السورى بالقرب من مطار دير الزور شرق سوريا والتى تسيطر عليها داعش باستثناء المطار الحربى وبعض المناطق العسكرية المجاورة، موقعة بذلك نحو 90 جنديا سوريا، وذلك فى تمام الساعة الخامسة بالتوقيت المحلى لسوريا من يوم السبت 17 سبتمبر، أما السؤال الثانى فكان عن التبريرات التى قدمتها الولاياتالمتحدة حيال ما اقترفته والإجابة أن الولاياتالمتحدة قالت إنها تصورت أنها تقصف مواقع لداعش، وذلك وفق ما أظهرته صور الأقمار الصناعية لديها قبل القصف، وأنها أنهت المسألة فور إبلاغ روسيا لها بأنها تقصف مواقع عسكرية سورية وأنها لم تقصد أبدا قصف مواقع عسكرية سورية كما تزعم موسكو. السؤال الثالث كان عن رد فعل روسيا إزاء ما حدث والإجابة أن موسكو طلبت على الفور عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمطالبة واشنطن بتقديم تفسيرات وافية ومفصلة لما حدث، كما طالبت دمشق مجلس الأمن بدورها بأن يدين العدوان الأمريكى والقوات الأمريكية واحترام السيادة السورية. من كل ما سبق نكتشف وفق ما تؤكده المجلة الفرنسية أن هناك خمسة أسباب لعدم احترام الهدنة فى سوريا حتى لو لم تقم الولاياتالمتحدة بضرب الجنود السوريين حتى لو كان على سبيل الخطأ كما تزعم. فرغم دخول الخطة حيز التنفيذ منذ مساء يوم الاثنين قبل الماضي، فإنها تواجه الكثير من العقبات، حيث إنها جاءت بعد عشرة أشهر من المحاولات الفاشلة للتوصل إلى هدنة فى دولة اشتعلت فيها الحرب منذ قرابة الخمس سنوات لدرجة أن الوضع أصبح معقدا جدا، وفى هذا السياق وافقت على الخطة فى جنيف بين الولاياتالمتحدةوروسيا للحد من العنف، ولكنه برغم ذلك يظل اتفاقا هشا. وفى الوقت الذى رفضت فيه عدة جماعات متمردة سورية الالتزام بالاتفاقية التى دخلت بالفعل حيز التنفيذ فإن المجلة الفرنسية أوردت خمسة أسباب لفشل الاتفاقية واستمرار الاشتباكات فى سوريا. 1 – الخطة معقدة وتتضمن عدة خطوات وبرغم موافقة دمشق عليها فإن هناك عدة جماعات إسلامية معارضة انتقدت الفكرة برمتها بل وطالبت بوضع ضمانات لهذه الخطة، وقد أورد موقع فوكس الأمريكى مراحل الخطة الأربع وهى وقف إطلاق النار والفصل بين الوطنيين وأعداء الوطن أى إقناع المتمردين بالانفصال والابتعاد عن حلفائهم الإرهابيين ثم شن هجوم روسى أمريكى على الجماعات المتشددة قبل الحصول على اتفاق سلام بين الأسد والمتمردين. تحديدا يجب على الروس أن يأخذوا من الأسد تأكيدا بتثبيت طائراته على الأرض وعدم قيامها بأيه أعمال قتالية وفى المقابل، فإن الأمريكيين سيطالبون المتمردين بقطع علاقاتهم بالجماعات المتشددة، إذ يجب على الأمريكان والروس أن ينشئوا مركز قيادة مشتركاً لتوجيه ضربات ضد قوات جماعة داعش وأيضا ضد جبهة النصرة والتى كانت تابعة لتنظيم القاعدة. 2 – كان من الواضح أن هذه الهدنة التى كانت تهدف إلى وقف تصعيد العنف، تثير الشكوك خصوصا فى ظل فشل كل الهدنات السابقة والتى كان أولها اتفاق روسى أمريكى لوقف العنف فى فبراير الماضى ولكنه سرعان ما انهار بعد الانتهاكات المتكررة من مختلف الأطراف المتحاربة، وعلاوة على ذلك فإن الإعلان عن هذه الهدنة لم يكن ليقلل من العنف قبل أن يكون سارى المفعول، وتقول صحيفة لوموند إنه فى وقت سابق من العام الحالى دخل اتفاق لوقف إطلاق النار فى حيز التنفيذ وكان ذلك فى 11 فبراير برعاية موسكووواشنطن، ولكن تم ضبط عمليات قصف روسية وسورية على حلب. ويجب ألا ننسى على حد قول المجلة إن الأسد لا يريد بذل جهود كبيرة فى سبيل تنفيذ هذه الهدنة إذ أنه قد صرح قبلها مباشرة، أنه يريد استعادة كل الأراضى التى تقع خارج سيطرة النظام، مؤكدا أن القوات المسلحة السورية تواصل عملها دون تردد وبغض النظر عن العوامل الداخلية والخارجية. 3 – خشية الولاياتالمتحدة من قيام روسيا بلعبة مزدوجة، فقد نشرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية فى تقرير لها أن روسيا تبدو مثل الفائز الأكبر فى هذه اللعبة الدبلوماسية التى جرت فى جنيف، وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى لو لم يتم ذكر مصير بشار الأسد، فالواقع أن الأمريكيين طلبوا من الروس الضغط على النظام السورى لكى يبقى طائراته على الأرض ما يعنى اعترافا بأهمية دوره فى حل القضية فى الوقت الذى يطالب فيه الثوار برأسه. وعلاوة على ذلك فإن وزارة الدفاع الأمريكية تخشى من أن الروس ومعظمهم يقبع فى مركز القيادة التى من شأنها جمع المعلومات الحساسة، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، وبالتالى فإنهم سيستخدمون هذه البيانات لمعرفة كيفية تحديد الأمريكيين لأهدافهم ومهاجمتها ووفقا لصحيفة الجارديان فإن البنتاجون وجزءا من الخارجية الأمريكية يشكون فى نيات روسيا للسيطرة على جيش الجو السورى، وقد غذت روسيا هذه الشكوك بعدما استغلت فترة المفاوضات للترتيب للهدنة وقامت بمساعدة دمشق فى فرض حصار على المناطق المتمردة فى حلب. 4 – اعتبرت المجلة أن غياب إيران هو عقبة أخرى، فإيران لم تحضر مناقشة خطة الهدنة والاتفاق لم يذكر وجود الميليشيات الشيعية الأجنبية مثل حزب الله، ولكن طهران ضالعة بشكل عميق بجوار بشار الأسد ولكنها لا تسعى بالضرورة لتحقيق الأهداف ذاتها التى تسعى إليها كل من سورياوموسكو. فطموحات الكرملين لتخفيف دعم إيران للأسد قد تم كبتها أكثر من مرة على يد طهران وفق ما ذكرته جريدة لوفيجارو، والتى أكدت ترحيب إيران باتفاق وقف إطلاق النار وبالمثل حزب الله ذراعها الحربية اللبنانية. 5 – المتمردون لا يثقون كثيرا فى الولاياتالمتحدة، إذ يجب على الولاياتالمتحدة أن تقنع الجماعات المتمردة والتى تصف نفسها بأنها معتدلة بأن تنفصل نهائيا عن جبهة فتح الشام "جبهة آل النصرة سابقا" وهو حليف محنك وله ثقله كما أنه منظم تنظيما جيدا وتمكن من كسر حصار حلب قبل ذلك، ولكن كيف يثق المتمردون فى واشنطن؟ فعندما استخدم النظام السورى الأسلحة الكيماوية والتى عبرت الخط الأحمر الذى حدده أوباما لم يحرك هذا الأخير ساكنا، ما جعل المعارضة المسلحة تشعر بالخيانة وتقترب بشكل أكبر من الجماعات الإرهابية القوية. واليوم يقول تشارلز ليستر المتخصص فى الحركات الجهادية فى صحيفة الجارديان إنه تحدث مع عشرات القادة من الفصائل المسلحة ولم يجد لدى أى أحد منهم أدنى استعداد للانسحاب من الخطوط الأمامية، حيث توجد جبهة النصرة، فالبنسبة لهم، فإن أى انسحاب من الأرض معناه التنازل عنها لمصلحة النظام لأنهم لا يثقون نهائيا فى إمكانية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار لفترة طويلة، ومع ذلك فإن المعارضة المسلحة فى سوريا تواجه ما يمكن تسميته أكبر وأهم قرارتها منذ أن اختارت حمل السلاح ضد بشار الأسد فى 2011.