البابا تواضروس الثاني يهنئ الناجحين في الشهادة الإعدادية    جيش الاحتلال: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية    الكوكي يسافر إلى تونس للإعداد لمعسكر المصري    هشام زعزوع يشارك في مناقشة بحث علمي حول التحول الرقمي في القطاع السياحي    لجنة قطاع الآداب بالأعلى للجامعات تتفقد المعهد الأفروآسيوي بالقناة (صور)    نائب رئيس حزب المؤتمر: «مدينة الخيام» مشروع صهيوني مرفوض    أسعار نيسان باترول تقفز إلى 14 مليون جنيه وتثير دهشة المستهلكين    بايرن ميونخ يفشل في محاولة ثانية لضم جوهرة شتوتجارت    زد يرحب بانتقال محمد إسماعيل للزمالك    لامين يامال يتسلم رقمه المفضل في برشلونة    القبض على طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الجيزة    مصرع سيدة بطلق ناري في قرية الحجيرات بقنا.. والقبض على شقيقها    بعد الجدل حول جرأة عروضها، بلاك بينك تتألق في لوس أنجلوس    «ولاد الأبالسة».. سلوى عثمان تتعاقد على عمل درامي جديد    «بطة».. أحمد سعد يطرح آخر أغنيات ألبومه بيستهبل (فيديو)    "اكتشف موهبتك" محاضرة بثقافة الفيوم.. صور    كيف نواجة الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    أدوات النجاة للموازنة بين الضغط والصحة النفسية على هامش معرض مكتبة الإسكندرية    رئيس جامعة المنيا يبحث مع نائب وزير الصحة سبل التعاون لتنفيذ مبادرة ألف يوم ذهبية    مدبولي: الدولة تتبنى فلسفة جديدة في تصميم الطرق| خاص    كيفن هاسيت.. كل ما تريد معرفته عن المرشح الأقرب لرئاسة الفيدرالي بعد باول.. وهذه تفاصيل هجوم ترامب.. كريستوفر والر الحصان الأسود.. والرئيس الأمريكي يشيد بأداء وزير الخزانة    حامد حمدان يثير الجدل برسالة غامضة (صورة)    غلق باب الطعون في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء.. وإعلان النتيجة 20 يوليو    طعام يسبب جلطات القلب والدماغ.. ابتعد عنه قبل فوات الأوان    التصريح بدفن خامس ضحايا واقعة وفاة الأشقاء بقرية دلجا في المنيا    "أنا محبوس هستلم إعلانات المحكمة ازاي".. ماذا قال إبراهيم سعيد في اتهامه لطليقته بالتزوير؟    وزير البترول يقود جولة لكبار الضيوف للمتحف المصري الكبير    شيخ الأزهر يستقبل سفراء مصر الجدد ب 22 دولة قبل بداية مهام عملهم    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة القاهرة والحد الأدنى للقبول    المرشد الإيراني: قادرون على ضرب خصومنا بقوة أكبر مما حدث في حرب إسرائيل    ميدو عادل وأبطال مسرحية حب من طرف حامد يواصلون بروفات المسرحية و الإفتتاح شهر أغسطس على السامر    الشركة المتحدة: عدم تجديد التعاقد مع لميس الحديدي لفترة مقبلة    النائب أحمد سمير زكريا: مصر تقود صوت العقل في وجه العدوان الإسرائيلي وتحمي الإرادة العربية    كيف اتعامل مع جار السوء؟.. مصطفى عبد السلام يجيب    السد العالي جاهز لاستقبال الفيضان.. خبير يكشف سيناريوهات جديدة بشأن سد النهضة    تنفيذ 50 ألف حكم قضائي وضبط 300 قضية مخدرات خلال يوم واحد    زراعة شمال سيناء تتابع المرور على محال المبيدات والأسمدة في العريش    جامعة بنها تنظم أول مدرسة صيفية أونلاين بالتعاون مع ووهان الصينية    تشييع جثمان ميمي عبد الرازق مساء اليوم من مسجد الكبير المتعال ببورسعيد    «الأوقاف» تُنظم ندوات ب 1544 مسجدًا بالتعاون مع الأزهر الشريف    «أوقاف السويس» تنظّم ندوة في ثالث أيام الأسبوع الثقافي    رئيس جامعة أسيوط: المدن الجامعية تمثل عنصرًا أساسيًا في منظومة التعليم الجامعي    مفاجأة عاطفية.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من يوليو 2025    بين الحب والاتباع والبدعة.. ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 2025؟    شاهده مليون شخص.. تعرف على تفاصيل أحدث أفلام كريم عبدالعزيز في السينمات    كنوز| ذكرى «أمنحتب» القرن العشرين صاحب موسوعة الحضارة المصرية    غرفتا مطروح والأقصر تناقشان تعزيز التبادل التجاري ودعم المشروعات المحلية    «علاج طبيعي القاهرة» تطلق غدًا مؤتمرها الدولي حول جودة الحياة والذكاء الاصطناعي    مصرع سائق وإصابة ابنته فى حادث تصادم سياريتين على طريق "الغردقة - غارب"    رئيس الوزراء يوجه بالتعاون مع الدول الإفريقية فى تنفيذ مشروعات لتحقيق المصالح المشتركة    تحرير 531 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 787 رخصة خلال 24 ساعة    بعد 12 عامًا.. خلفان مبارك يغادر الجزيرة الإماراتي    بتوجيهات السيسي.. وزير الخارجية يكثف الاتصالات لخفض التصعيد في المنطقة    رئيس قطاع الصحة بالقاهرة يجتمع لمتابعة فعاليات حملة 100 يوم صحة    الجيش الإسرائيلي يبدأ شق محور جديد داخل خان يونس    الفضة بديلا للذهب.. خيار استثماري وفرص آمنة للادخار    مفاجأة منتظرة من ممدوح عباس وجون إدوارد ل جماهير الزمالك.. خالد الغندور يكشف    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاشية الرئيس (3)
نشر في الأهرام العربي يوم 23 - 06 - 2012

لأننا عشنا عقودا طويلة فى مجتمع مغلق، بمعنى أنه مجتمع يفتقد أجواء المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص والاحتكام لأصحاب الكفاءة والخبرة، لا أصحاب الثقة فى تولى المناصب العامة ذات التأثير فى مختلف مجالات الحياة، فقد انتشر مصطلح «الشلة» كإحدى آليات إدارة الحكم وصناعة القرار، ويقصد به تلك المجموعة قليلة العدد اللصيقة بصاحب القرار نتيجة ارتباطات شخصية محضة كالزمالة فى الدراسة أو العمل أو النادى، أو الشراكة فى مشروع ما أو القرابة الاجتماعية أو الانحياز الطبقى السافر..
وكان ذلك من علامات التخلف الصارخة المناهضة للتحديث والحياة المدنية الصحيحة، حيث الاحتكام فقط للقانون والمساواة بين الجميع و الكفاءة على مستوى القدرات المؤهلة لقيادة العمل الوطنى. وحيث تعطلت كثيرا أسباب التحول من التخلف إلى النهضة أو التحديث، ومن أبرزها تفعيل الديمقراطية قولا وفعلا، فقد جرت العادة على اللجوء إلى آلية «الشلة» كأداة فى يد صانع القرار لإدارة العمل الوطنى فى هذا المجال أو ذاك. وظل مقياس النجاح أو الفشل منوطا بنوعية هذه الشلة، إذا حسنت تحقق قدر من النجاح، وإذا فسدت كان الفشل. وكثيرا ما سمعنا وأدركنا أن «الشلة» هى الآلية الحقيقية لإدارة الحكم فى فترات زمنية مختلفة خلال عصور كل من عبدالناصر والسادات ومبارك، بما رسخ الانطباع بأنها قدر مكتوب على هذه الأمة طالما هى غير جاهزة للحياة الديمقراطية السليمة.
ولا يخفى أن البلاد شهدت إنجازات وفق هذه الآلية، وكان القول الشائع فى كل مرة إنه ما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق إلا بوجود الشلة المرتبطة بتحقيقها، بما أشاع تصوراً مؤداه أن آلية الشلة فى حد ذاتها ليست عيبا أو انحرافا عن متطلبات تحقيق النهضة، فالأمر يتوقف على نوعية أعضائها وقوة تلاحمهم مع القيادة فى العمل على إنجاح أهداف هذه المرحلة أو تلك من مراحل العمل الوطنى. وكان هذا واضحا إلى حد كبير فى أداء مؤسستين بالغتى الأهمية، هما مؤسسة الرئاسة والحكومة أو السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء). ففيما يتعلق بمؤسسة الرئاسة عرفنا ما يسمى بمراكز القوى، حيث اعتمد عبدالناصر على شلة بعينها من المقربين إليه، وثق فيهم لأسباب مختلفة شخصية فى مجملها وليست موضوعية، منها مجموعة عبدالحكيم عامر فى وقت من الأوقات، ومجموعة على صبرى فى وقت آخر، ومجموعة عثمان أحمد عثمان فى عصر السادات، ومجموعة صفوت الشريف وزكريا عزمى فى عصر مبارك. وكانت مهمة هؤلاء ضمان السيطرة السياسية والأمنية للرئيس على مقاليد الأمور فى البلاد. وفيما يتعلق بمؤسسة مجلس الوزراء فكثيرا ما كان رئيس الوزراء فى أى عصر من العصور الثلاثة يأتى بأصدقائه ومعارفه إلى تشكيل الوزارة فى القطاعات غير السيادية بالطبع. وكانت مهمة هؤلاء هى تنفيذ سياسات بعينها تسعى إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعى والتقدم الاقتصادى، أو بالأحرى حسن إدارة دولاب الحكم فى البلاد. ومع أن الرؤساء الثلاثة استعانوا بشخصيات مهمة، وعلى درجة عالية من الكفاء فى شئون السلطة التنفيذية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، القيسونى فى عصر عبدالناصر، وممدوح سالم وفؤاد محيى الدين فى عصر السادات، وعاطف صدقى فى عصر مبارك، فإن هؤلاء اعتمدوا نفس الآلية، أى تشكيل حكومات من شخصيات يصدق عليها وصف «الشلة»، وتجلت مهارة أى منهم فى ضم عناصر تتسم بقدر من الكفاءة وفى نفس الوقت ينطبق عليها معيار الشلة وفلسفتها، أى توافر الثقة.
إلا أن التجربة التاريخية أكدت بكل وضوح أنه برغم ما يمكن أن يطلق من تبريرات للاعتماد على هذه الآلية، وأوجه الدفاع عن صحتها لإدارة شئون الحكم، فإن أخطاءها وسلبياتها كانت شديدة الوضوح أيضا، وقاد الاعتماد عليها إلى كوارث سياسية لا يمكن إنكارها، كما تقول لنا التجربة التاريخية بوضوح: إن العصور الثلاثة شهدت تحركات مضادة من قمة الحكم للسيطرة على الشلة وتصحيح مسارها، لكنها كلها أيضا لم تكن موفقة، فكانت النتيجة العامة هى، أن الحكم أصبح ساحة للصراع فى أعلاه وفاقدا للشرعية فى قواعده. لقد قادت مجموعة عبدالحكيم عامر البلاد إلى هزيمة 1967، فأطاح بها عبدالناصر وجاء بمجموعة جديدة لم يسترح لها السادات فيما بعد وأطاح بها أيضا. واستشعر عبدالناصر القلق من مراكز القوى السياسية التى أحاطت به خلال الستينيات، فأقام التنظيم الطليعى (تنظيم سرى) لكبح جماح هذه القوى، وبدوره أصبح هذا التنظيم عبئا على النظام، واضطر السادات إلى الثورة عليه فيما يعرف بثورة 15 مايو 1971. وأدرك مبارك فى بداية عصره خطر الشلة ومراكز القوى فسعى إلى تخليص قمة الحكم منها بأن يكون هو وحدة صاحب القرار، ولكن طول استمراره فى الحكم وترهل حكمه فتحا الباب واسعا أمام أسوأ أنواع الشلل التى عرفها النظام السياسى المصرى، أدارها بخبث شديد كل من صفوت الشريف وزكريا عزمى، ومن التف حول كل منهما، إلى أن أنشأ جمال مبارك شلته منذ عام 2002، تحت ما يسمى بالفكر الجديد، فكانت هذه الشلة الوباء الذى أتى على مبارك وعصره تماما..
ولأن السمكة تفسد من رأسها، فإن الوطن المصرى فسد بدوره نتيجة سيطرة مفهوم الشلة على الحكم والصراع الذى دب بين تكويناتها وأعضائها المختلفين، فمن المنطقى أن تفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، طالما أن رأس الحكم أصبح فاسدا نتيجة اعتمادها لهذه الآلية لإدارة العمل الوطنى، ودلالة ذلك أن «الشلة» لم تعد محصورة (قبل ثورة 25 يناير) فى أهل الحكم بل امتدت لتنتشر فى أوساط العمل الوطنى الأخرى، حيث وجدناها فى النوادى والجمعيات والأحزاب والجهاز الإدارى للدولة، وصولا إلى الإعلام مقروءا كان أم مسموعا. ومن المنطقى أن يتصارع المواطنون مع بعضهم بعضا فى أى قطاع من هذه القطاعات طالما أن المبدأ السائد هو «حكم الشلة»، فمثلما هناك من يلتفون حول القيادة أيا يكن مستواها لتحقيق مصالحهم الذاتية، هناك آخرون يتوعدونهم بالانتقام ويبحثون عن كل الوسائل لاحتلال نفس المواقع، فإما تنحصر المواجهة بين الجميع ضد الجميع فى الشكل الصريح والسافر للصراع، أو تستتر وتصبح مقاومة سلبية وهى السمة التى كانت غالبة إلى حد كبير على العلاقة بين القوى المتنافسة فى المجتمع فى أى مجال من مجالات العمل الوطنى خصوصا فى ظل الخوف من بطش الأجهزة الأمنية والسياسية الحاكمة. وفى ظل هذه الحالة لا ينتظر خير من المجتمع ككل، بل الانقسام والصراع والتشتت والسلبية فتكون النتيجة هى المزيد من التخلف والعودة إلى الوراء وهو ما حدث عمليا طوال السنوات العشر تقريبا التى اتضح فيها بجلاء فساد رأس الحكم. وكان من المنتظر أن تؤدى ثورة 25 يناير إلى وضع نهاية لهذا الوباء المسمى بالشلة لكنها لم تتمكن تماما من هذا الهدف نظرا لحداثة العهد بها واحتياجها إلى وقت طويل لتغيير بنية النظام السياسى بأكملها، أو لشدة تعقيد هذه الظاهرة وتجذرها فى المجتمع والحاجة إلى ثورة ثقافية تطهر العقول والنفوس منها، وتلك مهمة تالية للثورة تأتى بعد أولوياتها السياسية المباشرة. وبرغم ذلك فإن الشواهد تؤكد أن البلاد لن تعود إلى الوراء، حيث هناك تأكيدات من مختلف القوى السياسية بعد الثورة على ترسيخ مفهوم دولة المؤسسات من أعلى قمة هرم السلطة إلى القاعدة، والأهم هناك وعى شعبى قوى يتصاعد يوما بعد الآخر بالعمل على القطيعة التامة مع ميراث الماضى الفاسد الذى من أبرز معالمه الشلة أو بطانة السوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.