الملك فاروق.. دعم الحفاه بمبلغ 2000 جنيه ورئيس الوزراء يعتمد القرار ويقضى بشراء 60 ألف حذاء للمصريين الحفاه
عبد الناصر.. تبنت الحكومة برنامج «رفاة» لتقديم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ودعم السلع الغذائية والإسكان
السادات.. كان في عهده العصر الذهبي للدعم وبلغت قيمته فى عام 1970 نحو 20 مليون جنيه وشمل 18 سلعة إضافة إلى دعم الكهرباء والنقل الداخلى
مبارك.. حكوماته رأت أن الدعم سبب عجز الموازنة فقلصت عدد المستفيدين وعدد السلع إلى 4 سلع فقط هى العيش والدقيق والسكر والزيت
السيسى.. خفضت الحكومة 28.8 مليار جنيه من دعم البترول والكهرباء ورفعت دعم السلع التموينية بمقدار 3.4 مليار جنيه، ليصل ل 41.1 مليار جنيه
منذ زمن ليس بالقريب، يحلم المواطن المصرى البسيط بحكومة ترفع عنه كاهل الحياة وتمسح عن وجهه غبار الأعباء المعيشية الصعبة، ويحلم بالعيش الكريم والحد الأدنى من الحياة الاجتماعية، من خلال توفير السلع والمنتجات بما يتناسب مع إمكاناته المالية وتوفير المأكل والمشرب الذى يعد صاحب الأهمية الأولى للمواطنين، ومنذ العصر الملكى وبالتحديد بعد الحرب العالمية الأولى بدأ يظهر دعم السلع والمنتجات، وذلك بعد ارتفاع الأسعار الناتج عن هذه الحرب، واتجهت الحكومة المصرية آنذاك بتقديم الدعم للمواطنين من خلال استيراد كميات كبيرة من القمح والدقيق من أستراليا، وبيعه فى منافذ حكومية بأسعار مخفضة.فى السطور التالية نرصد تاريخ ظهور الدعم فى مصر وتطوره من عهد الملكية حتى وقتنا الحالى. مع بداية الحرب العالمية الثانية سنه (1939 – 1945) وكانت مصر قد حذت حذو معظم الدول الأوروبية المتحاربة فى السير بمبدأ إيجاد الدعم لمعظم السلع والخدمات، واتجهت الحكومة إلى تطبيق برنامج لدعم جميع المواطنين، كإجراء مؤقت لتخفيف حدة الآثار السلبية للحرب على مستوى المعيشة وقامت بتوفير بعض السلع والاحتياجات الأساسية مثل السكر، والكيروسين، وزيت الطعام، والشاى بنظام الحصص، وذلك باستخدام نظام البطاقة التموينية لتوزيع المواد على المستهلكين شهريا وبمقدار محدد للشخص الواحد فى الأسرة.
إنشاء وزارة التموين وجاء إنشاء وزارة التموين والتجارة الداخلية لتحقيق الأمن الغذائى لمصر، وكان وقت إنشائها ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وتطور دورها من التوزيع والإنتاج إلى الدور الرقابى، وتهدف إلى مراعاة محدودى ومعدومى الدخل، ورفع مستوى معيشتهم وتحسين مستوى الخدمات التى تقدم لهم وإعادة هيكلة الدعم لضمان وصوله لمستحقيه وربطه بمؤشرات التنمية البشرية وكانت ميزانية مصر فى عام 1948/1949 قد تضمنت بندا يسمى «إعانة غلاء» وهى شق ضمن مجموعة «المصروفات» داخل ميزانية الدولة، ويشير إلى وجود اهتمام واضح بالطبقة الفقيرة وغير القادرين، وكان من أولويات الدولة، والذى وصل إلى 11 مليون جنيه وقتها.
الدعم فى عهد الملك وقبلها جاء الدعم فى شكل آخر، حيث اعتزم الملك فاروق فى عام 1941، التصدى لمشكلة الحفاء التى يعانى منها الملايين من أبناء الشعب المصري، بمبلغ 2000 جنيه ، واعتمد رئيس الوزراء قرارا يقضى بشراء 60 ألف حذاء للمصريين الحفاه، وتشكلت لجنة مركزية حكومية من كبار رجال الدولة لتدشين مشروع مكافحة الحفاء الذى كان منتشرا بين أبناء الطبقات الفقيرة فى المجتمع.
بعد ثورة 23 يوليو لم تتخل الحكومة المصرية التى جاءت بعد ثورة 23 يوليو 1952 عن الدعم المقدم للمواطنين، بل قامت بتطبيق سياسية الإصلاح الزراعى وتبنت الحكومة «برنامج رفاة» حيث تتحمل الحكومة المسئولية عن تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين من صحة وتعليم، كما شمل البرنامج نظاما لدعم أسعار للسلع الغذائية الأساسية، والإسكان وغيرها، وكان الهدف هو توسيع نطاق الاستفادة ليشمل جميع الفئات الاجتماعية ولمواجهة الزيادة السكانية ونمو المدن وقام الرئيس جمال عبد الناصر بتبنى الفكر الاشتراكى وقضايا الفقراء، حيث ذكر الدكتور أحمد السيد النجار، الخبير الاقتصادى فى إحدى دراساته، أن عبد الناصر انحاز للفقراء والمهمشين، فاهتم بقضايا العدالة الاجتماعية وتحسين جودة الحياة، ووصل الحد الأدنى للعامل إلى 18 قرشًا لليوم الواحد، بما يعادل نحو 5 جنيهات شهريًا، وكان يكفى لشراء ما يعادل 34 كيلو جرامًا من اللحم، كما اهتم عبد الناصر بنظام التموين والدعم للسلع الأساسية، فعمل على زيادة سلة السلع التى يتضمنها التموين، وكان سعر عبوة الزيت (300 جرام) يعادل 3 قروش فى بداية ولايته، و10 قروش لكيلو السكر، و4 قروش ل «باكو الشاي»، وبموازنة متوسط الأسعار «التموينية» مع الحد الأدنى، نجد أن نصف الدخل اليومى للعامل يفى بالكاد بكلفة «باكو شاي» و»نصف كيلو سكر»، وبعد حرب 1967 ارتفعت الأسعار، كما أنها شحت من الأسواق وقامت الحكومة، بإصدار البطاقات التموينية لعدد محدود من السلع، لم يكن الهدف فى البداية من النظام المقدم دعم أسعار السلع، بل توفير السلع الأساسية للمواطنين كإجراء لمواجهة النقص فى هذه السلع، وكان برنامج الدعم يشمل عددا من السلع الأساسية مثل القمح، والسكر، الأرز، زيت الطعام، الصابون، والكيروسين، وبعض المنتجات القطنية .
السادات.. العصر الذهبي للدعم شهد بداية السبعينيات مع نهاية فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وبداية فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات تغيرا كبيرا، حيث بلغت قيمة الدعم فى عام 1970 حوالى 20 مليون جنيه، وشمل الدعم عددا أكبر من السلع بلغت 18 صنفا منها الفول، والعدس، والأسماك والدجاج واللحوم المجمدة، إضافة إلى ذلك شمل الدعم الكهرباء، وخدمات النقل الداخلي، والبنزين، واستهدف جميع المواطنين وليس محدودى الدخل أو الفقراء فقط، خصوصا خلال فترة حرب أكتوبر 1973 والتى تم خلالها إغلاق قناة السويس منذ عام 1967 وحتى 1974 وهى مرحلة عصيبة مرت بها مصر، لكن اتجاه السادات لتبنى سياسة الانفتاح وتغيير التوجه المالى للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية والاقتصاد الحر تم رفع الأسعار، وفى يناير 1977 زادت الأسعار على عدد من السلع (مثل العيش الفينو، الدقيق، والسكر، والأرز والشاى) كجزء من الاتفاقات مع صندوق النقد الدولى فى 1976 ،لتخفيض الدعم، وذلك لتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية واندلعت بسببها انتفاضة الجياع، شملت محافظات عديدة فى مصر معبرة عن غضب شعبى عارم، تجاه تخلى الدولة عن وعودها بتحقيق الرخاء للمواطنين، من خلال تطبيق سياسة الانفتاح، ولم تتوقف الانتفاضة حتى تراجعت الحكومة عن قرارها وأعيدت الأسعار إلى ما كانت عليه فى السابق، بل إن السادات قام بعدها بتوسيع نظام الدعم وتوسيع توزيع الدقيق من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية.
فى عصر مبارك.. تراجع الدعم بعد الدرس المستفاد من انتفاضة الجياع فى عصر السادات، قام حسنى مبارك بتطبيق برنامج طويل المدى لخفض الدعم تدريجيا، حيث تبنت الحكومة برنامج سمى «بإصلاح نظام دعم السلع الغذائية»، وذلك لأن الحكومة كانت ترى أن حجم الدعم هو السبب الرئيسى فى عجز الموازنة العامة، حيث تم تخفيض تدريجي لعدد السلع الغذائية المدعمة ، بعد أن كان نظام الدعم فى عام 1980 يغطى نحو 20 صنفا، فى الفترة ما بين 1990/ 1992 تم إزالة الدعم عن السمك والدجاج واللحوم المجمدة والشاي، والأرز، وبعام 1996/ 1997 كان هناك أربعة أصناف فقط مدعمة وهى العيش البلدي، والدقيق البلدي، والسكر، وزيت الطعام، كما قلصت الحكومة عدد الأشخاص الذين يملكون بطاقات التموين والمستحقين للدعم الغذائى، وفى عام 1989 توقفت الحكومة عن تسجيل المواليد الجدد فى نظام الدعم وفى عام 1992 رفعت الحكومة الدعم عن العيش ذى الجودة المرتفعة ثم أتبعت ذلك برفع الدعم عن العيش الشامى، كما تم إنقاص وزن الرغيف من 150 إلى 130 جراما، وكذلك بتصنيف درجات جودة مختلفة للعيش وبالتالى إتاحة الفرصة للسوق لإنتاج وبيع عيش ذى جودة أعلى وبسعر أغلى للأسر الأغنى، بينما يبقى العيش الأقل جودة للفقراء. وبحلول عام 2000 شمل دعم المواد الغذائية وحدها نحو 6 % من إجمالى نفقات الحكومة، وفى الفترة من 2002 إلى 2005 كان إجمالى دعم المواد الغذائية والوقود 7 % من الإنفاق العام، ثم قفز فجأة فى 2006 إلى 26 %، وفى 2008 ارتفع إلى 2 8% كرد فعل على الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم عاد مرة أخرى إلى 26 % فى 2010، ثم ارتفع مجددا إلى 32 % فى عام 2011. وأعلن وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى صراحة، أن مصر ستخفض إنفاقها على الدعم - الذى يمثل أكثر من ربع الإنفاق الإجمالى – فى موازنة 2010-2011 لخفض عجز الموازنة .
الدعم بعد ثورة 25 يناير قامت ثورة شعبية نتيجة الظلم الاجتماعى وتنامى طبقة رجال الأعمال وضياع حقوق الفقراء وارتفاع الأسعار، وكان أول مطالبها العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لكن لم تتأثر موازنة 2011/2012، وهى أول موازنة بعد ثورة يناير برياح التغيير التى أطلقتها الثورة، وقامت الحكومة بتكرار هيكل آخر موازنة أنتجها نظام مبارك ونتيجة للأحداث الاقتصادية التى شهدتها مصر وتراجع الاحتياطى النقدى من 36 مليار دولار إلى 16 مليار دولار، وارتفاع الأسعار بشكل كبير وتفاقم عجز الموازنة نتيجة اضطرابات سياسية وأمنية أثرت على الاقتصاد وتراجعت بقيمة الجنيه، حتى أصبحت إعادة النظر بالدعم واتخاذ إجراءات لتقليص عجز الموازنة ضرورة، ليعد تحريك الدعم القرار الأجرأ فى موازنة 2014/2015 ، حيث بلغت تقديرات «الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية» فى تلك الموازنة نحو 234 مليار جنيه، بما يمثل 30 % من إجمالى المصروفات وبلغت مخصصات دعم السلع التموينية 31.6 مليار جنيه، مقابل 30.834 مليار جنيه، بزيادة بلغت 766 مليون جنيه، مقابل تراجع الدعم على المواد البترولية بنحو 100.4 مليار جنيه، بمعدل خفض قدره 142 مليار جنيه، بتناقص قدره 38 مليار جنيه، وتراجع أيضاً دعم تنشيط الصادرات بفارق 500 مليون جنيه بعد أن كان 3.1 مليار جنيه بموازنة 2013/2014 وقلصت الحكومة الدعم على التأمين الصحى والأدوية بنحو 811.4 مليون جنيه، مقارنة 2.7 مليار جنيه بموازنة 2013/2014، بفارق 1.9 مليار جنيه، وزادت مخصصات دعم نقل الركاب بشكل طفيف بنحو 1.5 مليار جنيه مقابل 1.43 مليار جنيه بالموازنة السابقة عليها ، بفارق 70 مليون جنيه، كما رفعت الدعم على الكهرباء بنحو 27.242 مليار جنيه ، مقابل 13.3 مليار جنيه، بمعدل زيادة مقداره13.94 مليار جنيه، مع تثبيت الدعم على المياه على مدار العامين الماليين 2012/2013 و2013/2014 عند 750 مليون جنيه وشملت قائمة التقليص، انخفاض الدعم على تنمية الصعيد بمقدار 200 مليون جنيه، بعد أن وفرت اعتمادات مالية قدرها 600 مليون جنيه، بمعدل خفض قدره 400 مليون جنيه، فى الوقت نفسه رفع الوزارة مخصصات الأمان الاجتماعى بواقع 44.99 مليار جنيه، بعد أن كانت 33.5، بمعدل زيادة قدره 11.5 مليار جنيه، ومنها معاش الضمان الاجتماعى بواقع 10.7 مليار جنيه بموازنة 2014/2015، مقابل 3.4 مليار جنيه، بزيادة بلغت 7.44 مليار جنيه وقررت الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار بدءا من 5 يوليو 2014، وارتفع سعر لتر “بنزين 95 إلى 6.2 جنيه من 5.8 جنيه، و”بنزين 92 من 1.8 إلى 2.6 جنيه، و”بنزين 80” إلى 1.6 جنيه بدلا من 90 قرشا، والسولار إلى 1.8 من 1.1 جنيه , وتم إلغاء دعم الغاز الطبيعى بشكل كامل بعد أن كان يبلغ نحو 8 ملايين جنيه فى موازنة السنة المالية 2014-2013 .
وقامت موازنة 2016/2017 بتخفيض جديد للدعم ليبلغ إجمالى الدعم فقط نحو 125.5 مليار جنيه، ويبلغ إجمالى قيمة الدعم والمنح والمزايا الإجتماعية 206.4 مليار جنيه، حيث تم خفض مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 43.3% مقارنة بموازنة العام 2015/2016 وتخصيص نحو 35 مليار جنيه لدعم المواد البترولية فى الموازنة الجديدة، مقابل 61.7 مليار جنيه خصصت لنفس البند فى موازنة العام المالى السابق عليه، كما انخفض الدعم المقدم للكهرباء فى الموازنة الجديدة إلى 28.9 مليار جنيه مقابل 31 مليار جنيه فى الموازنة الحالية وفى المقابل ارتفع دعم السلع التموينة من 37.7 مليار جنيه فى الموازنة الحالية إلى 41.1 مليار جنيه فى مشروع الموازنة الجديدة ولكن على الرغم من كل الإجراءات التى اتبعتها الحكومة خلال العام الماضى وزيادة حجم الموازنة العامة لتوفير مصروفات الدولة، فإن هذه الزيادة التهمتها الزيادة فى سعر الدولار وارتفاع الأسعار بشكل جنونى، خصوصا أن منح 18 جنيها شهريا للفرد، لمن لديهم بطاقات تموينية وعددهم 63 مليون شخص من إجمالى 90 مليون مصرى يعد غير كاف فى ظل ارتفاع الأسعار المتتالي.