تجاوزنا نقاط الخلاف فى سد النهضة وسنتحاور على مواعيد ملء الخزان - لا بيع لمياه النيل ومطالبنا مشروعة لتوليد الطاقة
- لسنا حياديين ولم نقف إلى جانب إثيوبيا.. والسودان أكثر المتضررين فى حال انهيار السد
- الحديث عن تحكم إثيوبيا فى مياه النيل غير وارد والسد ينبغى تفريغه خلال عام لاستقبال مياه الفيضان وتوليد الطاقة
أكد الرئيس السودانى عمر البشير فى حواره مع الأهرام العربي، أنه لا مساس بنقطة مياه من حصة مصر التاريخية فى نهر النيل، وأن التنسيق قائم ومستمر بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأن أزمة سد النهضة تشهد تطورات إيجابية مستمرة للصالح العام، واصفا العلاقات المصرية - السودانية بالتاريخية والأزلية.. وإلى نص الحوار:
كيف ترى أبعاد العلاقات المصرية السودانية الآن؟ قطعًا العلاقات المصرية السودانية راسخة ومتجذرة بعمق التاريخ على جميع المستويات، لها خصوصية وتقدير لأنها مبنية على تواصل مستمر قديم بحركة المصير المشترك، نحن نريد لهذه العلاقات أن تدخل مرحلة تاريخية مهمة تحدث بها نقلة نوعية فى شكل حراك إيجابى يتجاوز إلى الدخول مباشرة لترجمة استراتيجية عملية وفعلية، نهدف إلى أهمية العمل على دفع وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يحقق مصالح الجانبين، بالإضافة إلى زيادة التنسيق مع الجانب المصرى حول القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية والغربية ذات الاهتمام المشترك. ليس سرًا أن هذه العلاقات تمر بفتور من وقت إلى آخر يشوبها بعض التوتر وعدم الانسجام مما يعوق التواصل بين البلدين؟ نحن نؤكد أنها علاقات ثنائية معمقة وهى راسخة لا تؤثر فيها الأحداث الطارئة، وإذا كان هناك اختلاف حول وجهات النظر من وقت إلى آخر فهذا شيء طبيعي، وداخل البيت الواحد تحدث الاختلافات وتتباين الرؤى حول بعض المواقف والمسائل والقضايا، لكن على المستوى الاستراتيجى لا شيء يؤثر على هذه العلاقات لأنها بالأساس بين شعبين يربطهما مصير مشترك. تؤكدون أنكم تهدفون إلى إحداث نقلة نوعية فى العلاقات بين البلدين، لكن هذه العلاقات تبدو على الجانب الاقتصادى متواضعة وضعيفة.. كيف ترى ذلك؟ تمت ترجمة هذا التواصل عمليًا إلى إنجازات فعلية، هناك بروتوكول تجارى يوقع كل فترة لتنظيم حركة التجارة بين البلدين والتى زادت بمستوى كبير جدًا تحديدًا بعد تنفيذ الطرق البرية الرابطة بين البلدين وهى طرق مفتوحة أحدها طريق شرق النيل الذى جرى افتتاحه أخيرا، وطريق غرب النيل الذى يجرى العمل على نهاية مرحلته النهائية وعلى وشك الافتتاح، بالإضافة إلى الطريق الساحلي.ولدينا اتفاقية الحريات الأربع وهى كفيلة بأن تلغى الحدود بين البلدين حال تنفيذها، لأن المواطن المصرى له حق الإقامة والعمل والتنقل والتملك والحقوق نفسها يتمتع بها المواطن السودانى فى مصر ما عدا الحق السياسى فقط، إلا أن مصر لديها بعض التحفظات على هذه الاتفاقية. تشير إلى أن اختلاف وجهات النظر أمر طبيعي، بماذا تفسر إذن تحول ذلك إلى تباين فى الرؤى وتعارض فى المصالح وإشكال فى المفاهيم.. أعنى بذلك الموقف السودانى من سد النهضة الإثيوبي، على ماذا يرتكز موقف بلادكم من هذه القضية؟ يرتكز على ثلاثة محاور هى ضمان سلامة السد وتأثيراته على نسب مصر والسودان من مياه النيل والتأكيد على أن يضمن برنامج ملء البحيرة عدم التأثير على عمليات الرى فى السودان ومصر.. إضافة إلى برنامج تشغيل السد وحجم التصريف اليومى للمياه، وهناك لجنة ثلاثية من مصر والسودان وإثيوبيا تبحث الملف الخاص بإنشاء السد من ناحية تأثيره على نسب وحصص الدول الثلاث دون إضرار بمصالح أى منها. لكن المشاكل مازالت عالقة والمخاوف المصرية مستمرة هل هناك ضمانات بعدم الإخلال بحصة مصر التاريخية من المياه؟ اتفاقية مياه النيل عام 1959 حددت حصة مصر والسودان وهى اتفاقية متماسكة تمامًا لا يوجد فيها أى مشاكل، وإثيوبيا أكدت على حصة مصر والسودان فى مياه نهر النيل فى اتفاقية المبادئ بالخرطوم. هناك تفاهم كامل بين الدول الثلاث من خلال اتفاقية الخرطوم ولقاء شرم الشيخ، وتم الاتفاق على تكوين لجنة عليا مشتركة لترعى العلاقات فى شتى المجالات الأمنية والمائية والسياسية وتصبح هى الإطار لمناقشة كل ما يخص العلاقات، لدينا مصالح فى النيل، كما أن كلاً من إثيوبيا ومصر لديهما مصالح أيضًا والقضية ليست بين مصر وإثيوبيا، القضية فى الدول الثلاث، والاتفاق المبدئى ألا يكون هناك ضرر من سد النهضة للجانب السودانى أو المصري. ولكن الهواجس تظل حاضرة والتخوف من تحكم إثيوبيا فى مياه النيل وإعادة بيعه ما زالت واردة.. كيف ترى ذلك؟ سد النهضة هو سد لتوليد الطاقة الكهربائية وأى حديث عن أن إثيوبيا ستتحكم فى مياه النيل كلام غير وارد، لأن السد خلال عام يجب أن يتم تفريغه ليكون مستعدًا لاستقبال مياه الفيضان فى العام الذى يليه لأن طاقة السد معروفة، وأنت تتساءل عن فكرة بيع المياه؟! وأنا أقول لك لمن سيتم بيع المياه حيث لا يمكن تحويل المياه إلى أى جهة أخرى، لأن منحدر النيل الأزرق من بحيرة تانا إلى السد لا يمكن تحويلها لأى جهة أخرى ولا يمكن فتح قناة فى النيل، لأنها منطقة جبلية ومجرى النيل الأزرق عميق إلا إذا مرت المياه عبر السودان ومصر. دعنى أنقل لكم تساؤلات الشارع المصرى حول الموقف السودانى وموقفكم أنتم تحديدًا الذى يراه البعض وقوفًا إلى الجانب الإثيوبى ضد المصالح المصرية.. أين هى المصلحة السودانية؟ نحن لم نقف إلى جانب إثيوبيا ولا ضد مصر لأننا طرف أساسى وأصيل فى سد النهضة وأهميته بالنسبة للسودانيين بمستوى أهمية السد العالى بالنسبة للمصريين، لأنه يخزن كل المياه فى فترة الفيضان وبعد ذلك يمررها عبر الخزان طوال أيام العام، وبالتالى نحصل على مياه كافية وطاقة توليد كهربائى جيدة علمًا بأنه فى شهر أبريل من كل عام ينخفض توليد طاقة الكهرباء فى بعض المناطق السودانية بنسبة من 50 إلى 15 فى المائة، ولذلك عندما يحين وقت الفيضان نضطر لفتح كل البوابات وبالتالى التوليد الكهربائى ينخفض، والأزمة الكهربائية فى الفترة الأخيرة حدثت بسبب انخفاض التوليد المائى للكهرباء لأنه يشكل نسبة عالية جدًا من توليد الكهرباء فى السودان. لكن الجانب الإثيوبى لم يلتزم ببعض المطالب المصرية بخصوص زيادة عدد فتحات السد، وبعض التعديلات فى جسم السد بما يضمن سلامته.. ألا تخشى السودان من الغرق فى حالة انهيار السد؟ ما طلبه المصريون كان رأيا فنيا، وهذا ما اعتبره الإثيوبيون أمرا غير مدرج فى سلامة السد وملء البحيرة، ونحن من البداية تحدثنا عن سلامة السد حتى لا تحدث كارثة خصوصا فى السودان وتم تشكيل خبراء من الدول الثلاث بجانب خبراء دوليين لإعادة النظر فى تصميم السد، وتم التعديل فى السد بما يضمن سلامته، أما فيما يتعلق ببرنامج ملء البحيرة لأنها ستأخذ 74 مليار متر مكعب فيجب أن يتم بصورة لا تؤثر فى مسألة الرى على السودان ومصر.والإثيوبيون موافقون على الوصول لاتفاق فى هذه المسألة، أما المسألة الثالثة فتخص برنامج تشغيل السد وبناء عليه نعمل حسابنا. وماذا عن الآثار البيئية والاقتصادية للسد والاختلاف حول المكاتب الاستشارية للدراسة؟ فى هذا الشأن تقدم عدد من الشركات لتقديم دراسة، الشركة الأولى تحفظت عليها مصر ودعمتها إثيوبيا، أما الشركة الثانية فدعمتها مصر، وكان الخلاف حول هذا الشأن، وفى النهاية وفقنا بين الطرفين واتفقنا على أن تأخذ الشركة الأولى 70 % والثانية 30 % من الدراسة. وننتظر أن توضح لنا هذه الشركات الآثار البيئية على السودان ومصر وكيف يمكن تجنبها وبتوقيع عقد الخدمات الاستشارية لتنفيذ الدراستين اللتين أوصت بهما لجنة الخبراء العالميين ما يضع الدول الثلاث فى المسار الصحيح ويمكنها من الفهم المشترك للآثار الإيجابية للسد التى يجب تعظيمها، والسالبة التى يجب وضع المعالجات لها، نحن حريصون على بناء ثقة متبادلة بين جميع الأطراف. كيف يمكن بناء هذه الثقة.. ولماذا فقدناها؟ يمكن بناء الثقة بالحوار المستمر والمصالح المشتركة والتعاون البناء بين جميع الأطراف، وهذه الثقة تم فقدها خلال حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى حيث لم يتم التعامل مع هذا الملف بطريقة موضوعية وأصبح مجالاً للمزايدات، وفى لقاء مفتوح على الهواء مباشرة مع الرئيس مرسى بدأ الحديث لبعض المصريين عن ضرب السد الإثيوبي، ودعم المعارضة فى إثيوبيا لتفتيت بلادهم فكان كلامًا غير موفق بل مستفز لمشاعر الإثيوبيين، وأصبح له انعكاس إيجابى على إثيوبيا لأنه انتهى إلى توحيد صفوفهم وكلمتهم والتفافهم حول قيادتهم، متناسين كل المشاكل والفوارق والخصومات متحدين خلف قيادتهم بشكل لم يحظ به أى منجز لأى حكومة أخرى، وأصبحت هناك مشاركات وتعزيزات مادية من كل أفراد الشعب الإثيوبي. دعنا نعيش على أرض الواقع ونعترف بأن السد أصبح حقيقة واقعية.. كيف يمكن التعامل مع هذا الأمر؟ نعم أصبح حلم الإثيوبيين ماثلاً أمامهم، ولابد لإخوتنا فى مصر من الوقوف على حيثيات هذا السد من حيث الإيجابيات والسلبيات، باعتبار أننا شركاء فى مياه النيل، وعندما تم تقديم فكرة السد كان لدينا نخبة من الخبراء الفنيين من أصحاب التجارب العريقة والطويلة فى مجال السدود بقدرات عالية جدًا. أخذت هذه النخبة تدرس الأمر وتتفحصه وتشخصه جيدًا من كل جوانبه، فحددوا إيجابيات وسلبيات هذا السد، هناك سلبيات تتعلق بالطمى الذى نحتاجه لتخصيب الأرض، ومصر تعتبرالسلبى أن السد العالى كان الطمى يتراكم خلفه مما يفقده سنويًا نسبة عالية من طاقته التخزينية ، بدليل أننا الآن فى منطقة حلفا وجنوبها بالسودان ظهرت لدينا دلتا كبيرة جدًا وشكلت أرضًا خصبة نتيجة للترسيب وهذا كله على حساب حجم المياه المخزنة فى السد العالي.