عبد الرحيم رجب "ينتظرني وطن غالٍ يسمى مصر، استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام". هذه كانت رسالتها الأخيرة؛ إنها عالمة الذرة المصرية سميرة موسي، الملقبة ب"ميس كوري الشرق"، فتاة مصرية عشقت العلم وضحَّت من أجله بحياتها، من مقولاتها الشهيرة: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين". ولدت ابنة محافظه الغربية سميرة موسى، يوم 3 مارس 1917، وعرفت بنبوغها منذ الصغر فتعلمت القراءة والكتابة مبكرًا، وأتمت حفظ القرآن الكريم، وكانت مهتمة بقراءة الصحف، وكان من نبوغها الدراسي حصولها على الجوائز الأولي في جميع مراحل تعليمها، فكانت الأولى علي شهادة التوجيهية سنة 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفًا في ذلك الوقت، ومن تفوقها ونبوغها عن زميلاتها؛ أنها قامت بإعادة صياغة وتبسيط كتاب الجبر في السنة الأولي الثانوية. وبرغم تفوق "سميرة" الدراسي اختارت كلية العلوم بالرغم من أن مجموعها كان يؤهلها لكلية الهندسة، ومن هنا جاء تأثرها البالغ بأستاذها الدكتور علي مصطفي مشرفة، أول مصري يتولي عمادة كلية العلوم، وكانت كعادتها هي الأولى على دفعتها، وما هي إلا فترة وجيزة حتى أصبحت أول معيده في كلية العلوم، بفضل جهودها وجهود الدكتور علي مشرفه، الذي دافع عن تعيينها بشدة حتى تحصل على هذا اللقب. وكعادتها لم تهدأ حتى حصلت علي شهادة الماجستير في "التواصل الحراري للغازات"، وسافرت بعد حصولها على الماجستير في بعثة إلى بريطانيا لدراسة "الإشعاع النووي"، وحصلت علي الدكتوراه في "الأشعة السينيه وتأثيرها على المواد المختلفة" في أقل من عام ونصف. اهتمت "سميرة" باستخدامات الطاقة الذرية في المجال الطبي، فكان كل أملها أن تسخر الذرة لخير الإنسان وتقحمها مجال العلاج الطبي حيث كانت تقول: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين"، فكان أملها أن يكون لمصر والوطن العربي مكانة وسط هذا التقدم العلمي الكبير، فكانت تؤمن بأن امتلاك السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام؛ السلام من منطلق القوة لا الضعف، فقد عاصرت ويلات الحرب والقنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، وكان من اللافت لانتباهها اهتمام إسرائيل المبكر بالتسلح النووي. أسست "سميرة" هيئة الطاقة الذرية في القاهرة؛ وتوصلت إلى معادلة مهمة، تساعد على تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، ومن ثَم صناعة القنبلة الذرية من مواد تجعلها في متناول الجميع، من أجل السلام وليس الحرب والدمار، وتسخير الذرة لخير الإنسان. وسعيًا لتحقيق حلمها واصلت "سميرة" أبحاثها مما لفت أنظار علماء الذرة في أمريكا إليها، فحصلت وقتها على منحة دراسية لدراسة الذرة في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وأظهرت نبوغًا منقطع النظير في دراساتها وأبحاثها هناك فسمح لها بزيارة معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، والتي تتصف نتائج تجاربها بالسرية الشديدة، ومن هنا توالت عليها العروض لكي تبقى في أمريكا مدى الحياة فكان ردُّها: "ينتظرني وطن غالٍ يسمى مصر، استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام"، ولكن للأسف الشديد لم تحقق حلمها فقد رجعت إلى مصر جثة هامدة، بعد أن تم اغتيالها في حادث سيارة في مثل هذا اليوم 15 أغسطس عام 1952، لتشير أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيالها؛ لمنعها من نقل ما توصلت إليه من علوم الذرة إلى مصر والوطن العربي، وقد اصدرت هيئة البريد المصرية طابعا تذكاريا لتخليد اسم الراحلة.