انطلق حفل ختام الدورة التاسعة من مهرجان وهران للفيلم العربي بعد 24 ساعة تقريبا من إعلان وفاة المخرج المصري الكبير محمد خان، وهي الوفاة التي سيطرت على حفل الختام، ليس فقط من خلال كلمة رئيس المهرجان إبراهيم صديقي الذي نعى الراحل وذكر إسهاماته في صناعة السينما العربية، فيما أصر كل السينمائيين المصريين على إهداء جوائزهم له، وهم المخرجون هالة خليل وشريف البنداري ومحمود سليمان، وبالتأكيد لو حضرت منة شلبي لاستلام جائزة أفضل ممثلة عن فيلم «نوارة» لأهدتها لمن أخرج لها «بنات وسط البلد». من بين كلمات الرثاء خرجت بشارة وجود جيل جديد قادر على حصد الجوائز واستلام الراية، لكن ذلك لم ينطبق على المصريين فقط، وإنما حقق معظم السينمائيين الشباب في هذا المهرجان خطوات جديدة للأمام، مؤكدين أن السينما العربية لن تصمد إلا بشبابها القادرين على الجمع بين الهوية والقضايا الوطنية، وكذلك اللغة السينمائية الجديدة التي من شأنها أن تعيد الجمهور من جديد للشاشة العربية بعدما أغرق نفسه في السينما والدراما الواردة من أمريكا. تقع مدينة «وهران» على بعد أكثر من 400 كيلو متر غرب العاصمة الجزائر، سياسة التقشف التي اتبعتها الإدارة هذا العام، دفعت بمسئولي الانتقالات إلى استخدام السيارات لنقل الضيوف من كل المستويات من مطار هواري بومدين بالجزائر إلى قلب وهران التي تذكرك بالإسكندرية وبيروت فور وصولك لها، 5 ساعات برا على الأقل حتى تصل إلى المطار ومثلهما كي تعود له لتستقل طائرتك العائدة إلى القاهرة أو تونس أو دمشق وغيرها من العواصم العربية، لكن إرهاق السفر يظل أمرا مرتبطا بيوم السفر، أما أيام المهرجان الستة فعاش الضيوف فيهم أجواء سينمائية حقيقية وسط الجمهور الوهراني الذي أقبل على الأفلام بكثافة، في إشارة واضحة إلى حب الشعب الجزائري للسينما والاطلاع على كل ما هو جديد في هذا الإطار، خصوصا أن المجتمع الجزائري لا يزال غير منفتح على المشاهدة عبر الإنترنت ويمارس العادات التقليدية في المتابعة، وهو ما يفسر امتلاء دور عرض «المغرب» و» السعادة» و» سينماتيك» بالجمهور في معظم العروض وتفاعلهم مع أفلام عديدة بالتصفيق والدعم، وإن كان بعض تلك الأفلام حصل على حماس الجمهور، وخسر حماسة لجنة التحكيم فلم تذهب الجوائز للأفلام التي حققت قبولا جماهيريا مثل فيلم «فانية وتتبدد» الذي أنتجه النظام السوري عن معركة بين الجيش النظامي وجماعة داعش في إحدى البلدات السورية، الجمهور رحب كثيرا بالفعل الذي ينتمى لسينما الدعاية والتوجيه، لكنه لم يحصل على أي جائزة، الجوائز ذهبت إلى 6 أفلام من أصل 12 فيلما شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومثلها 12 فيلما في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة و6 فقط في الأفلام الوثائقية.
تابوهات نوارة في هذا التقرير لن نحلل القيمة الفنية للأفلام الفائزة باستضافة، لكن نؤكد أن معظم الفائزين ينتمون للجيل الجديد من السينمائيين العرب، ويوجهون رسالة لهؤلاء الذين يشعرون دائما بانتهاء الطريق كلما خرج منه المخضرمون، يوجهون رسالة مفادها أنهم استلموا الراية وقادرون على الاستمرار وإن اختلفت الظروف وتراجع الدعم الذي كان يحظى به بعض الكبار سواء من الدولة أم من الإعلام بسبب أسمائهم المعروفة، معظم قصص إنتاج الأفلام الفائزة في هذا المهرجان تؤكد حجم معاناة هؤلاء الشباب من أجل صناعة سينما، لكنهم في النهاية نجحوا في الوقوف على منصة التتويج. على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن نبدأ بفيلم «نوارة» الذي حصد جائزتى، أفضل فيلم وأفضل ممثلة، المخرجة هالة خليل لا تزال محسوبة على جيل الشباب وفيلمها الثالث يأتي بعد نحو 10 سنوات من الغياب، لكنها قدمته وكأنها تبدأ من جديد وكسرت من خلاله العديد من التابوهات، فيلم بطولة نجمة معروفة، لكن مع منتج جديد هو صفي الدين محمود، والبطل «نوبي» لأول مرة هو أمير صلاح الدين، والموضوع عن الفقراء وثورة 25 يناير، ومنة شلبي في شخصية لم تقدمها من قبل لا هي ولا باقي نجمات جيلها، قبل هالة صعد للمسرح المخرج المصري أيضا شريف البنداري ليتسلم جائزة أفضل فيلم روائي قصير وهو «حار جاف صيفا» والمفارقة أنه لنفس المنتج صفي الدين محمود، فيلم مدته أقل من 30 دقيقة لكنك لاتشعر بها أثناء المشاهدة، عن عروس وحيدة في ليلة زفافها بدون أهل تركب بالمصادفة سيارة تاكسي بها رجل مريض بالسرطان حلمه أن يصل مبكرا لموعد الطبيب الأجنبي، أحداث كثيرة تمر بينهما، ناهد السباعي ومحمد فريد، تنتهى بزفاف الفتاة وبامتناع الطبيب عن معالجة الأستاذ شوقي، لأن حالته ميئوس منها، لكن يأتي مشهد النهاية بمفاجأة، البنداري – مواليد 1978 - لم يتوقف عن حصد الجوائز في كل أفلامه القصيرة وينتظر حاليا إطلاق فيلمه الروائي الأول «على معزة وإبراهيم» لتستلم السينما المصرية مخرجا جديدا سينجح حسب رأي كثيرين في رفع الراية بثبات، البنداري في كواليس هذا المهرجان كان يدعم صديقه المخرج التونسي جميل نجار الذي حصل على تنويه خاص عن فيلمه «غسرة» الذي حصد جوائز عدة من مهرجانات متتالية وحقق للمخرج الشاب اسما مرموقا في تونس مهده للحصول على فرصة إخراج مسلسل كوميدي في رمضان بعنوان «الرئيس» ويدور «غسرة» عن سائق تاكسي يقف في طريق شبه مهجور من أجل قضاء حاجته، لكن لسوء حظه يفشل في ذلك عدة مرات بسبب مرور تجار دين وسياسة وجنس بجانب مشجعين متعصبين للترجي التونسي وأيضا رجال الشرطة، فكرة جديدة تماما قدمها نجار بروح كوميديا تفسر الاحتفاء الكبير به من لجنة التحكيم وجمهور وهران على حد سواء.
البرلماني المجرم نعود للمسابقة الطويلة وجائزة أفضل ممثل حصل عليها الفنان اللبناني «آلان سعادة» عن فيلم المخرج جان مير بوشيعيا «فيلم كتير كبير» الذي يعد أول أفلامه الروائية، كما جرت العادة أن ينجح مخرج جديد من خلال أول شريط في تقديم عمل لافت النظر صالح للمشاركة في المهرجانات، وكان الفيلم قد عرض خارج لبنان لأول مرة في ديسمبر الماضي من خلال الدورة الثالثة من مهرجان «أجيال» وفاز بعدها بالنجمة الذهبية من مهرجان «مراكش» بالمغرب، ويدور الفيلم حول 3 أشقاء يعملون في التهريب قبل أن يجد الأخ الأكبر – الآن سعادة – حلا مبتكرا للهروب من مطاردة زعيم العصابة فيتحول إلى منتج سينمائي ومنه إلى مرشح لعضوية البرلمان، ليعكس كيف يمكن للمجرمين في بلادنا العربية التخفي وراء حواجز كثيرة لتتوه الحقيقة للأبد. وبعيدا عن الجوائز لفت الانتباه الفيلم الإماراتي «ساير الجنة» للمخرج سعيد سالمين المري، لفت الانتباه جاء هنا من كون الفيلم قدم صورة مغايرة للمجتمع الإماراتي، وابتعد تماما عن «دبي» التي ظلت في السنوات الأخيرة هي محور أي فيلم إماراتي أو يتم تصويره في الإمارات، وشاهد الجمهور في وهران فيلما يدور بين أبو ظبي ورأس الخيمة والفجيرة، ويظهر فيه المواطن الإماراتي كما هو في الواقع بعيدا عن الصورة المرتبطة بإمارة دبي، يدور الفيلم عن طفل يتيم الأم يعاني من جبروت زوجة الأب التي حرمت زوجها نفسه من رؤية أمه، ليبدأ الطفل مع صديقه المخلص مغامرة الوصول إلى الجدة التي تقيم في إمارة أخرى ليحقق حلمه في النهاية لكن دون العثور على الجدة.