أثار إعلان الحكومة المغربية أنها ستصدر مبادئ توجيهية جديدة لوسائل الإعلام العامة بنهاية شهر مايو-أيار الماضى، نقاشاً عاصفاً حول وسائل الإعلام المستقلة في المملكة. وقد بدأ الجدل قبل شهرين تقريباً عندما أجبرت الحكومة الاسلامية، بقيادة عبد الإله بنكيران، القنوات التليفزيونية العامة ومحطات الإذاعة على بث آذان الصلوات الخمس يومياً، مما وضع العديد من المواطنين في موقف دفاعي ضد مااعتبروه محاولة متعمدة لأسلمة قطاع معتدل من المجتمع المغربي. وكان من المفترض أنه تم فرض القانون الجديد في محاولة لتقليل انتشار اللغة الفرنسية لصالح اللغة العربية، لكن الخبراء والناشطين سرعان ما إنتقدوا الحكومة مشيرين إلى عدم اهتمامها بإذاعةالأمازيغية، اللغةالأصلية للمغرب، على موجات الأثير. ولسنوات طويلة، كانت قناة التليفزيون العامة السادسة، فضلا عن محطة الإذاعة العامة "محمد السادس للقرآن"، مكرستين تماماً للقضايا الدينية لمدة 24 ساعة طوال الأسبوع. فبعد صعوده إلى العرش عام 1999، دخل الملك محمد السادس في هذا الجدل عندما أعلن عن "مشروعه للمجتمع الحداثي والديمقراطي"، والذي من المفترض أنه يهدف إلى الحد وجود الإسلام المتطرف في المجال العام. والملك، الذي وافق على الدستور الجديد في 1 يوليو من العام الماضي، الذي يمنحه صلاحيات تحكيم كبيرة، قد تعرض لانتقادات بسبب ردوده غير الملائمة على هذا الموضوع المعقد. وفي الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الجديد بنكيران، من حزب العدالة والتنمية، أن المبادئ التوجيهية "الإسلامية" ليست جامدة ويجوز تعديلها. وتم إلغاء القانون المثير للجدل، مما أثار نقاشات حول قضية وسائل الإعلام المعقدة في المغرب. وكان فيصل الراشيي، مدير البث في المؤسسة الوطنية للبلاد، قد صرح لصحيفة "الأحداث المغربية" في الشهر الماضي، أن استقلال وسائل الإعلام هو "أمر مقدس". وبدوره، قال إسماعيل عزام، وهو كاتب عمود في مجلة هسبريس المحلية، لوكالة إنتر بريس سيرفس، إن هناك (بعض المهنيين) الذين يصرون على الصورة النمطية للإسلاميين والتي تعتبرهم تهديداً للانفتاح والحداثة. من جانبه، قال مولاي التهامي بهتات، المحرر العام لمجلة 'أصداء' المحلية، لوكالة إنتر بريس سيرفس، إن القول بأن الإسلاميين يستخدمون وسائل الإعلام العامة لأسلمة مجتمعنا يكشف عن جهل فاضح. فوفقاً له، الحقيقة هي أن وسائل الإعلام كانت دائماً منفصلة تماماً عن محيطها، وأن الإعلاميين ما زالوا يتصرفون كما لو أن الصحون اللاقطة والمحطات الفضائية لا وجود لها. هذا وطالما شكا المواطنون من رداءة نوعية البرامج على شاشة التلفزيون العام، كما خضعت الإدارة لوسائل الإعلام لكثير من الإنتقاد منذ أن أشارت التقارير الرسمية من المحكمة العليا إلى ثغرات مالية خطيرة للغاية (في حسابات وسائل الإعلام). وقال عزام أن العاملين في وسائل الإعلام العامة لا يملكون إلا أن يغادروا، ولابد من أن يحكم عليهم في قضايا الفساد. فالمعركة الحقيقية، حسب قوله، ليست بين الإسلاميين والحداثيين، ولكن بين الحكم الرشيد وسوء الادارة. وأوضح أنه لو كانت هناك حكومة يسارية، فالمعارضين للإصلاح سوف يتهمونها بمحاولة علمانية وسائل الإعلام العامة. وبدوره، علق الكاتب البارز عبد السلام بن عيسى، في هسبريس الشهر الماضي، قائلا أن تعليق كتيبات وسائل الاعلام من بنكيران دون إعلام المواطنين يعني أن التجربة الأولى في إطار الدستور الجديد، وهما حق المواطنين في المعلومات، قد إنتهكت. ويضيف، "وأنا لا أنتقده وحده. فقد كان من المتوقع أن يتدخل القصر في القضية من كتيبات وسائل الاعلام هذه لأننا ما زلنا في مرحلة النظام الملكي البرلماني". ويشير عزام الى الطلب الأساسي لحركة 20 فبراير، وهو الفصل بين سلطات الملك والحكومة. وقد عارض بنكيران، الذي كان آنذاك زعيم المعارضة الاسلامية، هذه الحركة، ودافع بإصرار عن الصلاحيات التنفيذية للملك. "رئيس الحكومة يظهر شجاعته ضد الخريجين العاطلين عن العمل فقط"، هكذا علق عزام بسخرية، ملمحاً الى تدخل الشرطة العنيف ضد المظاهرات التي قام بها الشباب العاطلون عن العمل. ووفقا له، فبنكيران يستفيد كثيراً من النظام السياسي الحالي، والذي يحتفظ الملك فيه بعدة سلطات تنفيذية، كما أن بنكيران نفسه لديه قدر كبير من السلطة. والآن هناك لجنة حكومية برئاسة وزير الإسكان والوزير السابق للاتصالات، محمد نبيل بن عبد الله، هي المسؤولة عن وضع المبادئ التوجيهية الجديدة لوسائط الإعلام، والتي سيتم الإعلان عنهم في موعد لا يتجاوز بدايات يونيو. ويشار إلي أن الحكومة ملزمة بموجب القانون أن تضع المبادئ التوجيهية لوسائل الإعلام وبإخضاعها للهيئة العليا للإتصالات والقطاع السمعي البصري، وهي التي تصادق على القواعد الجديدة قبل إعلانها على لوحة الإعلانات الرسمية. وقالت فاتيحه عارور، ممثلة الهيئةالعليا للإتصالات، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "لقد تم بالفعل المصادقة على المبادئ التوجيهية الجديدة ،لكن التزامناالمهني بالسرية يمنعنا من التحدث إلى الصحافة حول هذه القضية.