القاضي حازم بدوي: اصطفاف المصريين أمام لجان الاقتراع داخل مصر وخارجها جاء أبلغ من أي كلام    البنك الأهلي يخفض عمولة تدبير العملة Markup Fees على معاملات البطاقات الائتمانية من 5% إلى 3%    العراق يطرح مشاريع للتعاون مع سوريا في مجالات النفط والبتروكيمياويات والمياه    نتنياهو: أرغب في إنهاء حرب غزة بشروط إسرائيل.. والصفقات الجزئية انتهت    مجلس أوروبا يدعو إلى فرض قيود على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل    «هدية ل بوتين».. القوات الروسية تتقدم نحو مدينة غنية بإحدى مصادر الطاقة شرق أوكرانيا    تعرف على موعد مباراة منتخب اليد أمام إسبانيا بربع نهائي مونديال الناشئين    تفاصيل اليوم الأول من معسكر حكام الدوري الممتاز    الدحيل يحسم مواجهة مثيرة أمام أصفهان في دوري أبطال آسيا    محافظ الإسكندرية: حادث الكورنيش الأليم وقع على بعد 90 مترا من نفق المشاة    «فلاش باك» الحلقة الرابعة.. تصاعد الصراع وانكشاف الأسرار مع الظهور الأول ل خالد أنور    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    سراج يوجه بضرورة مراجعة توافر المستلزمات الطبية بمستشفى سوهاج التعليمي    محافظ البحيرة تستقبل نائب وزير الصحة لبحث استراتيجيات خفض معدلات الولادات القيصرية    تصاعد الصراع وكشف الأسرار في الحلقة الرابعة من "فلاش باك".. أول ظهور ل خالد أنور    نجوى كرم: أتمنى تقديم دويتو مع صابر الرباعي (فيديو)    غدا.. الفرقة القومية للفنون الشعبية تقدم عرضا بمدينة المهدية ضمن فعاليات مهرجان قرطاج بتونس    مسئول بوزارة السياحة والآثار: الوزير وعد بمراجعة سعر تذكرة المتحف المصري الكبير.. و11 فئة تدخل مجانا    رحيل الدكتور علي المصيلحي وزير التموين السابق بعد مسيرة حافلة بالعطاء(بروفايل)    حكم الوضوء لمريض السلس البولى ومن يعاني عذرا دائما؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    "الوطنية للانتخابات": 516 ألفا و818 صوتا باطلا بنظام الفردي في انتخابات الشيوخ    مفتي القدس: مصر سند دائم للقضية الفلسطينية منذ النكبة.. والذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز الفتوى الرشيدة    ريال مدريد يرفض إقامة مباراة فياريال ضد برشلونة في أمريكا    ديمبلي: التتويج بدوري أبطال أوروبا كان أمرًا جنونيًا    الرقابة الصحية (GAHAR) تطلق أول اجتماع للجنة إعداد معايير "التطبيب عن بُعد"    ضبط سائق لحيازته 53 ألف لتر سولار بدون مستندات تمهيدًا لبيعها بالسوق السوداء في الأقصر    رامي صبري وروبي يجتمعان في حفل واحد بالساحل الشمالي (تفاصيل)    منسقة الأمم المتحدة: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب يعكس اهتمام مصر بالرياضة كقوة ثقافية ومحرك للتنمية    رئيس جامعة أسيوط يستقبل محافظ الإقليم لتهنئته باستمرار توليه مهام منصبه    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    الحسيني وهدان يتوج بذهبية الكونغ فو في دورة الألعاب العالمية    وسام أبو علي يستعد للسفر إلى أمريكا خلال أيام.. والأهلي يترقب تحويل الدُفعة الأولى    وزير التعليم العالي يفتتح المجمع الطبي لمؤسسة "تعليم" بمحافظة بني سويف    طريقة عمل البصارة على أصولها بخطوات سهلة وأرخص غداء    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    برلماني: توجيهات الرئيس لبناء إعلام وطني ضمانة للحفاظ على الهوية ومواكبة التطورات العالمية    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    الأكاديمية العربية الأول محليًا والثانية عالميًا في تحدي «الطائرات بدون طيار»    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    خصم يصل ل25% على إصدارات دار الكتب بمعرض رأس البر للكتاب    الوزير يترأس اجتماع الجمعية العمومية العادية لشركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    الرئيس السيسي يستقبل اليوم نظيره الأوغندي لبحث تعزيز العلاقات الثنائية    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    صعود هامشي لمؤشرات البورصة بمنتصف التعاملات والتداولات تتجاوز 2 مليار جنيه    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    الدقهلية تبدأ مهرجان جمصة الصيفي الأول 2025 للترويج للسياحة وجذب الاستثمار    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حتى الحجر يحكى».. مهرجان الحكاية فى تونس
نشر في الأهرام العربي يوم 22 - 05 - 2016


منى وفيق
هل تونس حقا مريضة هذه الأيام؟ تتساءل المرة تلو الأخرى، وأنت تملأ صدرك بالهواء القليل المتاح بين الأزقّة الضيقة لصفاقس (عاصمة الجنوب التونسي)، أزقّة «عنّقني» كما يحلو للصفاقسيين تسميتها، فهي تجعلك قابلا لأن تحضن الشخص القادم من الجهة الأخرى لمساحتها الضيقة أوّلا ولحميميتها ثانيا.
هل تونس حقا مريضة هذه الأيام؟ تتساءل المرة تلو الأخرى، وأنت ترى المدينة برمّتها محتفية بمهرجان الحكاية في نسخته الخامسة، الذي ‫اختتم‬ قبل أيام رافعا شعار « حتى الحجر يحكي» .. وما دام « الحجر» يحكي في صفاقس وفي غيرها من المدن التونسية، فتونس إذن مصرّة على أن تكون بخير، بل هي فعلا بخير.

الحكاية فنّ أدبي وإنساني توارثته الأجيال، ومرّرت عبره القيم الإنسانية والتجارب المعرفية، وسعت إلى تهذيب النفس وإطلاق الخيال وإيقاظ الحسّ الشعري لدى الأفراد، فكان كلّ جيل ينقل الحكاية بطريقته الخاصة إلى الجيل الذي بعده، لكنّ الحكاية وهي تعبر بين الأزمنة لم تتغير كثيرا، هذا ما تصادق عليه، بعد أن تحضر عروض مهرجان الحكاية تحت إشراف ورعاية جمعية دنيا الحكاية في صفاقس، وبدعم مادي من مؤسسة المورد الثقافي، ومن المندوبية الجهوية للثقافة، ومركز الفنون الدرامية والركحية .
افتتحت الدورة الأخيرة من مهرجان الحكاية بالحكايات النموذج للعروض، قبل أن تتوالى العروض بمشاركة حكواتيين محترفين من فرنسا «مارتين كايا» و»كلير كرانجون»، «جيرار لوكا»، من بلجيكا «كريستين إندريان»، من تونس «عبد الرزاق كمون «، «رائدة مزيد القرمازي «. حكواتيون قدموا عروضهم الممتعة والشيقة والهادفة في كلّ من مركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس، وغيره من المؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية، إضافة إلى دار المحامي وكذا دار فرنسا بصفاقس.
العروض التي تنوعت بين تلك الخاصة بالكبار وأخرى بالصغار، بين حكايات أبدع فيها أطفال مكفوفون، أطفال ينتسبون لمدارس خاصة، وآخرون لمدارس حكومية، وأطفال آخرون في وضعيات صعبة مختلفة، أحسنوا جميعهم استلاب الجمهور، وحمله إلى عالم من الفرح والحلم، فكان الكل يخرج بالحكمة في يد والمتعة في اليد الأخرى.
لم يكن يهم كثيرا الحكواتية الفرنسية الشهيرة «مارتين كايا» أن يفرّق الجمهور بين واقعية وخيال حكاياتها، بين إمكانية حدوثها أو كونها حدثث بالفعل، بقدر ما كانت تواقة لأن تلمس حكاياتها الروح المبدعة للمستمعين، كانت تنظر في أعين الصغار والكبار تارة، وتارة أخرى تباغت أحدهم بسؤال بطريقة ذكية وطريفة لتتأكد من أنّها لم تسبقهم وهي تمشي داخل حكايتها بل يمشون معها جنبا إلى جنب.
الحكاية بالنسبة ل «كايا» التي أدارت مهرجانات حكاية عديدة في العالم (بنين، الجزائر، موريتانيا، ألمانيا وبلجيكا) هي المشاركة، الالتقاء بالآخر ومعرفته والتماسّ معه وتفهّمه وأخيرا النجاح في الوصول إلى محبته وحبّه في آن.
أما «كلير كرانجون» الحكاءة عمّا يزيد علي 15 سنة، فكنت تخالها للمرة الأولى تحكي للصمّ والبكم، لقد كان جسدها يحكي في تناغم لافت للنظر مع صوتها، وكانت حكاية صغيرة وحيدة عن المرأة والرجل، كفيلة بأن تجعل الجمهور يطالبها بها في كلّ عرض جديد كانت تقدمه.
«كرانجون» تعترف أنها ليست أي عابرة بل إن قصصها القديمة والعالمية تجعلها الصوت الذي تنتظره آذان الجميع، وهي مستعدة على أية حال لإعطائه لكل حكواتي مقبل، همّه الأوحد هو زيادة الثروة المعرفية والحسيّة للعقل والعاطفة البشرية.
مواطناها الفرنسيان «جيرار لوكا» و«فرانسوا كرانج»، كانا يقتربان من المتلقي بصيت الفرنسية بالصور والأقنعة والحركات، فاللغة لم تكن العائق السلطوي بالنسبة لهما، حكاياتهما قويّة الرمز ومختلفة الحساسيات، كانت تبحث عن مستمع جيد قادر على التماهي مع رمزية الحكاية وعمقها البعيد. «جيرار» يحكي وهو يتصبب عرقا، يحب أن تأخذ حكاياته وقتها الكامل ومساحاتها الشاسعة المعنى والمبنى، وتلك حقيبته لا تفارقه فهو ينتهي من حكاية هنا، ليبدأ هناك حيث يبدأ الشغف ولا يستمر.
في حين أن «فرانسوا كرانج» تخلى عن عمله كفيزيائي وتوجه لقراءة كتب القصص، وكان يجد كل المتعة في نقلها للجميع، دراجته النارية من الحجم الكبير تنتظر عند الباب دائما، لأن لديه موعدا في إحدى مدن تونس ليحكي ويستفز المخيلة والفرح في كل تونسي.
قريبتهم الأوروبية «كريستين إندريان» البلجيكة النشأة والمولد، مديرة بيت الحكاية ببروكسيل، تمرّر عبر حكاياتها ذاكرتها وذكرياتها، حكايات أدبية ونصوصا حياتية، تحب أن تشم البهجة في عيون مستمعيها، تشمّ بعينيها وترى بأنفها الروائح التي خّلفها عبورها أمامك، أمامك تماما، تشوّقك إلى النهاية وتتلقفك ببساطة، بمنتهى البساطة بعد أن تكون قد قطعت أنفاسك وملأتك بالانتظار .
و إذا كان لمهرجان الحكاية بصفاقس جدّة فرنسية فله جدّ تونسي بالماوازاة، «عبد الرزاق كمون» الحكواتي التونسي الحكيم صاحب الشعبية الواسعة في تونس والعالم العربي، حيث نشّط بحكاياته (معرضي صفاقس لكتاب الطفل ومعرض الشارقة الدولي للكتاب) وحمّل الجمهور حكاياته في الأردن والجزائر المغرب.
هذا الحكواتي الجوال، المبدع الممتع، تتعبك قصصه، تجعل مخيلتك تركض في سباق محموم مع عقلك، ليصل هو إلى النهاية في حين تكون أنت لا تزال تبحث عن منشفة وكأس ماء ريثما تعاود الجري ومحاولة اللحاق به .. وتنجح في ذلك فقط عندما تجلس إلى نفسك وتبدأ في حكي حكاياته من جديد إلى ملابسك وكتبك والمرآة في غرفتك.
أما التونسية «رائدة مزيد القرمازي» فيبدو أن تجربتها المسرحية كان لها بالغ الأثر في طريقة حكيها، فكأنها حكواتية «ألوان مان شو» التي تضمّ خشبة المسرح لها لتصير واحدا من الجمهور، رائدة التي تكفلت بإعادة كتابة حكايات شعبية لإعادة تقديمها في شكل جديد يمزج بين التراث والثقافة، وقد نجحت في رهانها الفرجويّ ذي القيمة العالية.
ولأن الختام دائما يكون مسكا، فقد أبهر العرض الختامي الذي قدمه الفنان الكوريغرافي طارق بوزيد الحضور، العرض الذي حمل عنوان حتى «الجسد يحكي» جعل أجساد الجمهور تنطلق من الداخل لتلتقي مع أجساد العارضين، فتلك تحكي وهاته تتلقى وتردّ.
لقد نجح مهرجان الحكاية في صفاقس بفضل جهود ذاتية لجمعية دنيا الحكاية (تحت إدارة عبد اللطيف معطر ووحيد الهنتاتي) في صفاقس، هذه الجمعية التي جعلت من صفاقس عاصمة للحكواتيين في الوطن العربي، نجح بفضل جهود ذاتية وبعيدا عن أي دعم حقيقي وملموس لوزارات السياحة أو الثقافة والتربية برغم أن هذه الأخيرة قدمت دعما رمزيّا للغاية لا يتوافق مع طموحات المهرجان وأهدافه.
الحكاية قادرة على فكّ أي اشتباك أو صراع، والحكاية التونسية بذلت ما استطاعت في احتفاليتها الثقافية لتُخرج التونسيين ولو لبعض الوقت، من همومهم الوطنية وقلقهم على تونس، برغم أن العروض التونسية خاصة تقاطعت كثيرا مع انشغالات الفرد التونسي وهمومه الوطنية والخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.