مأساة جوية في سماء أحمد أباد.. تحطم طائرة هندية ومصرع 242 شخصًا (تقرير)    "أكسيوس": نتنياهو طلب من الولايات المتحدة التوسط في المفاوضات الإسرائيلية - السورية    جامعة المنوفية تفتح باب التقديم على 8 وظائف قيادية    محافظ الجيزة يشدد على ضرورة إبراز المظاهر الحضارية استعدادًا لافتتاح المتحف المصرى الكبير    القطار الخفيف يقلل زمن التقاطر يوم الجمعة من كل أسبوع للتسهيل على الركاب    "القومي لذوي الإعاقة" يتقدم ببلاغ للنائب العام بشأن "عريس متلازمة داون"    مبادرة "بداية" تطلق تطبيق 5Seconds الأول من نوعه في مصر لتقديم تجربة تربوية تفاعلية للأطفال    مواعيد جديدة للبرامج الرياضية بمناسبة مونديال الأندية    يحيى عطية الله : تجربتى مع الأهلي حتى هذه اللحظة إيجابية .. وأمتلك عددا من العروض للاحتراف    محافظ الغربية: لا تهاون مع أي إهمال خلال امتحانات الثانوية العامة.. وتأمين شامل للجان    الحزن يخيم على البحيرة بعد مصرع تاجر ذهب متأثرا بجراحه إثر التعدى عليه بسكين    ضبط 1325 كرتونة وعبوة أدوية بيطرية مغشوشة بالمنوفية    من 1.8 ل 1.67 مليون.. لماذا انخفضت أعداد الحجاج في 2025؟    كريم عبد العزيز يصل ب المشروع x ل100 مليون جنيه وينتظر رقما قياسيا    المتحف المصرى الكبير بوابة مصر إلى العالم.. كاريكاتير    «مراسم بني حسن» معرض في «الهناجر» الخميس المقبل    لترطيب الكبد- 4 فواكه تناولها يوميًا    رسميًا.. جالطة سراي يفتح باب المفاوضات مع ليروي ساني    "الزرقاني" يتفقد سير العمل بوحدة كفر عشما ويتابع معدات الحملة الميكانيكية    عرض مالي ضخم يقرب سباليتي من تدريب النصر    حماس تنفي تفاصيل مفاوضات وقف إطلاق النار التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    الأحد 22 يونيو.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن المرحلة الثامنة التكميلية بالعبور الجديدة    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    ماجد الكدواني: «موضوع عائلي» أعادني للتلفزيون بعد 14 سنة    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    حقوق الإنسان بمجلس النواب تستضيف رئيس الطائفة الإنجيلية وأعضاء الحوار المصري الألماني    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    أول تعليق من ابنة أحمد الدجوى بعد حفظ قضية سرقة الأموال    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    "كانوا بيلعبوا ب40 ألف بالضرائب".. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بصورة الجيل الذهبي    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    بعد تعرضها لأزمة صحية.. ملك زاهر تطلب من جمهورها الدعاء    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    أهلي جدة ينتظر موقف ميسي    انقطاع شامل للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    فريق جراحي بالزهراء الجامعي يُنقذ مريضَين بانشطار في الشريان الأورطي    وزير الصحة يبحث مع مدير "جنرال إليكتريك" التوطين المحلي لأجهزة السونار    الصحة العالمية: رصد متحور كورونا الجديد في ألمانيا    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    تامر حسنى وديانا حداد نجوم أحدث الديوهات الغنائية    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (16).. المفكر والأكاديمي الدكتور عبد الحسين شعبان: بيئة النظام العربى غير قادرة علي مواجهة المحاولات الجديدة لتقسيم المنطقة
نشر في الأهرام العربي يوم 17 - 05 - 2016


العزب الطيب الطاهر
يمثل الدكتور عبد الحسين شعبان المفكر والأكاديمى واحدا من رموز الحراك الفكرى العربى الفاعل، سواء عبر إسهاماته فى المؤتمرات والمنتديات ذات الطابع القومى، أو من خلال مؤلفاته وأعماله الكثيرة أو على صعيد الإسهام بالكتابة فى أكثر من مطبوعة عربية مهمة، أو بالحوارات الجادة والرصينة التى تقدم دوما الجديد استنادا إلى تحليل موضوعى، وفى حواره ل"الأهرام العربى" يرصد عبر حقائق التاريخ ومعطيات الواقع الراهن تداعيات مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو" ويركز إلى جانب الآثار السلبية لهذه الاتفاقية من المنظور التاريخى على قدرات العالم العربي التى يصفها بالكبيرة، لكنها معطلة، ولم تستثمر في مواجهة مخاطر التقسيم والتفكيك، خصوصا في ظل الحلقة الجديدة من حلقات التشظي الداخلي بعد الهيمنة، ويؤكد فى الوقت نفسه أن بيئة النظام العربي الإقليمي الرسمي غير فاعلة وغير مؤهلة حالياً لصد المخططات التفكيكية الجديدة.
والأهم من كل ذلك أنه يحذر من الاختراقات الخارجية الرامية لتفكيك دول المنطقة، سواء صيغة جو بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات (دويلات)، وقبل ذلك مشروع برنارد لويس منذ العام 1979 لتقسيم دول المنطقة إلى 41 دويلة، وسوريا وحدها تتجزأ إلى 6 دويلات، مشيرا إلى ما قاله هنرى كيسنجر :"لا بدّ من إقامة إمارة وراء كل بئر نفط".
والهدف هو أن يكون الجميع أقلية أما "إسرائيل" فستكون القوة الكبرى، من حيث التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي والاقتصادي، وحينها ستدور هذه الدويلات في فلكها، وذلك ما يسمّيه " الحرب الناعمة"، حيث تبدأ الحروب الساخنة الداخلية عربية – عربية لتصل إلى دويلات أقرب إلى دوقيات أو مناطقيات متحاربة على الطريقة الرومانية، أي وصول الجميع إلى حافة الموت، عندها يصبح التقسيم أمراً واقعاً، بل أحسن الحلول السيئة عند البعض كما يبرّر، وهذا ما تريده " إسرائيل" والقوى الإمبريالية التي تقف خلفها.
الحوار مع الدكتورعبد الحسين شعبان تطرق إلى جوانب كثيرة فى هذا الملف الواسع فإلى نصه:

ما تقييمك لمخاطر هذه الاتفاقية فى المنطقة خلال القرن الفائت؟ وهل المخاطر ما زالت قائمة خصوصا فى ظل ما يتردد من تقارير بشأن إعادة إنتاجها بصورة تقود إلى المزيد من تقسيم الدول العربية؟
لو أعدنا قراءة الخرائط التي على أساسها تم تقسيم العالم العربي، سنكتشف حقائق مريرة ومرّة، أسهمت القوى الكبرى "المنتصرة" لاحقا في الحرب العالمية الأولى في ترسيخها، وخصوصا بريطانيا وفرنسا على حساب شعوب المنطقة، وذلك من خلال ما عُرف "باتفاقية آسيا الصغرى" العام 1916، وهي اتفاقية سرّية بين وزراء خارجية بريطانيا مارك سايكس ووزير خارجية فرنسا جورج بيكو، وعُرفت باسم اتفاقية سايكس – بيكو، وقد انضمت روسيا القيصرية إلى الاتفاقية وصدقت عليها ممثلة بوزير خارجيتها سيرجي سازانوف، والهدف منها تقاسم تركة "الإمبراطورية العثمانية " في منطقة الهلال الخصيب، إضافة إلى مناطق النفوذ في الدردنيل وغرب آسيا.
واتفاقية سايكس – بيكو التي دامت المفاوضات بشأنها من نوفمبر 1915 وحتى مايو 1916، سبقتها اتفاقيتان سريتان أخريان، هما اتفاقية القسطنطينية (مارس 1915) و"مذكرة لندن" (إبريل 1915)، وقد حاولت الدبلوماسية الإيطالية الانضمام إليها بصفقة سرّية، جرى وضعها باتفاقية لاحقة عُرفت باسم "معاهدة سان جان دي موريان" ( يونيو /حزيران/ 1917)، لكن نجاح الثورة البلشفية في روسيا في العام ذاته، ونشرها للاتفاقيات السرّية، بل فضحها للدبلوماسية (الإمبريالية) التي تقف خلفها من وراء ظهر الشعوب، أثار ردود فعل كبرى ضدها، لا سيّما بانسحاب روسيا منها، وهو ما انعكس أيضا في مراسلات الشريف حسين – مكماهون، التي أعطى الحلفاء بموجبها وعداً بإقامة دولة عربية واحدة في حالة ما إذا ثار العرب ضد الدولة العثمانية.
ولعلّ ما أجّج الموقف العربي الرافض للاتفاقية هو أن كشفها من جانب روسيا الشيوعية، تزامن مع صدور وعد بلفور العام 1917، الذي تعهد به آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان ذلك بمثابة ضربة للثورة العربية التي قادها الشريف حسين ولآمال العرب في إقامة دولة موحّدة.
وإذا كان من المأمول بعد انحلال الدولة العثمانية إقامة دولة وطنية عربية وتقديم الولاء العروبي على الولاء الديني، لا سيّما في أجزاء المشرق العربي، على أساس حق تقرير المصير، ووفقاً لبنود الرئيس الأمريكي ويلسون ونقاطه الأربعة عشر، العام 1918 وقبله ما نادت به ثورة أكتوبر أواخر العام 1917 من حق تقرير المصير وتحرير شعوب الشرق، فإن مثل هذه الآمال تبدّدت بتخلّي الحلفاء ولا سيّما بريطانيا عن وعودها، خصوصاً بمشروع التقسيم الذي دفعت المنطقة ثمنه غالياً، خصوصاً بوضع فواصل بين بلدانه وشعوبه ورسم خرائط لتشطير البلاد العربية، تم رسمها بعناية فائقة وخبث شديد. وإذا كانت سايكس بيكو، قد دقت مسماراً كبيراً في رأس المشروع الوحدوي العربي، فإن الكيانات التي قامت على أساسها وضعت هي الأخرى العصا أمام تحقيق وحدة عربية، بتقديم ما هو قطري ومحلي على ما هو عروبي وإستراتيجي.
لقد مرّ على سايكس بيكو 100 عام، فماذا نأمل مما هو راهن: حيث المقسم تم تقسيمه إلى أجزاء، وأحياناً وحدات مجهرية، في ظل الموجة الطائفية- المذهبية، الإثنية وتفكّك الدولة الوطنية وتعاظم ظاهرة التشظي والتفتت، لا سيّما في ظل ارتفاع منسوب العنف والإرهاب، وموجة التعصب والتطرّف التي قد تقود إلى المزيد من التشرذم والانشطار، الأمر الذي سيعني إعادة إنتاج الصورة القديمة على نحو أكثر تشويهاً.
قدرات كبيرة لكنها معطلة
إلى أى مدى يمتلك العالم العربى القدرة على مواجهة هذه المخاطر؟ وما أسس ومرتكزات هذه المواجهة؟
يمتلك العالم العربي قدرات كبيرة، لكنها معطّلة ولم تستثمر في مواجهة مخاطر التقسيم والتفكيك، خصوصا في ظل الحلقة الجديدة من حلقات التشظي الداخلي بعد الهيمنة الخارجية. ولم يكن بإمكان بريطانيا وفرنسا إيصال المنطقة إلى ما وصلت إليه، إلاّ حين دفعت بعوامل الفرقة والتمزق الداخلية إلى أقصاها تحت عناوين مختلفة، تارة دينية وأخرى إثنية وثالثة لغوية أو سلالية أو جهوية أو غير ذلك.
كما أن قيام دولة " إسرائيل" في 15 مايو (أيار) 1948 كان عنصر توتر وبؤرة حروب مستمرة، أسهمت في تعطيل التنمية، وقد عملت الصهيونية لتهيئة لذلك، سواء بحصولها على وعد بلفور، أو بصدور القرار رقم 181 لعام 1947 بخصوص تقسيم فلسطين إلى دولتين. ليس هذا فحسب بل توسّعت باحتلال كامل فلسطين، بما فيها القدس الشريف وأراض عربية أخرى، والمباشرة بشن عدوان تلو آخر لمنع البلدان العربية من السير في طريق التنمية والتقدم، بل دفعها إلى المزيد من التسلّح وكبت الحريات على المستوى الداخلي، تحت زعم محاربة العدوان الخارجي.
إن ما تقوم به داعش اليوم، هو وجه آخر لإلغاء ما تبقى من حدود سايكس – بيكو، لا سيّما بين سوريا والعراق، وربط الموصل بالرقة في محاولة لتهشيم ما تبقى من الدولة الوطنية، والخشية الآن هي ما بعد داعش، حيث إن الخطر يهدّد الدولة الوطنية التي قد تندفع باتجاهات انعزالية وتتشظى على أساس مجاميع ثقافية ودينية وإثنية وسلالية وغير ذلك.
وكان الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 وقبله الاحتلال الأمريكي لأفغانستان العام 2001 قد وضع المنطقة كلّها في أتون حرب اتخذت أشكالاً مختلفة، تارة باسم مكافحة الإرهاب وأخرى لتغذية النزاعات الداخلية، وثالثة حروب إسرائيلية متكررة ضد غزة، ورابعة لمواجهة الاحتلال الأمريكي، لكن الشيء المؤكد أن المنطقة ما قبل احتلال العراق هي غيرها ما بعده.
إن أسس ومرتكزات المواجهة لا بدّ أن تنطلق من رؤية إستراتيجية للمخاطر القائمة، وعلى أساس المشترك الذي يجمع الشعوب العربية، وتلك مسئولية النخب الفكرية والسياسية والثقافية، الحاكمة وغير الحاكمة، بما فيها الأحزاب والقوى التقدمية ومنظمات المجتمع المدني.
ولا بدّ لهذه الرؤية أن تكون عابرة للتمترسات الدينية أو الطائفية أو الإثنية أو الجهوية، وهدفها الحفاظ على ما تبقّى من الأمن القومي العربي والمشترك الإنساني، بربط التنمية بعجلة التغيير والتحوّل الديمقراطي، وهو ما كان يأمل به الشعب العربي من محيطه إلى خليجه إبان ما سمّي بالربيع العربي، وعلى الرغم من أنه مسار طويل الأمد، لكن محاولات كبحه وإعادة القديم إلى قدمه لا تزال مستمرة، ولذلك فقد أصيب البعض بخيبة ومرارة وكأن التضحيات ذهبت سدًى.
أنا شخصياً مازلت أؤمن بأن ما حصل هو خطوة أولى، مع كل مراراتها وضياع بوصلتها أحياناً، لكنها خطوة لا بدّ منها على طريق التغيير الطويل الأمد، على الرغم من كثرة المنعرجات ووعورة الطريق والانثلامات والانكسارات التي تصاحب المسيرة، ناهيك عن الفوضى والعنف والسلبيات.

بنية النظام العربى
هل تعتقد أن بنية النظام الإقليمى العربى قابلة لتنفيذ مخطط التفكيك الجديد للمنطقة بفعل ما تشهده فى المرحلة الراهنة من اضطرابات وحروب أهلية ذات طابع مذهبى وطائفى ونزاعات بينية؟
إن بيئة النظام العربي الإقليمي الرسمي غير فاعلة وليس بالإمكان إعادتها إلى سابق عهدها، أي أنها بصراحة غير مؤهلة حالياً، لا سيّما منذ اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد 1978-1979 والغزو العراقي للكويت عام 1990، وفيما بعد تداعيات احتلال العراق على المنطقة ككل، وتصدّع الحد الأدنى من التضامن العربي.
يضاف إلى ذلك أن الدولة الوطنية ضعُفت إلى حدود كبيرة، بل إن وحدتها أصبحت مهدّدة بمخاطر جسيمة، بفعل الحروب فيما بينها، وكذلك النزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي تعاني منها داخلياً، لأسباب دينية وطائفية وإثنية، إضافة إلى استمرار حال التخلف والأمية والفقر والتفاوت الاجتماعي وشحّ فرص الحرية والحق في المشاركة.
هل توافق فى ضوء هذا الفهم على أن ثورات الربيع العربى جاءت ضمن مخطط واسع لإعادة النظر فى خارطة المنطقة العربية وفق أسس طائفية وعرقية ومذهبية وهو ما يتجلى فى غير دولة عربية؟
إن مثل هذا الرأي يعني مصادرة كفاح التقدميين والإصلاحيين العرب بمختلف توجهاتهم اليسارية والعروبية والوطنية والإسلامية، تلك التي حفلت بالتضحيات من أجل الإصلاح والتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، من خلال تنمية شاملة ومستدامة لجميع جوانب الحياة.
وإذا كانت الفوضى قد ضربت أطنابها في بعض بلدان التغيير، فالأمر يعود في جزء منه إلى أنه لا ثورة ولا انتفاضة في العالم لم يعقبها شيء من الفوضى، بحكم انهيار شرعيات قديمة وعدم قيام شرعيات جديدة، حتى الشرعيات التي أقيمت على أنقاض الأولى، فإنها كانت تمرّ بمرحلة انتقال مضطربة، وكل مرحلة انتقالية تصاحبها عادة بعض المظاهر السلبية سواء انفلات العنف أم استخدام السلاح أم إضعاف هيبة الدولة، وهذا ما شهدته العديد من البلدان في العالم. ولو طبقنا مضمون سؤالكم على الثورة الفرنسية سنتوصل إلى نتائج مخيّبة للآمال ومحبطة على المستوى الكوني، لما صاحبها من عنف وإرهاب، في حين إننا جميعا نتغنّى بأهدافها ومبادئها.
ما حصل في ليبيا أو اليمن أو حتى بعض مظاهر العنف في مصر أو تونس، وما يحصل في سوريا، لا يمكن إن يحجب حقيقة ما أنجزته الثورات برفع شعارات الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وهي أهداف ليست آنية أو لحظية، إنها أهداف بعيدة المدى وتحتاج إلى تراكم، مثلما تحتاج بلدان الربيع العربي إلى التخلص من مظاهر الفوضى والعنف وإعادة هيبة الدولة ومؤسساتها لتتمكّن من إنجاز أهدافها.
إلى أى مدى ترى مسئولية ما يسمى بجماعات الإسلام السياسى فى تنفيذ المخطط التفكيكى للمنطقة وفق ما أظهرته الوقائع والأدوار التى لعبوها وما زالوا يلعبونها فى النزاعات والأزمات المشتعلة فى المنطقة وتطرح الأطر التقسيمية من فيدرالية وغيرها ضمن حلولها المطروحة مثلما هو حاصل فى العراق وسوريا وليبيا؟
إن قوى الإسلام السياسي تتحمّل مسئولية كبرى فيما ما وصلت إليه أوضاع بلدان الربيع العربي، وإن كانت التجربة في تونس تختلف عنها في مصر. وفي اليمن هي غيرها في ليبيا، وفي سوريا، فالأمر مختلف أيضا، وذلك بفعل تدخلات خارجية وإقليمية، لكن محاولات قوى الإسلام السياسي، الهيمنة على السلطة وحجب حق الآخرين حتى وإن بصندوق الاقتراع من المشاركة، والعمل على "أسلمة" الدولة أو "أخونة" المؤسسات الحكومية، دفع الأمور باتجاه الصراع وتفتيت معسكر الثورة إذا جاز التعبير، لدرجة أن بعض القوى المخلوعة أخذت تعود إلى واجهة المشهد السياسي.
وبالطبع فإن قوى الإسلام السياسي كانت وحدها المنظمة والجاهزة بحكم القمع الذي تعرّضت له القوى الأخرى، ولأن التنظيمات الإسلامية تستطيع أن تتخفى وراء واجهات مختلفة، لهذا فإنها كانت الأكثر حضورا وتأثيرا، وبالطبع فإن القوى الأخرى اليسارية والعروبية تتحمل جزءاً من المسئولية بسبب تفرقها وضعفها، فضلا عن أخطائها ونواقصها.
أعتقد إن الدولة المركزية الشديدة الصرامة ذات التوجهات الواحدية الإطلاقية بزعم امتلاك الحقيقة، لم تعد صالحة، ولا بدّ من إعادة النظر إليها بالمفهوم على أساس حكومات لا مركزية وسلطات اتحادية فيدرالية، بمعنى توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم وفقاً لوحدة الدولة وأساسها جيش موحد وواحد، وعلاقات خارجية ودبلوماسية واحدة وعملة وخطط اقتصادية مركزية لكل الدولة مع إخضاع الموارد الطبيعية للسلطة الاتحادية، وعدا ذلك يمكن أن يكون من اختصاصات الإدارات المحلية. وقد تنفع مثل هذه الصيغة لبعض البلدان ولا تنفع لأخرى، والأمر له علاقة بطبيعة المشكلات ودرجة التطور، لكنه بكل الأحوال، فإن الصيغة البيروقراطية المركزية لم يعد بالإمكان استمرارها على الطريقة القديمة للاستبداد والتفرّد.
وهنا لا بدّ من التوقف عند المفهوم السطحي والدارج للفيدرالية الذي يساوي بين الفيدرالية والتقسيم، وهذه صيغة ملتبسة ومرفوضة، والأساس في الدولة اللاّمركزية هو وحدتها وتقاسم صلاحياتها. كما أن الإقرار بحقوق الجماعات الثقافية الدينية والإثنية واللغوية، فإنه جزء من احترام الهوّيات الفرعية والإقرار بالتنوّع والاعتراف بالتعددية.

الاختراقات الخارجية
ما دور الاختراقات الخارجية فى إمكانية تفكيك المنطقة وكيف يمكن وقف تأثيراتها السلبية؟
الاختراقات الخارجية كبيرة جداً لتفكيك دول المنطقة، سواء صيغة جو بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات (دويلات)، وقبل ذلك مشروع برنارد لويس منذ العام 1979، لتقسيم دول المنطقة إلى 41 دويلة، وسوريا وحدها تتجزأ إلى 6 دويلات وكان كيسنجر هو الذي قال: لا بدّ من إقامة إمارة وراء كل بئر نفط.
والهدف هو أن يكون الجميع أقلية أما "إسرائيل" فستكون القوة الكبرى من، حيث التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي والاقتصادي، وحينها ستدور هذه الدويلات في فلكها، وذلك ما أسمّيه " الحرب الناعمة"، حيث تبدأ الحروب الساخنة الداخلية عربية – عربية لتصل إلى دويلات أقرب إلى دوقيات أو مناطقيات متحاربة على الطريقة الرومانية، أي وصول الجميع إلى حافة الموت، عندها يصبح التقسيم أمراً واقعاً، بل أحسن الحلول السيئة عند البعض كما يبرّر، وهذا ما تريده "إسرائيل" والقوى الإمبريالية التي تقف خلفها، وإسرائيل حين تتبع مثل هذا السلوك، فإن في جعبتها قنبلة نووية حتى وإن ارتدت قفازاً من الحرير، فالهدف واحد هو إبقاء المنطقة تدور في سايكس – بيكو قديم أو جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.