الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    14 شهيدا إثر قصف الاحتلال خيام النازحين في خان يونس    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام توتنهام.. موقف «مرموش»    موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة في الدوري والقنوات الناقلة    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    استئناف مباريات الجولة الأولى بدوري المحترفين    ارتفاع في درجات الحرارة في محافظة كفر الشيخ    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بصحراوي قنا    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    السجن المشدد 15 سنة لسباك قتل جاره في الجمالية    حبس سائق بتهمة الاستيلاء على سيارة محملة بحقائب وأموال بالسلام    شيرين عبد الوهاب تكشف حقيقة عودتها لحسام حبيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    أمريكا: مقتل خمسة ركاب جراء حادث تحطم حافلة سياحية في نيويورك    3 وفيات ومصاب في حادث تصادم مروّع على طريق أسيوط الزراعي    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    توجيه حكومي جديد لبيع السلع بأسعار مخفضة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    أسعار الفراخ اليوم السبت 23-8-2025 فى أسواق محافظة المنوفية    الطماطم ب7 جنيهات والليمون ب15.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    القاهرة تسجل 40 مجددا والصعيد يعود إلى "الجحيم"، درجات الحرارة اليوم السبت في مصر    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    نقيب الفلاحين: تكلفة كيلو اللحم البلدي على الجزار 270 جنيها.. «لو باع ب 300 كسبان»    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    بعثة منتخب مصر للناشئين تؤدي مناسك العمرة عقب مواجهة السعودية    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (16).. المفكر والأكاديمي الدكتور عبد الحسين شعبان: بيئة النظام العربى غير قادرة علي مواجهة المحاولات الجديدة لتقسيم المنطقة
نشر في الأهرام العربي يوم 17 - 05 - 2016


العزب الطيب الطاهر
يمثل الدكتور عبد الحسين شعبان المفكر والأكاديمى واحدا من رموز الحراك الفكرى العربى الفاعل، سواء عبر إسهاماته فى المؤتمرات والمنتديات ذات الطابع القومى، أو من خلال مؤلفاته وأعماله الكثيرة أو على صعيد الإسهام بالكتابة فى أكثر من مطبوعة عربية مهمة، أو بالحوارات الجادة والرصينة التى تقدم دوما الجديد استنادا إلى تحليل موضوعى، وفى حواره ل"الأهرام العربى" يرصد عبر حقائق التاريخ ومعطيات الواقع الراهن تداعيات مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو" ويركز إلى جانب الآثار السلبية لهذه الاتفاقية من المنظور التاريخى على قدرات العالم العربي التى يصفها بالكبيرة، لكنها معطلة، ولم تستثمر في مواجهة مخاطر التقسيم والتفكيك، خصوصا في ظل الحلقة الجديدة من حلقات التشظي الداخلي بعد الهيمنة، ويؤكد فى الوقت نفسه أن بيئة النظام العربي الإقليمي الرسمي غير فاعلة وغير مؤهلة حالياً لصد المخططات التفكيكية الجديدة.
والأهم من كل ذلك أنه يحذر من الاختراقات الخارجية الرامية لتفكيك دول المنطقة، سواء صيغة جو بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات (دويلات)، وقبل ذلك مشروع برنارد لويس منذ العام 1979 لتقسيم دول المنطقة إلى 41 دويلة، وسوريا وحدها تتجزأ إلى 6 دويلات، مشيرا إلى ما قاله هنرى كيسنجر :"لا بدّ من إقامة إمارة وراء كل بئر نفط".
والهدف هو أن يكون الجميع أقلية أما "إسرائيل" فستكون القوة الكبرى، من حيث التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي والاقتصادي، وحينها ستدور هذه الدويلات في فلكها، وذلك ما يسمّيه " الحرب الناعمة"، حيث تبدأ الحروب الساخنة الداخلية عربية – عربية لتصل إلى دويلات أقرب إلى دوقيات أو مناطقيات متحاربة على الطريقة الرومانية، أي وصول الجميع إلى حافة الموت، عندها يصبح التقسيم أمراً واقعاً، بل أحسن الحلول السيئة عند البعض كما يبرّر، وهذا ما تريده " إسرائيل" والقوى الإمبريالية التي تقف خلفها.
الحوار مع الدكتورعبد الحسين شعبان تطرق إلى جوانب كثيرة فى هذا الملف الواسع فإلى نصه:

ما تقييمك لمخاطر هذه الاتفاقية فى المنطقة خلال القرن الفائت؟ وهل المخاطر ما زالت قائمة خصوصا فى ظل ما يتردد من تقارير بشأن إعادة إنتاجها بصورة تقود إلى المزيد من تقسيم الدول العربية؟
لو أعدنا قراءة الخرائط التي على أساسها تم تقسيم العالم العربي، سنكتشف حقائق مريرة ومرّة، أسهمت القوى الكبرى "المنتصرة" لاحقا في الحرب العالمية الأولى في ترسيخها، وخصوصا بريطانيا وفرنسا على حساب شعوب المنطقة، وذلك من خلال ما عُرف "باتفاقية آسيا الصغرى" العام 1916، وهي اتفاقية سرّية بين وزراء خارجية بريطانيا مارك سايكس ووزير خارجية فرنسا جورج بيكو، وعُرفت باسم اتفاقية سايكس – بيكو، وقد انضمت روسيا القيصرية إلى الاتفاقية وصدقت عليها ممثلة بوزير خارجيتها سيرجي سازانوف، والهدف منها تقاسم تركة "الإمبراطورية العثمانية " في منطقة الهلال الخصيب، إضافة إلى مناطق النفوذ في الدردنيل وغرب آسيا.
واتفاقية سايكس – بيكو التي دامت المفاوضات بشأنها من نوفمبر 1915 وحتى مايو 1916، سبقتها اتفاقيتان سريتان أخريان، هما اتفاقية القسطنطينية (مارس 1915) و"مذكرة لندن" (إبريل 1915)، وقد حاولت الدبلوماسية الإيطالية الانضمام إليها بصفقة سرّية، جرى وضعها باتفاقية لاحقة عُرفت باسم "معاهدة سان جان دي موريان" ( يونيو /حزيران/ 1917)، لكن نجاح الثورة البلشفية في روسيا في العام ذاته، ونشرها للاتفاقيات السرّية، بل فضحها للدبلوماسية (الإمبريالية) التي تقف خلفها من وراء ظهر الشعوب، أثار ردود فعل كبرى ضدها، لا سيّما بانسحاب روسيا منها، وهو ما انعكس أيضا في مراسلات الشريف حسين – مكماهون، التي أعطى الحلفاء بموجبها وعداً بإقامة دولة عربية واحدة في حالة ما إذا ثار العرب ضد الدولة العثمانية.
ولعلّ ما أجّج الموقف العربي الرافض للاتفاقية هو أن كشفها من جانب روسيا الشيوعية، تزامن مع صدور وعد بلفور العام 1917، الذي تعهد به آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان ذلك بمثابة ضربة للثورة العربية التي قادها الشريف حسين ولآمال العرب في إقامة دولة موحّدة.
وإذا كان من المأمول بعد انحلال الدولة العثمانية إقامة دولة وطنية عربية وتقديم الولاء العروبي على الولاء الديني، لا سيّما في أجزاء المشرق العربي، على أساس حق تقرير المصير، ووفقاً لبنود الرئيس الأمريكي ويلسون ونقاطه الأربعة عشر، العام 1918 وقبله ما نادت به ثورة أكتوبر أواخر العام 1917 من حق تقرير المصير وتحرير شعوب الشرق، فإن مثل هذه الآمال تبدّدت بتخلّي الحلفاء ولا سيّما بريطانيا عن وعودها، خصوصاً بمشروع التقسيم الذي دفعت المنطقة ثمنه غالياً، خصوصاً بوضع فواصل بين بلدانه وشعوبه ورسم خرائط لتشطير البلاد العربية، تم رسمها بعناية فائقة وخبث شديد. وإذا كانت سايكس بيكو، قد دقت مسماراً كبيراً في رأس المشروع الوحدوي العربي، فإن الكيانات التي قامت على أساسها وضعت هي الأخرى العصا أمام تحقيق وحدة عربية، بتقديم ما هو قطري ومحلي على ما هو عروبي وإستراتيجي.
لقد مرّ على سايكس بيكو 100 عام، فماذا نأمل مما هو راهن: حيث المقسم تم تقسيمه إلى أجزاء، وأحياناً وحدات مجهرية، في ظل الموجة الطائفية- المذهبية، الإثنية وتفكّك الدولة الوطنية وتعاظم ظاهرة التشظي والتفتت، لا سيّما في ظل ارتفاع منسوب العنف والإرهاب، وموجة التعصب والتطرّف التي قد تقود إلى المزيد من التشرذم والانشطار، الأمر الذي سيعني إعادة إنتاج الصورة القديمة على نحو أكثر تشويهاً.
قدرات كبيرة لكنها معطلة
إلى أى مدى يمتلك العالم العربى القدرة على مواجهة هذه المخاطر؟ وما أسس ومرتكزات هذه المواجهة؟
يمتلك العالم العربي قدرات كبيرة، لكنها معطّلة ولم تستثمر في مواجهة مخاطر التقسيم والتفكيك، خصوصا في ظل الحلقة الجديدة من حلقات التشظي الداخلي بعد الهيمنة الخارجية. ولم يكن بإمكان بريطانيا وفرنسا إيصال المنطقة إلى ما وصلت إليه، إلاّ حين دفعت بعوامل الفرقة والتمزق الداخلية إلى أقصاها تحت عناوين مختلفة، تارة دينية وأخرى إثنية وثالثة لغوية أو سلالية أو جهوية أو غير ذلك.
كما أن قيام دولة " إسرائيل" في 15 مايو (أيار) 1948 كان عنصر توتر وبؤرة حروب مستمرة، أسهمت في تعطيل التنمية، وقد عملت الصهيونية لتهيئة لذلك، سواء بحصولها على وعد بلفور، أو بصدور القرار رقم 181 لعام 1947 بخصوص تقسيم فلسطين إلى دولتين. ليس هذا فحسب بل توسّعت باحتلال كامل فلسطين، بما فيها القدس الشريف وأراض عربية أخرى، والمباشرة بشن عدوان تلو آخر لمنع البلدان العربية من السير في طريق التنمية والتقدم، بل دفعها إلى المزيد من التسلّح وكبت الحريات على المستوى الداخلي، تحت زعم محاربة العدوان الخارجي.
إن ما تقوم به داعش اليوم، هو وجه آخر لإلغاء ما تبقى من حدود سايكس – بيكو، لا سيّما بين سوريا والعراق، وربط الموصل بالرقة في محاولة لتهشيم ما تبقى من الدولة الوطنية، والخشية الآن هي ما بعد داعش، حيث إن الخطر يهدّد الدولة الوطنية التي قد تندفع باتجاهات انعزالية وتتشظى على أساس مجاميع ثقافية ودينية وإثنية وسلالية وغير ذلك.
وكان الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 وقبله الاحتلال الأمريكي لأفغانستان العام 2001 قد وضع المنطقة كلّها في أتون حرب اتخذت أشكالاً مختلفة، تارة باسم مكافحة الإرهاب وأخرى لتغذية النزاعات الداخلية، وثالثة حروب إسرائيلية متكررة ضد غزة، ورابعة لمواجهة الاحتلال الأمريكي، لكن الشيء المؤكد أن المنطقة ما قبل احتلال العراق هي غيرها ما بعده.
إن أسس ومرتكزات المواجهة لا بدّ أن تنطلق من رؤية إستراتيجية للمخاطر القائمة، وعلى أساس المشترك الذي يجمع الشعوب العربية، وتلك مسئولية النخب الفكرية والسياسية والثقافية، الحاكمة وغير الحاكمة، بما فيها الأحزاب والقوى التقدمية ومنظمات المجتمع المدني.
ولا بدّ لهذه الرؤية أن تكون عابرة للتمترسات الدينية أو الطائفية أو الإثنية أو الجهوية، وهدفها الحفاظ على ما تبقّى من الأمن القومي العربي والمشترك الإنساني، بربط التنمية بعجلة التغيير والتحوّل الديمقراطي، وهو ما كان يأمل به الشعب العربي من محيطه إلى خليجه إبان ما سمّي بالربيع العربي، وعلى الرغم من أنه مسار طويل الأمد، لكن محاولات كبحه وإعادة القديم إلى قدمه لا تزال مستمرة، ولذلك فقد أصيب البعض بخيبة ومرارة وكأن التضحيات ذهبت سدًى.
أنا شخصياً مازلت أؤمن بأن ما حصل هو خطوة أولى، مع كل مراراتها وضياع بوصلتها أحياناً، لكنها خطوة لا بدّ منها على طريق التغيير الطويل الأمد، على الرغم من كثرة المنعرجات ووعورة الطريق والانثلامات والانكسارات التي تصاحب المسيرة، ناهيك عن الفوضى والعنف والسلبيات.

بنية النظام العربى
هل تعتقد أن بنية النظام الإقليمى العربى قابلة لتنفيذ مخطط التفكيك الجديد للمنطقة بفعل ما تشهده فى المرحلة الراهنة من اضطرابات وحروب أهلية ذات طابع مذهبى وطائفى ونزاعات بينية؟
إن بيئة النظام العربي الإقليمي الرسمي غير فاعلة وليس بالإمكان إعادتها إلى سابق عهدها، أي أنها بصراحة غير مؤهلة حالياً، لا سيّما منذ اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد 1978-1979 والغزو العراقي للكويت عام 1990، وفيما بعد تداعيات احتلال العراق على المنطقة ككل، وتصدّع الحد الأدنى من التضامن العربي.
يضاف إلى ذلك أن الدولة الوطنية ضعُفت إلى حدود كبيرة، بل إن وحدتها أصبحت مهدّدة بمخاطر جسيمة، بفعل الحروب فيما بينها، وكذلك النزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي تعاني منها داخلياً، لأسباب دينية وطائفية وإثنية، إضافة إلى استمرار حال التخلف والأمية والفقر والتفاوت الاجتماعي وشحّ فرص الحرية والحق في المشاركة.
هل توافق فى ضوء هذا الفهم على أن ثورات الربيع العربى جاءت ضمن مخطط واسع لإعادة النظر فى خارطة المنطقة العربية وفق أسس طائفية وعرقية ومذهبية وهو ما يتجلى فى غير دولة عربية؟
إن مثل هذا الرأي يعني مصادرة كفاح التقدميين والإصلاحيين العرب بمختلف توجهاتهم اليسارية والعروبية والوطنية والإسلامية، تلك التي حفلت بالتضحيات من أجل الإصلاح والتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، من خلال تنمية شاملة ومستدامة لجميع جوانب الحياة.
وإذا كانت الفوضى قد ضربت أطنابها في بعض بلدان التغيير، فالأمر يعود في جزء منه إلى أنه لا ثورة ولا انتفاضة في العالم لم يعقبها شيء من الفوضى، بحكم انهيار شرعيات قديمة وعدم قيام شرعيات جديدة، حتى الشرعيات التي أقيمت على أنقاض الأولى، فإنها كانت تمرّ بمرحلة انتقال مضطربة، وكل مرحلة انتقالية تصاحبها عادة بعض المظاهر السلبية سواء انفلات العنف أم استخدام السلاح أم إضعاف هيبة الدولة، وهذا ما شهدته العديد من البلدان في العالم. ولو طبقنا مضمون سؤالكم على الثورة الفرنسية سنتوصل إلى نتائج مخيّبة للآمال ومحبطة على المستوى الكوني، لما صاحبها من عنف وإرهاب، في حين إننا جميعا نتغنّى بأهدافها ومبادئها.
ما حصل في ليبيا أو اليمن أو حتى بعض مظاهر العنف في مصر أو تونس، وما يحصل في سوريا، لا يمكن إن يحجب حقيقة ما أنجزته الثورات برفع شعارات الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وهي أهداف ليست آنية أو لحظية، إنها أهداف بعيدة المدى وتحتاج إلى تراكم، مثلما تحتاج بلدان الربيع العربي إلى التخلص من مظاهر الفوضى والعنف وإعادة هيبة الدولة ومؤسساتها لتتمكّن من إنجاز أهدافها.
إلى أى مدى ترى مسئولية ما يسمى بجماعات الإسلام السياسى فى تنفيذ المخطط التفكيكى للمنطقة وفق ما أظهرته الوقائع والأدوار التى لعبوها وما زالوا يلعبونها فى النزاعات والأزمات المشتعلة فى المنطقة وتطرح الأطر التقسيمية من فيدرالية وغيرها ضمن حلولها المطروحة مثلما هو حاصل فى العراق وسوريا وليبيا؟
إن قوى الإسلام السياسي تتحمّل مسئولية كبرى فيما ما وصلت إليه أوضاع بلدان الربيع العربي، وإن كانت التجربة في تونس تختلف عنها في مصر. وفي اليمن هي غيرها في ليبيا، وفي سوريا، فالأمر مختلف أيضا، وذلك بفعل تدخلات خارجية وإقليمية، لكن محاولات قوى الإسلام السياسي، الهيمنة على السلطة وحجب حق الآخرين حتى وإن بصندوق الاقتراع من المشاركة، والعمل على "أسلمة" الدولة أو "أخونة" المؤسسات الحكومية، دفع الأمور باتجاه الصراع وتفتيت معسكر الثورة إذا جاز التعبير، لدرجة أن بعض القوى المخلوعة أخذت تعود إلى واجهة المشهد السياسي.
وبالطبع فإن قوى الإسلام السياسي كانت وحدها المنظمة والجاهزة بحكم القمع الذي تعرّضت له القوى الأخرى، ولأن التنظيمات الإسلامية تستطيع أن تتخفى وراء واجهات مختلفة، لهذا فإنها كانت الأكثر حضورا وتأثيرا، وبالطبع فإن القوى الأخرى اليسارية والعروبية تتحمل جزءاً من المسئولية بسبب تفرقها وضعفها، فضلا عن أخطائها ونواقصها.
أعتقد إن الدولة المركزية الشديدة الصرامة ذات التوجهات الواحدية الإطلاقية بزعم امتلاك الحقيقة، لم تعد صالحة، ولا بدّ من إعادة النظر إليها بالمفهوم على أساس حكومات لا مركزية وسلطات اتحادية فيدرالية، بمعنى توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم وفقاً لوحدة الدولة وأساسها جيش موحد وواحد، وعلاقات خارجية ودبلوماسية واحدة وعملة وخطط اقتصادية مركزية لكل الدولة مع إخضاع الموارد الطبيعية للسلطة الاتحادية، وعدا ذلك يمكن أن يكون من اختصاصات الإدارات المحلية. وقد تنفع مثل هذه الصيغة لبعض البلدان ولا تنفع لأخرى، والأمر له علاقة بطبيعة المشكلات ودرجة التطور، لكنه بكل الأحوال، فإن الصيغة البيروقراطية المركزية لم يعد بالإمكان استمرارها على الطريقة القديمة للاستبداد والتفرّد.
وهنا لا بدّ من التوقف عند المفهوم السطحي والدارج للفيدرالية الذي يساوي بين الفيدرالية والتقسيم، وهذه صيغة ملتبسة ومرفوضة، والأساس في الدولة اللاّمركزية هو وحدتها وتقاسم صلاحياتها. كما أن الإقرار بحقوق الجماعات الثقافية الدينية والإثنية واللغوية، فإنه جزء من احترام الهوّيات الفرعية والإقرار بالتنوّع والاعتراف بالتعددية.

الاختراقات الخارجية
ما دور الاختراقات الخارجية فى إمكانية تفكيك المنطقة وكيف يمكن وقف تأثيراتها السلبية؟
الاختراقات الخارجية كبيرة جداً لتفكيك دول المنطقة، سواء صيغة جو بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات (دويلات)، وقبل ذلك مشروع برنارد لويس منذ العام 1979، لتقسيم دول المنطقة إلى 41 دويلة، وسوريا وحدها تتجزأ إلى 6 دويلات وكان كيسنجر هو الذي قال: لا بدّ من إقامة إمارة وراء كل بئر نفط.
والهدف هو أن يكون الجميع أقلية أما "إسرائيل" فستكون القوة الكبرى من، حيث التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي والاقتصادي، وحينها ستدور هذه الدويلات في فلكها، وذلك ما أسمّيه " الحرب الناعمة"، حيث تبدأ الحروب الساخنة الداخلية عربية – عربية لتصل إلى دويلات أقرب إلى دوقيات أو مناطقيات متحاربة على الطريقة الرومانية، أي وصول الجميع إلى حافة الموت، عندها يصبح التقسيم أمراً واقعاً، بل أحسن الحلول السيئة عند البعض كما يبرّر، وهذا ما تريده "إسرائيل" والقوى الإمبريالية التي تقف خلفها، وإسرائيل حين تتبع مثل هذا السلوك، فإن في جعبتها قنبلة نووية حتى وإن ارتدت قفازاً من الحرير، فالهدف واحد هو إبقاء المنطقة تدور في سايكس – بيكو قديم أو جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.