العزب الطيب الطاهر حظيت المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولى للسلام، لإيجاد حل للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، بقوة دفع جديدة خلال اللقاءات والاتصالات الدبلوماسية النشطة التى شهدتها القاهرة يوم الأحد الماضى، وبات متوقعا أن يعقد هذا المؤتمر فى الصيف المقبل وفق التصور الذى قدمه "بيير فيمون" المبعوث الفرنسى الخاص بالمبادرة، خلال مباحثاته مع كل من الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية، أو سامح شكرى وزير الخارجية المصرى، غير أن ملامح هذا المؤتمر لم تتبلور بعد، على نحو شديد الوضوح، وهو ما سيتم العمل عليه خلال الأشهر القليلة المقبلة قبل انعقاده، إن تم إقناع كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وكلتيهما لم تحدد موقفا بصورة قاطعة تجاه المؤتمر، إلا أن المؤشرات تفيد أن هذا الموقف يقيم بخانة الرفض، وإن لم يتم الإعلان عن ذلك رسميا فى ظل ما مما ينبئ عن تبنى الإدارة الأمريكية سياسة "الغموض البناء " تجاه المؤتمر، والذى تتخوف منه، لأنه إن عقد بالصيغة والأفكار التى تتبناها باريس، فسوف يخفض من سقف حضورها كلاعب رئيسى فى إدارة عملية التفاوض الثنائية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، منذ أكثر من عقدين دون أن تثمر عن مردود على الأرض. وفى هذا الصدد فإن الدكتور نبيل العربى، الأمين العام للجامعة العربية، رحب خلال اللقاء بالجهود التى تبذلها الحكومة الفرنسية من أجل عقد هذا المؤتمر الدولى لإطلاق مسار مفاوضات جدية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، مؤكداً أهمية أن يخرج مثل هذا المؤتمر بنتائج عملية ملموسة وواضحة حول مرجعيات عملية المفاوضات، والإطار الزمنى المحدد لها وصولاً إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وإقرار الاتفاق النهائى على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية.
وكانت الأفكار الفرنسية محورا للمباحثات المطولة، التى أجراها كل من الدكتور نبيل العربى وسامح شكرى مع رياض المالكى وزير الخارجية الفلسطينى، الذى جاء إلى القاهرة فى زيارة خاطفة لم تكن مجدولة مسبقا، وتم ترتيبها على عجل -وفق مصادر دبلوماسية فلسطينية تحدثت ل "الأهرام العربى –" ليتم التعرف على المنظور الفلسطينى حيال هذه الأفكار، والتى أكد أن القيادة الفلسطينية تدعمها بقوة وتتطلع إلى بلورتها وترجمتها على أرض الواقع، ولكن وطبقا لما قاله المالكى للصحفيين عقب لقائه أمين عام الجامعة، فإن الجانب الفلسطينى ما زال ينتظر الاستماع إلى الموقف الفرنسى بشأن المبادرة خصوصا ما يتعلق بالأسئلة التى طرحت على "جان مارك إرو "وزير الخارجية الفرنسى، فى اجتماع اللجنة الوزارية الرباعية المعنية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى والمشكلة، بقرار من قمة شرم الشيخ العربية فى التاسع من شهر مارس الماضى بمقر الخارجية المصرية، لكنه لفت النظر فى الوقت نفسه إلى أن الجانب الفلسطينى مهتم بتلك المبادرة، والتى جاءت لمعالجة قضيتين، الأولى تتمثل فى" غياب تحرك سياسى دولى خصوصا بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكى عن فشله فى جهوده الأخيرة فى مارس 2014، ووصول فرنسا إلى قناعة بأن الطريق التى تم التعامل بها فى موضوع المفاوضات المباشرة لم تعد ذات جدوى، والثانية تتجلى فى الافتقار إلى آلية جديدة تسمح للمجتمع الدولى بأن يتحرك، من أجل وضع حد للاحتلال الإسرائيلى والوصول إلى اتفاق سلام وإقامة الدولة الفلسطينية.
ويؤكد المالكى أن الجانب الفلسطينى وكذلك الجانب العربى، يعملان على الدفع باتجاه تفعيل ونجاح تلك المبادرة، وترجمتها على أرض الواقع من خلال انعقاد مجموعة الدعم الدولية ومن أجل ترسيخ المبادرة بشكل عملى، مشيرا إلى أن الرؤية الفرنسية تهدف إلى الخروج من هذا المستوى من الطرح الذى لا يوفر أملا أو ينطوى على إمكانية التفكير إلى آلية جديدة، ضمن البعد المتعدد الذى يسمح بأن تواكب المجموعة الدولية العملية التفاوضية، بما يدفعها للوصول إلى نتائج ملموسة، موضحا أن الجانب الفرنسى على وعى بالموقف الإسرائيلى الرافض لمبادرة عقد المؤتمر الدولى، ويضع مجموعة من الشروط، وقال إنه مدرك تماما بأن الإسرائيليين لن يتعاونوا مع هذه المبادرة أو غيرها من المبادرات ولدورهم المعطل لعملية السلام، منبها إلى أنه على الرغم من ذلك فإن الجانب الفرنسى لديه من المناعة ما يكفى لاستمراره فى التحرك سعيا للخروج من عنق الزجاجة الذى بلغته عملية السلام، تمهيدا لتوفير إمكانية الحل السلمى التفاوضى للصراع عبر صيغة المؤتمر الدولى. ولدى سؤاله عن تقييمه للموقف الأمريكى من المبادرة، أوضح المالكى أن الجانب الفلسطينى لم يتحدث بالتفصيل مع واشنطن فى هذا الصدد، لكن الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، أشار إلى أهمية المبادرة وضرورة دعمها أثناء اللقاء الذى جمعه بوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى قبل ثلاثة أسابيع ، غير أن الأخير لم يكشف عن موقف بلاده منها، مبينا أن "بيير فيمون" المبعوث الخاص للمبادرة الفرنسية زار واشنطن قبل فترة، وبحث الأفكار التى تتضمنها المبادرة مع المسئولين الأمريكيين، وبالتأكيد حصل على ردود فعل بشأنها لكنه نفى علمه ماإذاكانت هذه الردود إيجابية أو سلبية، غير أنها ستساعد الجانب الفرنسى على تحديد نقطة الانطلاق التى سيتحرك منها بشأن تنفيذ المبادرة . وحول التحرك فى مجلس الأمن بشأن وقف الاستيطان الإسرائيلى، أكد المالكى أن هناك توجها عربيا قويا للتحرك بهذا الاتجاه بلوره قرار مجلس الجامعة العربية فى اجتماعات دورته العادية ال145 على مستوى وزراء الخارجية، إلى جانب تأكيد الدعم للمبادرة الفرنسية أو توفير الحماية الدولية، لافتا النظر إلى أن المجموعة العربية فى نيويورك سوف تقوم خلال الفترة المقبلة بتحرك نشط على مستوى مجلس الأمن، أو على مستوى المجموعات الإقليمية الأخرى، لحشد الجهود حول تقديم مشروع قرار جديد بشأن وقف الاستيطان، مشيرا إلى أن آخر محاولة لطرح مشروع قرار على مجلس الأمن فى شأن الاستيطان كانت فى العام 2011 وهى المحاولة التى أجهضها الفيتو الأمريكى فى ذلك الوقت. وعبر عن أمله فى أن تنجح الجهود الجديدة فى مجلس الأمن، بما يمهد لاستصدار قرار جديد لوقف الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، والذى وصفه بأنه غير شرعى ويمثل أكبر جريمة ضد الإنسانية فى التاريخ المعاصر . وفى سياق متصل، فإن اللجنة الوزارية المعنية بإنهاء الاحتلال سوف تعقد اجتماعا عاجلا - حسبما أعلنه المستشار أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم الخارجية عقب لقاء وزير الخارجية المصرى سامح شكرى وزير الخارجية، وذلك للتحاور حول جميع مقترحات التحرك المستقبلية، والخروج برؤية عربية موحدة للخطوات المطلوب اتخاذها لدعم القضية الفلسطينية، وتحريك عملية السلام، ووضع حد لسياسة الاستيطان وتوفير حماية للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال.