ثابت أمين عواد شكلت المحميات الطبيعية فى مصر، ومازالت، سياجا آمنا للبشر والشجر والحجر، فعلى الرغم من أن هذه المحميات - 30 محمية تقريبا - لاتشكل أكثر من 15% من مساحة مصر، الا أنها الأهم مكانا والأخطر موقعا لبلادنا ولتضاريسها الأمنية والاقتصادية والديموجرافية. وإذا كانت أهمية المحميات تتركز فى اعتبارها وعاء حاضنا لكنوز النعم التى منحها الله "عز وجل" لنا فى هذه المناطق الحامية لتراث الأجداد، فإن هناك أهمية قصوى تتلخص فى أنها بما تضمه من موارد بشرية تعد نطاقا حاميا للوطن محافظا على حدوده وأمنه، فكما أنها "محميات طبيعية" تهتم بالطبيعة ومكوناتها، فهى أيضا "محميات إنسانية" تضع الإنسان فى صدارة مفرداتها. وقد تجسد هذا المفهوم خلال زيارة ميدانية لمحميات جنوبسيناء التى تغوص فى هدوء بديع منحته الطبيعة للبشر، فهل يحفظ هذا البشر تلك النعم؟! نعم.. فإن البشر هم الحماة الأساسيون للمكان وناسه وتاريخه، وهم الحماية أيضا للجغرافيا وتضاريسها. فقد اهتم وزير البيئة د. خالد فهمى بعمليات تطوير المحميات من خلال خطط وبرامج غير نمطية تهدف لدعم السياحة البيئية، ولا تغفل تنمية المجتمع المحلى الأقرب للمحميات، فبدأت تنفذها الوزارة بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائى "UNDP" عام 2012، بتكلفة حوالى 35 مليون جنيه، وتنتهى فى 2017. ونظرا لموقع المحميات الطبيعية، التى تكاد تتصدر حدود مصر مع العالم الخارجي، وطبقا للواقع والمكونات الذى تحتويه المحميات من ثروات تولد من ورائها ثروات، وكنوز تتدفق من خيراتها كنوز، فإن أهميتها تنعكس على أهمية المجتمع المحلى الذى يقيم على أرضها، وهؤلاء لابد من وضعهم فى مكانة استثنائية من توفير فرص عمل، وتدريب وتطوير لمهاراتهم بشكل مستمر حفاظا على الحدود، وصيانة للثروة، واستدامة لحقوق الأجيال المقبلة فى الثروات الطبيعية، ومن منطلق أهمية المحميات للأمن والتنمية فإن الوزارة المعنية بهذا القطاع لاتقل أهمية عن الوزرات السيادية. كان مبدأ توفير فرص عمل للشباب من أهالى سيناء من بين أهم عناصر التطوير فى نطاق المحميات الطبيعية، ومن خلال زيارة لجمعية كتاب البيئة والتنمية أخيرا لمحميات جنوبسيناء، ترافقت مع تنفيذ ورش عمل لاستعراض الاستغلال الاقتصادى الأمثل للمحميات، وصيانة الثروات الطبيعية للمحميات، وتطوير نظم الإدارة الاقتصادية للمحميات، كما شملت عرضا لأهداف مشروع الاستدامة المالية للمحميات، بالإضافة إلى تقديم للفرص الاستثمارية المتاحة أمام القطاع الخاص حول المحميات، وهذا تطور إيجابى ومبادرة تحدث للمرة الأولى، حيث يمكن أن تحقق استثمارات تنموية جيدة، فقد أظهرت الجولة وورش العمل مدى قوة ومتانة مبدأ إشراك المجتمع المحلى فى التنمية من خلال رعاية البيئة وحماية عناصرها، وهو ما يسهم فى بث الاستقرار ودعم عناصر النمو للمجتمع هناك. وإذا كان البحر الأحمر فقيرا فى ثرواته السمكية، إلا أنه غنى فى موارده البيئية أهمها توافر الشعاب المرجانية التى يصل عمرها إلى نحو 2 مليون عام، كما يشير د. عادل سليمان، مدير المشروع الإدارى والتمويلى للمحميات بوزارة البيئة. وتضم جنوبسيناء 3 أنظمة بيئية مختلفة فى نطاق محميات رأس محمد، ونبق، وأبو جالوم، وطابا، وهناك نطاق المحميات الطبيعية ومعها نطاق الإدارة البيئية التى تعد حماية مباشرة وأخرى غير مباشرة تشكل مظلة حماية للمحمية، كما تتوافر فى جنوبسيناء العناصر القوية التى تؤثر فى نمو وتكاثر الشعاب المرجانية منها شدة وقوة الضوء، ودرجة عمق المياه، ودرجة الملوحة، من 19- 23 درجة مئوية، وطبيعة القاع، والمعروف أنها تنمو بمعدل 3 سم فى السنة الواحدة. وللشعاب المرجانية أهمية بيئية واقتصادية وصحية، وهو ما يوضحه د. عصام سعد الله، مدير عام المحميات فى جنوبسيناء، مشيرا إلى أن هناك العديد من المخاطر التى تهدد الشعاب هى مخاطر مناخية مثل تغيرات الطقس، وطبيعية مثل السيول والعواصف، ومخاطر الأنشطة البحرية مثل رمى الخطاف، وحركة السفن، وأخرى مصدرها الأنشطة السياحية وأعمال الصيد، يضاف إليها الأعمال البترولية وشحوط المراكب والسفن، وتتم معالجة هذه المخاطر من خلال تهيئة المكان المستهدف والذى تعرض للتدمير وتهيئة البيئة المحيطة به للنمو من جديد وذلك يستغرق عشرات بل مئات السنين. ولعل التوجه العالمى فى مجال صناعة تقديم الخدمات السياحية يتركز فى الحفاظ على البيئة من خلال تطبيقات الاقتصاد الأخضر، والاعتماد تدريجيا على الطاقة النظبفة غير الملوثة والاقتصاد فى استخدامات المياه والطاقة، وهو ما يحاكى المكونات والعناصر الطبيعية فى المحميات، كذلك فإن البيئة النظيفة فى سيناء قدمت الكثير للتنمية لكى لا تجهد المعنيين بالبيئة، أيضا فإن موارد هذه البيئة تحفظ للأجيال المقبلة حقها فى الحياة، وللكائنات الأخرى نصيبها من النمو وعوامل البقاء.. ونظرا لأن سيناء تعتبر كيانا متكاملا وكأنها منطقة واحدة، فإن حماية جنوبسيناء بالمحميات لابد وأن يطبق فى شمال سيناء، حتى تسهم المحميات فى حماية حدود الدولة باعتبار هذه المحميات كيانات حمائية وحوائط صد أمام إرهاب البشر وغضب الطبيعة فى آن واحد، ففى شمال سيناء هناك محمية الأحراش عند رفح شرق العريش، ومحمية الزرانيق وبحيرة البردويل غرب العريش، وإذا كانت هذه المناطق تشكل النطاق الطبيعى للمحافظة لما تحتويه كثافة بشرية وعمرانية وطبيعية لشمال سيناء، فإنها فى نفس الوقت تعد أحد المفاتيح الرئيسية لهجرة الطيور المهاجرة فى قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا. أما فى وسط سيناء فإن المنطقة يدخل فى نطاقها محمية "سانت كاترين" التى تقع علي هضبة مرتفعة عند جبل سانت كاترين أعلى قمة فى مصر، وهى محمية تاريخية تحمل تراثا فريد يتمثل فى دير سانت كاترين بمحتوياته المعمارية وكنوزه الفنية والأثرية، والجبال المقدسة.. هذا يعنى أن المحميات الطبيعية فى مصر، خصوصا فى سيناء تسهم فى تقوية السياج الآمن والنطاق الطبيعى لحماية البشر والشجر والحجر..