أحمد إبراهيم عامر بين فرح عربى واعتراض أمازيغى، فازت مدينة غدامس الليبية بالترتيب الأول فى مسابقة مدينة التراث العربى 2016، بعد إجراء استفتاء إلكترونى أجراه اتحاد الإعلاميين العرب بين عدد من المدن العربية وهى: (سامراء العراق، فسطاط مصر، السلط الأردن، سوسةتونس، غدامس ليبيا، صنعاء اليمن)، حيث حصلت مدينة غدامس الليبية على 31182صوتا تلتها مدينة صنعاء فى الترتيب الثانى ب 30504أصوات. ومن المقرر أن يتم تسليم درع الجائزة والشهادة خلال فاعليات مونديال الاتحاد الدولى للإعلام العربى فى بداية العام الجديد بجمهورية مصر العربية، خصوصا أن مسابقة مدينة التراث العربي 2016تعمل بنظام التصويت التقنى، وتهدف لإبراز الهوية العربية، وقد تم تشكيل لجنة مختصة لفرز الأصوات الإلكترونية. بنيت مدينة غدامس فى واحة سميت "لؤلؤة الصحراء"، وهى إحدى أقدم المدن التى قامت فى حقبة ما قبل الصحراء، وتتميز هندستها المعمارية بخصوصية توزيعها للوظائف المختلفة على مختلف الطبقات، الطبقة الأرضية لتخزين المؤونة، والطبقة العائلية تشرف على ممرات مسقوفة مموهة تسمح بتنقل تحت الأرض وشرفات مكشوفة مخصصة للنساء. كما وجدت بالمدينة منحوتات ونقوش حجرية تدل على وجود حياة فى هذه المنطقة منذ 10000سنة، احتلها "القرطاجنيون"سنة 795ق.م ثم احتلها "الرومان" سنة 19ق.م وافتتحها العرب بقيادة "عقبة بن نافع" سنة 42ه، وقد وصفها كثير من الجغرافيين ": والرحالة العرب، فصاحب كتاب الاستبصار وصفها فى القرن السادس الهجرى بقوله: "مدينة غدامس" مدينة لطيفة قديمة أزلية، وإليها ينسب الجلد الغدامسي، وبها دوامس وكهوف كانت سجونا للملكة "الكاهنة" التى كانت بإفريقيا، وهذه الكهوف من بناء الأولين، فيها غرائب من البناء والأزاج المعقودة تحت الأرض. كما وصفها ابن خلدون فى معجم البلدان بأنها (مدينة بربرية قديمة لا يعرف تاريخ تأسيسها بالتحديد)، وقد صنّفت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" مدينة غدامس الأثرية بثالث أقدم مدينة فى العالم ومحمية من قبل المنظمة، أما اسمها فرومانى الأصل ويعنى بلد الجلود، وهى واحة نخيل تقع على المثلث الحدودى ليبيا وتونس والجزائر. اسمها أمازيغى الأصل "أغداميس" أى مناخ الإبل، كما أطلق عليها الرومان بلد الجلود، كانت قديماً واحدة من أشهر المدن الإفريقية الشمالية التى لعبت دورا تجارياً مهماً بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى بكونها محطة للقوافل، واعتبرها الباحثون من بين أشهر المدن الأمازيغية بإفريقيا الشمالية. من أهم الشواهد الأثرية التى لها قيمة من الناحية السياحية "تمسمودين"، وهى آثار أمازيغية على هيئة أصنام وشبه أصنام مبنية بالأحجار الجبس، ويذكر أنها بقايا معابد قديمة كما توجد بغدامس بقايا قصور أو لعلها حصون مهجورة منها قصر الغول شمالى غدامس وقصر بن عمير وقصر مقدول، إضافة إلى القلعة العثمانية التى خصص جزء منها لمتحف غدامس، وبلغت ذروة مجدها فى القرن الثامن عشر عندما خضعت للحكم العثمانى الموجود آنذاك فى ليبيا، وأصبحت مركزاً مهماً للقوافل وقاعدة للتجارة بين أجزاء الشمال الإفريقى. وصلها الإيطاليون عام 1924م بعد أن احتلوا ليبيا بأربع سنوات وأخضعوها لسلطتهم حتى دخول القوات الفرنسية إليها سنة 1940م ، ويبلغ عدد سكان غدامس الحديثة 12 ألف نسمة، سكانها الأصليون منقسمون إلى قبيلتين أمازيغيتين الأصل وهما "وازيت" و"وليد المنحدراتين" من قبائل زناتة الأمازيغية، مرورا بدخول الأجناس المختلفة من عرب وتجار وأفارقة وانتهاء بدخول الطوارق فى النصف الثانى من القرن العشرين، لتشكل هوية فريدة للمدينة التى تكونت من ثلاث هويات امتزجت مع بعضها وجمعها فى النهاية الدين الإسلامى لتتكون الهوية الغدامسية. وبعد الإعلان عن فوز مدينة غدامس مدينة التراث العربى لعام 2016انطلقت على موقع التواصل الاجتماعى، حملة "فيسبوكية" رفضا لتعيين اتحاد الإعلاميين العرب "غدامس مدينة عربية" تحث شعار مدينة غدامس أمازيغية، مما أفضى إلى ردود فعل وإستياء من نشطاء الحركة الأمازيغية فى ليبيا وشمال إفريقيا، لكونها رمزاً من رموز الحضارة الأمازيغية، لوجود أدلة دامغة، من منحوتات ونقوش صخرية تؤرخ لحياة الأمازيغ. ويرى الأمازيغ أنه إذا ما كان هناك من تنافس حول الفوز بلقب مدينة الثرات العالمى لسنة 2016، فمن الأفضل أن يكون باسم "غدامس مدينة ليبية أمازيغية" ويأتى الاعتراض الأمازيغى مدللا على أن أهل غدامس حتى الآن محافظون على لغتهم الأصلية وهى اللغة الغدامسية إحدى اللغات الأمازيغية، وأن أغلب سكانها ليبيون اصليون أمازيغ، إضافة إلى عرقيات صغيرة أخرى. كما تنفرد هذه المدينة بنظام للرى فريد من نوعه بالعالم وتمتاز كمدينة بهندسة معمارية تتلاءم مع البيئة الصحراوية القاسية تتشابه مع أمازيغ مزاب والقبائل بالجزائر وأمازيغ المغرب بالواحات الصحراوية، فهى معلم عمرانى ومحمية تاريخية أبدع سكانها بها فهى مثال للنظام والتقسيم المبنى على الانسجام الاجتماعى والبيئى ذات أسوار مثيرة وأزقة نظيفة باردة فى عمق الصحراء، أما فندقها الشهير بإسم "طيط ن أقمار" ويعنى بالعربية عين الفرس والموجود خارج أسوارها لضيق بوابة المدينة، فهو معلم آخر بروعة المدينة. كما أسهمت هذه المدينة فى إثراء التراث الثقافى من رقصات فلكلورية متميزة ويتحدث سكانها اللغة الليبية الأمازيغية باللهجة الغدامسية، وهى إحدى أقدم لهجات الأمازيغ التى تعتبر فى الأصل لهجة "زناتية" تشبه إلى حد كبير لهجة أمازيغ سوكنة وأوجلة ويفرن وجادو ونالوت وزوارة فى ليبيا ولهجة سكان واحة سيوة بمصر، وبعض مناطق تونس والمغرب والجزائر، ويسمى أهل غدامس لهجتهم ب "أوال ن عديمس" بمعنى كلام أهل غدامس. وما بين مرحب ومعارض تبقى غدامس لؤلؤة الصحراء الليبية من أقدم مدن التراث الإنسانى وتستحق لقب مدينة التراث.