مصطفى عبادة الحضارة ليست خادماً تحت طوع التجارة. واحد من آباء الديمقراطية الأمريكية وهو دى توكفيل، سأل سؤالا محددا: هل يصح الاعتقاد بأن الديمقراطية التى قضت على النظام الإقطاعى وأزالت عروش الملوك وتيجانها، يمكن أن تتراجع أمام التجار الرأسماليين؟ الذين يمثلهم اليوم القطاع الخاص والتكنوقراط والمتخصصون فى أسواق المال، وأنصار مدرسة الاقتصاد السائدة، وإلى جانبهم أولئك المعلقون فى وسائل الإعلام الذين يقومون بدور من كانوا يزينون الأوضاع القائمة فى بلاط الملوك. - لكن أمريكا اللاتينية فعلتها، عادت المكسيك إلى الطريق الصحيح، بعد أن كانت على شفا هاوية، والبرازيل كذلك، ومن قبل ذلك فعلتها ماليزيا مهاتير محمد، فالاقتصاد الموحد ليس دينا يمكن فرضه على الجميع، المجتمع المصرى ليس الأمريكي، ضغط الغرب على ماليزيا تحت مسمى العولمة فخفضت العملة، وعومتها وتركتها للسوق الحرة، فبدأ الانهيار، ولما عادت لتثبت العملة، وفرض الجمارك، وضبط السوق، هاجمها الغرب وانتظر انهيارها الكامل، لكن مهاتير محمد قال لهم:«لابد أن تسمحوا لماليزيا بممارسة قدر من الغباء، لماذا لا تتركوننا وشأننا كى نرتكب الأخطاء التى ينبغى ارتكابها» فنجا ونجت ماليزيا. جون رالستون سول، الكاتب الكندى والروائي، وصاحب كتاب «انهيار العولمة. وإعادة اختراع العالم» كشف آلاف الأخطاء والخطايا، التى ارتكبتها العولمة، ودورها فى انهيار العديد من الدول، وتنفسخ المجتمعات، وكيف أنها جلبت إلى العالم الحديث الإرهاب المتستر بالدين أو الدولة الدينية، ففى عام واحد 1996 جرت حرب الشيشان ومات فيها خمسون ألف مواطن، وحدث الأمر نفسه فى أيرلندا، واتضح أن المسار الدولى كان يتجه صوب نوع من القومية الأكثر استنادا إلى الدين، حيث كانت الأحزاب السياسية تعرف نفسها بالطريقة المتبعة نفسها غالبا فى إسرائيل، والهند وتركيا، ثم بدأت الظاهرة تتسع لتمتد إلى ما يكاد يكون كل مكان آخر فى العالم. كنا فى «الأهرام العربي» نعرف أن جون رالستون سول قادم إلى مصر، حيث استضافته «الدار المصرية اللبنانية» ناشرة كتابه، وقد قامت مشكورة بترتيب لقاء لنا معه، قام بالترجمة فيه مدير النشر فيها زكريا القاضي، فى اللحظة التى صافحت فيها جون سول، أشار إلى كتابه الموضوع على المكتب وقال: هل قرأته، قلت نعم، وما رأيك؟ قلت لديَّ بعض الاستفسارات، قال من الجيد أن نقول ذلك، أنا مستعد. - لوحظ أن نزعة معارضة العولمة خفتت الآن، وربما لا توجد إلاَّ فى أمريكا اللاتينية، فما رأيك؟ هذا الأمر يعود إلى شيئين مهمين الأول هو أن معنى العولمة أو ما يقصد بها فى غضون الثلاثين عاما الماضية منذ 1970 حتى 1990، هو الذى انتهى الآن، وهو معنى فى الأساس لم يكن مقبولا إطلاقا، حتى الأفكار العالمية فى الاقتصاد وقتها لم تكن مقبولة لدى الجميع، وهذا أوجد نوعا من الارتباك والفوضى فى فهم العولمة، ومنذ عامين فقط، بدأ هذا المعنى يحدث له نوع من التداخل بين الاقتصاديين ورجال الأعمال وبين التجاريين ورجال البنوك، والآن جميعهم يلقى باللوم على تركيبة هذه العولمة، التى لم تكن بالوضوح الذى يجعل الجميع يفهمها، والآن فإن من آثار هذه العولمة تلك الأزمات التى تعانى منها دول مثل إيرلندا، ليس إيرلندا وحدها، (فاليوم لحظة كتابة هذا الحوار، أوشكت البرتغال على الإفلاس، وتراجع اليورو أمام الدولار، لأن المستثمرين يبيعون كميات كبيرة من السندات الحكومية التى أصدرتها كل من إسبانيا والبرتغال وبلجيكا خلال وقت قياسى خشية تكرار شبح أزمة الديون اليونانية فى الدول الثلاث، وهو ما نشره «الأهرام اليومي» فى صفحته الأولي، يوم الخميس قبل الماضي) ونعود إلى جون سول الذى كان يتحدث عن إيرلندا وأزماتها التى بدأت تؤثر على سلوك رجال الأعمال وأداءاتهم فى مناطق أخري، وأصبح الجميع الآن فى حالة مزعجة من الارتباك والفوضي، حتى إنهم لا يستطيعون الإجابة عن سؤال: ماذا علينا أن نفعل وما عساهم أن يفعلوا؟ وهؤلاء الذين خلقوا المشكلة (العولمة) اعتقدوا للحظة أن باراك أوباما، الرئيس الأمريكى الحالي، سيتخذ اتجاها مختلفا تماما من العولمة، لكن هذا لم يحدث، مما زاد الأمر ارتباكا، ومن ثم فقد الجميع حماسته لهذه النظرية. الفكر المتماثل والاقتصاد المتماثل، هذا ما كانت تحلم به الماركسية، وهو جوهر هذه النظرية فى شقها الاقتصادى بمعنى أرادت الماركسية تسييد الفكر الاشتراكى فى العالم كله، وفشلت لأنها خلقت من الاقتصاد دينا جديدا، العولمة فعلت الأمر نفسه، أى محاولة تطبيق الحتمية الاقتصادية والسوق الحرة على جميع المجتمعات الإنسانية، وفى سبيل ذلك، كما يقول جون سول، أو فى محاولة تبريره: هرعت كثير من دوائر الاقتصاد الدولى بالجامعات، فى الكثير من أنحاء العالم، إلى التركيز عليها فى دراساتها وأبحاثها، ويحفزها إلى ذلك ما كان يجرى من مناقشات وحوارات حول العولمة من قبل الملتقيات الفكرية، التى كانت تنظمها مؤسسات المحافظين الجدد، وكانت تتفق عليها سنويا حوالى 140 مليون دولار، المجلس الأعلى للثقافة فى مصر، عقد مؤتمرا للعولمة سنة 1995، وهى السنة التى كانت فيها الانهيارات تتوالى على هذه النظرية، كان العالم يودعها ونحن نبدأ الحديث عنها، إذا كان ذلك على المستوى النظرى والفكرى لا يهم، فإن الأخطر كان على المستوى الاقتصادي، فبعدها بدأ الحديث عن أهمية القطاع الخاص فى التنمية، وأنه شريك للدولة، وتسارع برنامج قطاع الأعمال العام، وأخذ يبيع مؤسسات اقتصادية كبيرة فى مصر، وصولا إلى سنة 2000 التى تولى فيها د. أحمد نظيف رئاسة الوزارة، فباع فى سنته الوزارية الأولى 17 مؤسسة من أكبر الكيانات الاقتصادية فى البلد. ونعود إلى جون سول الذى يكمل: إن هذه ال140 مليون دولار أتاحت منجم ذهب يغترف منه أساتذة الاقتصاد فى كثير من أنحاء العالم، بما فى ذلك أساتذة الدول النامية، وهو ما لم يكن متاحاً فى أى بحث للقضايا الاقتصادية من أى منظور آخر، وهذا يعنى محاولة لتوحيد نظام عالمى له فكر متماثل، كما كان يحلم به كارل ماركس، ومن قبله آدم سميث، برغم أن سميث نفسه هو من قال:«إن الحكومة التى تقوم على رجال الأعمال فقط، هى أسوأ حكومة على الإطلاق». - العولمة إذن هى ماركسية العالم الجديد، أليس كذلك يا مستر جون؟ نعم، لكن العولمة لها جانبان. الأولى تخيلى يعتمد على فروض خيالية وأياد غير مرئية، وهذا ينطبق على المؤسسات الحكومية بحيث يخفت الدور الذى تقوم به الحكومات، وينشأ دور أكبر لما يسمى بالتكتلات الاقتصادية والشركات متعدية الجنسية، أما الجانب الآخر، فهو الواقعي، والذى يكمن فى الإدارة، أى مديرى هذه التكتلات الاقتصادية الكبرى وهذه التحالفات، إذا أخذنا العولمة من هذا الجانب، فهى لا شك تشبه إلى حد كبير الماركسية. صدر كتاب انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم، عام 2005، أى قبل انفجار الأزمة المالية العالمية التى كان انفجارها متوقعاً ومنتظراً، ومع ذلك لم يتحرك رسل العولمة لمنعها، لأنهم ببساطة لا يستطيعون، لأن نظريتهم كانت قد وصلت إلى منتهاها، وكانت تشبه أتوبيساً تم تجميعه بشكل سيء، ومع ذلك يصرون على أنه مازال يسير، فهل تنبأ الكتاب بهذه الأزمة؟ يقول جون سول: نعم، تنبأت بالفعل أن هذا سيحدث، وفى 1999، كنت فى أستراليا، وكان لدى لقاء مع مدير بنك الاحتياطى الأسترالى لمراقبة حركة النقد، وقلت له ذلك وظهرت فى التليفزيون الأسترالى وقلت بوضوح إن العولمة قد ماتت، وكان ذلك قبل تأليفى للكتاب، ماتت لأسباب متعددة، منها تفاقم أزمة ديون البرازيل والأرجنتين، وحينما كنت أقول ذلك لنفسي، أظن أن بى مساً من الجنون، من سيصدقنى إذا قلت له ذلك؟ ربما لأنك روائى تتمتع بخيال خصب؟ ضحك جون سول طويلاً وقال ربما، دعنا نعد إلى ما كنت أعتقده وقتها، ظللت أفكر وأحلل الظواهر، حتى تيقنت أننى على الطريق السليم وأن الانهيار سيحدث بالفعل. - وهل اعترض أحد أو ناقشك فيما تقول؟ الكثيرون، خصوصاً من دعاة العولمة، كانوا يندهشون مما أقول، لكن برغم ذلك كانوا يشعرون أنهم يسمعون لغة جديدة وواقعية، تختلف عن لغتهم والمرجعية الخاصة بهم، لأننى كنت أفند الأمر بخطوات محددة وبوضوح ومنطقية، كانوا يعترضون وفق مسلمات اقتصادية، أثبتت بالتحليل بطلانها فى 1- 2- 3- 4، بتسلسل منطقي، وبلغة مختلفة، هم يستخدمون اللغة وكأنهم يحتكرونها، مع أننا أحرار فى استخدام اللغة التى تعبر عما نعتقده من أفكار ورؤي! استخدام اللغة المراوغة، واحتكار المعرفة، هى سمة المحافظين الجدد، الذين أوصلوا العالم إلى حافة الهاوية الآن، وقد استيقظوا من جديد فى أمريكا، بعد مرور سنتين من حكم أوباما، وكنا نظنهم ذهبوا بغير رجعة مع رحيل إدارة بوش وبوش نفسه، ما تفسيرك لصحوة المحافظين الجدد فى عهد أوباما؟ يجيب جون سول: إنهم «محبطون»، أنا أعتقد أنهم محبطون ولن يستطيعوا تنفيذ ما يريدون الآن لأنهم يفتقدون إلى لغة التواصل مع العالم ويفتقدون إلى أبسط قواعد الذكاء فى التعامل، وليس لديهم أى خطط اقتصادية ذكية أو حتى نافعة، وبرغم ما يتسمون به من عقلانية وحنكة، فإن تحويل ذلك إلى خطط تتسم بنفس الذكاء والعقلانية هم فاشلون فيه، إنهم يتحدثون بشكل نظامى وليس بشكل يستقريء الواقع، والذكاء يكمن فى أن من يدعو إلى الإصلاح، يجب أن يكون على إدراك كامل بالتوفيق بين كونه مصلحاً وبين أن يكون مفهوماً من قبل العامة الذين يدعو إلى إصلاحهم، وهى المعادلة التى أدركها بذكاء شديد رؤساء من أمثال «روزفلت» و«ليندون جونسون» فقد استطاعا تحقيق المعادلة بشقيها: الدعوة إلى الإصلاح، واضح المفهوم وهذا أيضاً ما فعله جيمى كارتر فى سياسته الخارجية. هم عادوا للمناوشة من جديد فى عهد باراك أوباما لكنه فى رأيى رئيس ذكى جداً، يواصل جون سول: ورئيس متجدد، ويستطيع أن يعالج ما يصادفه من مثل هذه العقبات، ويستطيع ما هو أكثر بأن يكون تحررياً وأكثر قبولاً. - لكنه لم يفعل شيئاً إلى الآن مما وعد به؟ لأنه يواجه ميراثاً صعباً للغاية عليه أن يعالجه، هذا ما يعطيك الإحساس بأنه لم يفعل شيئاً، ومن بين المشكلات التى يواجهها، أنه أول رئيس يضع جهوده بشكل مكثف جداً فى الرعاية الصحية، لكن خطأه الفادح أنه يتبع المقولات الاقتصادية التى يقول بها المحيطون به، برغم أنه يؤمن باقتصاد غير ما يقول به الليبراليون الجدد هؤلاء. - ولماذا تعتبر ذلك خطأ؟ لأنه عقب أى فشل اقتصادي، فإن عليك أن تسأل نفسك سؤالاً أساسياً، كيف أجعل من الأزمة فرصة لإحداث التغيير، ودائماً «أوباما» لديه قناعات فيما يواجه من مشكلات، بأنه يلجأ إلى الطريق الوسطى و«البين بين» وهذه الوسطية العقلية يلجأ إليها معظم الناس لحمايتهم من الأخطاء، وعدم احتساب المواقف عليهم. - كانت هناك أحلام بأن أوباما سيعمل على إقرار سياسته فيما يتعلق بالسلم العالمى والرخاء، ماذا عنها الآن؟ ولماذا فشل فيها؟ لأنه كان عليه أن يؤسس منذ البداية مصداقية الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أن دمرها بوش، وهذه مسألة صعبة للغاية، وأعتقد أنه صار فى هذا الطريق إلى درجة معقولة، فى الوقت نفسه، ظهرت قوى أخرى لم تكن موجودة من قبل، وهذا يدعونا لأن نسأل: ماذا يحدث وماذا يمكننا أن نفعل؟ فقد كان السؤال القديم: ماذا يفعل الأمريكيون؟ لكن السؤال الجديد أصبح: ماذا يحدث لنا نحن الأمريكيين؟ كان الأمر هو: ماذا يحدث للآخرين وليس ماذا يحدث لنا؟ وهذه هى النظرية الحديثة لمفهوم الإمبراطورية، وما حدث للعولمة هو أن الناس ظلوا يتساءلون: ما هى الأفكار الجديدة؟ فأوروبا الآن متخمة بالمشكلات فى الاقتصاد، فى السياحة، فى السياسة وفى كل شيء لدرجة أنها لم تعد لديها فرص للمواجهة والبحث عن حلول لهذه المشكلات، والحل الصحيح فى كل ذلك يكمن فى أن نعيد تركيب كل هذه الجزئيات مرة أخرى للبحث عن مخرج جديد، لم نفكر فيه من قبل، وإذا تم فك كل هذه التشابكات، فسنصبح أحراراً من الفشل والخوف والعولمة. - مرة أخري، جلبت العولمة الأمريكية، فكرة الدولة القومية إلى الظهور بقوة، كما جلبت التدين والعودة إلى الإيمان، بدليل أنه فى ظل تسيد فكر العولمة.، قام الاتحاد الأوروبى ليشكل كتلة كبيرة، فهل نجاح قيام الاتحاد الأوروبى كان لمقاومة العولمة أم للتماهى معها؟ الاتحاد الأوروبي، فكرة رائعة، إذا فكرنا فيه من منظور كونه فقط ثقافة اجتماعية، سياسية، وإطاراً فلسفياً عقلياً اجتماعياً، لكن الإدارة، أو الحكومات بمعنى أصح، تجبرك دائماً على أن نتكلم بالأفكار الاقتصادية وهذا شأن مختلف، وأيضاً يمكن أن يكون رائعاً، إذا استطعت أن تبرز الأزمات التى تواجهك وحددتها، لأنه دون أزمات نستطيع أن نقول إن السياسة بخير والاقتصاد بخير والأمور كلها على ما يرام، إذا حل الاقتصاد مشكلات السياسة والمجتمع، لكن ما يحدث الآن هو أنه تحدث تكتلات قوية، تستوجب قوة جبارة على المستويات المحلية وفى بعض النقاط، يمكن اتخاذها القوة وسيلة للوقاية والحماية ضد الفشل فى تطبيق المفاهيم التى كانت تسير عليها العولمة؟ وهذا يمكن أن يكون جيداً أو سيئاً: جيد إذا كان فيه تدعيم للهوية أو الثقافة الخاصة بمن يتلقى هذه العولمة، ويكون سيئاً إذا أصر على تطبيق نظريات بالية، وعندما تتسلح فى مواجهة هذا الاقتصاد العولمى لابد أن يكون لديك إدراك كاف لما تريد أن تأخذه منه، وما تريد أن تطرحه جانباً، وفى الحقيقة إنك بذلك تحدث نوعاً من التوازن بين احتياجاتك ومطالبك، وما تطمح فى تحقيقه. عندما تواجه الرأسمالية العالمية أزمة كبيرة، فإنها تحلها دائماً على حساب الأطراف، أو تختلق حرباً كبيرة، كما فعلت فى غزو العراق مثلاً التى خسرت فيها أمريكا ستة تريليونات دولار، فتتهدم بالحرب البنى التحتية كلها ويموت مئات الآلاف من البشر، وبعد انتهاء الحرب يكثر الطلب ويقل العرض فتنتعش السوق، وتهب الشركات الكبرى لإعادة الإعمار، وبذلك يقوى الاقتصاد، هذه نظرية قديمة جديدة، لأن أمريكا فعلتها فى بداية القرن الواحد والعشرين وتفكر فيها الآن، وهى بصدد إعداد المسرح وتهيئة الأجواء، فهل تتوقع يا مستر جون أن تكرر أمريكا فعلا حروبها برغم فشلها فى العراق وأفغانستان؟ من يعرف؟ - وأين تتوقع هذه الحرب ضد كوريا مثلا؟ لا أعتقد. ضد إيران؟ أيضا لا أعتقد، ضد سوريا؟ لا أعتقد أو ربما هنا احتمالان، فى هذا المناخ الذى نعيشه أنه لو حدث شئ مماثل لما جرى فى أحداث 11 سبتمبر لن أستبعد أن تقوم أمريكا برد فعل مجنون، وبعد نتائج الانتخابات الجديدة فى أمريكا توقع أى شيء، لكن الرئيس أوباما رجل عاقل للغاية. - وهل سينجح أوباما مرة ثانية؟ أعتقد أنه سينجح ويتولى فترة رئاسة ثانية على الرغم من هبوط شعبيته الآن، لأن الشعب الأمريكى يؤمن بأنه ليس هناك رئيس دون أخطاء. إن أهم ما يميز البشر فى رأى صمويل هنتنجتون ليس الخصائص الأيديولوجية، ولا السياسية ولا الاقتصادية، بل إنها عوامل التميز الثقافية، فالشعوب والأمم تحاول أن تجيب عن أهم الأسئلة التى يواجهها البشر، وهي: من نحن؟ والشعوب تعرف نفسها على أساس التراث، والديانة واللغة والتاريخ والقيم والأعراف والمؤسسات وتحدد هويتها على أساس الاجماعات الثقافية: القبائل والمجموعات الإثنية، والطوائف الدينية، والأمم، ثم الحضارات على نطاق أوسع، وهنتنجتون من دعاة العولمة وصدام الحضارات ومن أنصار المحافظين الجدد، وجون سول يستشهد بهذا الرأى لصامويل هنتجتون، ليدلل على فشل فكرة العولمة فى شقها الاقتصادي، مما دفعنى إلى سؤاله: إن هذا الفشل نفسه دفع العولمة إلى التركيز على التغيير الثقافى فرصدت لذلك الأموال. هل تعتقد أنها ستنجح فى هذا الأمر؟ تذكر أولا، ما قلته لك منذ قليل عن فكرة الاتحاد الأوروبى الرائعة على المستوى الثقافى والاجتماعي، لكن لو أنك اعتقدت أن الأمور فى بلادك تحتاج إلى قوة عسكرية، فأنت تطبق المذهب النابليوني، أما إذا رأيت أنك فى حاجة إلى قوة اقتصادية، فإنك ستسلك الطريق إلى الاقتصاد الناجح، لكن إذا أردت دولة قوية فإنك تحتاج إلى عناصر من كل ذلك، بالإضافة إلى ميراثك الثقافى والحضاري، الذى لا يمكن أن يسلبه منك أحد، وهذا ما أعتقد أنه يحدث بدرجة أو بأخرى فى مصر، وفى بعض البلاد فى المنطقة العربية، والتى تعرف أن لديها الفرصة لكى تلعب أدوارا مؤثرة فيما حولها، والآن عليكم أن تسألوا أنفسكم كيف لهذه المنطقة أن تلعب دورا سياسيا فاعلا فى إفريقيا؟ وفى الدول الناجحة فى آسيا، وما الأفكار التى يمكن أن تتبادلها مع آسيا ومع هؤلاء الناس، وما القيم والأخلاقيات التى يمكن أن تتعاملوا على أساس منها، وما الملامح الإبداعية التى يمكن تفعيلها معهم، كذلك يمكنكم تحديد القيم الثقافية التى ستسهمون بها فى التعامل مع هذه الشعوب، وهو الإسهام العالمى فى نظرى الذى يمكن أن تقوم به المنطقة العربية فى الحضارة العالمية. - بدأنا الحوار بأمريكا اللاتينية، والمقارنة معها تقتضى أن نسأل إذا كانت حركات مقاومة العولمة نجحت هناك فهل ستنجح فى العالم العربي؟ مفتاح نجاح أمريكا اللاتينية يتمثل أساسا فى نسيان الماضي، وإيجاد طرق جديدة تنبع من ذاتها، ثم قامت بتصدير هذه الأفكار الجديدة واستطاعوا تحمل المخاطرة، فالأرجنتين مثلا عانت من حالة إفلاس بنكي، واستطاعت بالمبادرات الإقليمية التى قامت بها أن تنهض فعلا، وإذا استطاع العالم العربي، تطبيق مثل هذين المبدأين، نسيان الماضى وإقامة تحالفات إقليمية بأفكار جديدة، يستطيع أن ينتصر على أى شيء، هذا بالإضافة إلى أن العالم العربى يملك ثروات عديدة وكثيرة، وأرضية ثقافية عريضة جدا، وخبرة إبداعية قادرة على المواجهة والتحدي، وبالتالى يمكنه أن ينهض بسهولة بأسرع حتى مما حدث فى أمريكا اللاتينية، والخطر الوحيد يبقى دائما فيما يعتنقه العالم العربى من أيديولوجيا، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، اجتماعية، وحتى لو كانت دينية، أعنى حتى لا يساء فهمي، أنه لكى يتم هذا النهوض، بألا تكون له أيديولوجية مسبقة، وعندما أقول دينية، لا أعنى الإسلام، فهو دين رائع، ولا مشقة فى الدين، لكن ماذا ستختار من خطوات لتحتل المكانة اللائقة بك، ولكى تستطيع النهوض، فالدين الإسلامى لديه أسس اقتصادية رائعة.