عماد أنور لا شىء فى العالم يمكن أن يحل محل الإصرار، حتى الموهبة لا يمكن أن تكون البديل.. ليس هناك شىء أكثر شيوعًا من أشخاص موهوبين غير ناجحين.. العبقرية أيضًا ليست بديلاً، لأنها مجرد مثل قديم لا معنى له والتعليم ليس بديلاً، فالعالم ملىء بالمتعلمين المهملين. الإصرار والعزم وحدهما هما القوة الهائلة.. حكمة قالها الرئيس الأمريكى السابق كالفين كوليدج وآمن بها محمد صلاح، ربما لم يقرأها، وقطعًا لم ير صاحبها، فصنعت نجوميته، وأصبح حديث الصحف المحلية والعالمية مبكرًا، وبالفطرة، أدرك النجم محمد صلاح لاعب المنتخب الوطنى ونادى فيورنتينا الإيطالى، أهمية الحكمة الرائعة التى قالها كوليدج قبل ما يقرب من 90 عامًا، وارتدى (الفرعون الجديد) عباءة الصبر فوق زيه الرياضى، وزينها بالأخلاق والتواضع، فصار فى وقت قصير حديث الصحف العالمية، وأحد أسباب السعادة لدى جماهير كرة القدم المصرية، فى وقت تناست الجماهير الطريق إلى المدرجات التى باتت تسكنها الأشباح بفعل ظلام تجميد المسابقات. منذ أكثر من أسبوعين، لم تنقطع أخبار صلاح، وإذا كانت قواعد العمل الصحفى، تقول إن الحديث عن تألق صلاح مع فيورنتينا بات مستهلكًا، إلا أن الواقع يقول شيئا آخر، وهو أن هذا اللاعب صاحب الموهبة العالية والسرعة الفائقة، أصبح ظاهرة فى عالم كرة القدم، والحديث عنه لن يتوقف، لكن الذى لا يجب إغفاله تلك المواقف المشرفة التى تكشف عن معدن اللاعب الحقيقى، والذى لم تبهره أضواء الشهرة والنجومية. علق صلاح حلم النجاح واللعب فى أكبر الأندية العالمية كالتميمة فى عنقه، وسعى إلى تحقيقه، فبدأ مشواره من نادى بلدية المحلة، مرورا بنادى بسيون، ثم عثماثون (مقاولون طنطا)، ومنه إلى نادى المقاولون العرب، وبدأت معاناة محمد صلاح اليومية حيث كان يستقل 5 وسائل مواصلات من منزله فى قرية نجريد التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية، حتى يصل إلى ملعب المقاولين بالقاهرة. أحلام صلاح فى ذلك الوقت لم تتعد الخروج من محافظة الغربية، واللعب فى أندية الأضواء، وكان دائما ما يسأل زملاءه اللاعبين قائلا: هو أنا ينفع ألعب فى الأهلى أو الزمالك؟ وتحققت نبوءة أحدهم الذى رد عليه قائلا: إنت يا صلاح حاتلعب فى نادى كبير فى أوروبا. (الجيرة)، جعلت من نجم الأهلى السابق وائل جمعة المثل الأعلى لدى صلاح، حيث كان جمعة يقطن فى قرية (الشين)، المجاورة لنجريد، بينما كان حمزة الجمل نجم الإسماعيلى ومدرب المقاولون العرب السابق، السبب فى تصعيد صلاح إلى منتخب الشباب مع زميله ورفيق دربه محمد الننى لاعب بازل السويسرى، الذى انتقل إليه صلاح فى العام 2012، وكان عمره 20 عامًا. برغم سعى أى لاعب للاحتراف الخارجى، خصوصا إذا كان فى أحد الأندية الأوروبية، رفض صلاح أن يكون أحد ضحايا (المغرور) مورينيو مدرب نادى تشيلسى الإنجليزى، حيث من المعروف عن المدرب البرتغالى السعى للتعاقد مع أى لاعب يسجل فى مرمى فريقه، ويظهر بصورة جيدة، ثم يتركه حبيسًا لدكة البدلاء، وواجه صلاح غرور مورينيو بالصبر، وآمن بموهبته وثقته بنفسه التى لم تهتز. وأكد مصدر مقرب من صلاح ل «الأهرام العربى»، أن اللاعب نفسه كان يتعجب من معاملة مورينيو له، حيث كان يعامله بود شديد فى أثناء التدريبات، وييثنى على مستواه، فى حين يفاجأ صلاح بخروجه من قائمة تشكيل المباريات، ونفى صلاح ما تردد عن إجراء جلسات ودية مع مورينيو قبل رحيله إلى فيورنتينا، وأن العلاقة بينه وبين مدربه السابق كانت تقتصر على الملعب فقط. ربما يحدث مورينيو نفسه الآن بعد تألق صلاح مع فورينتينا، نادمًا على ترك موهبة بهذا الحجم، ولم ينجح فى التعامل معه كلاعب يحتاج إلى مزيد من التأقلم، بينما تجاهل صلاح كل هذه الأمور، وظل فى طريقه نحو الحلم، وفضل المشاركة عن دكة البدلاء، فالتحق ب (الفيولا) على سبيل الإعارة، وهز شباك كبار الأندية الإيطالية مثل يوفنتوس وإنتر ميلان، فصار معشوق الجماهير فى مدينة فلورنسا صاحبة ال 4 آلاف نسمة، مما شجعه على التنزه فى المدينة لفترات، بعد أن كان يقضى وقت فراغه فى منزله. بين عشية وضحاها، وعقب مباراة فريقه أمام يوفنتوس، والتى أحرز فيها صلاح هدفين رائعين، قادا (الفيولا) للفوز على فريق (السيدة العجوز) على ملعبه لأول مرة منذ 15 عامًا، حيث وقف اللاعب مذهولًا في شرفة منزله بفلورانسا، حيث فوجئ بعشرات المشجعين متواجدين أمام المنزل حاملين صوره، يطالبون صلاح بالنزول إليهم والتقاط الصور التذكارية معهم. دائمًا ما يكون للنجومية ضريبة، أكثرها رواجًا هى الإشاعات التي تلاحق النجم أينما وجد، وهو السبب الذى جعل صلاح يبتعد قليلًا عن الإعلام، مؤكدًا على أن الكثيرين حاولوا إجراء حوارات صحفية معه، وعندما رفض اتهموه بأنه إخوانى ويسير على نهج لاعب الأهلى السابق محمد أبو تريكة، الذى طالته الاتهامات ذاتها. شيئان فقط كان صلاح حريصًا على التأكيد عليهما وتصحيح بعض المفاهيم، أولهما هو أنه ومنذ احترافه الخارجى قرر عدم الحديث فى الدين أو السياسة على الإطلاق، أما حبه للنادى الأهلى، يأتى فى المرتبة الثانية، حيث أن صلاح من عاشقى فريق الإسماعيلى، الذى كان والده من أكبر مشجعيه. عن محمد صلاح داخل المستطيل الأخضر، فحدث ولا حرج، بل إن الأمر لم يعد فى حاجة إلى الحديث، ويكفى أن الجماهير المصرية عاودت الاهتمام بالدورى الإيطالى، وصارت تتساءل عن مواعيد مباريات فيورنتينا للاستمتاع بموهبة صلاح، بل إنها فى انتظار وجود قميص صلاح الذى يحمل الرقم (74) فى المتاجر المصرية، لينافس قمصان أندية ريال مدريد وبرشلونة ومانشيستر يونايتد ومانشيستر سيتى، التى يتهافت عشاق كرة القدم على اقتنائها، مع قمصان الأهلى والزمالك. بعيدًا عن الملاعب، وداخل قاعة الزفاف، ظهر محمد صلاح متأنقًا، تتشابك يديه مع نصفه الآخر التى أحبها واختار أن تشاركه رحلة نجاحه، وكشف صلاح عن معدنه الحقيقى، وأصر على دعوة أهل قريته المتواضعة إلى حفل الزفاف، بالإضافة إلى رفقاء رحلة الكفاح سواء فى الملاعب من لاعبى مراكز الشباب والأندية الصغرى أم الحياة الخاصة، وكانت هذه الرغبة محل انتقاد من بعض المدعوين من النجوم، وقالها بعضهم صراحة ل (العريس)، "أنت محترف فى تشيلسى والمفروض تعزم ناس من نجوم العالم". كعادته، لم يلتفت صلاح إلى هذه الصغائر، ورد ببساطته المعهودة على منتقديه قائلًا: "هؤلاء أهلى وجيرانى وسبب وصولى إلى تشيلسي، وهما اللى حاشوف فرحتى فى عينيهم.. أما النجوم اللى بتقولوا عليهم بييجوا عشان يتصوروا، واللى يكبر على أهله بيصغر، أما اللى بيفضل وسطهم بيكبر بيهم وبدعاهم".