حوار وفاء فراج صراع الأجيال هو سمة الحياة منذ بدايتها، بل إن الفجوة الفكرية تزداد كل يوم بين الشباب والآباء، برغم أن غضب الشباب الذي يعيشه الشباب الحالي قد عاشه من قبل جيل الآباء والأجداد في حينه، فإن الاثنين دائما وأبدا علي خلاف دائم عن أهمية دور الآخر وتقييمه، ومن وجهه نظره يري عبد الله السناوي، الكاتب الصحفي ورئيس تحرير جريدة العربي الناصري السابق، أن غضب شباب اليوم هو غضب مبرر بعد أن قاد ثورتين دون أن يجني شيئا من أحلامه وطموحاته، لكنه يعيب عليهم الحملة الممنهجة التي يخوضونها ضد الأجيال السابقة، ومطالبتهم المستمرة بالتنحي عن المشهد السياسي والتنكر لدورهم وخبرتهم، وهو ما يعرف بنظرية «قتل الآباء»، كما قارن السناوي بين غضب الشباب الحالي وغضب شباب الستينيات والسبعينيات، إضافة لرؤيته لإعادة الحوار مع الشباب من جديد ورأب الصدع بين الدولة وبينهم، وهذا ما سنقرأه خلال الحوار التالي. كيف تصف غضب الشباب الآن وهل له ما يبرره؟ التمرد من طبيعة الشباب وطبيعة العمر والشباب في طبيعته يميل إلي كل ما هو مثالي الآن، وفي الماضي وفي المستقبل، وهو أمر شائع لكل الشباب في كل العالم، لكن في الحالة المصرية الغضب ناتج عن تجربة من الغضب بدأت منذ 25 يناير، وعلي مدار أربع سنوات ناضل فيها الشباب خلال ثورتين وتوابعهما دون أن يحصد أي نتائج ملموسة أو أهدافاً لهذا النضال بعد أن ضحي وقدم الشهداء والمصابين بدون مقابل طالبوا به، بل إن ثورته قد سرقت منهم كما حدث من قبل الإخوان المسلمين، لهذا فإن هذا الغضب هو غضب مشروع وله مبرره، لكن صبر الشباب قليل ولا يدركون أن الدول تتغير بمدد زمنية طويلة وليست سريعة كما يرغبون. تبرر غضب الشباب برغم أن الفجوة بين الجيلين تزداد والشباب يطالبون الكبار بالتنحي عن المشهد السياسي، فكيف تري ذلك؟ الغضب قضية للجيل كله وإن لم نبحر فيها وندركها قبل أن تزداد ستؤدي إلي مخاطر حقيقية علي الدولة نفسها، لأننا نتحدث عن جيل لا نفهم لغته ولا أحلامه في أزمة شعورية حقيقية بين الأجيال، وفجوة الأجيال التي تحدث الآن فيها خطأ كبير، فليس فرضا أن يتنكر الجيل الحالي للسابق أو يقلل السابق من جهود وطموح الحالي، ولا يمكن للشعوب أن تتقدم إلا بخبرة الكبار وقوة الشباب. ترفض تعبير دولة العواجيز الذي يكرره الشباب لماذا؟ الشعب المصري 60 % منه أقل من 35 سنة أي أننا أمام مجتمع شاب، لكن مازالت الدولة عجوزا، وهناك فرق بين الدولة العجوزة ودولة العواجيز ذلك المصطلح الذي انتشر أخيرا وأرفضه، فليس بالضرورة أن نقيس أعمار من يديرون الدولة وقدرتهم علي العطاء، أما الدولة العجوز هي الدولة العجوز في أفكارها في مشاريعها التي ترفض أي دماء جديدة أو تحديث، وهذا المصطلح يستخدم للاغتيال المعنوي للأجيال الأكبر سنا وهناك تعنت واضح من قبل الشباب ونشر لنظرية تعرف بنظرية "قتل الآباء". من وجهة نظرك كيف نعيد بناء جسور الثقة بين الدولة والشباب؟ الحوار مع الشباب ممكن أن يأخد أكثر من مستوي من وجهة نظري، المستوي الأول هو الحوار الرمزي وهو الحديث مع الشباب دون وصاية، ومحاولة للتصالح مع الشباب من خلال الإفراج عن كل من لم تثبت عليه تهمة أو رهن التحقيق في قضايا التظاهر السلمي، وأيضا بموجب السلطات التي لدي الرئيس يمكن أن يعفو عن الشباب الذي حكم عليهم لاختراق قانون التظاهر من شباب شاركوا في ثورتي مصر 25 يناير و30 يونيو لإثبات حسن النيات والمبادرة الطيبة أمام الشباب، وإعادة النظر في قانون التظاهر موضوع الخلاف وفق الإصلاحات التي أقرها المجلس القومي لحقوق الإنسان، والذي أصبح غير مفعل في حقيقة الأمر، لأن هذا الأمر كفيل بإعادة الثقة لدي الشباب في النظام، ويكون بداية لحوار بناء حقيقي، وبدء صفحة جديدة، كما يجب أن تتخلي الدولة عن وصفها للشباب بصفات منها غير المدرك وغير الواعي، وهي أفكار قد تهدم أي حوار قبل أن يبدأ . هذا عن الحوار الرمزي وهو مبادرة الدولة، فما المرحلة الثانية للحوار وما دور الشباب فيها؟ المرحلة الثانية للحوار أراها الأكثر أهمية، وهو طبيعة النظام السياسي الجديد والسؤال دائما: لماذا لا يشارك الشباب في العمل العام أو الحزبي، وهل هناك فرصة حقيقية لدخول الشباب في المجالس النيابية إلا من بعض الفرص المفروضة علي الأحزاب خلال ضمهم إلي قوائمهم، وهذا أمر غير كاف، ولا نريد أن نعيد إنتاج اختيار الدولة للشباب حسب الولاء كشكل ومظهر سياسيين فقط ولا نريد إعادة ظاهرة عبد الحميد حسن أمين منظمة الشباب في عهدي عبد الناصر والسادات، وهو كان نموذجا للشباب القريب من السلطة والبعيد عن أوساط جيله، ويفتقر إلي مصداقية من يمثلهم، لذلك أري من الأفضل أن نكف عن دعوات تعيين الشباب في المناصب العليا في الدولة، لأن هذا الكلام أثبت فشله وليس له أي استحقاق، ومن الأفضل أن نفتح مجال الترقية أمام الكفاءات أيا كان عمرها لكي نتقدم بالبلد ونحتذي حذو البلدان الكبري. ترفض أي تمييز للشباب إذن كيف سنكون كوادر شبابية سياسية تقود البلد في المستقبل؟ الحركة الطلابية هي من تخرج من رحمها كوادر وقيادات التي ستحكم مصر وتتولي كل مناصبها وليس الأحزاب أو الوظائف العليا، ولذلك يجب أن تعيد الدولة النشاط الطلابي في الجامعات، والذي كان السبب في تخريج كل الكوادر الإعلامية والسياسية الموجودة الآن. كيف تقارن بين غضب الشباب الحالي ونضالهم وغضب الأجيال السابقة ونضالهم؟ الفرق بين نضال جيلنا ونضال الجيل الحالي، الغضب واحد وهو من طبيعة الشباب، وجيل السبعينيات بدأ نضاله علي خلفية أحكام قادة سلاح الطيران في هزيمة 67 والتي نتج عنها غضب طلابي قاد كل الحركات الغاضبة من الأحزاب والأهالي وقتها، وتطورت للدعوة السياسية وشراكة سياسية أكبر، واستجاب وقتها عبد الناصر لهذه المطالب وأعلن "بيان 30 مارس" الذي كان في جوهره إعلاء دولة القانون والمؤسسات ورفض مراكز القوي، وكانت هناك تقنيات جديدة للتعبير عن رأي الشباب، حيث كانت مجلة الحائط أكثر الوسائل للتعبير عن الرأي، ثم مناقشته بين أوساط الشباب، والغضب وقتها كان له سياق تاريخي ووطني مختلفين من موقع الانتماء لثورة يوليو والوقوف جميعا عند حد استرداد الأرض والكل، يصمت أمام القتال والحرب، فكان نضالنا طويلاً ونتائجه بطيئة، كما كان لهذا الجيل وعي أكبر وصبر أكثر، أما الجيل الحالي فإنه قام بثورتين دون سابق إنذار أو عمل سياسي مسبق، وحاز علي الاستحقاق الفوري في تغيير الأنظمة، وهذا ما جعل نضاله مفيدا ولكن وقعه كبير، وكانت شجاعته أسطورية وقدم تضحيات أكبر من أي جيل سبقه، ولكن طموحاته أكبر من الواقع وصبره قليل في انتظار تحقيق مطالبه، خصوصا أن فكرة الثورة مستمرة فكرة مستحيلة أن تستمر ويتقبلها الشعب الراغب في الاستقرار، بالتالي لم يتبن الشباب خطاباً جديداً أو يعدل من أفكاره ويطورها. كيف تري موقع الرئيس عبد الفتاح السيسي من هذا الحوار؟ الرئيس تحدث كثيرا علي أهمية دور الشباب وحاور عددا من شباب الإعلاميين وكانت مبادرة مهمة، لذلك أطالبه أن يتبني هذا الحوار ويقوده ويكون صاحب الدعوة، لأنه صاحب المصلحة في بناء جسور المستقبل وإنجاح المصالحة مع الشباب ولتنجح مشاريعه الكبري، وأي تأخير لهذا الحوار قد يؤجج الغضب ويربك المشهد ويعرقل العلاقة أكثر بين الشباب والدولة، وأتمني أن يضع أمامه أن القياس الحقيقي لضمانة نجاح الحوار مع الشباب هو إعمال الدستور وتطبيق مواده علي الفور وترجمة مواده الخاصة بالحريات في قوانين تعزز الحرية واحترام الرأي وحرية إنشاء الأحزاب وقواعد العمل الإعلامي والعدالة الاجتماعية ودعم التعليم والصحة وتنظيم العمل السياسي.