تقرير محمد وطنى «نزلت بنجاح المركبة «فيله» ضمن المهمة الفضائية «روزيتا» لأول مرة على سطح مذنب لتكون لحظة تاريخية للإنسانية، كما وصفها رئيس مركز أبحاث الفضاء الأوروبي، سوف تقوم المركبة بدراسة العناصر الأساسية التي أسهمت فى نشأة وتطور الحياة على كوكب الأرض. ولم يشفع لهذا الإنجاز التاريخي، وأن تحمل المركبة أسماء مصرية تاريخية، ووجود باحثين مصريين مشاركين بالمهمة لدى إعلامنا للاهتمام بهذا الحدث الذي يتصدر فى هذه اللحظة كل وكالات الأنباء، بينما تتصدر أخبار «العنتيل» والفضائح والسباب على الفضائيات وسائل الإعلام اليوم. بكل الفرحة التي أحسها أنا وزملائي المصريون المشاركين فى هذا الإنجاز الذي نهديه لكل شباب الوطن عله يزرع الأمل ويؤكد أن شباب مصر الذي تتناوب وسائل الإعلام على الحط من قيمته قادر على أن يسهم فى أكبر وأعقد التحديات العلمية، المصريون فى هذا اليوم: (1) د. رامي المعري 35 سنة، (2) د. أحمد الشافعى 28 سنة، (3) عصام حجى 39 سنة، (4) د. عصام معروف 56 سنة. طموحات وأحلام وآمال تكسر واقعا ملأته أصوات الجهل والكراهية التي بنت للإحباط معبدا خالداً وللجهل حصنناً منيعاً. وأسأل نفسي اليوم هل أصبحت نجوم السماء أقرب لنا من تراب الوطن؟ أثارت هذه الكلمات التي نشرها الدكتور عصام حجي، عالم الفضاء فى وكالة ناسا الأمريكية لأبحاث الفضاء على صفحته الشخصية على فيس بوك مساء الأربعاء 12 نوفمبر الجاري الانتباه إلى إنجاز علمي يتحقق للمرة الأولى فى تاريخ البشرية، برغم المرارة الواضحة بين سطورها. مهمة المسبار الأوروبى "روزيتا" والتي تضمنت فى جزئها الطموح هبوط المركبة "فيله" على سطح مذنب 67 ب الدوار، الذي يسير بسرعة 18 كيلومترا فى الثانية الواحدة، والتي استغرقت أكثر من عشر سنوات، قطعت خلالها المركبة أكثر من ستة مليارات كيلومتر، بهدف تعزيز المعرفة بالمذنبات، ودورها فى تشكل الحياة فى محيط النظام الشمسي. الحقائق المجردة التي وردت فى العبارة السابقة تبدو صادمة وغير قابلة للتصديق، ولكنها تحققت بالفعل فما القصة الحقيقية للمهمة روزيتا أو "رشيد". بدأت الرحلة منذ أكثر من عشر سنوات ونصف، وتحديدا فى مارس 2004م، حين حمل صاروخاً من طراز آريان الأوروبي على متنه المسبار "رشيد" ليتخذ مسارا طويلا حول النظام الشمسي لكي يتمكن من اللحاق بالمذنب المستهدف، وعقب نجاح عملية الإطلاق وتحرر "روزيتا" من الصاروخ، استخدم المسبار الفضائي جاذبية كل من الأرض والمريخ لزيادة سرعته، خلال رحلته الطويلة، والتي تضمنت أكثر من عامين ونصف العام من "السبات العميق". ولكن المشروع يعود لأكثر من 20 عاما، ففي فى نوفمبر 1993، تمت الموافقة النهائية على بعثة "رشيد" باعتبارها حجر الزاوية فى برنامج بعثة وكالة الفضاء الأوروبية آفاق العلوم 2000، ومنذ ذلك الحين عكف علماء ومهندسون من جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة فى العمل معا على بناء المسبار. استفاقة بعد 31 شهرا وفي 20 يناير الماضي تناقلت وكالات الأنباء خبرا مفاده عودة المسبار الأوروبي "رشيد" للعمل بعد توقف دام 31 شهرا، حيث أعلن أن مركز السيطرة على الرحلة فى دارمشتات بألمانيا تلقى أول إشارة تؤكد عودة المسبار للعمل فى الساعة السادسة و17 دقيقة من مساء يوم الإثنين 20 يناير 2014 م بتوقيت جرينتش، بعد أن وصل بالفعل إلى مسار أبعد من مسار كوكب المشترى، فى طريقه للهبوط على مذنب يدعى "67P/" "Churyumov-Gerasimenko"، أو "تشوروموف-غيرسيمينكو"،"ب/67"، حيث شرع العلماء القائمون على المشروع حينها فى تعديل مساره، تمهيدا لإطلاق المركبة "فيله" على نقطة محددة على سطح المذنب البالغ عرضه نحو 4.5 كيلومترات. وشهد السادس من أغسطس الماضي الكشف عن وصول "رشيد" بالقرب من المذنب بعد رحلة استمرت عشر سنوات نحو 10 سنوات لتنجح مركبة فضائية صغيرة فى الالتحاق بمدار مذنب يسير بسرعة 18 كيلومترا فى الثانية، وتلتقط صورا تفصيلية لسطحه، للمرة الأولى فى تاريخ البشرية، حينها صرح جان جاك دورديان، المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية:"بعد عشر سنوات وخمسة أشهر وأربعة أيام من السفر نحو وجهتنا، والدوران حول الشمس خمس مرات، وبعد أن قطعنا مسافة 6.4 مليارات كليومتر، يسعدنا أن نعلن أخيرا أننا قد وصلنا هنا". سر الرقم 55 يسير المذنب المستهدف بسرعة 55 ألف كيلومتر فى الساعة، ويقع على مسافة تبلغ نحو 550 مليون كيلومتر من الأرض، وليتمكن "رشيد" من تصوير سطحه بدقة تم ضبط محركاتها لتدور إلى جانب المذنب، بسرعة 3.6 كيلومتر فى الساعة، وتبلغ المدة الزمنية للصور أو الرسائل التي يرسلها المسبار للأرض، أو العكس نحو 22 دقيقة، وعلى مدار 15 شهرا، نجح "رشيد" فى دراسة طبيعة المذنب، والتقاط صور مفصلة لسطحه. وعلى الرغم من دقة وصعوبة المهمة التي أنجزت بالفعل، فإن طموح العلماء القائمين على المشروع تعدى ذلك لمحاولة إنزال المركبة "فيله" على سطح المذنب، وتنفيذ سلسلة من التجارب، بما فى ذلك الحفر فى سطح المذنب، وأخذ عينات من المواد التي يتكون منها، وهو ما تحقق الجزء الأول منها بالفعل فى 12 نوفمبر الجاري، حين نجحت "فيله" فى الهبوط على سطح المذنب. لغز «رشيد» يشير الموقع الرسمي للمشروع الأوروبي إلى أن تسمية المسبار باسم رشيد، أو "روزيتا" جاء تيمنا بحجر رشيد الشهير، والذي أدى حل رموزه قبل 200 سنة تقريبا إلى فك رموز اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية"، ويأمل العلماء بطريقة مماثلة، أن المركبة الفضائية روزيتا أو رشيد ستحل طلاسم النظام الشمسي، وتكشف عن أسراره، وتتيح للعلماء النظر إلى الوراء نحو 4 مليارات و600 مليون عام عندما لم تكن الكواكب قد تشكلت بعد، ولم يكن الكون إلا عبارة عن سرب كبير من الكويكبات والمذنبات. قال البروفسور ديفيد ساوثوود، مدير وكالة الفضاء الأوروبية للعلوم حين إطلاق المشروع:"روزيتا هي واحدة من البعثات الأكثر تحديا التي تضطلع أي وقت مضى حتى الآن، لا أحد حاول من قبل إرسال بعثة مماثلة، فريدة لدراسة الآثار العلمية فضلا عن دراسة معقدة مجالها الكواكب وتتضمن مناورات مذهلة ". أما المركبة التي حطت بالفعل على سطح المذنب، والمعروفة باسم فيله، وهو اسم الجزيرة الشهيرة الواقعة فى نهر النيل فى أسوان والتي عثر فيها على المسلة، تضمنت نقشا ثنائي اللغة تضمن اسمي كليوباترا وبطليموس بالهيروغليفية والإغريقية، ما ساعد العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون مع مجموعة أخرى من القرائن والأدلة فى فك شفرة اللغة الهيروغليفية فى نقوش حجر رشيد وكشف أسرار الحضارة المصرية القديمة. وبما أن دول ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمجر هي المساهم الرئيسي فى المسبار، وهي تعمل بمساعدة دول أوروبية أخرى هي: النمسا وفنلندا وإيرلندا والمملكة المتحدة، فقد عقدت هذه الدول مسابقات محلية لاختيار الاسم الأنسب للمركبة الفضائية، وكانت الفتاة سيرينا أولغا فيسمارا البالغة من العمر 15 عاما آنذاك، والمقيمة فى أرلونو قرب مدينة ميلانو، إيطاليا، ومن هواياتها القراءة وتصفح الإنترنت، صاحبة فكرة تسمية المسبار فيله، وحظيت بجائزة تضمنت زيارة موقع إطلاق "رشيد"، وحضور عملية إطلاق المسبار الأوروبي. التماس مع الشمس بعد نحو 57 ساعة من الاستقرار على سطح المذنب أعلن العلماء أن المسبار "رشيد" أتم مهمته الرئيسية، وأعلن مساء الجمعة 15 نوفمبر أنه تم الانتهاء من القياسات المخططة للكتلة النهائية للمذنب، وجميع التجارب المستهدفة على سطحه، وقال ستيفان أولميك، المسئول عن المشروع فى وكالة الفضاء الألمانية، وأحد الذين راقبوا تقدم "فيله" من مركز عمليات الفضاء فى وكالة الفضاء الأوروبية فى دارمشتات، ألمانيا، الأسبوع الماضي:"على الرغم من سلسلة من ثلاث حلقات شملت هبوطنا على موقع غير مخطط لها على سطح المذنب، فإن كل أدواتنا يمكن تشغيلها، والآن حان الوقت لنرى ما لدينا". ومن المقرر أن يتحرك المسبار رشيد مرة أخرى إلى مدار 30 كم حول المذنب، ثم يعود إلى مدار 20 كم حول المذنب يوم 6 ديسمبر المقبل، لتستمر دراسة المذنب بقدر كبير من التفصيل كما سيصبح المذنب نفسه أكثر نشاطا، مع اقترابه من أقرب نقطة تماس مع الشمس فى 13 أغسطس من العام المقبل. وتسمح البيانات التي تم جمعها من المسبار للعلماء لمشاهدة ورصد التغييرات القصيرة والطويلة الأجل التي تجري على المذنب، ما يساعد على الإجابة عن عدد من أكبر وأهم الأسئلة عن تاريخ النظام الشمسي، من قبيل: كيف كان يشكل ويتطور؟ وكيف تعمل المذنبات؟ وما الدور الذي تلعبه المذنبات فى تطور الكواكب؟ وكيف وُجد من الماء على الأرض؟