سهير عبد الحميد ما سر تلك الملكة التى تضع شخصا ما فى خانة المبدعين، وما تكنه تلك اللمعة فى أفكاره ورؤاه، هل هى الموهبة؟ وهل تلك الموهبة كائنة فى جينومه البشرى أم أنها هبة تخصه بمفرده، هل هى جين يتوارثه ولو من سابع جد أم هى إرادة تجعل المرء يقرر أن يكون مبدعا فى مجال ما فيكون؟ تساؤلات تفرض نفسها عندما نجد ملكة الشعر أو كتابة الرواية أو الرسم تنتقل من الأب للابن فيتشابهان فى الروح والملامح. بهاء جاهين مثال صارخ على فكرة انتقال الجينات من الأب إلى الابن، والابن هذه المرة اقتنص الملامح والموهبة معا وكان لروح الفن أن تتقمصه، خصوصا أن الأم هى سوسن زكى الرسامة بمؤسسة الهلال، ربما يبدو الاختلاف فى أن جاهين الأب بعد أن بدأ أشعاره بالفصحى تركها إلى العامية وصال وجال فيها، وجعل لها مكانة ستظل مدينة له بها، فهو كما كتب عنه محمود درويش «من حل لجمالية الشعر ولفاعليته العقدة الصعبة ووعورة المسافة بين لغة الشعر ولغة الناس وما بينهما من تباين والتحام «. أما جاهين الابن فقد حافظ على إبداعه فى العامية جنبا إلى جنب مع الفصحى، لكن ظل للعامية صداها لديه وهو الذي يقدر مكانتها لدى والده فقد كتب ذات مرة يقول:»لم يكن اختيار صلاح جاهين للعامية لغة لشعره مجرد انحياز للفقراء وغير المتعلمين، بل كان فى الأساس فرضا علميا أراد أن يثبته وهو أن العامية قادرة على التعبير الفنى الراقى مثلها مثل الفصحى ومثل أى لغة فى العالم، وقد استطاع جاهين أن يثبت فرضيته وازداد إيمانا بصحتها حين اطلع على قصيدة عامية لفؤاد حداد فى إحدى الجرائد اليسارية قبيل الثورة «. آل حداد ...ثلاثة أجيال من الشعراء الحكاية نفسها تكررت مع فؤاد حداد وأمين حداد وأعنى بها إرث الملامح وملكة الشعر، فؤاد حداد العبقرى ابن سليم حداد المنتمى إلى أسرة مسيحية بروتستانتية جاءت إلى القاهرة قبيل الحرب العالمية الأولى ليولد فؤاد مصريا ويعيش مصريا ويدخل غياهب المعتقل لدفاعه عن قضايا مصرية ويبلغ اندماجه بطين الأرض مداه وتبقى رائعته «المسحراتى» التى أطربنا بها سيد مكاوى ترافقنا كل رمضان إلى أبد الأبدين. وجاء الابن أمين حداد ليسير على درب الشعر ومثل أبيه تأخده السياسة وهموم الوطن فينبرى فى ميدان الثورة ناعيا بالشعر شهداء الحرية، فى يقينه أن: ابن آدم مولود موهوب بموهبة ما صحيح أن العامل الجينى ليس هو العامل الوحيد الذي يبرزها ويبلورها، لكن التوريث هو أحد المصادر لكن إذا جاءت البيئة غير مهيأة لتنمية الموهبة فإنها لن تنمو بالتأكيد .وعندما بدأت كتابة الشعر فى سن الثالثة والعشرين لم يكن والدى مقتنعا بى فى البداية حتى كتبت قصيدة أقنعته بموهبتى فى الشعر .لم يكن هذا قسوة من جانبه فى النقد بل أبى كان دائما يقول إن «النقد يد القارئ على مواطن الجمال فى النص» وفعل أبى معى ما كان يفعله مع سائر الشعراء،كان يضع يده على مواطن الجمال، ولأنه فؤاد حداد الروح الكبيرة والموهبة العظية كانت آراؤه شهادة ووساما.كنت محظوظا أن أطلع على أشعارى الأولى فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى. وبعد فؤاد وأمين يأتى الجيل الثالث من الشعراء متمثلا فى أحمد الذي يري والده أمين: أن له إحساسه الخاص ومطبخه الداخلى الذي تتفاعل فيه الأحداث ويكون الناتج منظوره الخاص، ويقول: أحمد يكتب الشعر منذ نعومة أظفاره ومنذ الوهلة الأولى أحسست أن له إحساسه العالى باللغة وبالأحداث حوله، لكنى لم أكن أتمنى له أن يكون شاعرا حتى لا يتعب من المقارنات بينه وبينى وبين جده ، لأن وراثة الموهبة نفسها تدفع الناس إلى المقارنة فزياد رحبانى مثلا أراه موهوبا للغاية لكن قد يقيمه البعض بوصفه سليلا للرحبانية وحسب، كنت فى بادئ الأمر أطلع على أعمال أحمد، لكنى الآن أتابعها عندما ينشرها على الفيسبوك الذي أصبحت ألجأ إليه شخصيا فى نشر أشعارى. أحمد أمين فؤاد حداد يمثل الجيل الثالث فى أسرة آل حداد، وهو قد تمتع بميزة لا تتاح لكثيرين فقد ملك الحسنيين فهو من جانب حفيد فؤاد حداد وابن أمين حداد ومن جانب آخر فإن شقيق والدته هو بهاء جاهين، هذه البيئة تجعله فى نظر الكثيرين سعيد الحظ، يقول أحمد حداد: كل جيل محظوظ بالنوابغ فيه، فصلاح جاهين كان محظوظا بوجود العبقري بيرم التونسي وجيل الثمانينيات استفاد من وجود فؤاد حداد وصلاح جاهين وجيلى محظوظ بوجود أمين حداد وبهاء جاهين تحديدا لأنهما يقومان بفكرة مهمة هى إنتاج شعراء وتربية جيل جديد من الشعرا ء، لأن بهاء يقوم بنشر إنتاجهم الشعرى وحداد بالأمسيات الشعرية التى يقيم من خلالها حلقة وصل بين تراث فؤاد حداد وبين جيل الشباب، أنا محظوظ بقدر أكبر من الناحية الإنسانية لأننى عاصرت الاثنين عن قرب. لكن فى النهاية حب الموضوع والاهتمام به هما ما يميزان كل شخص على حده، فابن الشاعر ليس بالضرورة شاعرا ولا ابن الخباز بالضرورة خبازا، فهناك فروق فردية هى التى تجعل شخصا ما من المبدعين فى مجال ما. الإرادة أهم الشاعر عبد المنعم رمضان غير متحمس لفكرة التوريث فى «جينات الموهبة « ويرى أن التوريث فى مجال المهن نتج عن وجود انسداد سبل البحث عن عمل فى الثلاثة عقود الأخيرة، فوجد الابن أنه من الأسهل أن يرث مهنة الأب فابن الطبيب ينشأ طبيبا وابن الصيدلى صيدليا حتى الرئيس مبارك كان يريد أن يكون ابنه رئيسا. وهذه جميعها مهن وليست مجالات للإبداع، الغرب الآن يؤمن بالإرادة أكثر من الموهبة فإذا كنت تمتلك إرادة أن تكون شاعرا أو أديبا ستتمكن من ذلك لذلك هناك في الغرب ورش إبداعية للتدريب على الرسم وكتابة الرواية للتأكيد على فكرة أن «الإنسان هو سيد مصيره،» فالموهبة في يقينهم الآن تعنى أن هناك قوة غير منظورة هى التى تتحكم في مصائرنا، والحضارة الغربية الحديثة تفضل أن يكون الإنسان سيد مصيره، أما ابنى أحمد فمكتبى ومكتبتى كانا غرفة نومه، فهو كان يصحو وينام ويستذكر دروسه وهو محاط بكتبى، وأعتقد أنه كان يعرج إلى تلك الكتب وتعلم من المكتبة ولم أكن أبغى أن يشتغل ابنى بالأدب فكما قال المتنبى: ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله، وذو الجهالة بالجهالة ينعم، وقد كنت أتمنى لأحمد أن يشقى لا أن ينعم. ولأن الولد سر أبيه يرى أحمد عبد المنعم رمضان أيضا أن الموهبة لا تورث والبيئة التى يعيش فيها الابن مع أب أديب أو مفكر لا تولد الموهبة لكن قد تساعد على إبرازها، ويقول أحمد: منذ الطفولة كان والدى يشجعنى على القراءة، لكنى أحببت القراءة وأدمنتها متأخرا فى سنوات الدراسة الثانوية، كان والدى يرشح لى كتبا معينة ومازال يفعل حتى الآن، وفى فترة الجامعة اكتشفت نفسي بنفسى، لم أكن متأكدا فى البداية من موهبتى وقدرتى على الكتابة، عرضت كتاباتى على والدى فقام بتشجيعى وأبدى لى بعض النصائح وكانت البداية قصة نشرها لى بلال فضل على صفحات الدستور على مساحة نصف صفحة كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى وبعدها بفترة طويلة نشرت لى قصة في جريدة الكرامة ثم نشرت كتابين: «رائحة مولانا» وأصدرته الهيئة العامة للكتاب و «مواجهة شون كونرى». ويضيف أحمد عبد المنعم رمضان: أهتم بالطبع بآراء والدى في كتاباتى وآخذها بعين الاعتبار، لكنها ليست آراء ملزمة لى فمثلا فى مجموعة « في مواجهة شون كونرى» كان لأبى رأى سلبى في قصتين من قصص المجموعة وبعد أن أعدت النظر والقراءة، قررت حذف إحداهما والإبقاء على الأخرى. بالتأكيد اسم والدى أفادنى وعرفنى الناس من خلال والدى وحدث هذا بشكل غير مقصود. أعيش فى جلباب أبى غالبا ما قد يرفض الأبناء أن يكونوا نسخة من آبائهم لكنها ليست قاعدة بالتأكيد، وهناك تجارب ناجحة لأبناء خاضوا تجربة العمل مع آبائهم .هذا ما لمسته فى تجربة الروائي إبراهيم عبد المجيد وابنه زياد. مع هذا يقول الروائي والأديب إبراهيم عبد المجيد أن علاقة العمل والتواصل تنطبق على عملهما معا فى دار الياسمين لكن فى مجال الأدب هو لا يطلع على أعمال ابنه إلا إذا طلب منه الابن ذلك، ويقول رأيه كصديق، لكن الأب لا يفضل ذلك فلابنه شخصيته وطريقه وقلمه المختلف المعبر عن جيله، جيل الأفكار السحرية والمختصرة والتعبيرات المقتضبة بحركة يد على الفيس بوك. .ويرى عبد المجيد أن كل إنسان يولد وبه جينات لكل الأنشطة من الإجرام والفلسفة والأدب وغيرها والمناخ المحيط هو ما يحدد أيها سيبرز إلى الوجود. بينما يقول زياد إبراهيم عبد المجيد: من الطبيعى لمن يعيش في كنف كاتب أن يمسك بالقلم ويكتب ذات يوم، وقد تربيت ونشأت فى بيئة فيها نحو 10 آلاف كتاب لكنى بدأت الكتابة منذ ثلاثة سنوات وقبلها كانت لدى تجربة بسيطة في مجال تصميم الأغلفة وقد نشرت لى الدار المصرية مجموعة قصصية "إعادة شحن" والدى شجعنى جدا على ممارسة الكتابة، وكان لابد أن أستعين بآرائه فمن غير المعقول أن يكون أبى أديبا بحجم إبراهيم عبد المجيد ولا أستشيره وأسترشد بآرائه، وقد حدث بعد أن كتبت مجموعتى القصصية أن ترددت قبل نشرها كثيرا لكن أبى نصحنى وقتها بأنه على عندما أترك القلم ألا أعادو الإمساك به مجددا، حيث إن الدفقة الأدبية قد خرجت على الورق، أما عن دار نشر الياسمين فقد كانت فكرة والدى وتوليت مسئولية النشر بها وتجربة العمل مع والدى لها تقيم خاص جدا، لأننى أكون حريصا جدا على عدم إجهاده بالتفاصيل وأحاول القيام بالعبء الأكبر حرصا عليه ورغبة فى إرضائه، لكن العلاقة الإنسانية بيننا أكثر من رائعة، وقد أرسينا فلسفة الدار فى النشر بحيث انتقى الجيد والجيد فقط وننشر الموضوعات التى تجسد روح الكاتب ولن نتخصص في نوعية محددة من الموضوعات أو الكتب..ويؤكد زياد أن المجال العملى لا يكون فيه الحكم عليك كونك ابن فلان أو علان بل ماذا تفعل ومن أنت. حوار الأجيال إذا قرأت ما كتبه سعيد الكفراوى وولده عمرو استمتعت بتفاصيل تلك العلاقة بين الأب المبدع والابن الذي يخطو على طريق الإبداع، لقد كتب سعيد الكفراوى يقول "أمتلك القدرة علي فهم ابني الرسام! في لحظة أعتقد أنه قريب جدا من القلب والروح، ويمثل خاتمة طيبة من الفرح، ولحظة أخري أشعر به لا ينتمي لا لماضي ولا لحاضري، وعندما يغترف من لغة الحاضر الصور والكلمات والأفكار والطموح والإحساس بالذات، وفهم الوجود علي طريقته.. ورأيه في الناس واهتماماته الإنسانية، السياسية والاجتماعية اكتشف أنني، ويا للأسف، في حضرة كائن غريب، كائن قامت بتربيته أحوال لم أكن أنا علي علم بها، يطلعك علي صوره فإذا أبديت رأيا سلبيا وقعت السماء علي الأرض، لا مساحة للرضا والحوار، وعدم الفردية، تسأله عن أحواله يجيبك بكلمة، وتسأله عن خطيبته، يجيبك بكلمتين، وعن أحوال فنه وعمله، فينظر لك شذرا، خلاص يا بابا هو تحقيق، للابن الرسام حقيقته، الموهبة وصدق المشاعر وفهم التعامل مع الأيام والمتغيرات، يدرج علي طريق عمره محققا حلمه، كما يفهم أسئلته ويجيب عنها بطريقته غير مدين لأحد إلا لموهبته وخبرته فى حين كتب عمرو سعيد الكفراوى الذى حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم تصوير من جامعة حلوان، وعمل مستشارا فنيا لأكثر من دار نشر ، يقول:«أعشق التفاصيل التي نسجتها الحياة بيننا». حين كنا نسكن حي مصر الجديدة في منتصف الثمانينيات، ولم يكن عمري وقتها قد تجاوز الأعوام الستة، كانت لأسرتي صداقات عديدة في بنايتنا، كما في بعض البنايات المجاورة، أذكر عائلة الأستاذ إسحاق الجواهرجي والكابتن حكيم الطيار وعائلة الأستاذ جورج السوداني، كما كنا معتادين زيارات أولاد خالتي لنا كل حين، والتي كانت تمتد لأيام طويلة، اعتاد أطفال هذه العائلات القدوم إلي بيتنا صباح كل جمعة حيث يأخذنا والدي إلي السينما. أذكر العديد من السينمات التي ذهبنا إليها للمرة الأولي فى هذه الرحلات الأسبوعية كسينما مترو وسينما قصر النيل والعديد من الأفلام التي شاهدناها للمرة الأولي، كما كان هناك بعض العروض الخاصة التي أتاحت لي مشاهدة العديد من أفلام "شارلي شابلن" وأفلام الملاحم اليونانية "جيسون وآلهة الحرب، الفروة الذهبية" وغيرها. لم يكن دور والدي يقتصر علي ذلك فقد كان يقوم بترجمة الفيلم وشرحه وإضافة بعض الحكايات الخيالية إذا لزم الأمر لجذب اهتمامنا، أذكر أن الفيلم المفضل له كان "العصور الحديثة" ل"شارلي شابلن" كان حين يضحك تأخذ مجموعة عضلات وجهه في التحرك، أذكر تفاصيل وجهه وأسنانه اللامعة وخصلات شعره البيضاء وهو يداعبها بيده، ثم وهو يتحسس عضلات ذراعه الخلفية وكان المشهد الأكثر هستيريةً بالنسبة له حين يخرج "شارلي شابلن" من غرفته الرثة بلباس الاستحمام المخطط وتعتلي رقبته فوطة بالية استعدادًا للقفز في بركة المياه التي نكتشف الانخفاض المؤسف لمنسوبها فيخرج في إحباط شديد يتجه وهو يعرج إلي داخل الغرفة مرة ثانية. وحين كبرت اقتربت منه أكثر أحببت الاستماع إلي ناظم الغزالي ومحمد قنديل والموشحات الأندلسية المغربية معه كما أحببت نقاشاتنا صباحًا ونحن نشرب القهوة، أحببت لقاءاتنا يوم الثلاثاء فى "المستنقع" (بار فى وسط البلد) أحببت الكثير من التفاصيل التي نسجتها الحياة بيننا..وحين سُئلت عن الكتابة عنه لم أستطع الكلام عن أبي الكاتب، ولكني وجدتني أتكلم عن أبي الذي كان يأخذني إلي السينما والذي كان يبرز كارنيهه الأزرق ويقول "اتحاد الكتاب". حكايات عم خيرى على النقيض من عمرو الكفراوى، قررت ريم خيرى شلبى أن تكتب عن أبيها. لقد رأت وهى ابنته البكرية أنها الأجدر بالكتابة عنه فكان كتابها "حكايات عم خيرى". كانت لخيرى شلبي دوما نظرة إيجابية إزاء المرأة فهى الأم الطفلة التى قامت بتربيته وإخوته الاثنى عشر أعجب بطريقتها فى تحمل المسئولية، وكانت زوجة عمه نموذجا آخر للمرأة تأثر به ووجد فيه معنى الجلد والصبر ومنها استوحى شخصية "فاطمة تعلبة" من المنطلق نفسه جاءت علاقته بابنته ريم شديدة الخصوصية، خصوصا إنها ابنته البكر .تقول ريم : لم يكن أبى يعامل البنت بطريقة مختلفة عن الولد ، وزرع فى مبدأ أن أواجه الحياة بقوة كإنسان وليس كفتاة. وتضيف: ما زالت ذكرياتى مع أبى عالقة بى أتذكرها كل حين كنت أستيقظ لأجد كيس الحلاوة بجوار رأسى وأسمع صوت فيروز الذي كان يعشقه والدى وهو يكتب. قصتى مع الكتابة بدأت منذ فترة طويلة وكانت أولى محاولاتى عندما مات صاحب المنزل الذي كنا نقيم فيه وكان رجلا شديد الطيبة يومها شاهدت أبناءه وهم يبكون فراقه وقبلها بأيام كان بينهم ويحتفل بفرح أحدهم، بدأت مداركى تتفتح على معنى الحزن والفرح، الألم والسعادة أمسكت بالقلم وأخرجت كل مشاعرى على الورق . وعندما قرأ والدى ما كتبت فرح بى للغاية، ومع ذلك بدأت الكتابة بشكل احترافى متأخرا نسبيا وكذلك أخى زين الذي بدأ فى مجال الصحافة، خصوصا أننى خضت تجربة فى العمل الإذاعى وهو ما سأكتب عنه فى الفترة المقبلة ولدى مشروع ديوان يجمع بين الفصحى والعامية. تري ريم أن جينات الموهبة تورث لكنها ليست كل شىء .وترى أيضا أن قلمها يختلف عن قلم والدها، ومهما كان تأثر الأبناء بالآباء ففى النهاية لكل مبدع بصمته الخاصة. شفرة الموهبة" تنمو ولا تولد" كيف يمكن لمدرسة للموسيقى يوجد عند مدخلها دكان متواضع فى مدينة دالاس بولاية تكساس أن تخرج "جيسيكا سمبسون" و"ديمى لوفات" وسلسلة متوالية من نوابغ موسيقى "البوب"؟ كيف تخرج أسرة بريطانية فقيرة محدودة التعليم فى قرية نائية ثلاث كاتبات عالميات؟ تلك هي بعض الأسئلة التي ينطلق منها دانيال كويل فى كتابه "شفرة الموهبة" الذي تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وترجمه للعربية تامر فتحى وأصدرته دار التنوير، ووضع كوبل الإجابة فى عبارة موجزة ."التفوق لا يولد بل ينمو". فى هذا الكتاب ناقش كويل مكامن الموهبة وأخذ يبحث عن إجابات مؤكدة للسؤال: هل الموهبة معطاة، موجودة فى الموهوب منذ الولادة أم مكتسبة؟ مؤلف الكتاب دانيال كويل بدأ حياته محررًا رياضيًا بصحيفة أنكوراج تايم ثم استكمل دراسته فى كلية الصحافة بشيكاغو، حيث حصل على وظيفة بمجلة Outside. فى عام 1992 حصل على إجازة للكتابة عن تجاربه فى تدريب الناشئين فى لعبة البيسبول فى مشاريع الإسكان صديقة البيئة فى مدينة كابريني، فأصدر كتابه الأول «كرة صعبة: موسم فى مشاريع الإسكان»، الذى تحوّل إلى فيلم يحمل الاسم نفسه. يبرهن لنا كويل فى مؤلفه "شفرة الموهبة " أن الموهبة قد تكون معطاة، ولكن لا قيمة لها ولن تنمو ما لم ننمها، وقد لا تكون موجودة بالولادة ولكن يمكن تنميتها وفى كلتا الحالتين لن يحدث ذلك إلا بالتدريب العميق وإشعال روح الشغف والمثابرة، فهذه هى العناصر التى تعمل مع المخ لتكوين المادة العصبية التى تدعى "المايلين" التى تمنح حركتك وأفكارك قدرا هائلا من سرعة الاستجابة والقدرة على الإبداع، ووجه كويل فى كتابه، رسالة إلى المدرسين والأهل بالأساليب والأدوات التى تساعدهم على اكتشاف الموهبة ومن ثم تنميتها.