عزمى عبد الوهاب توقفت الثقافة العربية، فى حقل الفلسفة، أمام أسماء بعينها، لم تغادرها: هيجل، سارتر، كانط، ماركس، وغيرهم، العالم يتغير، ويطرح أفكارا جديدة، وأسماء أخرى، غير التى اعتدنا استهلاكها، من هنا تأتى أهمية الكتاب الذى أصدرته "دار التنوير للنشر والتوزيع" تحت عنوان "الفلسفة فى الحاضر"، ويكشف عن فيلسوفين معاصرين، هما "آلان باديو" (1937 ...) و"سلافوى جيك" (1949 ...)، كما تؤكد المقدمة فإن أهمية هذين الفيلسوفين لا تقتصر على الجانب السياسي، إذ أن لكل منهما أعمالا نظرية فى الفلسفة، تعد من أهم ما كتب فى الحقل النظرى والنقد الثقافي، منذ حقبة السبعينيات، وما يهمنا هنا فى الشرق الأوسط، هو موقفهما الرافض لغزو العراق، وما أطلق عليه الحرب على الإرهاب، وتأييدهما لثورات الربيع العربى. الكتاب يضم محاضرة لكل من "باديو" و"جيجك" ألقياها فى مناظرة جمعتهما فى فينيا عام 2004، إضافة لنقاش بينهما يعطى لمحة عن الفكر الفلسفى والسياسى لكل منهما، ويظهر مدى تقاربهما سياسيا، وإن اختلفا فى عدد من القضايا الفلسفية. وقد أضاف المترجم "يزن الحاج" ملحقين إلى الكتاب: الأول عن "باديو" للفيلسوف الإنجليزى "سايمون كريشلي"، ومقال بعنوان "مخلص لرغباته"، كتبه تيرى إيجلتون"، أما الملحق الثانى فيضم حوارين مع "باديو" و"جيجك" أجرتهما صحيفة " "الجارديان" البريطانية فى العامين 2011 و2012. الحوار الصحفى مع جيجك ممتع، فهو ينتقل من موضوع إلى آخر، قافزا على الأسئلة، إذ يبدأ بجملة: "ثمة جماعة يسارية أناركية هنا فى لندن يكرهونني" إلى: "أنا مصاب بالسكري" ليعبر عن خيبة أمله فى أن المقابلة لم تجر فى "بار شطائر فرجينيا وولف" ومن ثم يشن هجوما على جيمس جويس الذى "انحدرت مهنته الأدبية بعد أهالى دبلن" إلى بيكيت وغيرهما، بعدها ينتقل إلى آرائه فى المعجزة الماليزية. لذا يقرر المحرر: "إن واجب قارئ أو محاور "جيجك" أن يقوم بسرعة، ببناء شبكة من جسور قوارب البونتون العقلية، ليوحد مناطقه الثقافية التى تبدو مستقلة بذاتها". يعود جيجك إلى الأناركيين فيصفهم بأنهم "جماعة طلاب متسلحين بصفحة فيس بوك زائفة" وأنهم شوهوا سمعته على الإنترنت مدعين بأن ثمة شيئا يجمعه بالمطربة "ليدى جاجا" ويعترف: "كان خطئى هو أننى قمت بإنكار العلاقة بشكل كلى فى الصحافة كان من الأفضل لو أننى قلت: لا تعليق، تاركا فراغا للاحتمالية الفاحشة بأننى حبيبها". يعلق المحرر على مثل هذه القفزات قائلا: "يقوم جيجك بالكثير من الأشياء فى المحادثة، لكن الرد على الأسئلة ليس أحدها"، ويبدو أن جيجك أدرك أن الحوار انحرف عن مساره، فقال: "من الأفضل لى بصراحة ألا أكون ذلك الرجل الذى يتحدث عن فيلم الفارس الأسود وهيجل، عن قيمة ويكيليكس وليدى جاجا، من الأفضل أن أكون بروفيسور فلسفة متوسط المستوى". أما عن "وثائق ويكيليكس" وقد شارك "جيجك" فى ندوة جمعته و"جوليان أسانج" فقد وصف الوثائق بأنها قنابل هوليوودية مثل "كل رجال الرئيس" و"مذكرة البجعة"، حيث نرى شخصين عاديين يكتشفان فضيحة، تصل إلى الرئيس، مجبرة إياه على التنحي، يتم إظهار الفساد وقد وصل إلى قمة الهرم، ومع ذلك فإن أيديولوجيا مثل هذه الأعمال تكمن فى رسالتها الختامية السعيدة: "أى بلاد عظيمة هى بلادنا، حينما يسقط شخصان عاديان مثلك ومثلى أقوى رجل فى العالم؟". ويشير "جيجك": "لم نعرف شيئا جديدا فعليا من ويكيليكس" ويصف "جوليان أسانج" بأنه مثل "الولد الذى أخبرنا بأن الإمبراطور عار" إن كل ما فعله "جوليان" هو أنه مثل تهديدا للتحكم فى المعلومات التى يحتكرها "بيل جيتس". حوار الحضارات انطلق من الأندلس ضمن احتفالية الشارقة عاصمة إسلامية 2014، صدر كتاب بعنوان «شواهد إسلامية على الحضارة الأوروبية» للدكتورة «إيناس حسني»، وجاء الكتاب فى 300 صفحة، حيث تشير المؤلفة إلى دور الحضارة العربية الإسلامية فى النهضة الأوروبية كنموذج لحوار الحضارات، فالحضارة الإسلامية قامت على الحوار مع الشعوب والحضارات الأخرى التى تعامل معها المسلمون مثل حضارة الهند وحضارة الفرس فى الشرق وحضارة اليونان فى الغرب، وقد كان فضل العلماء العرب عظيماً على الحضارة الإنسانية، حيث كانوا لبنة أساسية من لبناتها، فقد نقلوا العلم اليونانى وهضموه، وأضافوا إليه إبداعاتهم التى مازالت مؤثرة فى العالم حتى اليوم، ولو لم يصل ما بقى من مؤلفات اليونان على يد العرب إلى أوروبا لتأخرت النهضة الأوروبية، ولولا ظهور «ابن الهيثم» و«جابر بن حيان» وأمثالهم من العلماء المسلمين لتأخر ظهور «جاليليو» و«نيوتن» وغيرهما. وفى مجال الفنون والعمارة أخذ رسامو أوروبا فكرة تزيين الأسقف بالصور الملونة، إلى درجة أنهم نقلوا كتابات عربية زينوا بها الأسقف، برغم أنها ذات طابع إسلامى، حيث فرضت العمارة الإسلامية على عناصر العمارة المسيحية العديد من الظواهر مثل: النوافذ المزدوجة، والعقود المنسوخة، والعقود الثلاثية الفتحات، والشرفات والأبراج، والقباب المضلعة، والزخارف والمنحوتات الغائرة المتعددة الألوان، وغير ذلك من الأشكال والعناصر، وكانت الفكرة الزخرفية هى وحدها التى أوحت للفنان الأوروبى منذ القرن الرابع الهجرى فكرة الاقتباس من حروف العربية وتسجيلها بالحفر على تيجان الأعمدة. وتؤكد الدكتورة إيناس حسنى على محاولات الغرب المنظمة للاقتباس من حضارة العرب، وكانت كفة العرب فى هذه العلاقات هى الراجحة، فقد كانوا يملكون من مقومات الحضارة المادية والعقلية ما يستطيعون أن يقدموا منه لأوروبا، على حين لم تكن أوروبا حتى القرن السادس عشر تملك من المقومات التى تمكنها من أن تضيف شيئا لتراث العرب لهذا أخذ الأوروبيون من العرب أكثر مما أعطوا، فاقتبسوا الكثير من علوم العرب وفلسفتهم وعمارتهم وفنونهم العسكرية وصناعتهم وتجارتهم وحياتهم الاجتماعية، وتأثرت لغاتهم وآدابهم ومجتمعاتهم إلى حد كبير باللغة العربية والآداب العربية والحياة. يقول د. عمر عبد العزيز فى مقدمة الكتاب: «نقف مع المؤلفة على بانوراما شاملة تختزل تلك الأبعاد فى صفحات محدودة كماً، وعامرة نوعاً، ذلك أنها تستقرئ حركة الترجمة التاريخية للثقافات اليونانية والهندية والفارسية، وكيف مثَّلت تجسيراً إسلامياً لعلاقة أوروبا بالفكر والفلسفة والفن، كما تقف على الشواهد العمرانية الإسلامية ذات الأثر الكبير فى نظيرتها من العمران الأوروبي، والكنسى منه على وجه الخصوص». ظهور الإسلام فى أوروبا يحتوى هذا الكتاب الصادر عن «دار العين للنشر» مجموعة من البحوث، تقدمت بها المؤلفة د. فوزية العشماوى للاشتراك فى عدة مؤتمرات دولية، وقد حرصت دائما على عقد مقارنات بين قضايا الفكر الإسلامى والقضايا التى تواجه المسلمين المقيمين فى الدول الأوروبية، بما أنها تنتمى إلى هؤلاء المسلمين الأوروبيين، حيث تقيم فى سويسرا منذ أكثر من 40 عاما، وتعمل بتدريس اللغة العربية والحضارة الإسلامية فى جامعة جنيفبسويسرا منذ العام 1980. وأهم القضايا التى يحتويها الكتاب هى قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين الأوروبيين، وقضايا تطبيق حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي، وحقوق المرأة والمساواة مع الرجل والإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام والمسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، وتصحيح صورة الإسلام فى المناهج الدراسية الأوروبية، وقضية العولمة من المنظور الإسلامي، وقضية حرية التعبير والرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، وقضية حظر بناء المآذن فى سويسرا، وقضية الحرية الدينية. وفيما يخص عنوان الكتاب «ظهور الإسلام فى أوروبا» فإن المؤلفة تؤكد أن توافد المسلمين على الدول الأوروبية تزايد تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اضطرت الحكومات الأوروبية إلى الاستعانة بالعمال الأتراك واليوغسلاف والمغاربة لسد العجز فى عدد العمال الرجال من الأوروبيين الذين قتلوا أثناء الحرب العالمية الثانية. وهكذا بدأت موجات المهاجرين من تركيا ومن يوغسلافيا ومن دول المغرب العربى تتزايد فى الخمسينيات وبداية الستينيات إلى الدول الأوروبية، خصوصا إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا، ومع ازدياد الحاجة إلى هؤلاء العمال الأجانب، خصوصا فى مجالات العمل الصعبة، اضطر أصحاب العمل إلى إصدار تصريحات عمل رسمية سنوية لهم، بعد أن كانوا يتحركون بتصريحات مؤقتة موسمية، وبالتالى ترتب على ذلك أن استجلب هؤلاء العمال زوجاتهم وأبناءهم، وهكذا تحولت إقامة هؤلاء العمال إلى إقامة دائمة، وأصبح الوجود الإسلامى أسريا، وبدأت هذه التجمعات تلتقى مع بعضها البعض فى بعض المقاهى لسماع موسيقى وأغان من بلدانهم الأصلية، وكانوا يقيمون الصلاة فى الأعياد أو أيام الجمعة فى أحد الجراجات أو المخازن. وبعد هذه الموجات من الهجرة العمالية بدأت موجات أخرى، خصوصا فى السبعينيات والثمانينيات على إثر الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك بسبب ازدياد طلاب العلم من الدول الخليجية. وتوضح المؤلفة أنه على الرغم من أن أعدادهم لم تكن كبيرة بالقياس بأعداد العمال من موجات الهجرة السابقة، فإن نوعيتهم وثقافتهم وإجادتهم للغات الدول الأوروبية التى نزحوا إليها، وأقاموا فيها، أسهمت بقدر ما فى ترسيخ الوجود الإسلامى فى هذه الدول، وتزامن ظهور هذه الموجات الجديدة من المسلمين المهاجرين مع ظهور الجيل الثانى من أبناء المهاجرين الأوائل، والذين كانوا قد استقروا فى الدول الأوروبية، ومعظمهم ممن ولدوا فى هذه الدول وحصلوا على الجنسية نتيجة لحق الأرض أو الدم. قراءة جديدة فى سقوط الدولة العثمانية عاد الاهتمام بتاريخ الدولة العثمانية إلى الصدارة، بعد سنوات القطيعة المتبادلة ما بين العرب والأتراك، وعزز هذا الاتجاه تسارع وتيرة العلاقات مع الصعود الاستعراضى للتيار الإسلامى التركى، الذى وجد أن الاتحاد الأوروبى يضع عراقيل كبيرة أمام انضمام تركيا له، لاعتقاد بعض القادة الأوروبيين بأن الاتحاد «ناد للدول المسيحية» وهو ما دفع الإسلاميين الأتراك للعودة إلى محيطهم وعمقهم الإستراتيجى الإسلامى. وفى كتابه الصادر عن «دار آفاق للنشر والتوزيع» يؤكد د. قيس جواد العزاوى أن أكثر ما زاد الاهتمام العربى بالتاريخ العثمانى هو نزعة العثمنة، التى اصطبغت بها السياسة التركية فى جميع مجالات العمل المشترك: الاجتماعية والثقافية والفنية والاقتصادية، وهى فى الوقت الذى تثير فيه بعض الحساسيات السيادية لدى البعض، تثير فى الوقت نفسه الحنين لمجد التأريخ المشترك لدى البعض الآخر، وبهذا زاد الاهتمام المشترك فى الميدان المعرفي. وهنا يشير د. محمد عفيفى فى تقديمه للكتاب إلى أن صورة الدولة العثمانية كانت حتى وقت قريب يحيط بها الكثير من الأساطير المضللة، إذ وصل الحد بالبعض إلى التحقير من شأن الدولة العثمانية على أنها رمز الاستبداد الشرقي، ولعبت كتابات أغلبية المستشرقين على هذا اللحن، وحتى بالنسبة للشعوب العربية تضاربت فيها صورة الدولة العثمانية بشكل كبير، ففى المغرب العربى كانت الدولة العثمانية بمثابة المنقذ الذى بعثه القدر، كى يحمى شمال إفريقيا من الهجمات الشرسة من جانب الإسبان المشبعين وقتئذ بروح صليبية جديدة نتيجة شعار «الاسترداد»، فى أعقاب سقوط الأندلس. وفى مصر كانت الدولة العثمانية بمثابة رمز للتخلف والتدهور الذى دخلت فيه مصر، بعد فقدانها لعظمتها كمركز لأقوى قوة فى شرق البحر المتوسط (المماليك) وفى رأى هؤلاء لم تخرج مصر من هذا التدهور إلا على يدى الحملة الفرنسية ومحمد علي. يعالج الكتاب عوامل ضعف أساسية فى عملية انحطاط الدولة العثمانية، وقد انقسم الدارسون للمرحلة الأخيرة من تاريخ الدولة العثمانية إلى فريقين: الأول قال بتخلف السلطنة وباختفاء مبررات استمرار خلافة دينية وسط عالم متطور من الدول القومية الحديثة، مشيرا إلى تعاظم الاستبداد السلطاني، وعدم توازن الدولة وضعف إمكانات تطورها السياسية والاقتصادية، واستشراء الرشوة والفساد فى جهازها الإداري، حتى إن آخر محاولات الإنقاذ التى عبرت عنها الثورة الدستورية عام 1908 لم تنفع. أما الفريق الثانى وهم المدافعون عن الدولة العثمانية فيعزون أسباب ضعف الدولة إلى عوامل خارجية أساسها الصهيونية والماسونية والإمبريالية، وهى ما سمى فيما بعد بالثالوث الشيطاني، الذى مازال فى نظرهم متربصا بالعالم العربى الإسلامي. لا يهدف الكتاب لمحاولة التوفيق بين مواقف المدرستين، برغم أننا لا ننكر الكلام للدكتور قيس العزاوى وجاهة بعض ما أتت به المدرستان، غير أننا نبقى متحفظين إزاء كل محاولة للمغالاة والتطرف فى تبنى عوامل دون غيرها، لقد اجتمع ما يكفى من أسباب لانهيار الدولة العثمانية، وكلها مسئولة بقدر ما عن الانهيار، وكان ينبغى أن تنال قسطها من الدراسة، لكن بعضها قد همش إلى درجة التجاهل لدى الفريقين.