استطاع الشاعر الشاب أحمد حداد (حفيد القطبين العظيمين فؤاد حداد وصلاح جاهين) أن يترجم حالنا فى هدوء وروية فى ديوانه الذى صدر مع الثورة المستمرة.. وعنوانه "بشويش".. أحمد حداد.. علاقته بالثورة مثل الكثيرين كان ينتظرها لكنه فوجئ بها ! وبالطبع هو لا يعنى قبل قيامها بأيام أو شهور وإنما بشكل عام لأن عمله مع حازم شاهين وفريق إسكندريلا، جعله يتوقع ثورة دون أن يدرى لها أو مُسمى أو ربما موعد محدد .. وكما قال لى فهذا كان أحسن ما فى الثورة .. "أن يكون داخلك ثورة وأن تؤمن بشئ دون أن تركز فيه .. إننا فنانون لا نعرف شيئاً عن التاريخ .. وإذا جمعتنا جلسة ما مع سياسيين نكون الأكثر سذاجة فى الحوار.. لكننا عندما نشعر ونُحس فإننا نقول الكلام الذى يصل إلى القلب بصرف النظر عن الشعر والموسيقى.. فمعلوماتنا السياسية تشبه معلومات الرجل المصرى البسيط أكثر من يتأثر بالمناخ الاقتصادى والسياسى.. وحقه مهضوم ولذلك كانت قصيدة بشويش التى كتبتها عام 2007 من أجل هؤلاء.. من أجل الشعب الذى قام بالثورة.. لأننا كنا قد وصلنا إلى ما بعد الانهيار.. وعندما قامت الثورة تفاعلت معها مثله برغم أننى لست سياسيا .. ولا أجيد المواجهات .. وخواف .. وكلامى هو سلاحى .. - خواف يعنى إيه ؟ لا أحب المواجهات. - الثورة تعنى السلاح والمظاهرات هل هذا ماتخافه أم تخاف من القول والإبداع؟ أخاف من المواجهة.. ولست مثل الكثير من أصدقائى السياسيين الذين يستطيعون التصرف عند القبض عليهم أو عند تعرضهم للتهديد. - هل هذا الخوف يقيدك عند الإبداع؟ أبدا على الإطلاق بل أكون شخصا آخر عند الكتابة. - لم تنزل أى مظاهرات من قبل؟ لا لم أنزل إلى مظاهرات قط طوال حياتى.. ويوم 25 كنت أسمع عنها ورأيتها من وجهة نظر أخرى.. على أنه حركة من وجهة نظر حزب سياسى ولا تعبر عن جموع المصريين.. وأن هؤلاء السياسيين لهم حق فى التظاهر.. ولكنى لست مضطرا للنزول إلى الميدان.. من الآخر معظم المصريين كانوا حزب كنبة. - وهل كنت تصنف نفسك من حزب الكنبة؟ لا لم أكن أصنف نفسى كذلك.. وهذا المصطلح لم يكن موجودا.. - ولما ظهر المصطلح وجدته منطبقا عليك؟ قبل الثورة.. نعم.. ومعظم المصريين لم يشاركوا فى الثورة من أول يوم.. وأذكر أنى اتصلت بأحد الأشخاص فقال لى إن الثورة قامت ولحظتها شعرت بأن هذه الكلمة مبالغ فيها.. - كيف رأيت الثورة؟ لم يبدأ المصريون المشاركة الحقيقية الا يوم 28 يناير لكن منذ 25 وحتى 28 كنا نشعر بالشحن المتزايد.. فقناة الجزيرة كانت تعرض مظاهرات مصر منذ وقت طويل حتى وقفات نقابة الصحفيين.. لكن حينما وصلت الأمور إلى الضرب الذى استمر حتى الليل ذكرنى ذلك بيوم حريق مجلس الشورى.. - ويوم 25 نفسه ؟ فى يوم 25 يناير كنت فى طريقى لإعداد فيلم جديد أنا وصديقى ناجى إسماعيل الذى أخرج فيلم حكاية الثورة .. وقد تم القبض عليه يوم 25 .. وأفرج عنه فى اليوم التالى.. وبرغم قطع الاتصالات استطاع الثوار أن يتقابلوا.. وينفذوا الثورة.. وفى يومى 26 و 27 أصدقائى جميعا كانوا ما بين مقبوض عليه أو مفقود.. - متى نزلت؟ عندما نزلت يوم 28.. شعرت بأنى غيرت مصطلح أن دورك هو الكتابة فقط لأنى وجدت أن الأطفال بتنزل الميدان، حيث تحولت المسيرة السلمية بلا أى سلاح إلى مواجهة العنف الرهيب والرصاص الحى .. وكان الشهداء الذين يتساقطون أقوى من أى كلام.. - متى كتبت ؟ لم أكتب شعرا إلا بعد يوم الأحد 30 يناير.. الذى تم فيه الصلاة على الشهداء بشكل رمزى.. ومن وقتها كلما ذهبت إلى الميدان أعود بقصيدة جديدة.. - كيف غيرت الثورة إحساس الناس؟ الثورة جعلت كل الناس تفهم سياسة.. أو حتى لو مش فاهمين هم متابعون للسياسة.. لأن الحكومة والوزراء الذين كانت أسماؤهم غير مهمة وأدوارهم "تافهة" لم يعد الأمر معهم كما كان.. لأنهم صارو قتلة شهدائنا.. وحتى كلمة الشهيد لم تعد كما كانت مجرد إعداد فى نشرة الأخبار.. فى سوريا وفلسطين والعراق لا بل أصبح الشهيد واحدا منا صاحبى أو جارى.. وبعضهم قُتل أمامى.. الثورة هى صحوة أصابتنا جميعاً.. - وفى المقابل كيف ترى المهاجمين للثورة؟ أرى أنها قلة أدب أن يقول أحدهم إن الجيش يجب أن يقبض بقبضة من حديد.. - كل ثورة من الثورات المصرية أفرزت فنانين فماذا أفرزت ثورة 25 يناير.. أنظر فلا أجد على الساحة شيئا مميزا هل الفن موجود وإحنا مش شايفينه.. ولا الناس مش مؤمنين بالثورة كما يجب؟ لا يمكن إلا أن تنتج أغانى وطنية عن مصر لأن الثورة لم تنته وهى مستمرة .. ولو تكلمنا عن الفن نجد أن الثورة دائما أكبر من استيعاب كل الفنانين. - لكن الثوار لم يحكموا.. لما يحكم الثوار تكون الثورة انتهت؟ الآن نحن لا نملك إلا أن نحاكى السياسة لأن كل فترة يقع شهداء، والأحداث الجديدة تتوالى سواء انتخابات أم استفتاء أم مذبحة ماسبيرو ومحمد محمود.. لذلك لا نستطيع أن نهرب من السياسة لأن الموضوع لم ينته وكل فيلم أو قصيدة تتكلم عن الثورة يكون ختامها مجهولاً لأن لا أحد يدرى ماذا سيحدث.. وأنا لما أنهيت فيلم حكاية الثورة قلت على لسان البطل محمود حميدة إنها حكاية ال 18 يوم نضال وأن القادم أهم بكثير مما حدث.. - ما الذى لفت نظرك فى الفن الذى يواكب الثورة؟ شهادتى مجروحة. - شهادتك غير مجروحة . أمين حداد لعب دورا كبيرا فى الثورة لأنه جدد نفسه وروحه.. وحازم شاهين وفرقة إسكندريلا.. - إنت بتكتب وهم بيغنوا وبيلحنوا بروح لأن أنتم عندكم التراث الموعود لكن هناك الجديد الذى تقدمونه.. ومن أيضا من الفنانين لفت نظرك؟ على الحجار مثله مثل أمين حداد روحه تجددت أيضا وطاقته على العمل جبارة وفرقة إسكندريلا دول فعلا خارجين من الميدان.. وفيروز كراوية وأحمد على الحجار.. وهناك آخرون لا تسعفنى الذاكرة بتذكرهم ويجمعهم فكرة الغناء فى الشارع والغريب أن كثيرا منهم غير معروفين. - ما نشاطك الآن؟ وما تصنيفك؟ الصفة التى أحب أن تُكتب أمام اسمى "شاعر سينمائى" والشعر تكلمنا عنه.. وبشويش رابع ديوان لى.. أما سينمائى.. فأنا أكتب سيناريوهات وأحيأنا أمارس الإخراج وأمثل.. أنا شاعر سينمائى .. مهنتى وحياتى كلها الكتابة وتأليف وإخراج السينما.. مثلت فى فيلم أوقات فراغ عام 2006 م، أما فى 2011 م فى مجال السينما المستقلة كان فيلم "حكاية الثورة".. وكتبت فيلماً آخر اسمه "أقرب مما تبدو فى المرآة" وأقوم ببطولته مع يسرا اللوزى.. ثم أخرجت فيلمين أولهما "ريموت كونترول" من بطولتى وإخراجى وتأليفى والقصة لأمين حداد وهو كوميدى فانتازيا واقعى.. والفيلم الثانى "إسكندرية" أيضا من تاليفى وبطولتى وإخراجى وفيه لأول مرة استخدمت موسيقى لحازم شاهين وفريق إسكندريلا .. وهو فيلم رومانسى خيالى سياسى يناقش فكرة توقف الإبداع وسفر البطل بحثاً عن استعادة قدرته على الإبداع .. وكلها أفلام روائية قصيرة . - ما الذى يجعلك تقوم بكل المهام من تأليف إلى التمثيل والإخراج؟ بسبب عدم وجود سوق سينمائىة .. فلا يوجد إلا ثلاثة أو أربعة منتجين يمكن أن يقال إنهم يملكون الجرأة على صناعة أفلام مختلفة ومتميزة.. - هل حاولت التعاون معهم؟ هم بالفعل لديهم كم هائل من السيناريوهات وربنا يعينهم. - هل تظن أن الثورة ستفتح هذا الباب أمام السينما المستقلة.. وأن يتم إنتاج أفلام للشباب؟ أعتقد. - إلى أى أفكار سياسية تنتمى أنت وأصدقاؤك.. وهل حاولت الانضمام إلى حزب سياسى أو إلى ائتلاف ما؟ لا أستطيع أن اتخذ قرارا بالانضمام إلى حزب ما لأننا عندما نزلنا إلى الميدان كنا مؤمنين بالثورة وولدنا من جديد هناك .. هذه هى الثورة .. وهذا هو الحزب الذى أنا عضو فيه والشهداء من جميع الأحزاب .. أنا مع الشعب ومع الحق ومع الشهداء وأعتقد أن كثيرين مع هذا.. لأن هذه ثوابت عامة مع الفن والحرية.. ولا أعتقد أن حزبا واحدا يجسد هذه الأفكار كلها.. ولا أستطيع أن أقول على نفسى إننى ناصرى برغم أننى مؤمن بعبدالناصر 100% وأحبه جدا وكنت أتمنى أعيش فى عصرة.. والشيوعية معلوماتى السطحية عنها تجعلنى أقبل كثيرا من أفكارها.. ولا أستطيع أن أقول إننى شيوعى لأن طريق المصريين فى الحياة مختلف.. فلسنا شيوعيين، ولكن كثيرا من الشيوعيين أعتبرهم أساتذتى فى الفن مثل جاهين وحداد وسيد درويش .. أما الحزب أو الفكر الذى أشعر بأننى أكثر انتماءً له فهو الثورة مستمرة .. لأنهم شباب وخارجون من الميدان لكن لم أنضم إليهم. - هل تفضل أن تكون مستقلا ومع الناس؟ نعم أحب أن أكون فى الميدان بعيدا عن أى تنظيم ودورنا محدود وسينتهى قريبا فلا أستطيع أن أمسك سلاحا وأحمى الناس فى لحظات الخطر ولا أستطيع أن أفكر سياسيا .. لما أعترض على شىء أنزل الميدان وأقول لا .. أما النشطاء السياسيون فدورهم تجميع أنفسهم وإنشاء أحزاب . - ألا ترى أن هؤلاء النشطاء السياسيين لم يستطيعوا أن يتوحدوا ويجلسوا معا على مائدة واحدة من أجل الاتفاق على فكرة واحدة؟ أرى أن كل هذا أشياء داخلية خاصة بهم لا أعرفها. - هل أنت قلق من وجود الإخوان على سُدة الحكم؟ لا أنا متفائل جدا وأرى أننا أذكى منهم. - على أى أساس أنت متفائل؟ متفائل بنا.. لقد قمنا بالثورة، فنحن دائما أقلية .. ومن يفكرون أقل دوما من الجهلاء ال "حافظين مش فاهمين". - لما كتبت صفحة جديدة كنت تتوقع أن الإخوان سيكونون على نفس هذه الصفحة؟ الصفحة الجديدة ليس معناها حكم جديد.. الصفحة الجديدة معناها أن الشعب أصبح لديه الوعى. - الشعب اختار الإخوان يا أحمد؟ الشعب المصرى هو الذى رأيناه فى الميدان. - يقال إن الشعب غير موجود فى الميدان؟ الشعب المصرى الحقيقى هو الموجود فى الميدان وهو الذى يحافظ على التماثيل والآثار وعلى حرية المرأة وعرضها ويحترم كل الأديان، هذا هو المصرى الأصيل حتى ولو كان غير ظاهر على الساحة، وحتى لو بدا أن بعض المصريين مغيبون قليلاً واختاروا خطأً.. فهذا خطأنا نحن وليس خطأهم.. غلطة الناس الواعية.. من ظلوا 30 سنة واعين وحدهم دون أن يقوموا بتوعية الآخرين .. - هل أنت قلق من الإخوان؟ قوتنا ليست فى التأثير .. فتأثيرهم أقوى لأنهم يتوجهون إلى البسطاء والفقراء ومدخلهم إلى الناس من جهة "لا يمكن لأحد أن يقول فيها لأ " وهى الدين وهذه أكذوبة لأن الشعب المصرى أصلاً متدين ولا يحتاج إلى من يعلمه الدين منذ الفراعنة، فالمسلم متدين والمسيحى متدين إنما الإخوان داخلين بالفلوس والرزق وأكل العيش، وبالتالى البسطاء الذين لا يجدون مايأكلون عندما يجدون اللحم بنصف سعره مقابل أن أجعل الزوجة منتقبة ولا تخرج من البيت، وأن تنتخبهم سينتخبهم الشعب مقابل المال .. ولا ينطبق هذا على كل المصريين ولكن على من هم تحت خط الفقر .. أما الأغنياء المتعلمون الذين يساندون الإخوان والسلفيين فهم وارد السعودية والخليج .. ممن سافروا إلى هناك مع بداية السبعينيات .. - هل يمكن المراهنة على أن التدين على الطريقة المصرية ممكن يكون وسيلة حماية فى الفترة المقبلة؟ هم أساسا غير متدينين، هم متسترون بالدين.