رشا عامر شغلت من قبل منصب وزيرة حقوق المرأة والشباب قبل أن تصبح ثالث أهم شخص فى الحكومة الفرنسية بتوليها لأول مرة فى التاريخ منصب وزيرة التعليم هناك. لتصبح ليست فقط أول امرأة تتولى ذلك ولكن أيضا أول عربية. إنها نجاة بلقاسم (36 سنة) أحد أوفياء الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، والتى وجدت نفسها اليوم فى منصب يفرض عليها تحمل مسئولية تاريخية وهو منصب وزارة التربية والتعليم الذى يتجنبه العديد من السياسيين الفرنسيين لصعوبة مهمته. ولدت نجاة فى بنى شيكر بمدينة الناظور شمال المغرب، حيث كان لديها سبعة من الأشقاء والشقيقات، وظلت حتى أصبح عمرها أربع سنوات وهى ترعى الغنم مع جدها فى إحدى قرى جبال الريف المغربى، حيث كان والدها عاملا بسيطا هاجر إلى فرنسا مع والدتها، ثم عاد إلى المغرب ليصطحب معه نجاة وشقيقتها للاستقرار فى مدينة أبفيل الفرنسية للم شمل العائلة حيث ولد هناك باقى أشقائها. درست نجاة القانون قبل أن تنجح فى الاختبارات التى تؤهلها للالتحاق بدراسة العلوم السياسية والتى وضعتها فى طريق جيرارد كولومب، عمدة ليون الاشتراكى. عملت نجاة كمراسلة محلية للتليفزيون ب "ليون" بعد دخولها عالم السياسة لتصبح المساعد الخاص لمكتب رئيس البلدية عام 2003، قبل أن يتم انتخابها فى العام التالى المستشار الإقليمى على قائمة الاشتراكيين. وفى إطار ذلك عملت كمراسلة ثقافية للتليفزيون المحلى بليون، قبل أن تعمل كصحفية وتعلن عشقها لهذه المهنة لتصبح فيما بعد مقدمة النشرة التليفزيونية عام 2009. لعبت الأقدار دورا كبيرا فى حياة نجاة عندما وضعتها فى طريق سيجولين رويال، التى التقتها فى إحدى رحلات الطيران وعرضت عليها العمل معها كمتحدثة رسمية إبان حملة الانتخابات الرئاسية. وقد شغلت هذا المنصب مرة أخرى عام 2011، حيث شهدت سيجولين تراجعا حادا عقب هزيمتها الثلاثية فى كل الانتخابات التى خاضتها لتجد نجاة أكبر معضد لها ومدافع عنها لدرجة أنها وصفتها بأنها لاتزال تملك الكثير لتعطيه للفرنسيين نظرا لامتلاكها موهبة سياسية فذة، بل وإنها لا يمكنها تخيل أى منصب وزارى يمكن ل"نجاة" توليه من فرط موهبتها، وذلك إبان تولى هذه الأخيرة منصب وزيرة حقوق المرأة، واليوم تلتقى المرأتان تحت سقف حكومة واحدة بعدما تولت رويال حكومة البيئة فى مارس الماضى. عندما كانت نجاة تدرس فى مكتبة العلوم السياسية بفرنسا التقت ب"بوريس فالود" الذى أصبح زوجها فيما بعد ورزقت منه بتوأمين هما لويس "على اسم لويس الرابع عشر، ونور على اسم الملكة نور ملكة الأردن. ويشغل فالود مدير مكتب وزير الإنتاج الفرنسى. فى أحد حواراتها الصحفية قالت نجاة إنها مؤمنة بالله جدا وأنها مسلمة بالوراثة، وأن هذه المسألة هى مسألة تاريخية وعقائدية وتعود للجذور القديمة للعائلة برغم أنها لا تمارس العبادة بشكل منتظم، وتشير إلى أنها عندما كانت صغيرة كانت دائما ما تدعو الله ليقف بجوارها فى المحن والشدائد وكذلك الاختبارات. وتعتبر نجاة نفسها ديمقراطية اجتماعية على الصعيد الاقتصادى، ولكنها تقدمية على الصعيد الاجتماعى، ولذلك فهى من الاشتراكيين القلائل الذين وافقوا ونادوا بفكرة تأجير الأرحام، بل ودافعت عن الفكرة بضراوة، وفى مذكرة لمؤسسة تيرا نوفا الفكرية، وصفت نجاة المسألة بأنها أداة للنضال ضد العقم بشكل منظم جدا وفى نفس الوقت مجانا. احتلت صورة نجاة بلقاسم، صدر الصفحة الأولى لصحيفة الجارديان البريطانية والتى وصفتها بأنها فى مقال بديع بأنها "الوجه الجديد لفرنسا" وذلك بعد أن وصفتها المجلة السنوية للسياسيين المحترفين بأنها الوحى السياسى الفرنسى لعام 2012. على صعيد آخر ترفض نجاة مقارنتها ب "رشيدة داتى " التى تعد أشهر وزيرة فرنسية من أصل مغربى أثارت موجة انتقادات واسعة بعد إنجابها خارج مؤسسة الزواج،كانت وزيرة للعدل. وبرغم أن "داتي" من مواليد عام 1965، وهى أول امرأة من أصل عربى تتولى حقيبة وزارية فى حكومة فرنسية بزعامة الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزي، وبرغم أنها شغلت مناصب عدة منها المتحدثة باسم ساركوزى خلال الانتخابات الرئاسية فى العام 2007، ومنصب حارسة أختام الجمهورية، ووزيرة العدل فى حكومة فرانسوا فيون الأولى والثانية منذ (مايو) 2007 حتى 23 (يونيو) 2009، شغلت منصب ورئاسة بلدية الدائرة السابعة فى العاصمة الفرنسية باريس منذ (مارس) 2008، فضلا عن كونها نائبة فى البرلمان الأوروبى منذ (يوليو) 2009، فإن نجاة مقارنة نفسها ب"داتى" أو وصفها بأنها أيضا مهاجرة مثلها كما ترفض وبشدة أن تكون رمزا للتنوع حتى لا يتم اختزالها فى كونها نجحت برغم أنها من المهاجرين، لأنها على حد تعبيرها تحمل ذكريات جميلة لفرنسا منذ طفولتها ولم تأت إليها للانتقام منها بسبب الاستعمار. وليست نجاة هى العربية الوحيدة التى تولت منصبا مهما فى الحكومة الفرنسية الجديدة، فهناك أيضا "مريم الخمرى" التى تولت منصب سكرتيرة الدولة للشئون السياسية فى امتداد للنجاح والاكتساح المغربى لفرنسا. وإذا كانت نجاة قد ولدت فى ريف المغرب، فإن مريم ولدت فى العاصمة المغربية الرباط، وتبلغ من العمر أيضا 36 عاما، قضت مريم سنوات طفولتها فى طنجة برفقة والدها الذى كان يعمل بالتجارة ووالدتها التى كانت أستاذة مغتربة هناك وذلك قبل أن تعود فى سن التاسعة إلى فرنسا مع والدتها لاستكمال تعليمها إذ بدأت حياتها العملية ببلدية الدائرة ال18 فى باريس إلى أن انتهت من دراستها فى الحقوق بجامعة السوربون حتى تمت الاستعانة بها كمساعدة بالحزب الاشتراكى عام 2002. واصلت مريم تقدمها الذى أهلها للالتحاق بفريق عمل "برتراند دولانوي" عمدة باريس السابق عام 2008، لتصبح مسئولة عن قضايا حماية الأطفال وسلامتهم وذلك قبل أن تختارها "آن هيدالجو" لتصبح المتحدثة الرسمية لحملتها فى انتخابات البلدية عام 2014. وبعد النجاح الساحق الذى حققته "هيدالجو" وتوليها منصب عمدة باريس أعطت ل"مريم"مزيدا من الصلاحيات الواسعة منها إدارة سياسات باريس، خصوصاً أنه تم انتخابها مرتين كمستشارة فى بلدية باريس لتشغل مجموعة من المهام فى مكتب عمدة باريس ليختارها "فالس" بعد ذلك لتشغل منصب سكرتيرة الدولة للشئون السياسية لباريس فى مفاجأة لجميع الباريسيين الذين لم يتوقعوا أن تؤول إليها هذه المهمة. لذلك هاجمتها شبكات التواصل الاجتماعى بسبب جذورها المغربية واصفا إياها بأنها من جيل القردة الجديد فى فرنسا !" مثلما وصفوا مواطنتها نجاة بلقاسم بأنها مثيرة جنسيا! ووصف البعض ما حدث من اختيارات لكل من مريم ونجاة بأنه أسلمة لأوروبا وهو الشيء الذى طالما حذر منه اليمين المتطرف هناك، فالوضع الآن فى طريقه لإحلال البيض المسيحيين بالمهاجرين المسلمين على حد تعبير أنصار جون مارى لوبان. الذين تساءلوا بدورهم عن الأسباب التى تجبر الحكومة على اختيار عرب مهاجرين مسلمين فى مناصب عليا للدولة فى حين أنهم يحملون جنسية مزدوجة كفيلة بإطاحتهم خارج التشكيل الوزارى. ويقول المعارضون لتنصيب كل من نجاة ومريم إنهم لن يستطيعوا تشجيع أولادهم على الدراسة أو الترقى ما دام الأمر فى النهاية يذهب إلى العرب المسلمين الذين جاءوا من المستعمرات القديمة ليستولوا على قيادة الدولة. وفى النهاية تساءلوا بأى حق يتم اختيار مغربية لمنصب وزيرة؟ ما الذى تمتلكه أكثر من أبناء البلد نفسها لكى تتولى هى شئونهم؟ وفى النهاية طالبوا بعمل استفتاء حول ما إذا كان الفرنسيون يرغبون أو يوافقون على أن تتولى وزارتهم شخصيات من جنسيات أخرى خصوصاً لو كانت عربية وأيضا مسلمة؟!