صلاح غراب فى حفل تنصيب غير مسبوق، وفى تقليد غير معهود، حسم الرئيس عبد الفتاح السيسى مسألة مشاركة الإخوان فى المستقبل، رافضا التعامل مع مَن انتهج العنف سبيلا، ما بين احتواء الإخوان، وإنهاء وجودهم فى الحياة السياسية، كان هذا التحقيق. د. محمد حبيب، النائب الأول السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وصف حكم الإخوان، برغم قصر مدته، بأنه كان خرابا على الجماعة وتاريخها، كما كان خرابا على الدعوة الإسلامية ذاتها، فضلا عن أنه كان خرابا - ولا يزال - على الوطن كله، وأن تجربتهم فى الحكم كانت فاشلة وبائسة، وكشفت عن ثغرات قاتلة لدى الإسلاميين، وأنهم لم يختلفوا عن غيرهم، ولا ندرى ما الذى كان يمكن أن يحدث لو أنهم استمروا أكثر من ذلك؟. كان تقديره سبحانه أن تقوم ثورة 30 يونيو، وينحاز لها الجيش، ويتم عزل الإخوان عن الحكم، وتوضع خريطة طريق لتحديد خطوات مرحلة انتقالية أخرى. لكن أبى الإخوان وأنصارهم - والغرب - إلا أن يقفوا عقبة كئودا أمام خريطة الطريق فى محاولة تفشيل الثورة، واستعادة السلطة، ولو على أطلال الدولة، أو أنهار الدماء. ويرى أن فكر الإخوان وفهمهم ونظرتهم للإسلام، وكذلك برامجهم الدعوية والتربوية والسياسية، ووسائلهم، وأساليبهم، وخططهم، وبرامجهم من حيث الحركة والسير بالمنهج، كل ذلك يحتاج إلى تقويم، فهو - فى التحليل الأخير - فكر بشرى، قد نتفق أو نختلف معه. صحيح من الصعب أن يتنازل الإخوان عن فكرهم، خصوصا فى مثل هذه الأجواء المحتقنة، لكن من المهم أن تشكل لجنة متخصصة من أهل العلم والفقه، وهذه تعكف أولا على قراءة ودراسة هذا الفكر للتعرف على ماهيته، والنقاط الإيجابية والسلبية فيه، ثم تعرض الدراسة بموضوعية، وإنصاف على الرأى العام. فالكثير من الناس لا يعلمون شيئا عن فكر الإخوان، ولا الفرق بين فكر الإخوان، وفكر السلفيين. وعن مستقبل الإخوان والتنظيم الدولى، أضاف د. حبيب أن فشل الجماعة فى الحكم، واعتصامها فى رابعة والنهضة، ثم التظاهرات المرتبطة بالعنف، والصدامات الدموية، وإثارة الفوضى فى الشارع، وفى الجامعات، كل ذلك يخصم من الرصيد الشعبى للجماعة، وسوف يلقى بظلاله السلبية على المستقبل السياسى لها. ولا شك فى أن فشل تجربة الإخوان فى حكم مصر ألقى بظلاله السلبية على الإخوان فى الدول الأخرى، مع أن لكل تنظيم ظروفه، ومشكلاته، وتحدياته، فضلا عن السياق الخاص - الدستورى والقانونى - الذى يعمل من خلاله. لم يكن أحد يتصور هذا السقوط المفاجئ والسريع، فثقة تنظيمات الإخوان فى تنظيم إخوان مصر كانت كبيرة للغاية، وكان هناك اعتقاد بأنه إذا وصل إخوان مصر إلى الحكم فسوف يمكثون فيه طويلا، كان هذا يمثل أملا، على أساس أن إخوان مصر يمثلون القاطرة التى سوف تشد خلفها تنظيمات الإخوان فى الدول الأخرى. لكن، للأسف، لم تكن قيادة تنظيم إخوان مصر الحالية على مستوى هذه الثقة، لم تلتزم بمنهج الجماعة، من حيث المرحلية والتدرج، وحسن إعداد أفراد الصف - ثقافة وأخلاقا وسلوكا - علاوة على عدم التنسيق والتعاون مع أطراف الجماعة الوطنية، هذا فضلا عن توريط الجماعة فى صدام مسلح مع أجهزة الدولة والشعب. وأكد أن هناك أنظمة حكم عربية فرحت بهذا السقوط، لكن هناك دولاً أخرى حزينة وغاضبة وناقمة، خصوصا على الجيش المصرى الذى استجاب لقطاع عريض من الشعب فى ثورته على نظام حكم الإخوان، فى 30 يونيو، كتركيا وقطر، ومن قبل ذلك وبعده الكيان الصهيونى، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى. فى تصورى، يرجع فرح هذه الأنظمة لفشل إخوان مصر فى التعامل معها، فضلا عن التحالفات التى عقدوها مع الجماعة الإسلامية، والسلفية الجهادية، والجهاديين الذين يمارسون العنف والإرهاب، والذى يخشى من انتقاله إلى تلك الأنظمة. لذا- يستطرد د. حبيب- فأنا لا أعول كثيرا على تنظيم دولى، مترهل وضعيف، ولا وجود له على أرض الواقع، فهو يأخذ أكبر من حجمه كثيرا، ولا أتصور أن تكون لتحركاته آثار على الوضع هنا فى مصر. وبقدر ما تمضى الدولة بثبات وعزم وتصميم فى خريطة المستقبل، وبقدر ما تؤدى الخارجية المصرية عملها بكفاءة واقتدار، بقدر ما سوف يتلاشى أى تأثير لهذا التنظيم، سواء على مستوى الخارج أم الداخل المشكلة تكمن فى الغرب المكلوم الذى أطاحت ثورة 30 يونيو بأحلامه، والذى يحاول توظيف واستثمار تحركات هذا التنظيم خلال هذه الفترة من أجل مشروعه الخاص. أعتقد أن الحكومة المصرية عليها واجب مهم هذه الأيام، هو التعامل مع الأحداث الجارية بحسم، بما يؤكد ويعزز سيادة القانون. د. عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بآداب حلوان، يرى أنه إذا ما استمرت صحوة الدولة كما هي الآن من شرطة وجيش في ملاحقة باقى جسد الجثمان الإخوانى من بؤر إجرامية وإرهابية، وتقديمهم للمحاكمة، فسوف تنتهى الجماعة للأبد، ولن تقوم لهم قائمة. وللأسف، هناك كثير من الشعب مغيب، ومنهم من أدرك حقيقتهم، ومنهم من لم يدرك حتى الآن، وهذه الحقيقة أنهم متناقضون مع الموروث الثقافى في مصر، وهى العادات والتقاليد التي هي موجودة من قبل حتى الإسلام والمسيحية، بحيث يمكننا أن نقول إن ما يجمع المصريين من عادات وتقاليد أكبر مما يفرقهم على مستوى العقائد والأديان. كما يرى د. الدسوقى أرى أن جماعة الإخوان انتهت، لأنها فقدت مصداقيتها في تدخلها في السياسة والصراع السياسي، وفرضهم على الشعب، خصوصا أنهم كانوا يقولون باستمرار، إن التجربة الإسلامية هي الحل البديل عن التجربة الليبرالية والاشتراكية، لكنهم فشلوا تماما، وإعادة بناء مصداقيتهم مرة أخرى تحتاج إلى أجيال. وأشار د. الدسوقى إلى أن الإخوان لم يعد لهم التأثير الطاغي الذي كان لهم زمن استيلائهم على مجلس الشعب، ومجلس الشورى، ورئاسة البلاد، إذ أدرك الشعب المصري أن الإخوان فقدوا مصداقيتهم السياسية حين تولوا الحكم، ولم يفعلوا شيئا يجعل الشعب يؤيدهم، ويقف بجانبهم. ثانيا، تبين للمصريين أن الإخوان يتصادمون مع الموروث الثقافي الذي يجمع بين المصريين على مدى الزمن، منذ فجر التاريخ، وأن حكمهم يتنافى مع مقولة «الدين لله والوطن للجميع» التي هتف بها المصريون جميعا ضد الاحتلال البريطاني زمن ثورة 1919. وتأكيدا لهذا، فإن عدد الذين يخرجون في «مليونيات الجمعة» لا يتجاوز العشرات. وأوضح الدسوقى أن الحل الأمني وحده لا يكفى إلا على المدى القصير، ويجب الاستمرار فيه، حيث إن هذه الجماعة تغلغلت في مفاصل الشعب المصري، إذ أصبح لهم في كل حارة، وشارع، ونجع، وقرية، ومدينة عناصر تابعة تصبح «خلايا نائمة» بمرور الوقت، فضلا عن سيطرتهم على النقابات العمالية والمهنية خصوصا. ومن هنا، يجب تحجيم قوتهم، وذلك بإبعادهم عن المناصب والمواقع المؤثرة، ووضع تحركاتهم تحت الرقابة دوما. وعن كيفية معالجة هذا الفكر الإخوانى، يرى د. الدسوقى أنه يجب العمل على كشف هذا الفكر، وكيف أنه يتصادم مع ثقافة الشعب المصري المعتدلة على مر التاريخ، وذلك عن طريق فتح مجال التوعية في المراكز الثقافية، والشبابية، والثقافة الجماهيرية، والإكثار من برامج الحوار في الفضائيات، والتي تتضمن الرد على مقولات الإخوان، وتفنيدها في الفضائيات، ووضع المدارس التي أقاموها تحت إدارة وزارة التربية لمراجعة الكتب، والمقررات، والنشاط المتبع. ومن ذلك أيضا إصدار نشرات صغيرة ولو في صفحة واحدة تحت عنوان:»هل تعلم»، ويتم بيان أن ما يقوله الإخوان في أي موضوع لا أساس له في الدين أو التراث، وتنظيم مسابقات بين الشباب لتوضيح صحيح الدين، وتأكيد وحدة الوطن. وعن مستقبل الجماعة السياسي والتنظيم الدولي للإخوان، يتوقع د. الدسوقى أنهم سوف يكررون السيناريو الذي صنعوه بعد ديسمبر 1948 (اغتيال النقراشي)، وفبراير 1949 (اغتيال حسن البنا)، واكتوبر 1954 (محاولة اغتيال عبدالناصر ومحاكمتهم)، و1965 (إعدام سيد قطب) من حيث العمل تحت الأرض، ومغادرة البلاد، حيث يتم احتضانهم من النظم السياسية التي تقف لمصر بالمرصاد، وتمنعها من الإقدام على التنمية، حتى تظل سوقا مفتوحة للمنتجات الرأسمالية عالميا، وتابعة سياسيا للأجندة الإسرائيلية والأمريكية لتحقيق أهداف النظام العالمي الجديد من حيث الفوضى الخلاقة، وإقامة الشرق الأوسط الجديد. أما إذا نجحت الثورة المصرية (يناير 2011 - يونيو 2013) في تحقيق أهدافها، طبقا للشعارات المرفوعة، فسوف تنجح مصر في العبور من الأزمة بفضل إيجاد مجتمع متماسك، وطنيا واجتماعيا. د. أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسى بآداب القاهرة، يتفق مع الرأيين السابقين، حيث يرى أن هذه الأزمة سوف تجعل المستقبل أمام الجماعة وتنظيمها صعباً، فقد دخلوا فى صراع هذه المرة مع المجتمع، وأبانوا عن نياتهم الحقيقية، وحرقوا علم مصر فى الميدان. إن حرق العلم فيه دلالة على حرق الوطن، ومن يحرق الوطن يحرق نفسه. فأين يذهب من يضحى بالوطن بهذا الشكل؟، أى أرض تستوعبه إلا أرض الأعداء؟. إن المستقبل ملىء إذن بالصعوبات والمشكلات، وأن على جماعة الإخوان استحقاقات مهمة، لكى يعيدوا تكيفهم مع المستقبل. وأضاف د. زايد أن الإخوان عليهم مراجعة كثير من أفكارهم، وعليهم مراجعة أساليبهم فى الحياة، وفى ممارسة السياسة. ولا أظن أن وطنا يُحرق علمه على الملأ يمكن أن يتقبلهم بسهولة، إن عليهم أن يعيدوا للعلم كرامته، وأن يعتذروا علنا عن أفعالهم، وأن يعيشوا كما يعيش الناس، ويفكروا كما يفكر الناس، وأن يتركوا المجتمع يبنى نفسه، ويستعيد عافيته، فقد فشل مشروعهم ومسعاهم. وأشار د. زايد إلى أن الإخوان فقدوا الكثير من تأثيرهم فى الجماهير، فقد كان تأثيرهم يعتمد فى الماضى على مظاهر الإحسان، المتمثلة فى تقديم الأغذية والسلع التموينية للأسر الفقيرة، وكان هذا التأثير يرتبط بسلوك مصلحى يستهدف بالأساس استغلال الفقراء فى حشد الدعم لهم، من خلال الوصول إليهم عبر معدتهم، وليس عبر عقولهم. ولقد تغير هذا الوضع كثيراً بعد الأحداث الأخيرة التى تأكدت من خلالها صورة مختلفة للشخص الإخوانى. فلم يعد هذا الشخص الذى يقدم المساعدة، أو الطعام، وإنما هو الشخص الذى يدخل فى دائرة الإرهاب والعنف، ويقتل من أجل تحقيق مصالحه، ويهدم الوطن بحرق العلم. ومن الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى أن يفقد الإخوان جماهيريتهم وتأثيرهم، بل إنه يعمق من المشاعر العدائية تجاههم، ويخلق وعياً نحو فهم أهدافهم فهماً حقيقيا. وعن فكرة إقصاء الإخوان عن طريق الحل الأمنى فقط، أوضح د. زايد أن تنفيذ القانون أمر مهم بالنسبة لأى شخص يقف ضد المصلحة العليا للمجتمع، أو تعطيل أمور البشر، أو الاعتداء عليهم. أما فكرة الإقصاء، فهى فكرة مرفوضة لأى فئة، إذ يجب دائما فتح التيار الرئيسى فى المجتمع إلى استيعاب كل القوى والتيارات، شريطة أن يكون لديهم جميعا ميل نحو الاتفاق والتوافق، ونحو ممارسة الديمقراطية على أسس من الاحترام والعدل. أما د. كمال الهلباوى، القيادى الإخوانى السابق، فيرى أن المستقبل يُبنى على مواقف، فإذا اختار الإخوان من الآن قيادة واعية وحكيمة وشبابية - وكما حصل تغيير فى مصر كلها فلابد أن يحصل تغيير فى الإخوان - تفهم الواقع، وتتحد مع الشعب، ولا تستعلى عليه، وتستطيع أن تدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، وتدين ممارسات القيادة الحالية.