د.نصر الدين علام بالرغم مما يتشدَّق به بعض المصريين من المسؤولين السابقين، بأنهم هم أصحاب مُبادرة حوض النيل، إلا أن الحقيقة واضحةٌ وجليّةٌ، بأنه كان هُناك قوى كُبرى خلف هذه المُبادرة التي تم دعمها بمِئات الملايين من الدولارات الأمريكية، وكان الهدف الرئيسي منها هو تقليل حِصة مصر المائية، وعزْل مصر عن عُمقِها الجنوبي المُتمثِل في دول حوض النيل. بلا أدنى شك، إن صاحب فِكْرة مشروع مُبادَرة حوض النيل، والمُخطِط لها كانت الدول أو بعض الدول الغربية الداعمة والمُمولة للمُبادرة (الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول أوروبا الغربية وكندا)، ويمثلهم كالعادة البنك الدولي. وكانت مُعظم النتائج الرئيسية لهذه المُبادرة سلبية بالنسبة لمصر، والتي يُمكِن تلخيصها فيما يلي: ساعدت مُبادرة حوض النيل على توحيد مواقف دول المنبع في الهضبة الاستوائية وإثيوبيا؛ لتُصبِح على قلب رجُلٍ واحد في عدم الاعتراف بالحصص المائية التاريخية لمصر والسودان، والمطالبة بإعادة توزيع مياه النهر على دول الحوض، وعدم الاعتراف بمبدأ الإخطار المُسبق عن السدود والمشاريع التي تُقيمها هذه البلاد على النهر، والإعلان عن خططها لبناء سدود تخزينية كبرى على نهر النيل وروافده الرئيسية. قامت دول المنبع، وكذلك السودان بالإعلان عن خِطط استثمارية للتوسع في الزراعات المروية في مساحات تَصِل إلى حوالي 8 ملايين فدان تم طرحها للمستثمرين وبتسهيلات كبيرة، وقام المُستثمرون بالاستثمار في مِئات الأُلوف من هذه الأفدنة في مُختلف دول الحوض، وخاصة في إثيوبيا والسودان، وبدون اعتبار لتأثير هذه المشاريع على الحصة المائية المصرية. أعلنت إثيوبيا عن مُخططات لسدود تخزينية كُبرى (كارادوبى ومندايا وبيكو أبو والحدود (سد النهضة حاليا)) لتوليد الكهرباء وللزراعة، وقامت المُبادرة بإعداد دراسات الجدوى لها. قامت دول المنبع في الهضبة الاستوائية من خلال المُبادرة بإعداد عدة مُخططات لبناء سدود لتوليد الكهرباء، وتم عقد اتفاقيات الربط الكهربائي بين دولها. قامت المبادرة بإعداد دراسات للربط الكهربائي بين إثيوبيا ومصر والسودان، لنقل كهرباء السدود الأثيوبية إلى مصر والسودان، ووقَّعت الدول الثلاث اتفاقية للربط الكهربائي قبل دراسة الجدوى، والآثار السلبية للسدود الأثيوبية على مصر. قامت أثيوبيا بإنشاء سد "تكيزى" وسد "تانا بليس"، بدون حتى إخطار مُسبق لمصر، والآن مُستمِرة في إنشاء سد النهضة، وقامت السودان بإقامة سد "مروى"، وفي طريقها للانتهاء من سدي "عطبرة" و"ستيت"، وقامت أوغندا ببناء سد "بوجاجالى". تم اختيار مدينة "عنتيبي" بأوغندا كمقر لمُفوضية لدول حوض النيل المُزمَع قيامها بعد التصديق على اتفاقية عنتيبي، ومدينة أديس أبابا مقرا لمكتب الإنترو لتعاون دول حوض النيل الشرقي، والقاهرة خرجت خاوية اليدين. التوقيع المُنفرِد لستٍ من دول المنبع (إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا ورواندا وبوروندي) للاتفاقية الإطارية (اتفاقية عنتيبى)، وجارِ التصديق عليها من برلمانات هذه الدول، وبعض الدول كأثيوبياوأوغندا قامت بالفعل بالتصديق عليها. من الواضح. مُبادرة حوض النيل بمكوناتها كان قد تم الإعداد الجيد لها، لإعادة تقسيم مياه نهر النيل بين دول الحوض، وإقامة السُدود، وخاصة الإثيوبية لحجز المياه والتنفيذ الحقيقي لهذه الحصحصة المائية الجديدة، ومن الواضح أيضا أنه كان هُناك عدم إدراك من الجانب المصري لهذا المُخطط وأبعاده حينذاك، وأخطأت عدة أخطاء استراتيجية نُلخِصها فيما يلي: 1. الإدارة المصرية أخطأت بقبول الاتفاقية الإطارية (اتفاقية عنتيبي)، كأحد مُكوِّنات مُبادَرة حوض النيل. 2. وفي حالة الاضطرار لأسباب أجهلها إلى التفاوض مع دول حوض النيل، كان يجب أن يكون التفاوض مع كل دولة على حدة أو مع دول الهضبة الاستوائية بعيدا عن التفاوض مع إثيوبيا، وأن يكون التفاوض تحت المظلّة المصرية السودانية، كما تنص اتفاقية 1959، أما التفاوُض الجماعي أباح توحيد صفوف دول المنبع وأباح التدخل الدولي. 3. أخطأت الإدارة المصرية في الرضُوخ لضغوط دول المنبع بصفة عامة ولإثيوبيا بصفة خاصة في عدم التمسك بالنص على الاتفاقيات التاريخية التي تنص على الحقوق المائية المصرية، والرضوُخ لمطالب البنك الدولي، والموافقة على إدراج مادة الأمن المائي، بدلًا من الاتفاقيات التاريخية، وفي التنازُل عن عدم إدراج الإجراءات التنفيذية للإخطار المُسبق في الاتفاقية الإطارية، وفي التنازُل عن شرط التوافق لتعديل أي من مواد أو ملاحق الاتفاقية. 4. كان من الضرورى أن يكون التفاوُض على النقاط الخلافية كحزمة واحدة، وليس التفاوض حول كل مادة بمُفردِها، وأن يكون هناك مُقايضة على تنازلات من جانب دول المنبع نظير تنازُلات من دولتي المصَب. 5. عدم وجود رد فعل مناسب للإدارة المصرية على قيام إثيوبيا، وبدون إخطار مُسبق، بالبدء في تَشييد نفق "تانا بليس" عام 2002 وسد "تكيزى" عام 2005، كان فيه الكثير مِن النعومة والمهادنة، وكان يجب أن نُطالب أثيوبيا بتفاصيل هذه المشاريع وأهدافها والدراسات البيئية والدراسات الخاصة بآثار هذه المُنشآت على مصر وحصتها المائية.