د.نصر الدين علام كانت التغيُّرات والنِزاعات الدولية والإقليمية في فترة ولاية الرئيس مبارك عديدة ومؤثرة، أعادت تشكيل النظام العالمي والتوازُّنات الإقليمية. وواكب هذه النِزاعات والمكايد بداية صراعات جنوب السودان، وفي حوض النيل والقرن الإفريقي، والتي كانت لها تداعيات كبيرة على الأمن القومي المصري، فمع مطْلَع الثمانينات من القرن الماضي بدأ عام 1983 النزاع بين حركة التحرير الشعبية بقيادة جارانج فى جنوب السودان وبدعم غربي ضد النظام السوداني. وقد أدت هذه الحرب إلى توقُف أعمال قناة "جونجلى" عام 1984، والتي كان قد تم الانتهاء من 70% من أعمالها؛ لتزيد كل من حِصة مصر والسودان المائية بحوالي 2 مليار متر مكعب سنويا. وكان استكمال هذه القناة سيتيح تنمية حقيقية للجنوب السوداني وزيادة تُقارِبه مع مصر، واستكمال مشاريع استقطاب فواقد نهر النيل في مناطق السدود وبحر الغزال ومستنقعات مشار، والتي تم النص عليها في اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. وهذه المشاريع كانت ستفتح أوجه وأبواب التنمية والمستقبل لكل من مصر والسودان شمالا وجنوبا، وكانت سوف تحقق وفرة مائية يُمكِن معها تقليل الآثار الكارثية للسدود الأثيوبية على مصر والسودان، واستمرت هذه الحرب 22 عامًا حتى تم التوصل إلى اتفاق السلام بين الشمال والجنوب برعاية أمريكية عام 2005، والذي انتهى باستفتاء لاستقلال الجنوب عن السودان، وأصبح الجنوب دولة مُستقِلة عام 2011. وهذا الانفصال بلا شك له آثار مُباشرة على أمن الجنوب الاستراتيجى لمصر، وعلى اتفاقية 1959 بين مصر والسودان الموحد، وعلى حصة مصر المائية من نهر النيل، واستولى الترابي على مقاليد الحُكْم في السودان عام 1989، أي بعد بداية الحرب الأهلية في جنوب السودان بحوالي 6 سنوات. واستمر نظام الترابي في السودان حتى تم انقلاب البشير عليه عام 1999، وأثناء حُكْم الترابي للسودان كانت العلاقات المصرية السودانية قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، وكانت السودان تأوي الجماعات الإسلامية المُناهِضة للنظام المصري، بالاضافة إلى مجموعات من تنظيم القاعدة، وقد قامت بعض هذه الجماعات بمحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995، والتي كانت سببًا رئيسيًا لإحجام مبارك عن زيارة إثيوبيا، وحضور اجتماعات الاتحاد الإفريقي الدورية هُناك، مما كان له أثر في تحجيم دور مصر الريادي، وظهور قوى إفريقية جديدة بدعمٍ من الولايات المُتحدة والدول الغربية وخاصة إثيوبيا وأوغندا. وكان لتفكُك الاتحاد السوفيتي عام 1991 أيضا تأثيره المُباشر على الحُكْم فى إثيوبيا، حيث استولى ميليس زيناوي الغربي التوجه على مقاليد الحُكْم بعد الانقلاب على النظام الماركسى الحاكم بقيادة منجستو عام 1991. وبعد ذلك حصلت إريتريا على الاستقلال السياسي عام 1993، وعقدت إثيوبيا تحت قيادة ميليس زيناوى اتفاقية إطارية للتعاون مع مصر في أول يوليو من عام 1993، وذلك أثناء زيارة ميليس زيناوى إلى القاهرة، وتعهَّدت فيها الدولتان بالتعاون معًا في الاستغلال المُشترَك لمياه النيل مع عدم الإضرار بأي من الدولتين. وبعد تولي ميليس زيناوي حكم البلاد، عادت إثيوبيا مرة أخرى إلى حلفائها التقليديين في الغرب، واعتمد اقتصادها على معُونات مالية كبيرة ولسنوات طويلة دعما لاقتصاد إثيوبيا، وللتغلُب على مظاهر الفقر التي كانت سائدة هناك بشكلٍ كبير، ذلك بالإضافة إلى الدعم العسكري. وقامت أثيوبيا تحت حكم ميليس زيناوي في التسعينات من القرن الماضى بتحديث مُخطط السدود الذي أعده مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي في خمسينات القرن الماضى، وذلك عن طريق مكاتب استشارية أوروبية. والسدود الأثيوبية جزء رئيسي من استراتيجية إثيوبية قومية شارك في وضعها العديد من الدول الأوروبية ومنظمات دولية لتحويل إثيوبيا من دولة تقع ضمن أشد دول العالم فقرًا، حيث كان ترتيبها رقم 171 من 182 دولة على مستوى العالم، إلى مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2025، وذلك من خلال إنتاج الطاقة الكهرومائية النظيفة للاستهلاك المحلي وللتصدير إلى دول الجوار، جيبوتي والصومال شرقا وكينيا وأوغندا جنوبا والسودان وجنوب السودان غربًا ومصر شمالا. وتُقدِر إثيوبيا كميات الطاقة الكهرومائية التي يُمكن توليدها على أنهارها المُختلفة حوالى 45000 ميجاوات منها 20000 ميجاوات من النيل الأزرق وروافده. وقامت أثيوبيا بالفعل الانتهاء من خط نقل كهرباء إلى السودان الذي بدأ تنفيذه عام 2008، وافتتحه الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي في شهر ديسمبر 2013 بطول 290 كيلومتر لنقل 100 ميجاوات ولاية "قضاريف" السودانية بتكلفة مقدارها 41 مليون دولار كقرض من البنك الدولى، وجار الانتهاء من خطٍ آخر لنقل 60 ميجاوات من الكهرباء إلى جيبوتي بطول 283 كيلومتر، وبتكلفة تصل إلى 95 مليون دولار من خلال قرض من بنك التنمية الأفريقي. وبدأت إنشاءات خط لنقل 500 ميجاوات من الكهرباء وبطول 1100 كيلومتر إلى كينيا بتكلفة تصل الى 1.26 مليار دولار من خلال قرض من بنك التنمية الأفريقي، ومن المُنتظر الانتهاء من هذا الخط عام 2016، وقامت أثيوبيا في أبريل 2013 بالحصول على قرض صيني مقداره مليار دولار لإنشاء خط لنقل كهرباء من سد النهضة إلى العاصمة أديس أبابا. ومجلة "جلوبال كونيكشن" عام 2013 التي تُصْدِرها مُؤسسة "تي روي برايس" ذكرت، أنه هُناك خمسة نمور إفريقية، إثيوبيا من خلال توليد وتصدير الطاقة الكهربائية ودولة جنوب أفريقيا وثلاثة دول بترولية في غرب إفريقيا نيجيريا وأنجولا وغانا.