حوار سهير عبد الحميد فى مثل تلك اللحظات الفارقة من عمر الوطن التى تحدد مصيره لسنوات تالية وتحدد إلى أين تتجه بوصلته، نحتاج إلى آراء من نتوسم فيهم، بحكم كتاباتهم ومواقفهم، الرأى السديد والحيادية النابعة من اعتزازهم بمبادئهم التى لا تتجزأ ولا تتلون حسب قربهم وبعدهم عن السلطة، خصوصا إن كان هؤلاء يحجزون دائما مقاعدهم بمنأى عن ذوى السلطان، ويرفضون أن يكونوا من فقهائه أومن المثقفين المدجنين أو من المتلونين الذين تتبدل جلودهم حسب هوى السلطة، فى صفوف هؤلاء يأتى أيمن الصياد ككاتب ومحلل سياسي رفض السلطة مرات ، احتراما لوجهة نظره المستقلة دائما، فرفض أن يكون وزيرا للإعلام حرصا على استقلالية رأيه ،ثم استقال من الفريق الرئاسى للرئيس الإخواني محمد مرسي عقب الإعلان الدستوري "الذي جاء ضمن سلسلة سياسات ومواقف قسمت البلد" حسب رأيه، معلنا قلقه على مصير "الثورة" التي لا يزال يراها كالنار تحت الرماد التى يمكن أن تفجر بركانا من الغضب إذا ما تجاهل الرئيس القادم تحقيق مطالبها التى لم تتحقق بعد. لا يتحدث كثيرا، ولكنه وافق على أن تجري معه "الأهرام العربي" هذا الحوار: هل نحن بصدد انتخابات رئاسية حقيقية أم أنها مسرحية هزلية كما يصفها البعض؟ من الناحية القانونية البحتة نحن أمام انتخابات، فلدينا مرشحان تنطبق عليهما قانونا الشروط اللازمة للترشح، ولدينا لجنة عليا للانتخابات تحاول الالتزام بقوانينها، أما من الناحية السياسية البحتة يختلف الوضع كلية، فلا يمكننا المقارنة بين المشهد الانتخابى الحالى وما كان من منافسة «حقيقية» فى انتخابات 2012 ، فلا أحد يمكنه أن ينسي كيف جلس العرب من المحيط إلى الخليج ومن موريتانيا إلى الصومال دون مبالغة كى يشاهدوا المناظرتين الشهيرتين، بين أبو الفتوح وعمرو موسى ، كانت هناك حالة انتخابية غير مسبوقة فى شرقنا العربى، ولهذا أهميته في مرحلة التنمية السياسية «وتجذير الديمقراطية» في أرض خاصمتها طويلا، المسألة ليست مسألة الإجراءات رغم أهميتها، كما أنها ليست مجرد استيفاء للشكليات القانونية. إذن أنت تعتقد كالكثيرين أن النتيجة محسومة سلفا وأنه لا توجد منافسة حقيقية؟ في اعتقادي أننا نمر «بمرحلة سيولة» تتغير فيها اتجاهات الرياح بين يوم وليلة. الوصف الوحيد الذي يمكننا باطمئنان أن نصف به الواقع الآن، هو أن هناك شعورا عاما سائدا بأن النتيجة محسومة، مقارنة بما شاهدناه في انتخابات 2012 حينما كان عنصر المنافسة حاضرا بقوة، يومها كانت للانتخابات أهمية تتجاوز كونها مجرد انتخابات روتينية، فقد تجسدت أهميتها فى إعلاء الشعور المجتمعى بالمشاركة، وأن الناس هم الذين يصنعون مستقبلهم وهم الذين يقررون وهذه مسألة تكتسب أهمية كبرى فى مراحل التحول، لعلك لاحظت أن مشاركة المصريين فى انتخابات 2012 تجاوزت بمراحل نسب المشاركة فى دول متقدمة وعريقة فى ديمقراطيتها، هذا لا يعنى أن تاريخنا الديمقراطى أكثر عراقة، وإنما يعنى أننا كنا بصدد حالة وإحساس عام بأن «هذا البلد بلدنا»، وهذا الإحساس ضاع للأسف خصوصا لدى الشباب، ولذلك أسباب عدة نعرفها جميعًا وإن لم تكن لدينا أبدًا في ظل هذا الاستقطاب والتحيز الصارخ شجاعة الاعتراف بها، لا من هذا الطرف أو ذاك. هذا يعنى أنك تتفق مع بعض من يؤكدون أن المنافسة غائبة ، لأن أحد المرشحين وهو عبد الفتاح السيسي مرشح دولة تسانده أجهزة الدولة بكل عنفوانها؟ نعم نحن لدينا مرشح حرص أنصاره بوضوح أن يقولوا إنه مرشح الدولة، وعليه فقد كان سلوك أجهزة الدولة التي اعتادت لعقود التحيز طبيعيا ومتوقعا. هل تعتقد أن هناك حملة منظمة لتشويه صباحى كما يعتقد بعض أنصاره لصالح المرشح المنافس؟ لا جديد في ذلك، فمحاولة تشويه المرشح المنافس أمر تعرفه الانتخابات في العالم كله، المهم أن نلتزم بالقانون، والأهم ألا تشارك أجهزة الدولة أو المنتسبون إليها في ذلك، وأنا أظن أنه لولا الاحتياج لمرشح آخر للقبول دوليا بهذه الانتخابات، لتعرض حمدين ربما لما هو أكثر. هل تذكرين انتخابات مبارك الرئاسية؟ هذه هي بعض ملامح نظام ثار الناس عليه في يناير. وماذا عن وصف حمدين صباحى بأنه مرشح الثورة ، وهو الوصف الذي يستنكره البعض ويعتبرونه احتكارا لثورة 25 يناير من جانب صباحى؟ هذا طبيعى فى الحملات الانتخابية على مستوى العالم أجمع، هناك توصيفات ذات طابع إعلامى يطلقها العامة والسياسيون على المرشحين، ويظل المحك الحقيقى هو توجهات المرشح والمصالح التي يعبر عنها. وماذا عن لقب مرشح الشباب الذي أطلق على حمدين؟ عندما تفشل الدولة أن تشعر الجيل الجديد أنه جزء منها، فعلينا أن نتوقع منه أن ينحاز إلي المرشح القادم من خارج تلك الدولة. هل يطمئن الشباب لاختياراتهم؟ نحن نعيش «مرحلة اللايقين». أحد المرشحين قال إنه سمع من الكذب في هذه السنوات الثلاث أكثر مما سمعه طيلة حياته، وهذا صحيح تماما، وأظنه كان مقصودا. وهل يعيش الشباب مرحلة إحباط؟ ليس فقط الشباب، انظري إلى ليلة 11 يناير 2011، حين كان الشعب كله «يدا واحدة» يحتفل في ميادين مصر بسقوط نظام ثار عليه، كان الناس يومها على استعداد لأن يفعلوا المستحيل من أجل بلدهم، حين تنهار الأحلام الكبرى يأتي الإحباط. هناك حالة إحباط عامة، خصوصا لدى الشباب والخطورة أن يكون فى السلطة من لا يدرك أن هذا الإحباط هو وقود التمرد والثورة، قبل أيام وتعليقًا على تصريحات لأحد المرشحين استوقفتنى بشدة تغريدة كتبها أحدهم من كلمات ثلاث لكنها موجعة ومفجعة هى: «الله ، الوطن ، الهجرة» فى ظل هذا الإحباط ماذا تبقى من 25 يناير؟ الذي تبقى ببساطة هو الأسباب التى فجرت 25 يناير وهنا مكمن الخطورة، وهى الأسباب نفسها التى فجرت ما حدث فى العالم العربى من انتفاضات على طريق التغيير، والمحاولة اليائسة من البعض لوصم ما حدث بالمؤامرة رغبة فى وأد أية محاولات قادمة للتغيير، هي محاولة تفتقر إلى المنطق، وسيكون مصيرها الفشل في نهاية المطاف، لأنها ببساطة ترفض الاعتراف بأن هناك أسبابا واقعية على الأرض دفعت الناس للتمرد، فالشعار الذي تردد فى ميادين مصر، ثم في غيرها من بلدان التغيير العربي «الشعب يريد إسقاط النظام»، شعار يلخص الأمر كله في أربع كلمات لا غير. هذه العبارة قد تبدو بسيطة لكنها فى واقع الأمر مركبة ومعقدة، ثار الناس لأن الدستور الذي كان يمنع التمييز بين المواطنين كان حبرا على ورق، فالنظام لا يمكن اختزاله فى شخص رئيس الجمهورية، وإنما هو تحالف المصالح المترابطة من المال والسلطة والقوة، النظام الذي خرج الناس لإسقاطه هو الذي كان يحرم خريجا متفوقا من الحصول على وظيفة ما، بينما يحصل عليها غيره لأن لديه امتياز القرابة لأحد المسئولين، النظام الذي تحرم فيه تقارير أمنية، يعلم الله مدى صدقيتها المستحقين الأكفاء من الحصول على وظيفة ما، أو من الترقي. النظام الذي يتعلم فيه الناس أن علاقاتك بالسلطة أو بالأجهزة الأمنية، وليس كفاءتك هي جواز مرورك الوحيد للحصول على حقك. النظام الذي كان يسمح لرجل أعمال على صلة بالنظام أن يعصف برجال أعمال آخرين فى منافسة السوق ويدفع بهم إلى الإفلاس. ببساطة، النظام الذي لا يستحى من تزوير الانتخابات عيانا بيانا ولا يتردد فى بيع ما يمتلكه المصريون من أراض وثروات. النظام الذي يزعم طوال الوقت أنه يرعى التعددية الحزبية ويعمل طوال الوقت على العبث بتلك الأحزاب من الداخل النظام الذي تكون فيه يد الأمن فوق كل شىء فتقرر من يعتلى المنبر ومن يعين معيدا فى الجامعة، هذه سمات النظام الذي ثار عليه الناس فى مصر وليبيا وتونس واليمن وفى سائر الدول التى لم تصلها رياح التغيير بعد. إعلان المرشح الرئاسي عبد الفتاح السياسي أنه لا مكان للإخوان فى الحياة السياسية أثار حفيظة البعض .كيف تقيم هذه المسألة؟ لابد من التدقيق فى المصطلحات. ماذا نقصد بتعبير «الإخوان المسلمين» هل نتحدث عن التنظيم أم عن ذراعه السياسية «الحزب»؟ أما إن كنا نقصد المنتمين للإخوان المسلمين، فما هو دليل هذا الانتماء؟ هل هناك بطاقات عضوية، أم سنعتمد على تقارير أمنية لإبعاد من لا تريده السلطة بادعاء أنه ينتمي لهذه الجماعة أو تلك؟ ثم يبقى الأهم من ذلك كله، كيف يتماشى هذا الإقصاء الذي تحدث عنه مع نص المادة 53 من الدستور الجديد، والتي تنص على عدم التمييز بين المواطنين بسبب الانتماء السياسي؟ أم أننا بصدد بناء دولة لا يحترم القائمون عليها دستورها؟ في الحقيقة هناك أسئلة كثيرة في هذا السياق تنتظر الإجابة. المشير السيسي أعلن أن مجريات الأمور كانت ستختلف لو أن الرئيس مرسي استجاب للمطلب العام قبل 30 يونيو وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة . هل هذا صحيح؟ وإلى أى مدى كان يمكن للصورة أن تختلف؟ بلا شك، كانت الصورة ستتغير تماما. على الأقل كنا سنحقن الدماء التي راحت. كنا سنتجنب المضي في حالة الاستقطاب والكراهية المجتمعية تلك إلى هذه الدرجة. لم نكن لنشهد ما نشهده الآن من المكارثية الإقصائية، وما كنا لنجد ذلك الاستقطاب الحاد الذي جعلنا نبدو وكأننا شعبان لا شعب واحد. وكان الإخوان بما لديهم من قوة حقيقية على الأرض سيشاركون غيرهم فى مقاومة عودة نظام مبارك. يضاف إلى ذلك للأسف أن كثيرا من أقوال وأفعال الإخوان ومن معهم، سواء على منصة رابعة أم بعد كارثة الفض، أضعف حجة الذين يحاولون مقاومة عودة الدولة البوليسية التي تضع «مكافحة الإرهاب» عنوانا لعودتها. إذن نيران الثورة تحت الرماد وعلى الرئيس القادم أن يتحاشي إيقاظها ..فما الذي عليه فعله حتى يتجنب مصير كل من مبارك ومرسى؟ عليه أن يدرك أولا أنه لن يستطيع العبور بهذا البلد إلى بر الأمان إلا بسلاح واحد هو هذا الجيل الجديد فهذا الجيل هو في النهاية صاحب المستقبل. وعليه أن يدرك ثانيا أنه «مجرد رئيس» بمعنى أن هناك دستورا ينظم العلاقة بين الرئيس الذي هو جزء من السلطة التنفيذية وباقى السلطات، وأن يعى أن الدستور يجعل من رئيس الوزراء شريكا مع رئيس الجمهورية فى الحكم، عليه أن يدرك أنه موظف برتبة رئيس جمهورية وليس زعيما، فعصر الزعامات انتهى وفق المتغيرات الدولية، لم يعد هناك نهرو ولا تيتو ولا ديجول ولا عبد الناصر، وعليه أن يعى أن لدينا دستورا ينبغى احترامه وأن يتريث ويقرأ الدستور ليعرف حدود صلاحياته . ثم عليه أن يدرك ثالثا ولعلها الأهم أنه «رئيس انتقالي» مهمته الأولى أن ينتقل بهذا البلد من حالة ثار الناس عليها في يناير 2011 إلى حالة خرجوهم إلى الميادين يبحثون عنه، بلد معاصر ديمقراطي يتمتع فيه كل المواطنين بفرص متكافئة. وإلا فالمقدمات إذا تكررت ستأتى بالنتائج نفسها. مستشارو الرئيس هل هم مجرد واجهة وديكور فى نظمنا غير الديمقراطية؟ عندما صدر قرار تعيين مستشاري الرئيس في أغسطس 2012 خرجت على الهواء مباشرة لأقول إنه لا قيمة للمستشار ولا لدوره، إذا لم يكن مستقل الرأى لأنه إن كان صاحب السلطة يريد أن يسمع ما يرضيه فليوفر على نفسه العناء، فمن المفترض أن يسمع الرئيس من مستشاريه عكس ما يعتقد، ولكن مع ملا حظة أن رأى المستشار بالتعريف غير ملزم لصاحب القرار، ولا ينبغي أن يكون ملزما له لأن الأخير هو من يتحمل المسئولية. وفي النهاية دعينا نتذكر ما نقوله في أمثالنا: «صديقك من صدقك لا من صدَّقك».