عماد بركات – المعتصم بالله حمدي – أحمد سعد الدين الأحداث السياسية التي عاشتها المنطقة العربية في الثلاث سنوات الأخيرة لا شك أنها ألقت بظلالها علي الدراما المصرية والعربية، وتحاول بعض المسلسلات التليفزيونية أن تقترب بشكل ما إلي أرض الواقع في الوقت الراهن، ولكن هناك من يري أن ثورات الربيع العربي لم تكتمل ويسيطر عليها الغموض ومستقبلها غير واضح المعالم، وبالتالي فإن أي عمل فني سيتناولها لن ينجح في تقديم شكل متكامل يفسر للجمهور حقيقة ما يحدث، والأحداث المتلاحقة في مصر خير دليل علي ذلك، فبعد سقوط نظام مبارك ووصول تيار الإسلام السياسي للحكم ظن البعض أن القصة اكتملت وجاءت ثورة 30 يونيو لتؤكد أن هناك مفاجآت عديدة ما زالت في الطريق، ومن خلال التحقيق التالي نرصد أهم أراء المتخصصين حول ما إذا كانت المسلسلات الرمضانية، ممكن أن تقدم لنا تفسيرا لثورات الربيع العربي أم أن جهات الإنتاج ستقدم دراما بعيدة تماما عن المشهد السياسي ؟ المؤلف مجدى صابر أكد أن هناك أكثر من عمل تعرض للثورة الأولى التى قامت فى يناير2011، لكن هذه الأعمال لم تتطرق إلى تفاصيلها من قريب واكتفت بعرض بعض المشاهد عن قيام الثورة فى نهاية الحلقات، وأتصور أن ابتعاد كثير من المؤلفين عن عمل مسلسلات درامية عن الثورتين اللتين مرت بهما مصر يرجع إلى حالة الإشباع التى أصبحت موجودة لدى الناس من الأحداث السياسية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، خصوصا برامج التوك شو التى تتناولها ليلا ونهارا، ولذلك يحاول صناع الدراما والقائمون عليها الهروب منذ ذلك إلى صناعة أعمال ترفيهية واجتماعية حتى تلقى قبولا لدى المشاهدين، لأن الحالة المزاجية عند المصريين غير مستعدة لتلقى مثل هذه النوعية من الأعمال بسبب كما قلت سابقا حالة التشبع السياسى التى أصابتهم. من جانبه يرى المؤلف مصطفى محرم أن ما يحدث فى مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن لا يمكن أن يطلق عليه حراك سياسى، وإنما فوضى سياسية تصل أحيانا إلى الكوميديا، وأن الأحداث السياسية التى خلفتها الثورتان لا تصلح للكتابة عنها، لأن الصورة لم تكتمل بعد، وكل يوم يفاجأ المصريون بأمور جديدة متعلقة بهما، ولو قرر أى مؤلف الكتابة عما يحدث الآن سيكتب مسلسلا كوميديا، وأضاف: المشهد السياسى غير واضح المعالم فى مصر والإخوان لا يزالون داخله من خلال تفجيراتهم ومظاهراتهم ولذلك يجب الانتظار لفترة أكثر من ذلك، حتى تكون الرؤية واضحة أمام المؤلف كى يخرج عملا يستحق المشاهدة، وأن المؤلف الذى يكتب عن هذه الأحداث الآن غير واعيا ويفتقد للكثير من الخبرات وغالبا ما يفعل ذلك كنوع من الاستسهال. أما المؤلف وليد يوسف فقال: لا يمكن لأى مؤلف فى مصر أن يكتب كلمة واحدة عن الثورتين اللتين مرت بهما إلا بعد مرور ما يقرب من 10 أعوام حتى تكون الصورة اكتملت ووضحت أمور كثيرة فيما يخص من الجانى ومن المجنى عليه، وصدور أحكام نهائية فى القضايا الكثيرة والمختلفة المنظورة حاليا أمام القضاء، وأضاف: الكتابة عن الثورات ليست أمرا سهلا، وإنما هى توثيق للتاريخ ورصد للأجيال المقبلة لما حدث قبل وبعد وأثناء هذه الثورات، ولذلك يستلزم التروى كثيرا من المؤلفين حتى تصبح أعمالهم مرجعا لما شهدته مصر فى فترات الثورات، وأذكر أن هناك كتبا كثيرة خرجت عن مبارك وتناولت ثروته بأنها تقدر ب 70 مليار دولار مثلما ذكر فى كثير من وسائل الإعلام عقب تنحيه مباشرة، وبعد شهور قليلة تكشف للناس بأنها كانت معلومات غير صحيحة. فى حين اختلف الكاتب عاطف بشاى مع الأراء السابقة حول أن المشهد السياسى فى مصر لا يصلح للكتابه عنه الآن بسبب عدم اكتمال صورته، وقال: هذه مقولة خاطئة وللأسف شائعة فى الوسط الفنى وصدقها أغلب المؤلفين فى مصر، مما يدل على عدم فهمهم لمعنى الفن عموما ، فالفن ليس نقلا عن الواقع فقط وإلا كنا شاهدنا أى شخص يكتب سيناريو لمجرد أنه ينقل عن الواقع، وإنما هو عمل عالم افتراضى من خيال الكاتب يوازى الواقع، حيث يتم اختيار تيمة أو قضية معينة من الواقع ويقوم المؤلف بإضفاء واقعه الخاص عليها، وأضاف: كما أن الأحداث السياسية التى طرأت على مصر منذ يناير 2011 وما أفرزته من كواليس داخل أروقة الساسة تكفى لعمل مسلسلات درامية كثيرة. وتقول الناقدة خيرية البشلاوى: ما أود قوله إن الثورتين لم تهضما ولم تختمرا بعد بالنسبة لكتاب الدراما، وأنهما مازالتا فى حالة "فوران" والمؤلف يحتاج لهدوء حتى يستوعب الأمور من جميع جوانبها ثم يعيد إنتاج الثورة بعد دخولها فى وجدانه وبعد أن تكون تشكلت، وأصبحت كيانا يشعر به المجتمع المصرى ككل، وأضافت: لا شك فى أنه سيتم التعبير عن الثورتين بعدما يستقران، كما أن الأحداث السياسية المهمة دائما ما يقوم المؤلفون بتوظيفها فى أعمالهم على أنها تاريخ ينظر إليها من بعيد. الفنانة اللبنانية ميريام فارس التي تشارك بدراما رمضان المقبل من خلال مسلسل "اتهام" أكدت أن أي عمل فني يتضمن إسقاطات لها علاقة بالواقع الذي نعيشه ولذلك فإنه من المنطقي أن تتناول بعض الأعمال التي تعرض في شهر رمضان ما يحدث علي الساحة من أحداث سياسية واجتماعية، ولكن لابد من تناولها بطريقة غير مباشرة حتي لا يرفضها المشاهد، وهذا الأمر يتوقف علي مهارة مؤلفي هذه الأعمال ولكن من المؤكد أن المشاهد يفضل الآن الاعمال الاجتماعية والرومانسية. أما الناقدة نعمة الله حسين فترى أن الفن هو انعكاس للواقع الذى نعيشه ومن ثم فأى عمل فنى لابد ان يقترب من الحال الذى يعيشه المجتمع ومردوده السياسي والاجتماعى والاقتصادى، لكن يبقى شىء أهم وهو أن أى ثورة عندما تقوم لابد أن تأخذ بعض الوقت حتى تحقق أهدافها، ثم بعد ذلك يبدأ الفن فى مناقشة المتغيرات التى أحدثتها هذه الثورة فى المجتمع ومن هذا المنطلق علينا أن نصارح أنفسنا بأن ثورة يناير تعثرت فى الطريق، ثم جاءت ثورة يونيو لتصحح مسارها وتعيدها للشعب المصرى بعد أن تم سرقتها عن طريق جماعة الإخوان، لكن حتى الآن لم تظهر نتائجها بعد لذلك فمن المستحيل أن نجد عملاً فنياً يستطيع أن يغطى هذه المرحلة بدقة وإلا سيكون اجتهادا ليس أكثر وبعيد عن الحقيقة، الشىء الوحيد الذى من الممكن أن يناقشه الفن فى هذه المرحلة هو مناقشة الأسباب التى أدت لقيام الثورة، وهو ما استطاع الفن أن يعبر عنه ويعالجه درامياً فى بعض الأعمال مثل «المواطن إكس والهروب ورقم مجهول» وغير والتى ناقشت موضوع قتل خالد سعيد والمحاكمة الشكلية التى انعقدت للذين قتلوه فى البداية ثم أدت هذه الأحداث إلى قيام الشعب بأكملة بثورة، لأنه أحس بالظلم وبأنه يعيش على الهامش، أما الأعمال الأخرى لم تستطع أن تناقش النتائج التى ترتبت على قيام الثورة ولنا عبرة فى ثورة 23 يوليو التى بدأ الفن يتناولها فى الأفلام بعد قيامها بأكثر من خمس سنوات عندما أحدثت تغييرا كبيرا فى المجتمع المصرى. ويقول الناقد الفنى نادر عدلى: هناك حالة من الاستسهال ضربت بعض الأعمال الفنية بعد قيام ثورة 25 يناير مباشرة، وتمثلت فى أن بعض الأعمال السينمائية غيرت فى مشاهد النهاية لإقحام مشهد ميدان التحرير فى الأحداث مثلما حدث مع فيلمى صرخة نملة والفاجومى وغيرهم، لكن كانت الدراما التليفزيونية أذكى بكثير لأن الوقت الذى بدأت فيه تصوير الأعمال كان بعد أكثر من خمسة أشهر من قيام الثورة لذلك كان هناك حديث عن صوت العقل وبدأت فى صنع مسلسلات اجتماعية لها طابع سياسي وليست سياسة بحتة وهو ما جعل الجمهور يتابع بعض هذه الأعمال مثل المواطن إكس على سبيل المثال لكن اليوم وبعد اكثر من ثلاث سنوات لاتزال النتائج الحقيقية للثورة لم تظهر بعد لذلك فأى عمل جديد لن يستطيع أن ينقل صورة نهائية للثورتين فقط سوف يسقط عليها بعض الأحداث من بعيد. الفنان محمود عبدالمغني الذي قدم من قبل مسلسل "طرف تالت" وكان به إسقاط كبير علي الواقع السياسي بعد ثورة 25 يناير توقع أن يتجاهل كتاب الدراما رصد الأحداث السياسية الحالية لأن هناك غموضا يسيطر علي الأوضاع، خصوصا أن الانتخابات الرئاسية علي الأبواب، وهناك مرحلة جديدة تعيشها مصر ولابد أن ننتظر بعض الوقت حتي نتعرف علي تأثير الثورات علي الشارع العربي. وأوضح عبدالمغني أنه من المتوقع أن يكون عام 2015 مرحلة فارقة في حياة المصريين بمعني أن الكل يأمل أن يحدث استقرار حقيقي وتهدأ الأوضاع، وبالتالي يمكن تقديم أعمال تؤرخ كل ما حدث في مصر بعد 25 يناير 2011. وقال الفنان السوري عابد فهد إن السياسة أثرت كثيرا في خريطة الإنتاج الدرامي ولكن هناك ترقبا من قبل جهات الإنتاج وكتاب الدراما لما سيحدث في المستقبل العربي كما أن هناك أسرارا وخبايا سيتم الكشف عنها خلال الفترة المقبلة حول كل ما يحدث في المنطقة العربية، وبالتالي فلابد من التدقيق في شكل الأعمال الدرامية التي تتناول الأحداث السياسية الحالية حتي لا يشعر الجمهور بأن هناك تقصيرا من الدراما العربية في هذا الشأن، خصوصا أنها دائما مطالبة بالتواصل مع قضايا الوطن العربي والتعبير عن الشخصية العربية وإحباطاتها وأحلامها.