واشنطن د. فلاح شمسة هذه الدراسة تطمحُ للتعريف بسيكولوجيَّة الانتقام الإسرائيلى كبرنامج توراتى مُقدَّس وهو الأشرس فى بلوغِ أهدافِه مُخابراتياً بعد عجزِهِ عن بلوغها بِقوَّةِ السلاح. فثمرة تعاون قوى الرجعيَّةِ العربيّة مع العدوِّ الإسرائيلى فى قيادةِ وتوجيهِ الحربِ على سوريا، بدأت تتبلور كنصرٍ للمشروع الإسرائيلى القائمِ على نزعة غريزيَّة فى عدم التصالُحِ مع العدوِّ (العرب) حتّى إزالتِهِ من الوجود. وفى المقابل غريزةِ التصالح العربى مع العدو (إسرائيل) والانقلاب على الذات وتدميرها. ربما بلغَ الإعدادِ الإسرائيلى لمشروع الانتقام التوراتى من العدوِّ العربى مراحله الأخيرة. فإسرائيل الآن فى إدارةِ حربها على سوريا انتقلت من التوجيه العسكرى والمخابراتى لقوى تدمير سوريا إلى المرحلة التنفيذيّة لتأسيسِ جيشِ المُستَقبل السورى على غرارِ الجيشِ الإسرائيلي. فطبيعة الصراع فى سوريا إسرائيليَّة العرق والعصب. وزيارةِ نيتانياهو حديثاً لتفقُّدِ جرحى تنظيمات القاعدة وميليشيا الحر فى مستشفيات إسرائيل تجلى الغُبرة وتكشف المستور. لَم يخفِ نيتانياهو ملامِحَ قَرَفِهِ من رؤيَةِ العربى السورى يتطلَّبُ رحمته وهوَ فى ضماداتٍ إسرائيلية ومستشفى إسرائيلى. كان ذلك الظهور ولوغا َبمنهجيّة تغليفِ السُمّ الإسرائيلى بالحلوى إيذاناً ببدءِِ المرحلة التالية لتدميرِ سوريا وفق منهجيَّة إحكامِ للقبضَةِ الإسرائيلية بِالمال والدم العربيين. فمرحلة الحسم الإسرائيلى هذه باتت ملامحها أوضح من أيّ وقتٍ مضى. ستتمدد إسرائيل داخل سوريا مع خلق منطقةٍ عازلة لحمايتها حتّى تخومِ دمشق. وما عجزت عن تحقيقه بتفوِّقها العسكرى الآن تحِققَهُ لها جاهليَّةِ العقل الطائفى العربى من بؤرِ التخلُّفِ انقِضاضاً على دولِ الثراءِ الحضارى والفكري. ربما لايوجدُ قومٌ على وجهِ الأرضِ يتسِّعُ تكوينهم الأيديولوجى لاستبطان الحقدَ ورغبةَ الانتقامِ مِثلَ العُنصُرِ اليهودي. بل ولا يُماثِلَهم فى الخلق فى دأبِهِم توريثَ هذا الحقد عبر الأجيالِ. فالحقد الموروث عندهم يمتَدُّ من الخلايا إلى القلوبِ إدراكاً للحظةِ الانتقام وهى الهدف السامى الذى لابد من بلوغه بشتى أساليبِ الخداع والدأبِ بهمسٍ أو بِصمت. إذ أنَّ الانتقام توراتى النص وتوراتى العِرق ولتعميقه فى الذاتِ التوراتية فالعهد القديم جاء حافِلاً بتشريع الانتقام بل نصَّ أنَّ الانتقام لا ينتهى بقتل العدو بل بتدمير الحرث والنسل وحرق حتَّى أغنامِه ومعزاه. إنَّ هذه التعاليم لابُدَّ أن تكونَ مُحرَّفة ُكونها مُغايرة للعدالة السماوية، وباعتقادى هى التعليل لِضرورةِ ظهوِر دين المسيح عليهِ السلام. وهوَ على العكسِ تماماً، جاءَ بدينٍ يُبشِّرُ بالمحبَّة والغفرانِ والسلام. وكأنَّ بعض التوراتيين لم يجدوا ما يكفى من غدرٍ ومكرٍ لتحقيق هذهِ الخِصال الجهنمية إلا باختراعهم الصهيونية كتنظيمٍ عالمى يسعى لجعل العصبة اليهوديَّة بسلطتها المالية الهائلة وقدرتها الثقافية والعلمية وما اكتسبته من تطورٍ غربى أن تكون سيِّدَة العالم وصاحبة الخطط والمشاريع الطويلةِ الأمد فى تمزيقِ وتركيعِ أعدائها. فقد قامت بقيادتها الأوربية ونظامها السرّى الداخلى جهازاً جَشِعاً بامتياز يمتصُّ خبرات الدول المُضيفة واموالها واقتصاداتها ويحولها إلى موارد قوَّة وبأس شديد لإقامَةِ وحفظ دولة إسرائيل. ولسوءِ ِالحظِّ حين يكون عدوَّهُم عربياً لايفهم الإعدادِ والبرمجة الدؤوبة احتراساً ويقظةً ويتمادى بالطمأنينةِ ولا يُفكِّر بالدفاع عن وجودِه إلا والسكِّينُ على الرقبة. ولسوءِ حظِّ الأُمَّةِ العربيَّة أن يكونَ عدوِّها فى ترصُّدها على حدود الليفانت "Levant" حوض التراث الحضارى العالمى«الهلال الخصيب»! فسيكولوجيَّةِ العداء اليهودى تستمر عبر الأجيال ورغبة الانتقام ليست وليدة لحظة تاريخية بل عضوية ولاتنطفى جذوةِ سعيرها إلّا بإزالَةِ من ناصبها العداء من عراق عبد الكريم قاسم المحارب فى جنين أو مصر أُم ّعروبة جمال عبد الناصر او سوريا أم أسد 1973. وإن كانت رغبة الانتقام من آثارِ مدينةِ بابل العراقية هدفاً إسرائيليّاً مُلحاً، انتقاماً من السبى البابلى لليهودِ فقد تمَ بلوغه عِندَ دخولِ اللواءِ الإسرائيلى مواكباً قوات الاحتلال الأمريكى أثناءِ غزوِ العراق عام 2003، حيث مهد لاختيار مواقع للدبابات الأمريكية كقاعِدة عسكريّة على أسوار بابل وآثارها فهو انتقاماً استغرق أكثر من ألفى سنة لاستكمالِه. وكانت الغاية، بعد سرقتهم لِلمتاحف العراقيّة، تدميرِ أيّ أثرٍ من كنوز بابل تحت الأرض والتى لم تُستخرج بعد. إذَن فكيف بسوريا قلب الحضارةِ العربيَّة ومهد الثورة العربية بوجه الاستعمارِ وحاملة لواء العرب لتحرير فلسطين حين يتمكَّنُ منها الانتقامُ الإسرائيلى! فبالإضافةِ لاشتراك جيشها العربى الخالد فى كل معارك العرب ضد إسرائيل، سوريّا القلعة المقاومة استعصت على كل المناوارت السياسية الغربية والضغوط الأمريكية. فلعدَّة سنوات استمر التلويح بغزوها كما العراق أو تهديدها بفرضِ الحصار الاقتصادى عليها إن لم تُصفِّ ارتباطها بالمقاومة وأن تُطبِّع مع إسرائيل. ولمَّا لم يتم بعد تمزيق سوريا تماماً ويمَّحى جيشها كما مَّحى جيش العراق فهل يبلغ الحقد الصهيونى غايتَهُ؟ وحين تُعبّأ الدول العربيَّةِ النفطيّة مواردها المالية والسعوديَّة سلاحِها ومخابراتها لإجهاضِ مشروع المقاومة العربيَّّ مرَّةً وإلى الأبد فهل يهفتُ غليل الحقد الصهيونى فى غمرةِ الانتصارِ ونشوتِه؟ وحين يبلغ الذلُّ العربى باكتفائهِ بكسرةٍ صغيرة 9٪ من فلسطين وحشرهِ ملايين الفلسطينيين، فى جزء من الضفة الغربية ووهبِ أعوان أمريكا من حكومات العرب ما تبقى من فلسطين وأغوار الأردن والجزيرتين السعوديتين المحتلتين فى البحر الأحمر والجزء المحتل من هضبة الجولان فهل يبلغُ الحقد الصهيونى شأوهُ؟ وحين يتمَّ تهديمِ سوريا إمعاناً بهدمِ التراثِ وحضارةِ العرب ووجودِ العرب فهل يقبل صنم يهودا قرابين أُمَّةٍ تجلدُ ذاتها وتأكل أبنائها وتصبح شريعتها الفقهية تسهيل إغتصابِ نسائها ويجهدُ إفتاؤها فى سبى الأوطانِ وهتكِ الأعراضِ أملاً بالوصول إلى حورياتِ الجنان فهل بلغَ انتقامُ إسرائيل مداه؟ فالمشروع الإسرائيلى استطاع كسب الشرعية الأمريكية والأوروبية لتمكين الإرهابِ العربى الدينى من تمرير المرحلة الكبرى فى المشروع الصهيونى. والمنظمات الإرهابية العاملة فى سوريا يبلغ الآن تعدادها أكثر من 100 ألف عُنصُر. ومنها: داعش التابعة لتنظيم القاعدة، بحدود 10 آلاف عُنصر (يأتلف معها 15 ألف مقاتل من اوروبا والشيشان) ، وتوأمها القاعدية «جبهة النصرة» نحو 15 ألف عُنصر، بالإضافة إلى تنظيمات تحمل الاسم، والإسلامى كأحرار الشام والتوحيد وألوية وكتائب (تعدادها 60 ألفاً) وهى جميعاً تنظيمات القاعدة او سلفية وقد تعددت أسماؤها للإيهام باختلافها وحتّى اجتمعت تحت مكوِّن عام «الجماعةِ الإسلامية» قبل انعقادِ جنيف-2 فى بشهر، وذلك نزولاً عندَ أوامر الدول النفطية العربية الممولة بالمال والسلاح لإضفاء الشرعية الدولية. أو مجندين يتمولون ويأتمرون بأوامر أجنبية كتنظيم الأركان (20 ألف) لسليم ادريس والنعيمى «ميليشيا الحُر» بالإضافة للمسلحِّين فى القاعدة الأمريكية فى الأردن من افرار الجيش السورى أو اللاجئين الذين تعمل على تنظيمهم المخابرات الأمريكية CIA «سى آى أي» أو المخابرات الإنجليزيَّة M16 وكذلك SAS قوات النخبة الإنكليزية. وبالمقابل وعلى التوازى، كانت العصابات الصهيونية المسلَّحة التى عليها قامت إسرائيل، وحسب مذكرة بيفن، وزير الخارجية البريطانى 6 نوفمبر 1946، لنظيره الأمريكى، كما يلي: 1- قوات البالماخ الإرهابية يقودها المثقف ايغال ألون(6 آلاف عنصر)، وقوات الهاجنا تحت قيادة مركزية يتبعها ثلاث قيادات إقليمية تضم 60 ألف عنصر. 2- قوة شرطة المستوطنات وهى قوة نظامية من 16 الف عنصر. 3- الارغون: عصابة سرية تضم 6-7 ألاف عُنصر. 4- جماعة ستيرن، عصابة تضم 300 من الرجال الخطرين، وهى أكثر التصاقاً بالأرغون. وعلى موازاتِ التركيبة الإرهابية الإسرائيلية التى أصبحت جيش إسرائيل النظامى لاحقاً، كانت عصابات أرغون وستيرن على غرار داعش والنصرة متخصصة بالتفجيرات وزرع الألغام فى الأهدافِ المدنيَّة من عرب فلسطين أو عسكرية من قوات الإنجليز . بينما قوات البالماخ والهاغنا تُشابِه ميليشيا الجيش الحر فى تنظيمها وواجباتها والغرض إمكان تقديمها كشبه نظامية. وكما هى حال تشكيلة الائتلاف السورى التى شكلها السفير الأمريكى «روبرت فورد»، وتم تنصيب أحمد الجربا عليها رئيساً وهى الذراع المالية والسياسية للمنظمات الإرهابية تقابلُها فى الواجبات والإشراف «الوكالة اليهودية» من التنظيم الصهيونى الأوروبى عند قيام إسرائيل مع فارق واحد: إن الائتلاف السورى سبَّبَ تشريد 2 مليون سورى من سوريا، بينما الوكالة اليهودية سبَّبَت هجرة مليونى يهودى أوروبى ليستوطن فى فلسطين. والذى يُعوِّلُ الآن عليه المشروع الإسرائيلى هو قيام دولة إسرائيل فى سوريّا بتطبيقِ نفس الخارطة الإرهابية التى قامت عليها إسرائيل فلسطين، لكن بدم وسلاح ومال عربى.