لا يكتفى الشاعر أمين حداد بأن يكون متاحا فى كتاب أو أمسية شعرية، لكنه يصر على الوصول إلى الجمهور بكل السبل، حيث أسس فرقة «الشارع» التى تعد امتدادا لمشروع بدأه الشاعر الوالد فؤاد حداد، وبالتنسيق مع حازم شاهين من خلال فرقته «إسكندريلا» كان صوت صلاح جاهين وفؤاد وأمين حداد يصل إلى كل الناس فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر. الثورة كانت نبوءة فى شعر حداد الابن، حتى تحققت، كان يحمل قصيدته ويطوف بها عبر الأمسيات فى لبنان والبحرين وقطر، ويكفينا منه أنه حمى تراث فؤاد حداد وحافظ عليه.. «بوابةالأهرام العربى» أجرت هذا الحوار مع أمين حداد. ماذا فعلت الثورة المصرية بالشاعر أمين حداد؟ قصائدى قبل الثورة تشبه ما حدث، الثورة جعلتنى أنزل الشارع وأثبتت لى أن الإيمان بقدرة الشعب على التغيير ورفض الظلم ورفض تغيير هويته هو إيمان صحيح، وأن ما ضحى به آباؤنا وما دفعوه من ثمن لم يضع هدراً، وأن البركة فى الشباب، وأن الشهيد هو إلهام الجماهير ومحركها، أنا بعد الثورة أنزل الشارع لأهتف وأكتب أغانى لتغنى فى الميادين. كنت تكتب شعرا يتنبأ بالفجر رغم العتمة التى كانت جاثمة على قلوبنا هل الشعر بشارة ونبوءة؟ أنا صادق فى كتابة الشعر، ولا أكتب إلا ما أحسه، تعلمت الإيمان بالشعب وتعظيم الشهيد من أبي، الصدق فى الشعر هنا هو البشارة، اسمعى أغنية صلاح جاهين “صورة"، وأغنية نجيب شهاب الدين “يا مصر قومى وشدى الحيل"، وأغنية فؤاد حداد “كل حى فى مصر يسمع.. النفير زى الأدان.. كل قلب يدق يجمع، فى الميدان" وقوله فى المسحراتى “حبوا الوطن فى الحى والشارع... من نور لنور والجاى والطالع.. نادوا الحضور فى جمعة الملايين"، هذا صدق وحق ينتصر مع الثورة، واستلهام القوة والانتصار، والغناء فى وجه الظلم هو إحدى وظائف الفن عموما كتابة ورسماً وموسيقى. وأنا لما قلت فى قصيدة الساقية “الناس ماشية وفاردة ضهورها.. جاية بزهدها وفجورها.. من أيامها لأيامك للأيام الجاية.. كان صدقاً وإيماناً بالشعب واستلهاما لما قاله آباؤنا وشعراؤنا وليس نبوءة. كنت أشعر وأنا أقرأ لك، ولشعراء جيلك بأنكم كمن يجمع تذكارات الوطن ومفرداته وملامح هويته كالخائف من ضياع كل ذلك كيف كنت ترى الأمر؟ هذا صحيح، نفس الإحساس كان عندى وأنا أقرأ لكل من يكتبون فى جيلنا والأجيال التالية لنا، هذه الكتابات كانت توثيقا لما يحدث فى مصر وتدوينا لملامح الهوية المصرية، وكأنها أيضا إشارة لجمال المشاعر والحياة المصرية، ودعوة للتشبث بها، ضد هجمات التخلف وهجمات التغريب وسطوة الفساد والسطحية. كيف ترى دور الشاعر؟ دور الشاعر هو الغناء، غناء يحمل الصدق واللغة وموسيقاها وموسيقى الشاعر نفسه، هذا يصل ما بين قلب الشاعر وقلب المتلقي، وكلما كان الشاعر قريبا من مشاكل الناس يصبح هذا الغناء بالضرورة مقاومة للظلم ومؤيدا للثورة والعدل، أما بعد الثورة فلابد لأى شاعر أو أى فرد أن يكون متفائلا. أنت شاعر ومهندس من منهما تمنيت أن تخلص له للأبد وهل فكرت فى التفرغ للكتابة؟ من المؤكد أن الشاعر هو الأبقى، طبعا تمنيت كثيرا خصوصاً بعد الثورة أن أتفرغ للكتابة والأمسيات الشعرية وتدريب الأطفال والشباب على إلقاء الشعر، كما حدث مع أجمل تجاربى مع كورال الصعيد، يا رب يطول العمر وأظل أكتب شعرا حتى أموت. نحن نراك حلقة وصل جميلة بين الأمس والغد ما بين فؤاد حداد الأب وأحمد حداد الابن كيف ترى نفسك؟ أرانى كذلك مع شعراء جيلى الذين شاركتهم ويشاركوننى فى تقديم الشعر منذ الثمانينيات، واجتمعنا جميعا على ذائقة فنية تكاد تكون واحدة ويجمعنا أيضا معيار الصدق الفنى فى تقييم شعرنا، الشعر أمانة نحملها جميعا، شعرنا وأشعار من سبقونا وشعر الأجيال التى تلينا التى منها أحمد حداد ومحمود عزت وتميم البرغوثى ومصطفى إبراهيم وسعيد شحاتة وغيرهم كثيرون، أما مصر فهى أمانة كل الشعراء والأدباء والأطباء والمهندسين والفلاحين والعمال والساسة والمدرسين وكل أبنائها. لكم تجارب جميلة فى التواصل مع الناس من “إسكندريللا" وفرقة “الشارع" وأشكال أخرى ماذا عنها؟ تعلمنا شكل الأمسيات الشعرية الغنائية من فؤاد حدّاد، حيث قدم ثلاث أمسيات من أشعاره فى عام وفاته 1985 ، وشاركته بالإلقاء فى أمسيتين، وبعد ذلك قمنا بإعادة تقديم هذه الأمسيات وقمنا بإعداد أمسيات أخرى من أشعاره وأشعار صلاح جاهين وكان يشاركنا فى ذلك كثيرون مثل المخرج أحمد إسماعيل وبسمة الحسينى ورشدى الشامي، ثم الفنان محمود حميدة الذى كان له دور كبير فى تجرؤنا على أشعار تحتاج إلى قدرات خاصة فى تقديمها، وأيضا رعايته المستمرة للفرقة، من جهة أخرى كان حازم شاهين قد كون فرقة إسكندريللا سنة 2000 فى الإسكندرية لتقديم تراث الشيخ سيد درويش والشيخ إمام عيسى، ثم توقف لفترة وأعادها للحياة سنة 2005، وتعرفنا على حازم فى هذا الوقت واقترنت الفرقتان ليصبحا وجهين لنفس الأشخاص. كيف تستقبلكم الجماهير فى الدول العربية؟ عملنا بعض الأمسيات فى لبنان والبحرين وقطر، وكان الاستقبال مليئاً بالحرارة والحب. كانوا يصفقون لما نقول “خليك فاكر.. مصر جميلة" الشعوب العربية تحب مصر ولهجتها وفنها خاصة عندما تكون حقيقية وتقوم بدورها فى المنطقة العربية منحازة للقضايا العادلة وللشعوب. تجربة تصوير القصائد وصداها وتواصلكم مع الناس عبر أشكال الاتصال الحديثة كيف ساعد فى انتشار أشعاركم ووصول كلماتكم لهم؟ مع وجود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى واليوتيوب أصبح من السهل نشر وتقديم أعمال فنية دون اللجوء للتليفزيون، كل حفلاتنا يصورها الجمهور بالتليفونات المحمولة ويرفعها على الإنترنت ونفس الوضع مع البرامج التليفزيونية. كيف استقبل الجمهور العربى “حيوا أهل الشام"؟ استقبال عظيم. هذه القصيدة كتبت بعد الاجتياح الإسرائيلى للبنان سنة 1982، وقدمناها أول مرة بلحن حازم شاهين فى سنة 2006 أثناء حرب تموز. وقد اتخذت بعدا آخر مع انتفاضة الشعب السورى هذا العام، لأن دمشق هى الشام عند السوريين، وألاحظ أن كثيراً من السوريين يسمعونها وعلمت أخيراً أن مغنية سورية قدمتها على أحد المسارح الفرنسية. أنت تكتب نصوصاً بسيطة تمس الوجدان تظهر فيها ثقافتك ووعيك كموسيقى خلفية للنص إذا عن تطور القصيدة لديك من زمن تلمذتك على يد فؤاد حداد للزمن الذى صنعت فيه هذا التفرد؟ الشعر غناء صادق يحمل روح اللغة والأمة ويعكس خصوصية الشاعر، وكل شاعر له ما يميزه وله صوته، كنت طول الوقت أبحث عن الصوت الخاص بى فى مفرداتى ولغة ومواضيع وبناء القصائد، كما بحثت عنه فى موسيقى القصيدة وهذا ما أعتقد أننى نجحت فيه فى ديوان “بدل فاقد" حيث حاولت فى معظم القصائد أن يكون صوتى فى القصيدة والتداعى فيها مشابها لطريقة كلامى أنا، لذلك أستخدم النثر فى شعرى الأخير مختلطاً بالوزن ولا أتقيد بشيء فى كتابة الشعر إلا بالصدق فى المعنى والموسيقى والإحساس، ولا يخفى عليك أن الصدق الفنى ليس بالضرورة هو نقل الحقيقة كما هي. “أنا شعرى صادق تماما مع إنى ما باقولش الحقيقة".