لينا مظلوم الهادئ و المحنك المشير عبد الفتاح السيسي،الرجل المرجح أن يحمل لقب رئيس مصر القادم، لا يعيش داخل عالم الصدمات والمفاجآت يُدرك، بحكم تاريخه الطويل في المخابرات الحربية، أهمية عامل التوقيت والأسلوب الذي سيعلن به رسمياً القرار الذي تترقبه مصر و العالم. فقد بادر بإرسال عدة إشارات تُمهِد لأصعب قرار واجه السيسي عبر حياته, سيخوض بموجبه – خلافا لمعاركه الدفاعية السابقة- معارك مستقبل مصر بكل أزماته، بل إن مثل هذا القرار يمثل قمة التحدي لكل من يفكر في الترشح للرئاسة في أجواء الأزمات الخانقة التي تمر بها مصر. الواقع ان"فلسفة"شعبية السيسي التي تصل إلى شبه إجماع عام في الشارع المصري, أخذت النصيب الأكبر من اهتمام النخبة والإعلام و أدخلها في تفسيرات عقيمة. الإجماع على السيسي يمثل التفافا شعبيا صادقا حول فكرة الأمل أو المنقِذ, و هو ما يشكل الفارق بين الشعبية بكل فطرتها وعفويتها،و بين النموذج"الفرعوني"الدكتاتوري.. خصوصا أن الحنكة السياسية التي أبداها السيسي و هو بصدد التحول من قائد عسكري إلى رجل سياسة و دولة تجعله يضع نصب عينيه موروث الحاجز النفسي ضد صناعة الحاكم"الفرعون" الذي كسره المصريون بعد ان أشعلوا ثورتين عبر 3 سنين. الواقع أنه لا السيسي و لا غيره يشكل استثناء لقاعدة وجود تكتلات تولي وجهها نحو"قِبلة"مصالحها المباشرة مع كل الرئاسات و الحكومات أيا كان توجه نظام الحكم ,على اختلاف مصالح هذه الجماعات سواء كانت سياسية أم اقتصادية.. هي نماذج تفرض وجودها على كل العصور.. أيضا تأخر السيسي في الإعلان رسميا عن ترشحه رغم الضغوط الشعبية عليه،و كل التسريبات الصحفية تؤكد ان السيسي لن يضع ضمن مقومات ترشحه عامل الشعبية الكاسحة التي يحظى بها, إنما سيعتمد على برنامج سياسي متكامل يشمل كل ملفات و أزمات مصر. ظهر هذا واضحا في كلماته إلى المصريين حين ذكر بصراحة –بعيدا عن مظاهر الانفعال و زخم المشاعر- انه سيطالبهم بالعمل الشاق الدؤوب،و إن تعافي مصر يتطلب تكاتف جهود الجميع, و هو ما يفصح عن ملامح الإدارة السياسية التي ينتهجها السيسي, و القائمة على استقطاب القوى و التيارات السياسية المختلفة،و إشعارها أن لها دورا مؤثرا في القرار و الإدارة. حالف السيسي التوفيق في أول خطواته السياسية التي اتجهت نحو الشرق.. إلى روسيا، و هي زيارة رغم تضمنها الاتفاق النهائي على أكبر صفقة أسلحة لمصر تقدر ب 3 مليارات دولار.. إلا أنها حملت رسائل و أبعاداً تتجاوز الحدود المصرية إلى ترتيبات إقليمية تشمل منطقة الشرق الأوسط.. فهي تأخذ العلاقات المصرية الروسية إلى منعطف جديد في استعادة حميمية العلاقة التاريخية التي ربطت بين البلدين بعد أن شابها الفتور عشرات السنين أهملت خلالها الإدارة المصرية العديد من القوى الإقليمية التي كانت تتوق إلى بناء علاقات مصالح مشتركة مع مصر.. إضافة إلى أن السيسي – كقائد عسكري- أراد توجيه رسالة إلى الحليف الأميركي الذي احتكر عشرات السنين تسليح الجيش المصري, مفادها أن مصر قادرة على إعادة فتح آفاق التنوع في مصادر التسليح الذي كانت له نتائج إيجابية على قوة الجيش المصري في السابق.. و المعروف تاريخيا أن الجيش المصري انتصر في حرب 1973 بأسلحة روسية. أيضا الزيارة حملت رداً سياسياً على الضغوط والخطط التي تمارسها أميركا على الإرادة الشعبية كي تفرض عليها تنظيماً كشف عن أصله و تاريخه الإرهابي و أخرجته إرادة الشارع المصري من المعادلة السياسية.. ثم أن السيسي كرجل مخابرات محنك, و قارئ جيد لتجارب التاريخ و دروسه.. يدرك أن إلقاء الثقل على أميركا والاعتماد عليها كحليف وحيد غالبا ما يؤدي إلى نهايات مؤلمة كما حدث مع الرؤساء السابقين: أنور السادات, حسني مبارك, و محمد مرسي. المشهد المصري في أوج انشغاله بتفاصيل أجواء الانتخابات الرئاسية، استقبل بترحاب و ارتياح إعلان السياسي و الإعلامي حمدين صباحي عزمه الترشح لمنصب الرئاسة،و من المنتظر أن تضم قائمة الترشح أسماء أخرى.. إذ لن يصب في مصلحة المشير السيسي تولي منصب الرئاسة عن طريق التزكية أو الإجماع الشعبي.. بعد أن وعدت مصر العالم بانتخابات ديمقراطية تتطلب أول شروطها إجراء الانتخابات على أساس تنافسي حقيقي بين برامج سياسية جادة و مرشحين أقوياء.