د/ ناجح إبراهيم جاءني صديق مسلم عاش فترة طويلة في أوربا فتبادلنا الحديث سويا ً ثم قلت له: إنني أفكر في أن أكتب عن المسيح عيسى عليه السلام.. فقد شعرت أنني خطبت وتحدثت وكتبت عن سيدنا يوسف ويعقوب وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام.. ولكنني لم أتحدث إلا نادرا ً عن سيدنا عيسى.. ولم أكتب عنه حتى اليوم.. ثم أردفت قائلا ً: هل تتخيل أنني لم أجد أحدا ًمن دعاة أو أبناء الحركة الإسلامية كتب عن سيدنا عيسى عليه السلام.. وهذا تقصير كبير في حق هذا النبي العظيم. قال الرجل: نعم هذا عجيب جدا ً بالنسبة لنبي ضمن خمسة من أولى العزم من الرسل.. وهم من هم بين رسل الله جميعا ً في المكانة والعطاء والصبر والأثر الطيب.. قلت: نعم.. والله هذا تقصير كبير.. وأرجو أن أكون أول من سيكتب عن سيدنا عيسى من دعاة الحركة الإسلامية المعاصرة.. قال لي صديقي: لابد أن تكتب كذلك عن سيدنا موسى لأنه من أعظم الرسل في تاريخ بني إسرائيل وهو المؤسس الحقيقي لدولة بني إسرائيل الطائعة المهتدية الموحدة.. قلت سأفعل إن شاء الله. عزمت أمري علي الكتابة عن سيدنا المسيح عيسى عليه السلام.. وظننت الأمر سهلا ً.. لكني وجدته صعبا ً جدا ًووجدتني أتضاءل أمام قامة وقدر المسيح عليه السلام. ازدادت مكانة العقاد عندي بعدما استطاع أن يخوض غمار التجربة ليكتب عن العظماء والخلصاء مثل سيدنا محمد وعيسى والخلفاء الراشدين وغيرهم. وارتفعت مكانة رائد الأدب الإسلامي وأستاذ كل الأجيال خالد محمد خالد الذي تربينا علي كتبه وتعلمنا منها كيفية الولوج إلي الكتابة الرائعة والسهلة الممتنعة عن القامات العظيمة التي كتب عنها ومنها كتابه العظيم "معا ً على الطريق محمد والمسيح". أدركت حجم الصعوبة التي قابلها هؤلاء الأفذاذ وهم يفتحون لكل الأجيال خزائن أسرار عظمة هؤلاء الكرام.. وكوامن الخير المتدفق من قلوب هؤلاء الرسل العظام الذين أحبوا الله حقا فأحبوا خلقه جميعا وأرادوا هدايتهم.. وقدموا هداية الخلائق علي راحتهم وسعادتهم وتجشموا المصاعب رحمة بالناس وشفقة عليهم. ظللت أنقب وأبحث وأسأل خائفا ً وجلا ً: كيف أبدأ الحديث عن السيد المسيح عليه السلام.. وكلما قرأت أو سألت أو تفكرت أو تناقشت مع عالم حول السيد المسيح ازداد حبي له وتقديري لعطائه ورسالته؟ لقد هزني في هذا النبي العظيم كل ما فيه من خصال.. هزني هذا التسامح العظيم الذي بهر به المسيح الدنيا كلها حتى اليوم.. بهرني حبه للجميع حتى للذين آذوه وشتموه وأهانوه. شعرت أن هذا النبي كتلة من الحب تتحرك بين الناس وعبر الأجيال لتنقل الحب والعفو والتسامح من جيل لجيل.. ومن زمان لزمان.. ومن بلد لآخر. وهل تجود الأزمان والبلاد برجل يقول"أحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم".. أي قلب هذا الذي حمل هذا القدر من العفو والرحمة ليتخلق بأسماء الله الحسنى حق التخلق.. ويترجمها إلي واقع بشري حي يعيش مع الناس ويحيا بينهم. أه ياسيدي لو كنت بين المصريين اليوم وبعضهم يقتل بعضا ًويجرح بعضهم بعضا ويدعو بعضهم علي بعض ويتمنى كل واحد لمنافسيه السوء والشر لرأيت العجب يا سيدي.. وأدركت أن دعوتك هذه للتراحم والتغافر والتسامح.. قد ذهبت أدراج الرياح. آه يا سيدي المسيح لقد ضاع الحب من أرضنا مع أشياء جميلة ضاعت كذلك .. فلم يتذكر الناس قولتك الأثيرة "الله محبة" بما تحوي من معان كثيرة رائعة.. فالقلب الذي يعرف الله حقا ً يفيض بالحب والرحمة لخلق الله جميعا ً.. والذي لا يعرف الله لا يعرف شيئا ًفي معاني الحب والرحمة.. فلا يعرف سوى الكراهية والمقت والجفاء والجفوة. آه يا سيدي.. لقد تبخر الحب من قلوبنا ليحل مكانه أسوأ معاني الكراهية وإرادة الشر للآخر. يا سيدي نفذت مساحة مقالي الأسبوعي ولكن لم ينفذ مداد الحب الذي سأكتب به عنك وعن رحمتك وعفوك وتسامحك ومحبتك لربك ولرعيتك ولكل الخلق.. فإني أعتقد جازما ً أن الكراهية لم تعرف قلبك الطاهر أبدا ً. سأبدأ يا سيدي المسيح في الكتابة عنك.. كتابة محب لحبيبه.. وتلميذ لأستاذه.. ومتأس لمن يتأسى به.. فالدنيا كلها في حاجة لهديك وهدى سائر الأنبياء.. فبهداكم اهتدينا .. ومن قبس نوركم أضاء الله لنا الطريق.. فإلي الكتابة عن الحبيب عيسى عليه السلام.. نستكمل الحديث في الأسبوع القادم إن شاء الله .. فإلي لقاء.