أشرف بدر عندما ينشر هذا المقال يكون مؤتمر «جنيف 2» قد انتهت أعماله .. وأعلن فشله فى التوصل إلى حل جذرى لأزمة شعب سوريا الشقيق الذى باتت بلاده أشبه بالبلقان بعد نحو عامين من الصراع ، وهذا ليس ضرباً للودع أو علما بالغيب، وإنما هو تنبؤ بما تعلمناه من أحداث مماثلة ، فقد تعودنا أنه عندما تتحدث القوى العظمى بصوت واحد، يصبح للمنظمات الدولية نفوذ فى الأزمات الكبرى وتستطيع ممارسة «مسئوليتها المفترضة لحماية» المدنيين الأبرياء، ولكن عندما يختلفون، وتتعالى لغة المصالح والتآمر –كما هو حادث الآن – فيعنى الفشل!! كما أن الواقع يؤكد أن الروس لن يستطيعوا اجتذاب الأمريكيين إلى إصدار قرار دولى بتجريم دعم الإرهاب فى سوريا، لأن ذلك يتعارض مع مخططات غربية تدعمها قطر وإيران وإسرائيل، لتفكيك بلاد الشام وتدمير الدولة السورية، وبالتالى فإن الاتجاه هو تحويل المعركة بين كل الأطراف «غربية وعربية» بشأن سوريا إلى «معركة سياسية»، باعتبار أن أمريكا فى طباعها تعشق التفاوض تحت النار والتهويل، فمن قالوا إنهم داعمون لحقوق الإنسان والديمقراطية، ومن أوهمونا سنين طويلة بأنهم أصدقاء للعرب، ومن هتفوا للممانعة والمقاومة الآن يجلسون على طاولة الود الإخوانية لهدم مصر وليبيا والعراق واقتسام غنائم الخليج وإعادة ترسيم المنطقة من جديد . وربما لن يكتب للمؤتمر أى نجاح إلا فى الاتفاق على قواعد لعب جديدة فى الأزمة السورية، وبالطبع لن تكون أمريكية صرفة، لأن واشنطن وأتباعها لا يملكون «وحدهم» القدرة على تغيير الواقع بعد ثلاث سنوات من اللجوء إلى كل ما تحت أيديهم، وما ملكت أيمانهم وخزائنهم وأموال ومرتزقة ومعلومات وعملاء وكالاتهم الاستخبارية، وأسلحتهم التى انكشفت أكذوبة أنها "غير مميتة "عندما سيطرت "داعش "على مخازن أسلحة جيش سليم إدريس المسمى ب"الحُرّ"وأحرقت بها الأخضر واليابس . وإذا أردنا أن نعرف حجم المؤامرة ولغة المصالح فى المسألة السورية، فعلينا ببساطة أن ننظر إلى "الخرس الدولى" تجاه جرائم "داعش وجبهة النصرة" اللتين أعلنتا ولاءهما لتنظيم القاعدة، وقامتا بقطع رءوس وذبح وإعدام المعارضين لهما فى الساحات العامة، ولم يحرك مجلس الأمن والأمموالمتحدة ساكنا، ولم ترسل أمريكا طائراتها بدون طيار لتقتل هؤلاء "فلول" القاعدة، كما فعلت فى باكستان وأفغانستان؟ هل لأن القاعدة فى سوريا، والعراق مدعومة من النظام الإيرانى بل والسورى أيضا ؟ أم لأنها تنفذ مخططات أمريكية – غربية خبيثة للإجهاز على سوريا؟ ولماذا أيضاً ارتفع صوت الأممالمتحدة فقط عندما أعدمت المعارضة السورية فلول القاعدة؟ الإجابة ببساطة عن كل هذه التساؤلات تؤكد وجود مؤامرة دنيئة وأن بشار - الطاغية الأكبر - باق فى منصبه، وأنه سيخوض انتخابات يونيو، وعلى المعارضة أن تأكل نفسها ! الروس لعبوا الأزمة السورية "صح " واستوعبوا درس ليبيا بعد أن تجاهلهم الغرب بصورة مهينة عقب تأييدهم بسقوط نظام القذافى، واعتبروا أن وجودهم فى سوريا، وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية، والمعسكر الأطلسى الداعى إلى إسقاطه والراغب فى الاستقرار بالمنطقة.. وأمريكا أخذت حقها من "جنيف النووى" وبمباركة روسية – غربية عندما فرملت الطموح الإيرانى الفارسى النووى، وقلمت أظفاره بتخفيض تخصيب اليورانيوم الإيرانى بنسبة لا تقل عن 5 % ، وإغلاق محطة أراك النووية، وتعهد أوباما بعدم توجيه ضربة عسكرية للأسد، لينتقل الصراع فى سوريا من القتال الميدانى إلى اقتتال سياسى لا غالب فيه ولا مغلوب فى غياب توافق إقليمى حاد، وفى مؤامرة دولية لتقسيم دول الشرق الأوسط! ولهذا يبدو أن الحاجة لثورة ومعركة الميدان ستبقى قائمة ومستمرة بشكل واضح فى سوريا، فالغربان السوداء التى هبطت إلى ساحات البلدان العربية مازالت تعشش فى عقول البعض، وترفض أن تغادرها، بعد أن وجدت الفتن طريقها إلى بلادنا بسهولة ويسر وبأيدى بنى جلدتنا، ومن يحملون زوراً وبهتاناً ديانتنا وعروبتنا.. وتكفى للدلالة على ذلك، الفضيحة المدوية التى أجبرت البنتاجون على التحقيق فيها، وهى نشر صور لجنود من مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" وهم يسكبون البنزين على جثث عراقيين، ويشعلون فيها النار، وللأسف العرب لم يستوعبوا الدرس، باستثناء مصر التى دحرت مخطط التقسيم الخبيث، وهب شعبها بإقرار دستور جديد للبلاد يحصن أرضها وشعبها ضد التآمر الأمريكى والغربى ، ويفقأ أعين كل فاسد وعميل متآمر يلوى الحقيقة ليسىء إلى شعبها، وقطع لسان كل من يطعن فى حقيقة وشرعية ثورة 30 يونيو ومن قبلها ثورة 25 يناير، ووأد طموح وجموح جماعة الإخوان المرتبطة إستراتيجياً ب«المشروع الصهيو-أمريكى»، وأيديولوجياً ب«المشروع العثمانى» وسياسياً ب «المشروع الفارسى». إن الشعب المصرى نجح فى أن يضع تعريفا جديدا لمصطلح «الإسلام السياسى» من دون خبراء إستراتيجيين، ومحللين، ومنظرين، وبعيداً عن طموح الهيمنة، وأطماع السيطرة التى غلبت على نظام الحكم الإخوانى الذى لفظ أنفاسه فى غرفة العناية المركزة السياسية، وذلك بقوله «نعم» للاستقرار وخريطة المستقبل، و«لا» لأتباع التدين المغشوش. قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».