محمد عبد الحميد هل حقا تم اختطاف القيادات العمالية في أثناء ذهابهم إلى جنوبسيناء أم جرت تصفيتهم جسديا، ودفن أجسادهم في الصحراء وما الهدف من وراء تلك الفعلة، ومن الجاني وهل الواقعة مدبرة ولها علاقة بالاستفتاء أم أن المصادفة لعبت دورا في كل ما جرى، وأن الجريمة هدفها الحصول على فدية من أسر المختطفين ؟! أسئلة عدة دون إجابات قاطعة ألقت بظلالها في الشارع المصري طوال الأيام الماضية وأثارت موجة من الجدل والغضب، لاسيما في أوساط النقابات العمالية التي رجح غالبيه أبنائها أن الأمر يتعلق بظاهرة الاختطاف التي عانت منها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير، وازدهرت كثيرا خلال وجود محمد مرسى وجماعه الإخوان في سدة الحكم كنوع من الترهيب والانتقام تارة من خصومهم السياسيين، وأخرى من وزارة الداخلية وإظهارها مقصرة في أداء واجبها وحماية المصريين. يحفل تاريخ الجماعات الإرهابية (إخوان وتكفيريين وبيت مقدس وغيرهم)، على جرائم عدة تبرز جانب من الوجه القبيح لتلك الجماعات التي تقوم باختطاف سياسيين وعسكريين بهدف إجبار الدولة على تنفيذ مطالبها، أبرزها ما جرى يوم 3 يوليو 1977 ،عندما قامت مجموعة إرهابية تلقب بالتكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى باختطاف الدكتور محمد الذهبي وزير الأوقاف السابق، وأصدروا بيانا أعلنوا فيه أنهم اختطفوا الذهبي لإرغام الدولة للاستجابة لمطالبهم في الإفراج عن 60 من أعضائهم، الذين يمضون فترة عقوبة بالسجون المختلفة لإدانتهم في عدة قضايا ودعوا الدولة إلى تقديم الاعتذارات العامة عن الأخبار السلبية التي قامت وسائل الإعلام بنشرها عن التكفير والهجرة، وكذلك دفع فدية مقدارها 200 ألف جنيه مصري نقدا، ورفضت الحكومة المصرية وقتها الانصياع لمساومات تلك الجماعة الإرهابية، مما دفعهم إلى تنفيذ تهديداتهم بقتل الذهبي وأعقب ذلك سلسلة مداهمات للشرطة على أعضاء هذا التنظيم أسفرت عن القبض على 410 من أعضائه وتقديمهم للمحاكمات. وفى زمن حكم محمد مرسى، جرت وقائع أخرى مشابهة حامت شبهات تدبيرها حول جماعة الإخوان، وأن عناصر من حماس والجماعات التكفيرية ساعدتها في تنفيذ تلك الجرائم التي استغلتها جماعة الإخوان لتحقيق مكاسب سياسية، أبرزها ما تم يوم 16 مايو الماضي في شبه جزيرة سيناء باختطاف عناصر إرهابية ل 7 جنود بالشرطة والجيش خلال عودتهم من إجازاتهم إلى أماكن خدمتهم، وكانوا يستقلون سيارتى أجرة عند اختطافهم وطالب الإرهابيون الدولة بإطلاق سراح ذويهم المسجونين في قضايا جنائية، وقتها أشارت أصابع الاتهام إلى أن الأمر مدبر من قبل محمد مرسى جماعة الإخوان وحلفائهم من أجل الضغط على مؤسستي الجيش والداخلية حتى يتم الإفراج عن كل الإسلاميين المحكوم عليهم في السجون بحجة إعادة جنودنا المخطوفين، وأيضا في اتخاذ هذه الواقعة ذريعة – آنذاك - في إقالة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، لأنه يقف حجر عثرة في وجه مخططاتهم من صفقة بيع قناة السويس تحت مسمى مشروع تنمية إقليم القناة، كما أنه يهدم الأنفاق بين مصر وغزة وهو ما لا ترغب فيه القيادة السياسية في البلد، وتجلى ذلك بوضوح في رفض محمد مرسى وجماعته أن يتم تحرير الجنود بالقوة، بدعوى الحفاظ على حياة الخاطفين كحياة المخطوفين، ودعوة مرسى إلى التفاوض مع الخاطفين بوساطة من شيوخ قبائل بسيناء، وبعدها إلى أن تم الإفراج عنهم دون أن يتم القبض على أى من الخاطفين أو معرفة هويتهم! وسبقت ذلك واقعة أخرى مشابهة في عام 2012، باختطاف 3 ضباط وأمين شرطة في أثناء أداء واجبهم بتأمين الحدود المصرية بمدينة رفح، وإلى اليوم لم تتم عودتهم أو معرفة مصيرهم وأعلن أحمد رشاد، المتحدث باسم أسر الضباط المختطفين، أن اختطاف الثلاثة ضباط وأمين الشرطة في سيناء، سياسي وليس جنائيا، مشيرا أن المخطوفين اطلعوا على معلومات ومشاهد يرى البعض أنها ستمثل خطرا عليهم، لافتا النظر إلى دخول عناصر حركة حماس إلى الأراضي المصرية ووجودهم في سيناء مؤكدا، أن المخطوفين تم تسليمهم للقيادي محمد العجرمى وخليل أبو ربيع وستة عشر عنصرا من حماس، والذين قاموا بتسليم المخطوفين إلى القيادي أيمن نوفل قائد المنطقة الوسطي في غزة. كما تقدمت زوجات المختطفين بعدة بلاغات إلى النائب العام أشاروا فيها إلى أن مجموعة من بدو سيناء المنتمين إلى الجماعات التكفيرية قاموا باختطاف أزواجهن أثناء عملهم، وتسليمهم إلى عناصر من تنظيم جيش الإسلام الفلسطيني مقابل 150 ألف دولار عن كل منهم، وأشارت زوجات المختطفين إلى أنه تم استغلال هذا التصرف الإجرامي للضغط على الحكومة المصرية للإفراج عن بعض العناصر الإرهابية التابعين لجيش الإسلام الفلسطيني، والمودعين بالسجون المصرية، وأن هذه الجريمة تمت بعلم قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والرئيس المعزول محمد مرسى الذي لم يحرك ساكنا طوال وجوده في الحكم لاستعادة المختطفين. كما امتدت جرائم الاختطاف إلى عدد من النشطاء السياسيين مثل محمد الجندي عضو التيار الشعبي وأحمد صالح حبيب أدمن صفحة "حق الشهيد في التحرير والاتحادية"، وعمرو سعيد أدمن صفحة "مولوتوف كولا"، و محمد المصري، المشهور ب"ثعلب المحلة الكبرى"، و محمد حسنين أدمن صفحة إخوان كاذبون، ومؤسس حركة "ما بنخافش"، وغيرهم ممن اختلفوا في الآراء والتوجهات مع قيادات الإخوان وقت وجود مرسى في الحكم، فتعرضوا للاختطاف لأيام قبل أن يتم العثور عليهم وهم فى حالة صحية متدهورة، وآثار التعذيب بادية على أجسادهم، بل وبعضهم لم يقو على التحمل فمات متأثرا بجراحه ومنهم من اختفى ولم يظهر حتى الآن. وعلى الرغم من إطاحة ثوره 30 يونيو بمرسى من حكم مصر فإن جماعته الإرهابية وبمعاونة حلفائها في التنظيمات التكفيرية الأخرى لا تزال ترى في جرائم الاختطاف وسيلة للانتقام من خصومها وهو ما تجلى بوضوح في الحادث الأخير، الذي شهدته محافظة جنوبسيناء في أثناء توجه القيادات العمالية (ممدوح محمدي رئيس النقابة العامة للسياحة، ممدوح رياض الأمين العام للنقابة، محمد عيسى وكيل أول وزارة القوى العاملة، محمد الجندي وكيل النقابة العامة)، لحضور فاعليات مؤتمر نعم للدستور بمدينة شرم الشيخ، حيث تأخروا عن موعد وصولهم، وعندما تم البحث عنهم في الطريق البرى الذي سلكوه، تبين اختفاؤهم من داخل السيارة التي كانت تقلهم مع وجود أمتعتهم وأموالهم كما هي دون أن تمس، ورجح البعض أن الحادث تم من عصابة إجرامية بغرض طلب فدية في حين ذهب فريق آخر إلى التأكيد أن الأمر يرتبط بالمواقف السياسية وبتأييدهم للدستور الجديد، لاسيما في أعقاب إعلان جماعة أنصار بيت المقدس، أنها من قامت بتنفيذ حادث الاختطاف وطالبت الجماعة الدولة بالإفراج عن جميع السجناء الإسلاميين في السجون المصرية مقابل الإفراج عن المخطوفين! من جهته يرى عبد الفتاح إبراهيم، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، أن الحادث ذو خلفية سياسية نظرا لمواقف هؤلاء القيادات العمالية المؤيدة لمصر وثورة 30 يونيو وخارطة الطريق، وأكد إبراهيم أنه لا يستبعد أن تكون جماعة الإخوان الإرهابية هي العقل المدبر لهذه الجريمة وان تنظيم بيت المقدس هو أداة التنفيذ كونه تابعا لها وتأتمر قياداته بأمرها، كما تجلى ذلك بوضوح في جرائم عده ارتكبها التنظيم منذ قيام ثورة يونيو وطرد الإخوان من سدة الحكم مشددا على وجوب أن تعمل الحكومة والأجهزة الأمنية بالضرب بيد من حديد على تلك الجماعات الإرهابية، وتقديمهم لمحاكمات عاجلة، لافتا النظر إلى أن الاتحاد لا يدخر جهدا فى سبيل عودة أعضائه سالمين وأن هناك غرفة عمليات تم تشكيلها منذ وقوع الحادث لمتابعة التداعيات أولا بأول وتقديم الدعم الممكن، لاسيما لأسر الزملاء المخطوفين لحين عودتهم بإذن الله سالمين . وفى سياق متصل توالت خلال الأيام الماضية البيانات الصادرة عن النقابات العمالية داخل مصر وخارجها، تندد بتلك الجريمة التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ القيادات العمالية التي يتم اختطافها لأسباب سياسية، كما نددت الاتحادات العربية والعالمية بالإرهاب كظاهرة إجرامية، لابد من أن يتكاتف الجميع لمواجهتها والقضاء عليها. وبدوره يرى مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق، أنه لا يستبعد إطلاقا أن يكون الخطف تم لأسباب سياسية، لاسيما أن أمتعة المختطفين وأموالهم تم العثور عليها فى مكان الحادث، مما يقلل من احتمالية أن تكون الجريمة نفذت من قبل عصابة إجرامية تعمل على طريق شرم الشيخ، وذلك على الرغم من أن البلاد عانت منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن من تفشى ظاهرة الخطف وطلب الفدية فى قرى ومدن مصر المختلفة، فإن الجريمة الحالية لا تندرج تحت تلك القائمة، فالهدف هنا ليس المال، وإنما الضغط والابتزاز السياسي. ويؤكد مكرم أن مثل تلك الجرائم متوقع حدوثها في ظل النجاحات الأمنية في مطاردة الجماعات الإرهابية كالإخوان وغيرها والحد من جرائمهم ومظاهرات العنف والخراب التي كانوا يقدمون عليها، وأن هدفهم من اختطاف هؤلاء ليس تعطيل المؤتمر الذي كانوا ذاهبين إليه، وإنما استغلالهم كورقة ضغط لعل الحكومة ترضخ وتقبل بالتفاوض معهم، نقيب الصحفيين الأسبق أبدى ثقته المطلقة في قدرة الأمن المصري على تحرير المختطفين والقبض على الجناة في أسرع وقت. مؤكدا أن مصر ستتغير نحو الأفضل فور إقرار الدستور الجديد وبدء العمل به حيث ستتفرغ قوات الآمن على مواجهة الإرهاب وفقا للقوانين ومواد الدستور الذى أقره الشعب، من جهته يرى الخبير الأمني اللواء فؤاد علام الوكيل الأسبق بجهاز أمن الدولة، أن الشواهد المصاحبة لعملية اختفاء هؤلاء القيادات العملية ترجح اختطافهم لأسباب سياسية من جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها من الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تعمل في شبه جزيرة سيناء، وأن تلك الواقعة ليست الأولى فهو أسلوب رخيص تمرست علية تلك العصابات الإرهابية لتحقيق مأرب سياسية وهذه المرة الهدف استغلال الحدث في إيهام العالم بأن مصر غير مستقرة وأن النظام الحالي عاجز عن توفير الأمن والأمان لأنصاره، وتابع: وهناك هدف آخر من تلك العملية وهو الضغط على وزارة الداخلية للإفراج عن قياداتهم المحبوسين في سجون مصر المختلفة سواء من ينتمون للإخوان صراحة أم لبقية التنظيمات الإرهابية . مؤكدا أن الأمن المصري لن يرضخ لتلك العصابات الإجرامية وأن لديه من الإمكانيات والخبرات ما تؤهله للتوصل إلى مكان وجود المختطفين وتحريرهم وعودتهم سالمين في الأيام المقبلة، مشددا على أن جميع الجرائم السابقة التي سعت فيها العناصر الإرهابية للي ذراع الدولة المصرية باءت بالفشل وبقيت مصر قوية قادرة على حماية أرضها وشعبها.