أسامة الألفي إقامة حدث كبير بحجم معرض القاهرة الدولي ال45 للكتاب, بعد أسبوع من حدث أكبر( الاستفتاء علي الدستور), يمثل ردا عمليا علي ما تروج له جماعة الاخوان من تردي حال الأمن, وعدم قدرته علي مواجهة أعمالها الإجرامية, الرامية لزرع بذور الشك لدي دول العالم في قدرة مصر علي التصدي للإرهاب وحماية ضيوفها. فالمعرض تشارك في أجنحته24 دولة, منها17 دولة عربية و7 دول أجنبية, يمثلها27 ناشراأجنبيا و210 ناشرين عرب, إلي جانب518 ناشرا مصريا, بالإضافة إلي سور الأزبكية(92 كشكا), وماكان هذا العدد الكبير من الناشرين ليقبل المخاطرة برأس ماله وحياة موظفيه, لو شك لحظة في خطورة الوضع الأمني, فمشاركته تبعث رسالة قوية للمجتمع الدولي, فحواها ألا يصدق ما تبثه أبواق المارقين الهاربين إلي حارة قطر من نواح وكذب يصور الوضع في مصر بالمتدهور, وهو ما ينتظر أن يأتي بتأثير ايجابي علي حركة السياحة. ثم أن تنظيم عرس القاهرة الثقافي تحت شعار الهوية والثقافة اختيار موفق للدكتور أحمد مجاهد ورجاله, يتيح فرصة شرح حقيقة التغيير الذي يجري في مصر, إذ إن بين اللفظتين ارتباطا وثيقا, فالثقافة سياج الهوية, تحميها من غوائل الزمن, وكلما ارتقت الثقافة قويت الهوية وتوطدت أركانها, وقد كانت هوية مصر منذ أن من الله عليها بالفتح الإسلامي متميزة بوسطيتها واعتدالها, فلم تعرف التطرف إلا قبيل سنوات تعد قليلة في عمر الشعوب, حين تدنت الثقافة وتدهور حالها, مما سهل علي المتطرفين بلوغ مرادهم بأيسر الطرق, وجاءت ثورة30 يونيو التصحيحية, لتحول دون نجاح هؤلاء سلب هوية مصر الوسطية, والجنوح بها نحو صخور تطرف مقيت يفتت وحدة الوطن. ويرتبط بهذا الشعار أيضا اختيار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين شخصية الدورة, فالعميد كان من أبرز المنافحين عن هويتنا بدفاعه المستميت عن اللغة العربية الفصحي, وعاء الثقافة وحاضنة الفكر الأصيل, في مواجهة دعاة العامية الذين أرادوا تحويلها إلي لغة أدب فقط مثل نظيرتها اللاتينية, ناسين أنها اللغة التي نزلت بها كلمات الله, وفي تقديري أن كتاب د. طه مستقبل الثقافة في مصر من أهم الكتب التي تناولت قضايا الثقافة والتعليم, ولولا تلك المقدمة التي كتبها وشغلت الناس عن قراءة ما طرحه من فكر راق بحديثه عن ارتباط مصر بحوض المتوسط لحقق انتشارا غير مسبوق. وتنوع البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض يضفي عليه بعدا ثقافيا شاملا,إذ يتضمن أمسيات شعرية, ومقهي ثقافيا, وندوات كاتب وكتاب, بالإضافة إلي الموائد المستديرة وملتقي الشباب وملتقي الإبداع, والفنون من مسرح وسينما وعروض واحتفالات فنية, تشمل مناقشة الأعمال الدرامية ومشوار نجم, ونشاط الطفل من ورش ورسم وتلوين وحكايات شعبية. كما أن استضافة الكويت لتكون ضيف شرف المعرض هذا العام, يحمل أكثر من مغزي, فهو من ناحية يعبر عن قوة ومتانة العلاقات بين البلدين الشقيقين, ويمثل من ناحية أخري تكريما لجهود الكويت الثقافية, وسبقها وريادتها لجيرانها في هذا المجال, فرغم أنها ليست أكبر دول الخليج حجما وسكانا, إلا انها أطولها من حيث القامة الثقافية وأكثرها تأثيرا, وقد قدمت أوراق اعتمادها للعالم العربي ثقافيا قبل أن تقدمها سياسيا, حين أسست مجلة العربي عام1958 م, أي قبل استقلالها بثلاث سنوات, وشكل أدباء الكويت ومثقفوها في بداية النصف الثاني من القرن الماضي من أمثال فهد العسكر وفهد بورسلي وزيد الحرب وصقر الشبيب, ويوسف بن عيسي القناعي وعبد الله النوري وعبد الرزاق البصير وعبد العزيز الرشيد وغيرهم, قاعدة لنهضة أدبية, وأثروا الحياة الثقافية بانتاجهم المتميز, بل وامتد أثرهم إلي الدول الشقيقة المجاورة مما جعل بلادهم منارة الثقافة والإبداع في منطقتها. ولمصر في وجدان الكويت والكويتيين موقع كبير, ولطالما حدثني الصديق د. رشيد حمد الحمد السفيرالكويتي السابق بالقاهرة عن اعتزاز الكويت- شعبا ودولة- بالقامات والكفاءات المصرية الكبيرة, التي أسهمت في نهضة البلاد وبناء دولتها الحديثة, وأرست قواعد راسخة في المجالات الأدبية والعلمية والتربوية وغيرها, مثل الفقيه الدستوري عبد الرزاق السنهوري, الذي كان له الدور الأبرز في وضع الدستورالكويتي, وأدوار عبد الحليم منتصر وسليمان حزين في تأسيس جامعة الكويت, وأحمد زكي في مجلة العربي, وزكي طليمات في المسرح, وغيرهم. وتحضرني في الختام أمنية تحول المعرض في السنوات المقبلة إلي مهرجان ثقافي فني شامل, فقد شهدت مهرجانات عربية شدتني مثل موسم أصيلة الثقافي بالمغرب, ومهرجان الجنادرية السعودي, ومهرجان جرش الأردني, وأعتقد أن إقامة مهرجان مماثل في شرم الشيخ, من شأنه أن يحقق للمدينة وجودا سياحيا ثقافيا إلي جانب السياحة البحرية التي اشتهرت بها.