رشا عامر "لا يمكن لأحد أن يلقى علىّ محاضرة بشأن الحاجة للسلام، أنا الشخص الذى خاض كل المعارك، ولذلك فأنا الشخص الذى بإمكانه أن يمنع اندلاع الحرب". مقولة مشهورة جاءت على لسان السفاح الإسرائيلى آرييل شارون الذى كان يوم السبت الماضى على موعد مع ملك الموت بعد ثمانى سنوات من الدخول فى غيبوبة. مات الديناصور العجوز عن عمر يناهز 85 عاما، بعدما أصيب بجلطة دماغية أغرقت دماغه فى بركة داخلية من الدماء كالتى طالما أسالها على يديه بفعل جرائمه البشعة بحق الإنسانية. فما أن يذكر اسمه إلا ويتراءى أمامنا على الفور ذكرى مذبحته البشعة، التى اقترفها بحق اللاجئين الفلسطينيين فى معسكرى صابرا وشاتيلا بلبنان، عام 1982، التى حصد الموت فيها حوالى 2500 نفسا بريئة. لم تكن تلك المجزرة سوى مدعاة للفخر لهذا السفاح الذى ظهر بعد ذلك عام 1993، بعد إرغامه على ترك منصبه كوزير للدفاع ليقول "أنا رئيس الوزراء الوحيد فى العالم – الوحيد - الذى ترك منصبه وراح يعمل على جرار فى مزرعته نتيجة لما فعله المسيحيون بالمسلمين – الوحيد"! لم يكتف شارون بما فعله فى صابرا وشاتيلا، ولكن وصلت درجة استفزازه إلى دخول المسجد الأقصى عام 2000 معلنا: "جئت هنا برسالة سلام. أؤمن أن بإمكاننا العيش سويا مع الفلسطينيين، وبذلك فجر شارون الموجة الثانية من انتفاضة الأقصى والتى قوبلت بعنف شديد من قوات الاحتلال الاسرائيلى ليخرج هذا السفاح مرة أخرى معلنا عن إقامته الجدار العازل ليفصل بين أبناء شعبه وبين الفلسطينيين والذى لم يكن سوى واجهة لبناء المزيد من المستوطنات اليهودية لتصعيب الوضع على الفلسطينيين فى العودة إلى حدود 1967. ويبدو أن شارون لم يكتف بسفكه لدماء الفلسطينيين بل إن اسمه ارتبط بتورطه فى اغتيال الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، على حد تعبير جبريل الرجوب، مسئول حركة فتح، ولعل ذلك يتضح من سياق الحوار الذى نشر عام 2002، مع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية فى معرض كلامه عن غزو لبنان عام 1982، والذى قال فيه "فى لبنان، كان هناك اتفاق على عدم تصفية عرفات. شارون بالنسبة للإسرائيليين من أعظم الرجال الذين عرفهم التاريخ الإسرائيلى، فقد وهب حياته لبناء هذه الدولة على حد تعبير باراك أوباما. فقد كان شارون هو الفاعل الرئيسى فى ترسيم حدود إسرائيل، فضلا عن كونه اللاعب الرئيسى فى استمرار جذوة الصراع العربى الإسرائيلى فمنذ مولده فى 27 فبراير 1928، وهو الذراع الأيمن لمناحم بيجين المؤسس التاريخى لليمين المتشدد، لذا فقد كان حلم إسرائيل العظمى هو أهم تحدياته. وقدم شارون دعما قويا للمستوطنين اليهود، حيث كانت نظريته تقوم على "التحرك سريعًا لانتزاع أكبر قدر ممكن من قمم التلال (الفلسطينية) من أجل توسيع المستعمرات (اليهودية) فكل ما سنأخذه اليوم سيبقى لنا، وكل ما لن ننجح فى انتزاعه سيذهب لهم، يجب على اليهود العيش فى وسط التجمعات العربية وحولها. لا يجب أن يترك اليهود مكانًا واحدًا دون أن موجود فيه وينعموا بحرية الانتقال، أعتقد أنه إذا ما قمنا ببناء هذه المستوطنات سوف نشعر بالأمان اللازم لتقبل مخاطر من أجل السلام". بينما جاءت آخر قراراته بالانسحاب من قطاع غزة ليتسبب فى صدمة للعديد من مؤيديه ليتم النظر الى شارون باعتباره مهندس انسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة، وإخلاء المستوطنين اليهود منها فى عام 2005، رغم المعارضة الشديدة فى إسرائيل. ولتتحقق بذلك مقولته الشهيرة "لن يكون هناك يهودى واحد فى قطاع غزة بحلول نهاية عام 2005، فإذا كنا نريد التوصل لسلام صحيح، سلام حقيقى، سلام يدوم لأجيال، علينا أن نقدم تنازلات مؤلمة.. وليس ذلك فى مقابل الوعود، إنما فى مقابل السلام". بزغ نجم الدموى شارون عام 1953، حينما كان ضابطا فى المخابرات العسكرية وأسس الوحدة رقم 101، التى كانت مهمتها مهاجمة الضفة الغربية التى كانت تخضع وقتها لحكم الأردن، وذلك ردًا على الهجمات التى تتعرض لها إسرائيل، وفى أكتوبر عام 1956، هاجمت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية لدعم الهجوم العسكرى الذى شنته بريطانيا وفرنسا على السويس، وعاد شارون ليقود كتيبة المظلات التى سيطرت على ممر "متلا" الإستراتيجى فى سيناء، وفى عام 1967، عاد مجددا للقتال وقاد فرقة مدرعة وسيطر مرة أخرى على الممر، مما عزز سمعته كإستراتيجى بارع، وبعد اندلاع حرب 1973، مع مصر وسوريا، قاد شارون فرقة مدرعة وشن هجوما مضادا اخترق الجبهة المصرية وعبر غربى قناة السويس فيما سمى ب "ثغرة الدفرسوار" التى تسببت فى محاصرة الجيش الثالث فى سيناء قبل أن يتلقى تعليمات من قادته بالتوقف عن التقدم. ورأى شارون حينها أن فشل إسرائيل فى تدمير الجيش المصرى كان خطأ فادحا وسماه حينها ب"الحرب المذبذبة"، فعندما كان قائدا ميدانيا يدعو لشن الحرب عام 1967، على مصر قال "الجيش الإسرائيلى مستعد للقضاء على الجيش المصرى، سيمر جيل قبل أن تهددنا مصر مرة أخرى". لم تكن حياة شارون بالحياة السلسة فقد تعرض لثلاث صدمات فى حياته كان أولها فى مايو 1962، عندما فقد زوجته الأولى فى حادث سير بشع أودى بحياتها، أما الصدمة الثانية، فكانت فى أكتوبر 1967، عندما قتل بالخطأ ابنه البكر "جور" عندما كان شارون يلهو بمسدسه منتشيا بنفسه لتنتهى المسألة بفجيعة كبرى، أما الفجيعة الثالثة فكانت فى مارس 2000، عندما فقد زوجته الثانية "لى لى" عقب إصابتها بالسرطان.