أمل سرور يخبطون على صدورهم،يضربون أنفسهم بالجنازير لتتبعثر دماؤهم فى ذكرى وفاة الإمام على بن أبى طالب، يمقتون سيدنا عمر ابن الخطاب ومن قبله سيدنا أبو بكر بل ويسبون الصحابة "عينى عينك "..يصلون على حجر ولهم أذانهم الخاص الذى يقولون فيه «الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن علياً ولى الله»! إيران هى الأب والأم بالنسبة إليهم وكيف لا تكون هكذا وهى المصدر الرئيسى للشيعة فى العالم أجمع. هدفهم الأوحد هو أن يصبح المذهب الشيعى هو الأساس فى مصر بل ولهم محاولات لتشييع المصريين. تلك هى الصورة الذهنية والمعلوماتية التى قد تتبادر إلى ذهن الكثيرين فى مصر ما إن تخترق أذانهم كلمة الشيعة، وقد لا نبالغ عندما نقول إن هذه المعلومات قد تكون سطحية، خصوصا أن بعض الدراسات الأكاديمية والكتب النظرية قد تصيب قارئيها بحالة من حالات اللخبطة وعدم الفهم بل والشعور فى الغرق فى بحر ليس له نهاية. لذا قررنا أن نخوض الغمار ونخترق الأسوار التى يقطنون خلفها فى محاولة للفهم. بداية إذا كنا نتكلم عن الشيعة فى مصر فلابد ألا نغفل أنهم موجودون فى العصر الحديث فى الفترة من الأربعينيات وحتى نهاية السبعينيات، خصوصا فى فترة وجود نسب بين المللك فاروق وشاه إيران، ولكن بعد انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979 م تعرضوا للمحاصرة وعدم الاعتراف بحقهم فى حرية الاعتقاد، وأصبحوا منذ أوخر الثمانينيات يتعرضون لملاحقات أمنية. والسؤال الذى يطرح نفسه ما تعدادهم بالضبط فى مصر؟ والإجابة ببساطة تتلخص بأن النسب والأرقام الخاصة بعدد الشيعة فى مصر سواء الرسمية أم غير الرسمية المجهولة والبعض يبرر ذلك بأن الدولة لا تريد ذكرهم من الأساس وأن الكثير منهم لا يعلن عن مذهبه ويصمت، لذا لا بد من الاستعانة بتقارير أجنبية عنهم ومنها آخر تقرير بعنوان «الحرية الدينية فى العالم» الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية فى 2011 وهو التقرير الأحدث يذكر أن 90 % من تعداد الشعب المصري ينتمون للمذهب السني، في حين أقل من 1 % من عدد المصريين أي بما يعادل 700 ألف شيعى، فى حين أن البعض يؤكد أنهم وصلوا لأكثر من مليون شيعى فى مصر. الكثير من الرفض والخوف واجهنا خلال محاولاتنا الحديث مع أسر شيعية، خصوصا من السيدات، الكثيرون رفضوا الحديث معنا أو التصوير أو حتى توضيح بعض الأمور، أيضا صادفنا الكثير من الحكايات التى تروى عن رفض بعض الأسر السُنية تزويج بناتهن من شيعى فقال أحدهم: إن أسرة خطيبته عندما رأت بعض كتاباته عن الشيعة ذهبت لمقر الجمعية الشرعية بالمنطقة وأبلغت عنه فما كان من الجمعية إلا أن أبلغت أمن الدولة، الذى استدعاه وحقق معه وصادر كتاباته الشخصية، بعض الشباب فى الجامعة أيضا يفضلون عدم ذكر مذهبهم الشيعى خوفا من النبذ أو الخوف من الأمن، ذهبنا إلى بعض المدن التى علمنا بوجود أعداد لا بأس بها من الشيعة وتحديدا "المنصورة". بداية حديثنا كان مع ذلك الرجل الذى رفض ذكر اسمه لكنه لم يبخل علينا بحكايته التى بدأها منذ أن أنتمى للجماعة الإسلامية مع الشيخ عمر عبد الرحمن لفترة، وتم اعتقاله معهم سنة 1989 وبعد الإفراج عنه اتجه للتشيع بعد أن قرأ أحد الكتب التى توضح المذهب "الشقفة"، "اللى غيرنى عدم منطقية كلام الجماعة الإسلامية فى حاجات كتير ومنها الكلام عن الشيعة -والكلام هنا على لسانه - لاحظت كرهم الشديد لهم وبعد 7 أشهر تشيعت لأننى وجدته جيدا من وجهة نظرى الخاصة بالضبط كأنك ترى لوحة فنية وتقرأها قراءة خاصة بك و بها. بعض أصدقائه من الجماعة الإسلامية مازال على علاقة به يسأل عنه، ولكن فى الخفاء، اعتقل مرة أخرى، ولكن بسبب مذهبه الشيعى هذه المرة فى حملة الاعتقالات التى شنها الأمن على الشيعة عام 1996 وكانت زوجته حاملا وأطلق بعدها على ابنته اسم " الزهراء" وهى الآن فى الصف الأول الثانوى ولا يشغل باله كما يروى إذا كانت ستصبح شيعية أم سنية وكثيرا ما تناقشه فى الأمر لمحاولة استيعاب "هو ليه مختلف عن الناس التانية". يصف لنا الرجل صلاته قائلا:"أصلى عادى جدا ولكنى أضع يدى بجانبى ولا أضمهما وهى للعلم طريقة موجودة فى مذهب الإمام مالك السنى، ويكمل أصلى على ما ينبت فى الأرض مثلا «حصيرة» ولا يشترط الصلاة على "الشقفة"وهى جزء ترابى من الأرض العراقية تسمى "التربة الحسينية" وهى مجرد عُرف يمكن عمله وقد لا يلزم ويحصل على الشقفة كهدايا من العراق، ولا ضرر من الصلاة مع السنة وأن يكون الإمام سنيا أيضا، وبرغم حماسته للتشيع فإنه لم يزر مسجد الحسين بالقاهرة منذ أن كان عمره خمس سنوات وحتى بعد اعتناقه للمذهب الشيعى. قاطعنا حديثه بالسؤال:"هل تشعر باضطهاد خلال ممارساتك لمعتقداتك "؟ فاجابنا: أمر طبيعى فى ظل رفض طقوس الشيعة ورفض المذهب نفسه وفى ظل حالة التشويه الموجودة لهم منذ سنوات عديدة، وهو ما كان يحدث بشكل أكبر من الإخوان والسلفيين الذين بمجرد أن يتعرفوا على مذهبى يقومون بإبلاغ الأمن فورا "هذا بالإضافة إلى الناس اللى بتخاف تتناقش معايا لو عرفوا إننى شيعى"، ولكن الآن بعد سقوط دولة الإخوان الفاشية أعتقد أننا سنصبح أحرارا فى ممارسة عقائدنا الدينية، وهذا ما كنا نحلم به منذ أيام الديكتاتور مبارك. أصابنا كلام الشيعى الذى رفض ذكر اسمه بحالة من حالات الهدوء والتأمل لم نملك أمامها سوى أن نسترجع ذاك الحكم الصادر فى آخر قضايا حبس الشيعة فى مصر فى يوليو 2012 فى مدينة طنطا عندما، حكمت المحكمة بالحبس لمدة ثلاث سنوات على محمد فهمى بعد اتهامه بتدنيس الجامع من قبل النيابة، وهى المرة الأولى التى يتم فيها تحويل شيعى لنيابات عادية بعد أن كان يتم تحويلهم لنيابة أمن الدولة العليا قبل ثورة يناير وطيلة السنوات الماضية، وحكاية الرجل بدأت عندما كان يصلى فى المسجد فى إحدى المرات على مسبحة ويكبر ثلاث مرات فقاموا بالاعتداء عليه وأحدهم كان يحمل مسدسا فاتهمته النيابة بتدنيس المسجد، وأكد أن المبادرة اعتمدت على فكرة أن العقوبة «شخصية» وأنه لا تجوز معاقبته على فعل آخرين فهو لم يحمل سلاحا، وأنهم هم من دنسوا المسجد بدخولهم للاعتداء عليه، وقال إن هذه القضية هى الأولى من نوعها التى تستخدم فيها المادة 160لقانون العقوبات وهى مادة تدنيس البيوت المقدسة، لأن معظم قضايا الشيعة كانت يستخدم فيها المادة 198 الخاصة يازدراء الأديان، يذكر أن المبادرة تعد لتقرير كبير عن قضايا ازدراء الأديان. من ناحية أخرى أكدت التقارير الصادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وتكاد تكون هى المركز الوحيد المهتم بقضايا الشيعة أكدت أن نمط الاعتقالات بدأ مع أول حملة اعتقالات ضدهم فى مصر عام 1988، وتكررت بعدها أربع حملات هى الأشهر ضمن حملة التضييق الأمنى عليهم والذى بدأ من عصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وفى الأغلب ربط الكثيرون بين ذلك وبين سياسته، وأنها كانت مجرد معادلات سياسية لصالح نظامه الحاكم فيما يخص علاقاته بإيران والسعودية وأمريكا، خصوصا أنها كانت عبارة عن حملات عشوائية وقبض تعسفى على أفراد لا يجمعهم سوى انتمائهم للمذهب الشيعى، كما يقول آخر تقارير المبادرة الصادر فى 2004 والذى يستشهد بشهادات مسجلة من المقبوض عليهم تعرضهم للتعذيب لانتزاع اعترافات بالعمالة للخارج وتهديد الأمن القومى ثم تنتهى القضية ويطلق سراحهم دون إحالتهم للمحاكمة بعد أن يكونوا قد قضوا فترات من الاحتجاز قد تصل إلى ستة أشهر، وقد حدث هذا مع ما لا يقل عن 124 مواطنا مصريا ألقى القبض عليهم خلال الحملات الخمس الكبرى منذ عام 1988والتى كانت أول قضية لهم ورسخت معالم القضية، أطرف ما جاء فى هذه الاعتقالات هو إعلان القبض على مسيحى فى الشرقية وجهت له تهمة الانخراط والمساعدة على قيام تنظيم شيعى وطبعه منشورات تدعو للفكر الشيعى وبلبلة الفكر السنى بغرض تعطيل أحكام الدستور، وكان اسمه يحيى شفيق، أما الأسئلة التى كانت توجه للمتهمين فكانت «بتصلى إزاى، موقفك من الصحابة إيه، أنت مقتنع بالمهدى المنتظر». ويبقى السؤال حائرا: ما حكاية وأصل وتاريخ المذهب الإثنى عشرى الجعفرى الشيعى؟ والإجابة فى كلمة السر التى تكمن عند الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر وتحديدا فى عام 1959، عندما أصدر فتواه التى ربما أثارت جدلا منذ هذا التاريخ وإلى الآن. إذن الحكاية بدأت فى ستينيات القرن الماضى عندما صدرت فتوى من شيخ الأزهر شخصيا تجيز التعبد بالمذهب الجعفرى الإمامى، كمذهب خامس، وكان الشيخ شلتوت من علماء السنة الذين دعموا فكرة التقريب وأيضا الشيخ الشرباصى، أما ماورد فى الفتوى فهو أن مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة، وأنه يجوز على المسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، ومن الجدير بالذكر أن شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوى، أكد استمرار العمل بالفتوى عام 1997عقب القبض على مجموعة من الشيعة وقتها، وفى أوائل عام 2004 تقدم عدد من الشيعة فى مصر بطلب إلى وزارة الداخلية للاعتراف بهم كطائفة دينية رسمية بموجب القانون رقم 15 لسنة 1997ولم تقم الوزارة بالرد عليهم حتى يومنا هذا. فيما ظهرت العديد من الكتابات والتصريحات على لسان بعض قيادات الأزهر فى السنوات الأخيرة ما بين مهادنة وبين رفض، حتى عادت نبرة الهجوم عندما صدر قرار بتشكيل لجنة بالأزهر لمكافحة التشيع تبعتها تصريحات للشيخ أحمد الطيب برفض ما أسماه بالمد الشيعى فى مصر، والسؤال هل نتقدم أم نتأخر؟ وهل ستختلف النظرة السياسية المقبلة التى نحن على موعد قريب معها لكل الأقليات ولجميع الأطراف، هل سيكون من حق الجميع على أرض هذا الوطن أن يمارسوا شعائرهم الدينية بكامل حرياتهما أم أنهم لن يلاقوا سوى زيارات من زوار الفجر الذين اعتادوا عليهم؟ أسئلة وعلامات استفهام، وحدها الأيام المقبلة هى الكفيلة بالرد عليها.