تصوير: موسى محمود اللواء برهان حماد وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، هو النجل الأكبر للواء جمال حماد، أحد أهم الضباط الأحرار والذى كان له دور كبير ليلة 23 يوليو، وهو كاتب البيان الأول لثورة يوليو 1952.. اللواء برهان قرر أخيرا الخروج عن صمته بعد سنوات من التقاعد، ويكشف ل «الأهرام العربي» فى أول حوار صحفى له، الكثير من الأسرار حول اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة الأسبق، نائب رئيس الجمهورية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بالإضافة إلى أسرار عديدة فى هذا الحوار. - كيف بدأت علاقتك باللواء الراحل عمر سليمان؟ العلاقه مع النائب عمر سليمان رحمة الله عليه، بدأت منذ فترة مبكرة من حياتي، حيث كان والدى قد اختاره ليكون سكرتيره العسكرى وذلك عام 1961، عندما كان والدى قائدا للواء 18 مشاه، وكان هذا اللواء هو القوة العسكرية الوحيدة شرق قناة السويس، وحتى حدودنا الدولية مع إسرائيل، ولقد وقع اختيار والدى على عمر سليمان والذى كان شابا فى ريعان الشباب، وعمره لا يزيد على 25 عاما كسكرتير عسكرى له، حيث توسم فيه الانضباط والنشاط والعقلية المنظمة ولقد تعرفت عليه فى ذلك الوقت، وبعدها تم نقل اللواء ال 18 مشاه إلى فايد، وبعدها انتقل والدى ليكون رئيساً لهيئة الاتصال بقوات الأممالمتحدة ومقرها فى قطاع غزة، ولقد اصطحب والدى معه النقيب عمر سليمان. وفى تلك الفترة ازدادت علاقتى الشخصية بعمر سليمان، واقتربت منه جدا، خصوصا أننا كنا نلعب الأسكواش معا يوميا تقريبا، وكنت ألحظ أن الوالد شديد الثقة فيه، لأن النقيب عمر سليمان كان يتميز بالانضباط كما أنه شديد الإخلاص فى عمله ولقائده، وكانت علاقتى به ودية، وكان بمثابة الأخ الأكبر لي، ففى فترة الصيف يصطحبنى يوميا فى الثالثة ظهرا إلى ملعب الأسكواش ونستمر فى اللعب حتى الخامسة والنصف وبعدها نعود للمنزل، ونلتقى فى النادى الوحيد الموجود فى ذلك الوقت فى مدينة غزة بعد الساعة الثامنة، كان يعاملنى كأنى أخيه الأصغر، وكنت شديد الاحترام والتقدير له، وبعد عودتنا للقاهرة باعدت بيننا الأحداث والمسافات، حيث سافر هو بعد ذلك للاشتراك فى حرب اليمن، ثم حدثت نكسة 1967 فظل فى مناطق العمليات حتى انتصار أكتوبر 1973. - هل التقيه طوال تلك الفترة؟ منذ عام 1972 وحتى عام 1986 التقيته حوالى أربع مرات، وجاءت كلها بمحض المصادفة. - كيف تصف اللواء عمر سليمان؟ هو رجل عصامى شهم ووفى شديد الذكاء وطموح جدا ومثقف ويحب القراءة والاطلاع، لديه عقلية منظمة، حاسم وغير متردد إذا ما اقتنع بفكره ويبذل المستحيل لتحقيقها، فهو دؤوب وصبور لديه كاريزما ويجبرك منذ اللقاء الأول على حبه واحترامه وهو شديد الوطنية والإخلاص فى عمله، لغته الإنجليزية جيدة وساعده ذلك فى علاقاته بالمجتمع الخارجي، وأهم ما فيه أنه رجل متدين ويميل إلى فعل الخير، ومساعدة الجميع، طالما يستحقون، وهو غير متكبر على الإطلاق، وأعرف أنه قد أدى فريضة الحج خمس مرات على الأقل، وأدى فريضة العمرة لمرات كثيرة أسعدنى الحظ بأن أكون بجواره فى إحداها عام 2007. - متى اقترب الرئيس من مؤسسة الرئاسة؟ كانت حرب الخليج وتحرير الكويت هى الفترة التى اقترب فيها اللواء عمر سليمان من مؤسسة الرئاسة، فلقد انتبه الرئيس الأسبق حسنى مبارك له وأعجب ببراعة اللواء عمر سليمان وسرعة تلبيته ودقته فى شرح تفاصيل ما يحدث فى جبهة القتال فى حفر الباطن وغزارة معلوماته ودقتها والتى يمده بها يوميا عن طريق سكرتير الرئيس جمال عبد العزيز والذى فتح الطريق للواء عمر سليمان مع الرئيس الأسبق مبارك، ولقد اطمأن مبارك له فاختاره كرئيس للمخابرات العامة، واختار المشير طنطاوى وزيرا للدفاع فلقد كان الرئيس الأسبق أيضاً يعرف المشير طنطاوى منذ كان قائدا للجيش الثانى ثم قائدا للحرس الجمهورى ويعرف عنه احترامه لذاته وانضباطه، وكانت العلاقة الشخصية بين المشير طنطاوى واللواء عمر سليمان جيدة، وكان بينهما تنافس شريف، فالاثنان متقاربان فى الأقدمية والسن والتاريخ العسكرى المشرف، وكان أقصى ما يحلم به اللواء عمر سليمان يوم أن استدعاه الرئيس الأسبق مبارك هو أن يتولى منصب رئيس الأركان فى حالة تصعيد الفريق صفى أبو شناف رئس الأركان آنذاك إلى منصب وزير الدفاع، ولم يكن سليمان يتخيل أنه سيتولى رئاسة المخابرات العامة. - ما سر الخلاف بين المشير طنطاوى والوزير عمر سليمان؟ لا أعتقد أنه كان هناك كره أو عداوة شخصية بينهما، ولكن بدا بالتنافس الطبيعى والمشروع داخل القوات المسلحة فهما من ناحية الأقدميات شديدى القرب من بعضهما البعض، ولكن كان الوزير عمر سليمان هو الأقدم وكان كل منهم من مدرسة مختلفة، ولكن الاثنين وطنيان ويعشقان تراب مصر وقاتلا فى حرب 73 - ولكن عندما اختار مبارك المشير طنطاوى وزيرا للدفاع أصبح هو بروتوكوليا يتقدم رئيس المخابرات، فلقد كان أى وزير يتقدم برتوكوليا على رئيس المخابرات لدرجة أن اللواء محمد عبد السلام المحجوب والذى كان نائبا لعمر سليمان فى المخابرات وتم تعيينه بترشيح من الوزير عمر سليمان وزيرا التنمية المحلية فكان يقف فى الصفوف متقدما على اللواء عمر سليمان وهو خجلان من ذلك ولكن هذه النقطة لم تكن تهم اللواء عمر سليمان وكان يعتبرها شكليات لا قيمة لها. - ما حقيقة إبعاد المشير طنطاوى للواء عمرسليمان من المشهد السياسي؟ بعد مغادرة الرئيس الأسبق لشرم الشيخ استمرت وتيرة المظاهرات وتصاعدت وكان لابد من إخطار مبارك بأن عليه أن يتنحى خوفا على البلاد وهوما حدث بالفعل عندما عندما اتصل به هاتفيا الفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان وأخبروه بأن عليه أن يتنحى عن منصبه كرئيس للجمهورية، ولقد وافق مبارك على ذلك وطلب أن يرسل له طاقما تليفزيونيا ليسجل حديثا للشعب، ولكنهما أخبراه أن الوقت ضيق ولابد من التصرف السريع فوافق على صياغة البيان الذى أذاعه السيد النائب عمر سليمان بصوته ولكن تم تغيير كلمة تنحى وأصبحت تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، ولم يكن فى ذلك الوقت أحد يستطيع قراءة البيان إلا اللواء عمر سليمان لأن لو قرأه المشير طنطاوى يظن البعض ذلك بأنه انقلاب عسكرى وكان وضع اللواء عمر حتى قبل قراءة البيان تقريبا بدون أى صلاحيات فهو لا يستطيع تغيير الحكومة أو حتى إجراء تغيير بسيط على تشكيلها كما أنه لا يستطيع حل مجلس الشعب أو الشورى كما أنه لا سلطات لديه على الحرس الجمهوري، وبالتالى فبعد ذهاب الرئيس الأسبق الذى يستمد اللواء عمر سليمان شرعيته ، منه وبعد تولى المجلس العسكرى للسلطة حسب البيان أصبح السيد النائب بلا أى منصب رسمى ، ولذلك فلا دخل للمشير طنطاوى بموضوع ترك اللواء عمر سليمان لمنصبه. - ماذا فعل اللواء عمر سليمان عند توليه رئاسة المخابرات العامة؟ هذا سؤال حساس؟ ولا أستطيع أن أرد على تفاصيله ومفرداته لأنه ليس من حقى بسبب عامل الأمن والسرية داخل الجهاز، ولكنه بكل تأكيد فعل الكثير لجهاز المخابرات العامة ولمصر من داخل هذا الجهاز الوطنى والعريق، الذى يضم أفضل العناصر المصرية الموهلة والمدربة والقادرة على حماية الأمن القومى المصري، والحصول على المعلومات السرية ووضعها أمام القيادة السياسية للبلاد.. هذا الجهاز الذى يعمل 24 ساعة فى اليوم ولا ينام، ولكننى سوف أعطيك لمحة بسيطة حيث استطاع فى وقت قصير أن يفتح علاقات الجهاز على قنوات جديدة من الاتصال مع «الجوانب المتعاونة»، حتى يستفيد منها، ولقد نجحت سياسته هذه وأمدت الجهاز بكم هائل من المعلومات التى يتم تقييمها والتأكد من صحتها قبل التعامل معها، وفى عام 1991 كان هو صاحب المبادرة الأولى فى الاتصال بجنوب إفريقيا، وفتح قناة معها لمعرفة حقيقة ما يجرى على الأرض من إصلاح سياسى لبدء سياسة جديدة تنبذ التفرقة العنصرية، وتبدأ بمصالحة شاملة، وكان لى الشرف فى أن أبدأ هذه المهمة هناك. - وماذا عن علاقه اللواء سليمان مع مبارك؟ مبارك ليس منزلا أو نبيا كانت له أخطاؤه كأى إنسان وموضوع التوريث كان اللواء عمر سليمان معارضا له تماما، وقال أمامى «إن موضوع السعى لتوريث جمال مبارك الحكم ده حيودينا فى داهية وربنا يستر على البلد»، كما كان له الكثير من الاعتراض على بعض الشخصيات الوزارية والسياسية فى مصر وعلى تدخلات أخري، ولكن فى النهاية فهو له حدود عليه أن يتوقف عندها أو يستقيل، وكان هو يشعر أن عدم وجوده فيه ضرر أكبر لو استقال من منصبه ولذلك قرر أن يستمر خوفا من تداعى الأوضاع فى مصر. - منذ متى بدأت فكرة اختيار مبارك لعمر سليمان كنائب له؟ اللواء عمر سليمان تولى رئاسة المخابرات العامة فى 4 مارس سنة 1991 وفى عام 1993 كانت فى شخصيات كبيرة فى مصر وخارجها ترشحه لكى يتولى منصب النائب، ولكن الرئيس الأسبق مبارك كان لا يعير ذلك أى التفات لأنه كانت لديه دائما توازنات أخرى فى القوى الداخلية ما بين المشير طنطاوى واللواء عمر سليمان وبعد ذلك الوضع الجديد الذى خلقه وجود جمال مبارك على الساحة، خصوصا بعد إنشاء لجنة السياسات وكان جمال مبارك شديد الحساسية من وضع عمر سليمان الداخلى وزياةه أسهمه فى الشارع أو خارجيا فلقد أصبح سليمان معروفا لجميع الرؤساء فى الخارج وله وضع خاص فكانت هذه النقطة بالذات تقلق جمال مبارك خصوصا أنه أيضا ابن المؤسسة العسكرية ولم تكن لجمال مبارك أية علاقة لا بجهاز المخابرات العامة ولا بالقوات المسلحة ودون ذلك كان يفعل ما يريد. - ماذا فعل اللواء عمر سليمان كنائب للرئيس أثناء وجود مبارك؟ كان الرئيس الأسبق مبارك طبعا وأسرته فى حاله سيئة مما بحدث فى البلاد فاستدعى اللواء عمر سليمان وعينه نائبا لكى يستعين به فى جمع شمل آلامه والسيطرة على الأحداث والشارع، ولقد كان تفكير اللواء عمر سليمان سليما صائبا عندما فكر فى إداره الحوار الوطنى لجمع الشمل وتهدئة الشارع للسيطرة على الموقف وإنقاذ البلاد من شبح الحرب الأهلية ولقد استخدم اللواء عمر سليمان كل ما أوتى من براعة وقدرة اكتسبها من خلال فترة عمله الطويلة بالمخابرات العامة لفترة تزيد على عشرين عاما لكى يستعيد النظام زمام المبادرة ويسيطر على الأمور كما استخدم جهاز المخابرات لكى يكون لديه آخر المستجدات عن حقيقة الموقف الداخلى كما اتصل بكل أحزاب المعارضة تقريبا كما حاول إيجاد صيغة مناسبة للتفاهم والتفاوض مع الإخوان لأنه رأى أنهم أكثر الأحزاب تنظيما وفاعلية وتأثيرا على الشارع فإن أزمة الثقة ورغبة الإخوان فى الحصول على كل الأوراق فى أيديهم كعادتهم لم تعط الحوار الزخم المناسب لكى ينجح ولذلك قال لهم لو الدنيا ماهديتش ممكن يحدث انقلاب عسكرى ، ولقد أفصح عمر سليمان بعد ذلك عن حجم تأثره من الإخوان وأوضح أنه ضدهم وأنهم يحاولون مسك العصا من منتصفها فهم فى نفس الوقت الذى يتفاوضون مع عمر سليمان فهم يحتفظون بوجودهم على الأرض فى ميدان التحرير مع بقية المتظاهرين ، وهذا هو أسلوب الإخوان دائما منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر أو الرئيس أنور السادات فهم يريدون الحصول على كل شىء. - وما حقيقة اتهام عمر سليمان للإخوان وحماس بمهاجمة السجون أثناء ثوره 25 يناير؟ لا يستطيع اللواء عمر سليمان أن يقول هذا الكلام فى وسائل الإعلام بدون أدلة لديه فلابد أن لهيئة الأمن القومي. الأدلة والبراهين على ذلك . - هل كانت العلاقة جيدة دائما بين مبارك واللواء سليمان؟ طبعا فى بداية العلاقة منذ عام 1991 أو عام 92 كانت هذه الفترة صعبة لأن الرئيس الأسبق كان مازال لم يثق تماما فى اللواء عمر سليمان وحاول البعض أن يوغر صدر مبارك عليه وبالفعل حدثت أزمة أو أزمتان بينهما ولقد أجاب اللواء عمر سليمان على أسئلة مبارك بمنتهى القوة والوضوح ثم طلب إعفاءه من منصبه إذا كان مبارك لا يصدق ما يقوله فلقد كان اللواء عمر سليمان شديد الاعتزاز بنفسه وكرامته ولقد تأكد مبارك فى المرتين أن ما يقوله اللواء عمر سليمان هو الصحيح وأن هناك من يحاول الوقيعة بينهما وتم الاستغناء عن هذا الشخص وزادت ثقه مبارك فى سليمان حتى وصلت الى أنها ثقة كبيرة جدا. - كيف رشح اللواء عمر سليمان نفسه لرئاسة الجمهورية بعد أن كان قد أعلن رفضه لذلك؟ فعلا هو قال أكثر من مرة وقال لى شخصيا إنه لن يرشح نفسه للرئاسة الجمهورية وأنا كنت متعجبا من ذلك لأن شعبيته كانت كبيرة وكان سينجح بسهولة إذا ما نزل للانتخابات وبعد ضغط كبير من كل من يعرفه حتى أثناء صلاة الجمعة كانت الجماهير فى المسجد تلتف حوله وتطالبه بأن يرشح نفسه وأعتقد أنه استجاب لأنه شعر أن أحسن طريقه لمقاومة الإخوان المسلمين أن ينزل يقاومهم ولكنه تعرض طبعا لبعض الصور التى آلامته نفسيا فعندما ذهب لتقديم أوراقه أمام اللجنة العليا لانتخابات حدث زحام غير مبرر والتفت حوله الشرطة العسكرية لحمايته وكان زحاما كبيرا حوله فى الدخول للجنة أو عند الخروج منها عرضه لأن يدفع أحيانا من هذه الجماهير وطبعا هذا آلامه وبعد ذلك خرجت مظاهرات شعبية يقودها الإخوان فى ميدان التحرير ترسم صورا للواء عمر سليمان على شكل دراكولا مصاص الدماء كما هاجمته وسائل الإعلام التابعة للإخوان بعد أن صرح بأنه سوف ينزع العمامة التى يريد الإخوان المسلمين وضعها على رأس مصر كما حمل الإخوان المسلمين مسئولية المشاكل والفوضى التى تواجهها مصر وهددهم بفتح الصندوق الأسود وفى مساء هذا اليوم أحدثته تليفونيا وأعتقد أنه كان يوم شم النسيم لأنى كنت خارج القاهرة وجاء صوته محبطا حزينا وقال لى شفت يا برهان بعد كل اللى عملته لمصر بيقولوا ا عنى إيه فى ميدان التحرير فأجبته لا تهتم بما يقولوه هؤلاء لأن الحقيقة تبقى دائما وسينصفك التاريخ وسوف يعطيك حقك وأكملت بس يا فندم خد بالك من نفسك ومن أمنك الشخصى لحسن يعملوا حاجه ضدك فى إشارة للهجوم العنيف الذى كان أقامه ضد الإخوان المسلمين فأجابنى بقوه إيه يعنى حيعملوا إيه حيغتالوني؟ طب ياريت أموت شهيد وكانت هذه هى آخر كلمة وآخر مرة أسمع صوته لأنه فى اليوم التالى تم استبعاده هو وصلاح أبو إسماعيل والشاطر من انتخابات الرئاسه ولم أستطيع الاتصال به لأنى كنت أعلم أنه سيكون فى أسوأ حالاته وبعدها مباشرةغادر مصر للعلاج ثم الى الإمارات. ومنها الى الولاياتالمتحدة.