محمد عيسى قدر الله للبشر أن يكونوا مختلفين.. فالاختلاف سنة كونية أكدها ربنا عز وجل عليها في مواضع قرآنية عديدة {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم: 22)، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...} (هود: 118-119). لكن فى المقابل نجد عظمة الدين الإسلامى التى تذيب هذه الاختلافات فى أوقات أداء الفرائض كالحج والصلاة وغيرهما، واليوم يعيش العالم الإسلامى بمختلف جنسياته وألوانه واحدة من أهم شعائر المساواة وعدم التمييز، الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، الجميع بلباس واحد ولسان ينطق بالتلبية برغم اختلاف اللغات، وهذا أعظم ما يميز هذه الشعيرة، فى الوقت الذى تختلف فيه أفكار وتوجهات البشر قبل الدخول للحرم. وفى غمار ما نعيشه فى عالمنا العربى من ثورات، أدى ذلك إلى واقع اختلطت فيه الأمور وتعددت التوجهات، وانشق فيه الأخ عن أخيه بسبب رؤيته السياسية لبعض الأمور، وانتشار الأفكار والرؤى الحاملة لفيروسات التمييز والفرقة، وعدم قبول الآخر، ومحاولة كل طرف إثبات الذات على حساب الآخر، وكأننا خلقنا كى نحيا فى قالب واحد، ونتجاهل قوله سبحانه وتعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} (المائدة: 48). وبرغم الفرصة العظيمة التى تتيحها فريضة الحج لتجنب الخلافات وإذابة الفروق بين البشر، إلا "التعصب" يعمى الكثير من البشر الذى يميل بطبعه لذاته وحبه لنصرة نفسه عن اغتنام هذه الفرصة. والمتتبع لمسيرة حضارتنا الإسلامية يجد أن ازدهارها لم يتوقف ونموها لم يندثر إلا عندما تجمدت العقول وتعصبت للأفكار والآراء دون بحث عن تطوير، وعلى سبيل المثال كان للتعصب المذهبى تأثير كبير على المسلمين في حياتهم الاجتماعية خلال العصر الإسلامى فجرّهم إلى الفرقة و التناحر، وإلى السباب والمهاترات، والتكفير واللعن، والفتن والمصادمات الدموية، كما انهارت الحضارة الغربية ذاتها عندما خضعت لتعصب رجال الدين لآرائهم دون احترام للتطور، وما فعلته الكنيسة بجاليليو وعلماء التنوير شاهد على ذلك. مما سبق يتأكد لنا أن أكثر ما يخرج شعيرة الحج عن هدفها بل ويبطلها هو محاولة إعلاء حاج لما يميزه عن غيره سياسياً واجتماعياً، حسبما قال وزير الأوقاف مختار جمعة، لأن الحج ليس مكانا لممارسة السياسة، وإنما للعبادة وأداء الفريضة، وحسنا فعلت المملكة العربية السعودية، عندما أكد وزير الحج السعودى بندر حجار، أن المملكة ستمنع أى شعارات سياسية يتم استخدامها أو رفعها خلال مناسك الحج، فهذا إجراء واجب عليها حتى لا تفسد فئة بعينها متعة أداء الفريضة على آخرين لا ذنب لهم فى هذه المهاترات والشعارات السياسية. من أهم ما يميز الإسلام كتشريع حضارى أنه استوعب الاختلاف والتنوع إلى درجة عدم فرض الانتماء للإسلام على الناس {لا إكراه في الدين} (البقرة: 256)، ومن باب أولى نحن كمسلمين ألا نسعى لفرض توجهات أو تغليب أفكار سياسية على بعضنا، فالإسلام جاء رسالة لا انتقائية فيها، لا يرتبط بزمان أو مكان صالح لاستيعاب الجميع حتى غير المسلم فى دولته وتحت تشريعه دون ظلم له أو افتئات مع ضمان الاحترام الكامل للاختلاف بين المسلم وغيره. وهذا ما يجب أن نعليه فى هذه الأيام المباركة، لا إقصاء لا تمييز، لا محاولة لإفساد متعة وروحانية الركن الخامس من أركان الإسلام.