عبدالخالق صبحى - فى فصول التعليم ما قبل الجامعى يدرس التلاميذ مناهج القراءة والكتابة والعلوم والحساب والجغرافيا والتاريخ. وفى الإدارة العليا بوزارة التربية والتعليم تفرغ بعض كبار المسئولين لوضع مناهج أخرى تتعلق بمبادئ «تجريف المال العام»!!. فبينما تعانى مصر ما بعد ثورة 25 يناير أزمات اقتصادية طاحنة، وتبذل الحكومة جهودا حثيثة لتجاوزها وتحاول توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتسيير أعمال الوزارات الخدمية ورفع أدائها، وبرغم إجراءات ترشيد الإنفاق العام لعبور الضائقة، نجد فى هذه الوزارة ألف باب وباب ل «نهب المال العام». القصة باختصار تتعلق بإهدار المال العام بشكل متعمد على يد الدكتور طارق الحصرى، مساعد وزير التربية والتعليم للتطوير الإدارى، عندما قام بتعديل قواعد صرف مكافآت «لجنة التظلمات» التى تقوم بإعادة مراجعة رصد درجات أوراق الإجابة للطلاب المتضررين من نتائجهم فى امتحانات شهادات إتمام الثانوية العامة والدبلومات الفنية لما يقرب من 20 ضعفا ما كان يصرف من قبل، بعد إعادة تشكيل لجان تنفيذ القرار الوزارى الخاص ب «لجنة التظلمات» بتوسيع قاعدة الصرف ومضاعفتها وإفادة غير المستحقين لمكافآتها لم ينص عليهم القرار الأصلى. وبالأرقام بلغت تكلفة مكافآت لجنة التظلمات للعام الدراسى 2010/2009 نحو 235 ألف جنيه للمرحلتين الأولى والثانية، وفقا للقرار الوزارى 178 لسنة 196، وبموجب موافقة الوزير أحمد زكى بدر، بينما بلغت تكلفة مكافآت هذه اللجان فى العام التالى مباشرة 2011/2010، ما يصل إلى 4.233666 مليون جنيه طبقا لمستندات الصرف الممهورة بتوقيع د. طارق الحصرى، أى بزيادة قدرها 4 ملايين جنيه، أو 21 ضعف ما كان يصرف من قبل، وذلك بموافقة الوزير أحمد جمال الدين الذى تولى حقيبة التعليم عقب الدكتور أحمد زكى بدر. مذكرة العرض التى رفعها د. الحصرى لاعتمادها من وزير التربية والتعليم لاعتماد صرف المكافآت ذُيلت بعبارة: «مع التوصية برجاء التكرم باعتمادها أسوة بما تم فى السنوات السابقة»!!. الوزير اعتمد المذكرة ووافق على الصرف، ثقة فى تزكية مساعده للتطوير الإدارى د. طارق الحصرى، التى توحى مباشرة بسلامة الإجراءات القانونية وروتينية الإجراء، بينما الحقيقة أن عبارة «أسوة بما تم فى السنوات السابقة» تعد عبارة مضللة، لأن ما تم صرفه فى العام الدراسى 2010 لم يزد على 235 ألف جنيه، فيما العام التالى مباشرة 2011، قفزت المكافآت إلى ما يقرب من هذا الرقم، مضافا إليه 4 ملايين جنيه، ما يعد عرضا غير أمين يقصد منه إهدار المال العام وتضليل متخذ القرار بمعلومات غير صحيحة وتفتقر إلى الدقة. وأصل الحكاية يعود إلى يوم 18 يونيو عام 1996 عندما أصدر الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم الأسبق القرار رقم 178، الذى يسمح بمراجعة كراسات إجابة الطلاب المتضررين من نتائجهم فى امتحانات إتمام الثانوية العامة والدبلومات الفنية، والذى نصت مادته الأولى على ضرورة تقدم الطالب الذى يرغب فى مراجعة كراسة إجابته فى مادة أو أكثر من مواد الامتحان بطلب إلى الإدارة العامة للامتحانات، موضحا فيه اسم المادة أو المواد التى يرغب فى مراجعتها مرفقا به حوالة بريدية حكومية برسم الإدارة العامة للامتحانات بمبلغ مائة جنيه عن كل مادة لمواجهة النفقات الفعلية للقيام بهذه المهمة، بينما أوضحت المادة الثانية من القرار أن الإدارة العامة للامتحانات ستقوم بإيداع حصيلة المبالغ المشار إليها فى حساب خاص بأحد البنوك الوطنية. المادة الثالثة من القرار تتعلق بتشكيل لجان فنية، لمراجعة الدرجات المثبتة فى كراسات الإجابة وإعداد تقرير عنها على أن تكون كل لجنة مكونة من عضوين فى مستوى (موجه عام/ موجه أول/ موجه ثانوى)، على أن تصرف مكافآت اللجان من حصيلة المبالغ المشار إليها فى المادة الثانية. أول مخالفة للقرار 178 فى يوم 14 أكتوبر 2002 قامت السيدة وداد إبراهيم عبدالعال، رئيس قطاع الزمانة العامة فى الوزارة وقتها بعرض مذكرة على وزير التربية والتعليم الدكتور حسين كامل بهاء الدين للموافقة على عدم استخدام المبالغ المحصلة من الطلاب فى الصرف على لجان مراجعة كراسات إجاباتهم وقصرها على مواجهة الاحتياجات الضرورية والملحة من تجهيزات وأثاث وآلات ومعدات لزوم لجان النظام والمراقبة والاستراحات وقاعات التدريب والامتحانات بمدينة السادس من أكتوبر، والتى وافق عليها الوزير بالفعل رغم مخالفلتها للمادة الثالثة من القرار 178، وبرغم توجيه الجهاز المركزى للمحاسبات بضرورة صرف مكافآت «لجنة التظلمات» خصما من الحصيلة التى يسددها الطلاب، كما طالبت بصرف 5 جنيهات للجان مراجعة رصد الدرجات عن كل كراسة إجابة يتم مراجعتها لكل عضو، وصرف مكافآت قدرها 3 آلاف جنيه كحد أقصى لكل عضو بتلك اللجان، وكذلك أعضاء اللجان المالية والإدارية (الحسابات والشئون المالية) ومكتب الوزير. وأخيرا طالبت بصرف هذه المكافآت سنويا من اعتمادات بند 8/5 مكافآت امتحانات بالبند الأول بموازنة الديوان العام للوزارة بالمخالفة للقرار الأصلى الذى ينص على صرفها من الحصيلة. ثم جاءت التعديلات الكبرى التى أجراها د. طارق الحصرى على مكافآت لجنة التظلمات فى المذكرة التى عرضها على وزير التربية والتعليم د. أحمد جمال الدين بتاريخ 2011/9/22 والتى وافق عليها الوزير بتاريخ 2011/9/26 بتأشيرة لا مانع وفقا للقواعد!!، وجاء فى بداية المذكرة عبارة (إيماء إلى تكليف سيادتكم بدراسة قواعد صرف مكافأة لجان التظلمات) والتى تم رفع قيمة المكافآت فيها نحو 21 ضعفاً ما يمثل إهدارا كبيرا للمال العام وفى هذه المذكرة. - تم رفع قيمة مكافأة اللجان الفنية فى تصحيح ومراجعة ورقة الإجابة المتضرر من درجاتها من 5 جنيهات للورقة إلى 10 جنيهات، وذلك بالمخالفة للقرار الوزارى 365 لسنة 1994 والقرار الوزارى 178 لسنة 1996. - رفع قيمة مكافأة لجان النظام والمراقبة وعددها 10 لجان (القاهرة - الإسكندرية - المنصورة - الإسماعيلية - أسيوط - -شبرا)، من 3 آلاف جنيه للعضو فى المرحلتين إلى 6 آلاف جنيه للعضو فى المرحلة الواحدة. - زيادة عدد اللجان من 3 لجان كما ورد فى القرار 178 لسنة 1996 إلى 8 لجان وهى: (لجنة الشئون القانونية - لجنة الحسابات - الأمن - خدمة المواطنين - لجنة مكتب الوزير)، إضافة إلى اللجان الأساسية الواردة فى القرار وهى (لجنة الإدارة العامة للامتحانات - النظام والمراقبة - المراجعة الفنية). - رفع مكافآة العضو فى اللجان المختلفة من 3 آلاف جنيه إلى 6 آلاف جنيه لكل مرحلة بالمخالفة للقرار الوزارى ولقواعد الصرف فى السنوات السابقة. - صرف المكافآت من بند 14/3 مكافآت بالبند الأول موازنة - ديوان عام الوزارة، وليس من الحصيلة التى يسددها الطلاب للإدارة العامة للامتحانات أيضا بالمخالفة للقرار 178، ولتوجيهات الجهاز المركزى للمحاسبات. وبهذه التعديلات الغريبة تحملت ميزانية الوزارة التى هى جزء من الموازنة العامة للدولة زيادة قدرها 4 ملايين جنيه من عام 2011 بدون وجه حق وبلا مبرر موضوعى، وتكرر ذلك فى 2012 بموجب المذكرة التى عرضها محمود ندا مدير عام الامتحانات على وزير التربية والتعليم جمال العربى، والتى استند فيها إلى مذكرة عرض د. طارق الحصرى على الوزير أحمد جمال الدين ليصرف نفس المبالغ ويتسبب فى خسارة إضافية قدرها 4 ملايين جنيه، كان بالإمكان توفيرها إذا التزمت نفس القواعد فى صرف مكافآت لجنة التظلمات فى العام الدراسى 2010/2009 والتى لم تتجاوز ال 235 ألف جنيه. من ناحية أخرى يبقى هناك سؤال بلا إجابة حول مصير الأموال التى تم تحصيلها من الطلاب المتضررين من نتائجهم و التى يتم إيداعها فى الحساب رقم 01003784008 بنك مصر، فرع قصر العينى، والحساب رقم 10500036407، البنك الأهلى فرع السيدة زينب باسم الإدارة العامة للامتحانات؟ وهى بالمناسبة حسابات غير خاضعة للحساب الموحد بالبنك المركزى، وهو ما يعد مخالفة مالية صريحة للقانون 139 لسنة 2006. بلاغ لكل الأجهزة الرقابية فإذا كانت الإدارة العامة للامتحانات قد حصلت فى حسابيها ببنكى مصر والأهلى مبلغ 10 ملايين جنيه عن عام 2011، و10 ملايين أخرى فى عام 2012 من الرسوم التى يقوم الطلاب بإيداعها كرسوم لإعادة تصحيح أوراق إجابتهم فى الثانوية العامة والدبلومات الفنية، وفقا لمذكرات العرض على وزيرى التربية والتعليم أحمد جمال الدين وجمال العربى المقدمتين بمعرفة د. طارق الحصرى ومحمود ندا، فما مصير هذه الأموال غير الخاضعة للحساب الموحد بالبنك المركزى؟ وكيف يتم التصرف فيها منذ صدر القرار 178 لسنة 1996؟! وإذا كانت مذكرة العرض على الوزير تؤكد صرف مكافآت «لجنة التظلمات» من الحصيلة المجمعة من إيداعات الطلاب المتضررين، فى الوقت الذى سبق أن وافق الوزير حسين كامل بهاء الدين على صرف المكافآت من بند 8/5 بالبند الأول وبالموازنة العامة لديوان الوزارة بناء على مذكرة رئيس قطاع الأمانة العامة سنة 2002، فمن يملك الإجابة الصحيحة؟ هل تصرف مكافآت لجنة التظلمات من الموازنة العامة للدولة من بند 8/5 وبند 14/3 بالباب الأول لموازنة ديوان عام الوزارة أم من الرسوم التى يتم تحصيلها من الطلاب المتضررين لهذا الغرض؟ لعل الجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة المالية تكون لديهما إجابة عن مصير هذه المتحصلات أو تبحث فى مصير هذه الملايين البعيدة وغير الخاضعة للحساب الموحد البنك المركزى