طالما لم يعد أحد من هناك، فسيظل الموت لغز الألغاز، وسر الأسرار، وسيظل لكل دين عقيدته، ولكل فلسفه رؤيتها ، بل لكل منا موقفه من الموت. للكاتب " Raymond Moody " دراسه شيقه بعنوان "Life after life"، يتعرض فيها لحالات أولئك الذين وصلوا لاقرب نقطه من الموت سواء من خلال غيبوبه أو حادث جسيم، والاثر الكبير الذي تركته هذه التجربه في هؤلاء الذين مروا بها، وقد لاحظ " مودي " وجود قواسم مشتركه بين هؤلاء الذين عادوا من حافه الموت سواء كانوا رجال ام سيدات، كبارا أم صغار، مبصرين أم عميان، والتي تتمثل في شعورهم بالم شديد، ثم المرور بنفق مظلم طويل ، ثم الخروج الي مكان فسيح يغمره ضوء ساطع، وتغشاه سكينه وهدوء رائع، وتتحول روح الجسد المسجي الي كائن هوائي يتحرك بحريه عبر الاماكن ، يخترق الحوائط، ويطير بسرعات خارقه، وينظر الي الجسد المسجي بفضول، ويتابع جهود الاطباء لانقاذه ، ويقابل ارواح اقارب واصدقاء، بعضهم يرغب في مرافقته لهم، وبعضهم يبلغه بان وقته لم يحن بعد ، الي ان تاتي لحظه تمر فيها الروح ثانيه عبر النفق المظلم، لكي تتحد ثانيه بالجسد المسجي ، وساعتها يشعر العائد من شفا الموت بالحزن والاسي لعودته من هذا المكان النوراني الهادئ الرائع ، ولكن مروره بهذه التجربه تؤثر فيه تأثيرا شديدا ، وتحوله لانسان متفائل متسامح ، لايهاب الموت ، وقد سجل الكاتب حالات " خارقه " استطاع الذين مروا بهذه التجربه رصد اشياء تخص علاجهم ، وأحاديث الاطباء والاهل من حولهم ، وقد ثبت صحتها برغم أنهم كانوا تحت تأثير التخدير الكامل ، كما تعرفوا علي ، ووصفوا اماكن لم يزوروها من قبل اثناء رحلاتهم بالروح خارج الجسد . أما أديبنا الراحل الكبير نجيب محفوظ فقد كان له هذه اللمحه العبقريه الصادمه التي تعجبني كثيرا ، والتي وردت في كتابه الرائع " أصداء السيره الذاتيه". " يطاردني الشعور بالشيخوخه، اتيت رغم ارادتي وبغير دعوه، لاادري كيف اتناسي دنو النهايه وهيمنه الوداع، تحيه للعمر الطويل الذي امضيته في الامان والغبطه، تحيه لمتعه الحياه في بحر الحنان والحب والمعرفه، الان يؤدن الصوت الابدي بالرحيل، ودع دنياك الجميله، واذهب الي المجهول ، ومالمجهول ياقلبي الا الفناء ، دع عنك ترهات الانتقال الي حياه اخري ، كيف ولماذا واي حكمه تبرر وجودها ؟ اما المعقول حقا فهو مايحزن له قلبي، الوداع ايتها الحياه التي تلقيت منها كل معني ، ثم انقضت مخلفه تاريخا خاليا من اي معني ". ( خواطر جنين في الشهر التاسع ) أرأيتم كيف جعلنا كاتبنا الكبير نتصور أنه يتحدث عن شخص يحتضر مفارقا الحياه ، فاذا به " يغازلنا " بالحديث عن جنين علي وشك الولاده والقدوم للحياة. وأختم هنا بواحد من أعمق وأروع ماذكر عن الموت والحياه، ألا وهوحديث النبي عليه السلام: "الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا ( أو إستيقظوا )" .