زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بداية تعاملات الأربعاء 25 يونيو 2025    الدولار ب50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 25-5-2025    ارتفاع طن السلفات 1538 جنيها، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    بلينكن: الضربات الأمريكية لم تدمر البرنامج النووي الإيراني ولم تعطل منشأة فوردو    ويتكوف: لن نسمح بأي تخصيب لليورانيوم في الاتفاق مع إيران    الدفاعات الجوية الروسية تدمر عشرات الطائرات الأوكرانية المسيّرة    المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي يٌدين هجوم إيران على قطر    رسميا.. سانتوس يجدد عقد نيمار    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    نيمار: جددت مع سانتوس لأنه جذوري وتاريخي وليس فريقي فقط    ليون يستأنف ضد قرار الهبوط للدرجة الثانية    أبو زيد أحمد الخامس على الشهادة الإعدادية بالقليوبية: فرحتى لا توصف    طقس اليوم الأربعاء.. تحذير من ارتفاع الحرارة والرطوبة    مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: إيران حاولت صنع قنبلة نووية ومن السابق لأوانه تأكيد تدمير مواقعها النووية    السيطرة على حريق سيارة نقل محمّلة بالتبن بالفيوم دون إصابات    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    تعرف على شخصية دينا ماهر بفيلم "السادة الأفاضل"    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام استقلال الدول وسيادتها    خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة.. وكان يحب مكة    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    إعلام فلسطيني: قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    بالأسماء.. ننشر أوائل الشهادة الإعدادية بالقليوبية 2025 بعد اعتماد النتيجة رسميًا    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    جدول ترتيب مجموعة الترجي في كأس العالم للأندية قبل مباريات اليوم    الأردن: أولويتنا هي غزة وفلسطين بعد حماية المملكة والأردنيين    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مُعلم يصنع التاريخ.. جراى نجم أوكلاند الأفضل فى مواجهة بوكا جونيورز    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    بؤر تفجير في قلب العالم العربي ..قصف إيران للقواعد الأميركية يفضح هشاشة السيادة لدول الخليج    كان بيعوم.. مصرع طالب ثانوي غرقا بنهر النيل في حلوان    حسام بدراوي: أرفع القبعة لوزير المالية على شجاعته.. المنظومة تعاني من بيروقراطية مرعبة    اقتراب الأسهم الأمريكية من أعلى مستوياتها وتراجع أسعار النفط    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    حفل غنائي ناجح للنجم تامر عاشور فى مهرجان موازين بالمغرب    التسرع سيأتي بنتائج عكسية.. برج الجدي اليوم 25 يونيو    معطيات جديدة تحتاج التحليل.. حظ برج القوس اليوم 25 يونيو    زوج ضحية حادث الدهس بحديقة التجمع عبر تليفزيون اليوم السابع: بنتي مش بتتكلم من الخضة وعايز حق عيالي    الشاعر: 1410 منشأة سياحية غير مرخصة.. ولجنة مشتركة لمواجهة الكيانات غير الشرعية    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    «يعقوب» و«أبوالسعد» و«المراغي» يقتنصون مقاعد الأوراق المالية بانتخابات البورصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءةٌ فى لُغزِ الموتِ ومفهومه

الموتُ والحياة سكونٌ وحركة ..والإنتقال من السكون الى الحركة أو العكس ليس من ذات المادة ولكن من قوى أخرى تدفع وتجذب .. تُحرِّك وتُسَكِّن ..
هذه القوة قد تكون ظاهرة ومباشرة فى تحريكها للأشياء كما ونحرك الأشياء بأيادينا .. كما وقد تكون مستترة غير ظاهرة وغير مباشرة كالحركة التى تسببها عواملٍ غير منظورةٍ أو ملموسة..
الأولى يعرفها الإنسان ويلمسها بحواسه وبها ومن خلالها وبتطوير نظرياتها تم تصنيع المحركات العملاقة ولو تعطَّلت هذه المحركات لعادت كل الآلات والتى تتحرك بها سواء كانت سفن أو قطارات أو طائرات أو عرباتٍ مختلفة الى حالة السكون من بعد حركتها..
كما أن هناك من القوى الغير ظاهرة وغير المباشرة فلا يلمس الإنسان بحواسه قدرة الدفع لديها لتحريك الأشياء لكنه يرى نتائجها على حركة تلك الأشياء وسكونها كحالة الريبوتات ووحدات التحكم عن بعد .. فنجد وكالة ناسا للفضاء ومراكز إطلاق سفن الفضاء والأقمار الصناعية تتحكم فى توجيه وحركة وهبوط وإقلاع تلك السفن وهذه الأقمار على القمر والكواكب الأخرى رغم أن المسافة بينهما هى ألاف الأميال ..
لكن الأمر الصادر منها ومن وحدات ومراكز التحكم لديها تُنفذها تلك السفن والمركبات الفضائية وفى نفس لحظة إصداره دونما واسطةٍ ملموسةٍ بينهما ..
التيار الكهربائى هو الآخر يكونُ سبباً مباشراً غير ملموساً وغير مرئى فى تغيير حالة الأشياء والمواد من السكون الى الحركة والعكس لمجرد توصيل التيار فى سلكٍ كهربائى ومهما طالت المسافة بين المادة أو الآلة محل التشغيل ونقطة إنطلاق هذا التيار الكهربائى فى الموصل ..
الغريب أنه يمكن فصل التيار الكهربائى عن بلدة كاملة أو مئات المدن والقرى وفى لحظةٍ واحدةٍ من قِبَل المحطة الكهربائية الأُم التى تُغذيها والتى قد تبعد عنها آلاف الأميال لينقطع التيار عنها وفى ذات اللحظة والثانية بل والجزء من الثانية والتى يضغط فيها عامل الكهرباء على زر فصل الكهرباء بالمحطة ..
وهاتين الصورتين غير المباشرتين وغير الظاهرتين وغير الملموستين مادياً هما الأقرب فى نظرى لتحليل صورة الموت إذ تشتركان وصفا فى أن المُشاهد للحالة لا يدرك صلاتٍ مباشرة بين الفعل والنتيجة ولكن تقع نتيجة الموت وفى ذات لحظة الفعل بدون صلةٍ ملموسةٍ دافعةٍ أو مانعةٍ لحدوثها ..
الموت كذلك نرى فيه النتيجة دون إدراك المُوصِّل لحدوثها حتى ولو كان هذا الحدوث يُعزى لسقوط منزل أو حادث سيارةٍ مثلاً أو زلزالٍ أو غيرها من الأسباب .. لأن تلك الأسباب وإن بدت فى ظاهرها أسباباً للموت مباشرة فهى ليست أسباب حقيقية اذ هناك من يتواجد فى ذات الأماكن ومسارح تلك الحوادث أثناء وقوعها وربما يكون ظرفه هو الأسوء من ظروف المتوفين غيره ممن هم حوله لكنه يعيش ويحيا لعشرات السنين من بعدها ومن بعد موت رفاقه فى تلك الحوادث ..
ومن ثم ليست الحوادث هى الأسباب الحقيقية لنتيجة الموت .. والشاعرُ قد قال فى ذلك : كم من مريضٍ مات من غير علةٍ ... وكم من صحيحٍ عاش حيناً من الدهرِ ..
ومن ثم المرض أو الحوادث بل وكل الأسباب التى نعدُّها أسباباً مباشرةً للوفاة ليست هى الأسباب الحقيقية خاصةً وأن المتوفى تنقضى حياته وقبل وقوع السبب الظاهر لنا نفسه والذى نحسبه أنه هو السبب المباشر ..
فلقد أثبت الأطباء فى حالات كثيرة أن الموت قد يسبق الحادث الذى يبدو فى ظاهره أن هو السبب للوفاة ربما بدقائق أو أوقاتٍ قليلة .. ولسوف يُثبت العالم هذه الحقيقة بأن الموت لوناً واحداً ومذاقاً واحداً وصورةً واحدة لدى كل الناس لا تختلف باختلاف أسباب الوفاة الظاهرية وغير الحقيقية ومن ثم فمن يموت بحادث قطار أو حادث طريق مثلاً أو بالسقوط من شُرفة منزله أو حتى من يموت فى منامه .. يشتركون جميعهم وغيرهم فى صورة الموت بلا تبايُن ولا إختلاف ..لماذا؟
لأن السبب الحقيقى للموت هو واحد فى كل هذه الحالات وهذا السبب الواحد فى نظرى يتشابه وحالة الأسباب غير المباشرة وغير الظاهرية لتبديل حالة المواد أو الآلات من حالة سكونها الى حالة الحركة أوالعكس والتى ذكرناها سلفاً كوحدة الريبوت والتى يتم النقل بها ومن خلالها الأوامر إلى الآلة فتُنفذها وفى نفس لحظة الأمر ذاته .. كما وحالة التيار الكهربائي والذى يتم فصله عن مئات القرى والمدن فينقطع التيار عنها جميعها وفى ذات لحظة فصله عنها وهاتين الصورتين فى نظرى هما مثالين تقريبيين لحدوث حالة الموت والحياة عن طريق القدرة الإلاهية وإرادة الربوبية فى الأمر بكن للشئ فيكون .. مع الفارق فى الحالين وهو المُنزّهُ عن التشبيه كما وأن أوامرهلُ منزَّهةٌ عن التقريب ..
ننامُ جميعاً وفى ذات المكان فيصحو من يصحو ويموت من يموت بينما ظروف الجميع صحياً وواقعياً فواحدة ..
ذات الأمر فى الحوادث المختلفة أو فى حالات الموت الفجائى من دون حادثة فنرى من يموت قد صدرت للروح لديه أمر القدرة الإلاهية بكُن بقطع التيار المُرتبط بالأمر الإلاهى مباشرة كُن فيموت صاحبها محل الأمر وفى نفس لحظة الأمر فيكون .. إذ تتوقف فور الأمر وفى ذات الجزء الضئيل من الثانية الواحدة الذى يصدر لها فيه .. وكذا لو أراد الله أن لا يتم هذا الموت فيُنجِى من بين ضحايا الحادث الواحد أحدهم لنجد أن ما صدر له الأمر بالحياة إنما هى روح هذا الفرد بأمر القدرة الإلاهية بتوصيل التيار المُرتبط بالأمر الإلاهى ذاته مباشرة فيحيا وفى نفس لحظة الأمر اذ تستمر فور الأمر الإلاهى بكُن وفى ذات الجزء الضئيل من الثانية الذى يصدر لها فيه ..
جميع من يموتون يمرون بذات مراحل الموت عند خوضهم رحلة الموت وليس هذا من قبيل العلم بما منعه الله حتى عن نبيه ومصطفاه (ص) .. حاش لله أن يعطى لعباده سر الروح وهو القائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)) ومن ثم فوصف الروح وخواصها إبتداءاً وإنتهاءاً أنها من أمر الله لا يجوز الخوض فيها ولا إعمال العقل بصددها لأنها من أمر الله .. لكنه فى نظرى أننا لسنا ممنوعون من البحث عن الموت وهو الذى يخوضه كل يوم ألاف البشر وفى كل لحظة نراهُ فى أحد أقاربنا أو ذوينا أو ذو القربى من بين أهلينا فلا نُمنع من دراسته خاصةً حالات العائدين الى الحياة من بعد الحُكم عليهم طبيَّاً بموتهم والذى يُسمى بالموت الإكلينكى أو السريرى .. فلقد تم عمل مئات الأبحاث والكتابات عن هؤلاء والذين أجمعت رواياتهم كلها بأن المراحل التى خاضوها واحدة لا فرق بينها وهذا ما يؤكد أن المراحل التى لم يصلوا إليها ومن ثم قد عادوا الى الحياة ثانية ولم يموتوا بموجبها فعلياً واحدة غير مُتغيِّرة فيما بينهم فنجد الكاتب الغربى ( رايموند ماودي ) قد ذكر فى كتابه - الحياة بعد الحياة - أن كل من خاضوا هذه التجربة وقد حكم العقل عليهم بالموت الفعلى ولا يمكنهم تفسير عودتهم للحياة ثانية قد أجمعوا على صورة واحدة لتلك المراحل التى خاضوها ويمكن تسميتها بالمراحل الأولى أو التمهيدية لحدوث الموت النهائى والفعلى .. هى صورة تكاد تكون متقاربة وواحدة ..
فالجميع قد ذكروا أنهم قد إنفصلوا عن أجسادهم وإستقروا فى أعلى الحجرة الموجود بها الجسد المُسجَّى على سرير العمليات الجراحية فى حالة من خاضوا تلك التجربة أثناء إجراءهم لعملياتٍ جراحية مُعينة أو فى الأعلى من الأماكن التى يسقطون من فوقها أو تلك التى أُودِعت أجسادهم فيها مظنَّة موتهم كثلاجات الموتى بالمستشفيات العامة ..
كل هؤلاء قد أجمعوا أنهم قد إنفصلوا عن أجسادهم وقد إستقرُّوا فوقها يرون كل من حول الجسد أو من يتعاملون مع هذا الجسد من الأطباء أو فرق الإفاقة الطبيَّة أو حتى أولئك الذى يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويصرخون لأجل فراقهم وموتهم ..
الجميع قد وصفوا هذه الحالة وكيف كانت هى مستمرة حتى أُذِنَ لهم بالعودة ثانيةً إلى هذا الصندوق ليتحرك الجسد من جديد بهم ليظن كل من حول الجسد بأنه قد عاد الى الحياة مَرَّةً أخرى ومن بعد موته..
حتى من ماتوا فى منامهم وقد حكم الأطباء بموتهم إكلينيكياً عندما عادوا للحياة كذلك من جديد قد حكوا ما يُقارب هذه المشاهد .. فهناك من ذكر بأن موته كان لسقوطه من قمة جبل عالٍ أو لغرقه بأحد الأنهار أو فى حادث سير أو غيرها من الأسباب بينما هو فقد ظل يشاهد جسده حتى قُذِف به من جديد إليه وقد صحى من هذا الرقاد الطويل وأمام كل المحيطين من حول جسده ممن كانوا حوله يبكون ويصرخون من بين أهله وذويه..
هناك من بين هؤلاء من تجاوز هذه المرحلة فوصف مرحلة أخرى قد إجتازها بأنه قد شعر بذاته يدخل فى أنبوب ذو قطرٍ عريض هو مزيج من أضواء وألوان مُمتعة من بعد الجزء المُظلم الأول من الأنبوب ليشم من بعده روائح ذكية قد روته وأشبعته حتى وصل لنقطة محددة من هذا الأنبوب ليجد نفسه وقد قُذِفَ به عائداً من هذه النقطة الى خارجها حيث الجسد المُسجَّى وقد رآه من يحيطون بجسده وقد راحوا يبكونه فيدخل فيه ليتحرك الجسد من بعد رحلةٍ قد وصفها جميع من خاضوها بالإمتاع والجمال والروعة ..
لكلٍ منا رحلته مع الموت وقد خاض مثل تلك التجربة وربما قد لا يستطيع المرء أن يتمسك أمام ربه بعودته للحياة من جديد حتى يعبده حق عبادته اذ إلقول الحق ساعتها أنه قد عاد من بعد موت مرَّةً للحياة لكنه لم يفعل ما يطلب العودة لأجله .. لذا فى نظرى أن كل إنسان قد خاض تلك التجربة وبإختلاف مشاهدها لكنها فى المضمون واحدة ..
ذات يوم وأنا طالب بالجامعة إعتليت أحد أعمدة الإنارة الكهربية بغية توصيل مصباح كهربائى به وإذا بقاطعة الأسلاك بكفِّى قد قُطِعَ منها جزء من العازل لتتسرب الكهرباء الى جسدى ولم أستطيع الحركة لأننى أصبحت وعامود الإنارة ذاته جزء من الدائرة الكهربائية المغلقة .. ساعتها أدركت بالموت لا محالة حتى سلَّمت أمرى له لكنى لا أستطيع حتى التلفظ بالشهادة بينما ولحظة الخروج النهائى للروح من جسدى قد رأيت جسدى محمولاً بأيدى لا أراها وكأنها جناح طائر قد حملتنى بحُنُوٍ شديد فإستلمت جسدى حاملةً إيَّاه من فوق عامود الإنارة مُستلقٍ على ظهرى حتى وضعتنى فيه أرضاً وكأننى كنت أطير ساعتها فى سعادةٍ ما بعدها سعادة وراحةٍ لا تُدانيها راحة وبهجةٍ حُلوِة المذاق .. لكن لم يفصلنى عن الموت فى نظرى غير صرخة قد شعرت بعدها بخروج الروح من بدنى لكنِّى بعدها وعلى الوصف الذى ذكرت قد وصلتُ نائماً مُستلقياً على ظهرى سعيداً وكأن طائراً يحملنى فى هدوء وسكينة حتى أوصلنى للأرض بلا آلامٍ قد شعرت بها أو ثمة إصاباتٍ قد حدثت ببدنى ..
ما هذه الصورة التى نصفها وهل للموت الفعلى أن تسبقه سعادة ؟!
نعم يسبقه هذه السعادة وربما تتوالى مراحل الجماليات والأنوار الرائعة والروائح الذكية فيه كما ذكرها الآخرون غيرى لكنى لم أتجاوز عنهم فى هذه الحالة التى ذكرتها غير المراحل الأولى للتجربة ..
اذاً الموت ما هو إلَّا إنفصال المرء عن الصندوق الذى يحتويه بينما فالعودة منه الى الحياة انما عودة الى هذا الصندوق والإستقرار به كما وأن المتعة كل المتعة على غير ما هو معروف عن الموت هى فى الإبتعاد عن هذا الصندوق بينما فالمعاناة الحقَّة هى فى الإستقرار بهذا الصندوق وهذا يعنى أن الموت وعلى عكس ما يحاول إقناعنا به الآخرون حتى العديدُ من رجال الدين هو فى حقيقته مُغادرة للروح من سجن البدن والإنطلاق بها إلى عوالمٍ أخرى من الجمال والإبهار والمتعة وكيف لا وقد أصبح بصرُ المرء من حديد من بعد فكاك الروح وتحررها من أسوار الجسد .. إذ الأشياءُ المضيئة والمخلوقات النورانية قد أصبحت محل رؤية للإنسان وقد خلقها الله من نور كما ونور الله ذاته سيكون لاريب محل رؤية اذ يحيط بكل شئ وبكافة مخلوقاته بينما فبصر الميت قد إستطالت قواه وبلا حدود.. هوصحيحٌ لايستطيعُ الإحاطة به لكنَّهُ غير ممنوعٍ من التمتُّع بجمال هذا النور وبهائه ..
الموتُ إذاً هو رحلة جديدة الى الأصل والأساس والى حال المنبت والنشوء والخلق .. وكما أنَّهُ دائماً الفطرة تكونُ هى الأجمل للإنسان فإن عودة الروح الى أصلها ومنبتها من بعد حبسها داخل أسوار البدن هى الأجمل لها والأمتع والأكثر روعة .. وكيف لا وقد ذكرها الله فى قرآنه الكريم فى قوله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)) وقوله (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ) وهذا كله يعنى أن الروح بالموت تكون قد عادت الى حضن أصلها ومنبتها الدفئ فهى من أمر الله ذاته وكما ذكر سبحانه وعلت صفاته .. كما وأنها من روح الله ذاته والتى قد تكون هى أحد خلقه المُقرَّبين والذى إختصَّهُ بتنفيذ الأمر كُن فى خصوص منح الروح للإنسانِ ونزعها فيكون ....
فهل سيشقى من عاد الى أصله وأساسه ومنبته .. كيف إذاً ستشقى الروحُ حتى يخيفوننا من هذه الرحلة .. خاصةً والإنسان يخشى بفطرته المجهول وكل ما يوصف بالغموض والإبهام بينما فقد دأب الإنسانُ ومُنذ خُلِق رغم هذا الخوف من المجهول ومصيره الذى لا يعلم وبمجرد أن يخوض هذا المجهول بالفعل وأن يتناغم معه ويعتبره الأجمل والأروع مما كان يحيا فيه ويعيش ولو طُلِبَ منه العودة إلى ماكان عليه فسيرفض وبشده كحال الطفل يبكى عند ولادته لمغادرته حياته التى قد دأبها وعلمها الى حياة هو لم يعلمها بعد .. بينما ومن بعد ولادته لو طُلِبَ منه العودة لرحم أمه بكل أمانه ورحمته وأُنسهِ السابق به فلن يرضى ولن يقبل ..
هو ذات الأمر فى حال من يُغادر الحياة الأولى بالموت .. لاشك أنه لن يرضى لنفسه بالرجوع إليها من بعد مغادرتها وقد كان يَعُدُّ حياته الثانية من بعد موته مجهولاً مُخيفاً من قبل وهو الآن المُستمسكُ به غير القابل بالعودة منها إلى الأولى ..
وهل تقبل دودة القز وقد صارت فراشة من بعد تابوتها وهو الشرنقة أن تعود الى طورها الأول كدودةٍ فى مراحلها الأولى بالطبع لا وقد عَلِمَت هذا الواقع والذى أعدَّتهُ من قبل مجهولاً لها أنَّهُ هو الأفضل والأجمل والأكثر إبهاراً وإمتاعاً ..
وفى نظرى أن شرنقة دودة القز إنما قد خلقها الله ليضرب للناس بها مثلاً لحياة البرزخ الفاصلة بين الحياتين للمرء وهما الدنيا من قبل الموت والآخرة من بعده وقد جُعِلت تلك الحياة البرزخية لكى يدخل الإنسان فى طورٍ آخر ليس كحال دودة القز ولكن بما يتناسب به للعيش بالحياة الثانية من بعد موته..
ولكن فى كل الأحوال بما يجعله يتلاءم مع هذه الحياة الثانية ليشعُر بها وبأنها الأكثر إشباعاً له بجمالها وروعتها وروائحها الذكية ..
ومن ثم لو أمعنَّا النظر فى الموت وعنصر الإبهام فيه والمجهول الذى يكتنفه كما وكل ما حولنا ستطمئن قلوبنا وتعى بأنه لا يمكن للمخلوق ألَّا يشعُر بالغِبطةِ والسِعادة إذا ما عاد لخالقه وهو الرب الرحيم اللطيف الودود ذو العرش المجيد الفعَّالُ لما يريد ..
كانت تلك محاولةً لقراءةٍ فى لُغز الموت ومفهومه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.