تخفيض درجات القبول بالثانوي العام إلى 235 درجة وتخفيض الخدمات إلى 220 درجة فى الدقهلية    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    «الرقابة على الصادرات»: تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى يومين بنهاية 2025 (فيديو)    رئيس هيئة الرقابة على الصادرات: تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى يومين بنهاية 2025    متابعة ميدانية لسير العمل في المدفن الصحي الهندسي بقلابشو بالدقهلية    جهاز الاتصالات: إيقاف الهواتف التي تجري المكالمات التسويقية الإزعاجية بداية من الأسبوع المقبل    أستاذ دراسات إسرائيلية: الانقسام الداخلي يضعف موقف نتنياهو في ملف غزة (فيديو)    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو يكذب ويضع شروطًا غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة    القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وأوساسونا مباشر اليوم في الدوري الإسباني    فابريزيو رومانو يكشف موقف مانشستر سيتي من رحيل نجم الفريق    بعد اعتذار الجونة.. إعادة قرعة الدوري المصري للكرة النسائية (مستند)    مصرع 3 وإصابة 7 في حادث تصادم بالأوتوستراد (صور)    موجة حارة.. حالة الطقس غدًا الأربعاء 20 أغسطس في المنيا ومحافظات الصعيد    بعد سرقة دراجته النارية.. إصابة شاب بطلق ناري على يد مجهولين بقنا    كان بيعدي السكة.. وفاة شخص دهسا تحت عجلات القطار في أسيوط    بخصم 25%.. «القومي للترجمة» يشارك في معرض السويس الثالث للكتاب    عمرو يوسف يحتفل بالعرض الخاص لفيلم "درويش" في السعودية    حقيقة إحالة بدرية طلبة للمحاكمة الاقتصادية.. محاميها يكشف التفاصيل    تكليفات بتوفير أصناف العلاج المختلفة بصيدلية مركز طب أسرة صحة أول بأسوان    لأول مرة «بإهناسيا التخصصى».. استئصال ورم كبير متضخم بالغدة الدرقية لمسنة تعاني صعوبة التنفس    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    محمد مطيع رئيسًا للاتحاد الإفريقي للسومو ونائبًا للدولي    ميلان يخسر خدمات رافاييل لياو في الجولة الأولى للدوري الإيطالي    وزير الخارجية: الكرة الآن أصبحت في ملعب إسرائيل لوقف إطلاق النار    مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير يفتح باب المشاركة في دورته ال12    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    محافظ سوهاج يعتمد تعديل المخطط التفصيلي لمركز ومدينة سوهاج    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    «التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    "فاليو" تنجح في إتمام الإصدار السابع عشر لسندات توريق بقيمة 460.7 مليون جنيه    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    من هم أبعد الناس عن ربنا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    بي بي سي ترصد طوابير شاحنات المساعدات عند معبر رفح بانتظار دخول غزة    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    «الوعي»: التحرك المصري القطري يُعيد توجيه مسار الأحداث في غزة ويعرقل أهداف الاحتلال    وزير التعليم يوقّع برتوكول تعاون جديد لتنفيذ حزمة تدريبات لمعلمي الرياضيات بالمرحلة الإعدادية    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    علي الحجار يحيي حفل الخميس ب مهرجان القلعة 2025 (تفاصيل)    تقديم الخدمات الطبية المجانية ل263 مريضاً بمحافظة كفر الشيخ    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءةٌ فى لُغزِ الموتِ ومفهومه

الموتُ والحياة سكونٌ وحركة ..والإنتقال من السكون الى الحركة أو العكس ليس من ذات المادة ولكن من قوى أخرى تدفع وتجذب .. تُحرِّك وتُسَكِّن ..
هذه القوة قد تكون ظاهرة ومباشرة فى تحريكها للأشياء كما ونحرك الأشياء بأيادينا .. كما وقد تكون مستترة غير ظاهرة وغير مباشرة كالحركة التى تسببها عواملٍ غير منظورةٍ أو ملموسة..
الأولى يعرفها الإنسان ويلمسها بحواسه وبها ومن خلالها وبتطوير نظرياتها تم تصنيع المحركات العملاقة ولو تعطَّلت هذه المحركات لعادت كل الآلات والتى تتحرك بها سواء كانت سفن أو قطارات أو طائرات أو عرباتٍ مختلفة الى حالة السكون من بعد حركتها..
كما أن هناك من القوى الغير ظاهرة وغير المباشرة فلا يلمس الإنسان بحواسه قدرة الدفع لديها لتحريك الأشياء لكنه يرى نتائجها على حركة تلك الأشياء وسكونها كحالة الريبوتات ووحدات التحكم عن بعد .. فنجد وكالة ناسا للفضاء ومراكز إطلاق سفن الفضاء والأقمار الصناعية تتحكم فى توجيه وحركة وهبوط وإقلاع تلك السفن وهذه الأقمار على القمر والكواكب الأخرى رغم أن المسافة بينهما هى ألاف الأميال ..
لكن الأمر الصادر منها ومن وحدات ومراكز التحكم لديها تُنفذها تلك السفن والمركبات الفضائية وفى نفس لحظة إصداره دونما واسطةٍ ملموسةٍ بينهما ..
التيار الكهربائى هو الآخر يكونُ سبباً مباشراً غير ملموساً وغير مرئى فى تغيير حالة الأشياء والمواد من السكون الى الحركة والعكس لمجرد توصيل التيار فى سلكٍ كهربائى ومهما طالت المسافة بين المادة أو الآلة محل التشغيل ونقطة إنطلاق هذا التيار الكهربائى فى الموصل ..
الغريب أنه يمكن فصل التيار الكهربائى عن بلدة كاملة أو مئات المدن والقرى وفى لحظةٍ واحدةٍ من قِبَل المحطة الكهربائية الأُم التى تُغذيها والتى قد تبعد عنها آلاف الأميال لينقطع التيار عنها وفى ذات اللحظة والثانية بل والجزء من الثانية والتى يضغط فيها عامل الكهرباء على زر فصل الكهرباء بالمحطة ..
وهاتين الصورتين غير المباشرتين وغير الظاهرتين وغير الملموستين مادياً هما الأقرب فى نظرى لتحليل صورة الموت إذ تشتركان وصفا فى أن المُشاهد للحالة لا يدرك صلاتٍ مباشرة بين الفعل والنتيجة ولكن تقع نتيجة الموت وفى ذات لحظة الفعل بدون صلةٍ ملموسةٍ دافعةٍ أو مانعةٍ لحدوثها ..
الموت كذلك نرى فيه النتيجة دون إدراك المُوصِّل لحدوثها حتى ولو كان هذا الحدوث يُعزى لسقوط منزل أو حادث سيارةٍ مثلاً أو زلزالٍ أو غيرها من الأسباب .. لأن تلك الأسباب وإن بدت فى ظاهرها أسباباً للموت مباشرة فهى ليست أسباب حقيقية اذ هناك من يتواجد فى ذات الأماكن ومسارح تلك الحوادث أثناء وقوعها وربما يكون ظرفه هو الأسوء من ظروف المتوفين غيره ممن هم حوله لكنه يعيش ويحيا لعشرات السنين من بعدها ومن بعد موت رفاقه فى تلك الحوادث ..
ومن ثم ليست الحوادث هى الأسباب الحقيقية لنتيجة الموت .. والشاعرُ قد قال فى ذلك : كم من مريضٍ مات من غير علةٍ ... وكم من صحيحٍ عاش حيناً من الدهرِ ..
ومن ثم المرض أو الحوادث بل وكل الأسباب التى نعدُّها أسباباً مباشرةً للوفاة ليست هى الأسباب الحقيقية خاصةً وأن المتوفى تنقضى حياته وقبل وقوع السبب الظاهر لنا نفسه والذى نحسبه أنه هو السبب المباشر ..
فلقد أثبت الأطباء فى حالات كثيرة أن الموت قد يسبق الحادث الذى يبدو فى ظاهره أن هو السبب للوفاة ربما بدقائق أو أوقاتٍ قليلة .. ولسوف يُثبت العالم هذه الحقيقة بأن الموت لوناً واحداً ومذاقاً واحداً وصورةً واحدة لدى كل الناس لا تختلف باختلاف أسباب الوفاة الظاهرية وغير الحقيقية ومن ثم فمن يموت بحادث قطار أو حادث طريق مثلاً أو بالسقوط من شُرفة منزله أو حتى من يموت فى منامه .. يشتركون جميعهم وغيرهم فى صورة الموت بلا تبايُن ولا إختلاف ..لماذا؟
لأن السبب الحقيقى للموت هو واحد فى كل هذه الحالات وهذا السبب الواحد فى نظرى يتشابه وحالة الأسباب غير المباشرة وغير الظاهرية لتبديل حالة المواد أو الآلات من حالة سكونها الى حالة الحركة أوالعكس والتى ذكرناها سلفاً كوحدة الريبوت والتى يتم النقل بها ومن خلالها الأوامر إلى الآلة فتُنفذها وفى نفس لحظة الأمر ذاته .. كما وحالة التيار الكهربائي والذى يتم فصله عن مئات القرى والمدن فينقطع التيار عنها جميعها وفى ذات لحظة فصله عنها وهاتين الصورتين فى نظرى هما مثالين تقريبيين لحدوث حالة الموت والحياة عن طريق القدرة الإلاهية وإرادة الربوبية فى الأمر بكن للشئ فيكون .. مع الفارق فى الحالين وهو المُنزّهُ عن التشبيه كما وأن أوامرهلُ منزَّهةٌ عن التقريب ..
ننامُ جميعاً وفى ذات المكان فيصحو من يصحو ويموت من يموت بينما ظروف الجميع صحياً وواقعياً فواحدة ..
ذات الأمر فى الحوادث المختلفة أو فى حالات الموت الفجائى من دون حادثة فنرى من يموت قد صدرت للروح لديه أمر القدرة الإلاهية بكُن بقطع التيار المُرتبط بالأمر الإلاهى مباشرة كُن فيموت صاحبها محل الأمر وفى نفس لحظة الأمر فيكون .. إذ تتوقف فور الأمر وفى ذات الجزء الضئيل من الثانية الواحدة الذى يصدر لها فيه .. وكذا لو أراد الله أن لا يتم هذا الموت فيُنجِى من بين ضحايا الحادث الواحد أحدهم لنجد أن ما صدر له الأمر بالحياة إنما هى روح هذا الفرد بأمر القدرة الإلاهية بتوصيل التيار المُرتبط بالأمر الإلاهى ذاته مباشرة فيحيا وفى نفس لحظة الأمر اذ تستمر فور الأمر الإلاهى بكُن وفى ذات الجزء الضئيل من الثانية الذى يصدر لها فيه ..
جميع من يموتون يمرون بذات مراحل الموت عند خوضهم رحلة الموت وليس هذا من قبيل العلم بما منعه الله حتى عن نبيه ومصطفاه (ص) .. حاش لله أن يعطى لعباده سر الروح وهو القائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)) ومن ثم فوصف الروح وخواصها إبتداءاً وإنتهاءاً أنها من أمر الله لا يجوز الخوض فيها ولا إعمال العقل بصددها لأنها من أمر الله .. لكنه فى نظرى أننا لسنا ممنوعون من البحث عن الموت وهو الذى يخوضه كل يوم ألاف البشر وفى كل لحظة نراهُ فى أحد أقاربنا أو ذوينا أو ذو القربى من بين أهلينا فلا نُمنع من دراسته خاصةً حالات العائدين الى الحياة من بعد الحُكم عليهم طبيَّاً بموتهم والذى يُسمى بالموت الإكلينكى أو السريرى .. فلقد تم عمل مئات الأبحاث والكتابات عن هؤلاء والذين أجمعت رواياتهم كلها بأن المراحل التى خاضوها واحدة لا فرق بينها وهذا ما يؤكد أن المراحل التى لم يصلوا إليها ومن ثم قد عادوا الى الحياة ثانية ولم يموتوا بموجبها فعلياً واحدة غير مُتغيِّرة فيما بينهم فنجد الكاتب الغربى ( رايموند ماودي ) قد ذكر فى كتابه - الحياة بعد الحياة - أن كل من خاضوا هذه التجربة وقد حكم العقل عليهم بالموت الفعلى ولا يمكنهم تفسير عودتهم للحياة ثانية قد أجمعوا على صورة واحدة لتلك المراحل التى خاضوها ويمكن تسميتها بالمراحل الأولى أو التمهيدية لحدوث الموت النهائى والفعلى .. هى صورة تكاد تكون متقاربة وواحدة ..
فالجميع قد ذكروا أنهم قد إنفصلوا عن أجسادهم وإستقروا فى أعلى الحجرة الموجود بها الجسد المُسجَّى على سرير العمليات الجراحية فى حالة من خاضوا تلك التجربة أثناء إجراءهم لعملياتٍ جراحية مُعينة أو فى الأعلى من الأماكن التى يسقطون من فوقها أو تلك التى أُودِعت أجسادهم فيها مظنَّة موتهم كثلاجات الموتى بالمستشفيات العامة ..
كل هؤلاء قد أجمعوا أنهم قد إنفصلوا عن أجسادهم وقد إستقرُّوا فوقها يرون كل من حول الجسد أو من يتعاملون مع هذا الجسد من الأطباء أو فرق الإفاقة الطبيَّة أو حتى أولئك الذى يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويصرخون لأجل فراقهم وموتهم ..
الجميع قد وصفوا هذه الحالة وكيف كانت هى مستمرة حتى أُذِنَ لهم بالعودة ثانيةً إلى هذا الصندوق ليتحرك الجسد من جديد بهم ليظن كل من حول الجسد بأنه قد عاد الى الحياة مَرَّةً أخرى ومن بعد موته..
حتى من ماتوا فى منامهم وقد حكم الأطباء بموتهم إكلينيكياً عندما عادوا للحياة كذلك من جديد قد حكوا ما يُقارب هذه المشاهد .. فهناك من ذكر بأن موته كان لسقوطه من قمة جبل عالٍ أو لغرقه بأحد الأنهار أو فى حادث سير أو غيرها من الأسباب بينما هو فقد ظل يشاهد جسده حتى قُذِف به من جديد إليه وقد صحى من هذا الرقاد الطويل وأمام كل المحيطين من حول جسده ممن كانوا حوله يبكون ويصرخون من بين أهله وذويه..
هناك من بين هؤلاء من تجاوز هذه المرحلة فوصف مرحلة أخرى قد إجتازها بأنه قد شعر بذاته يدخل فى أنبوب ذو قطرٍ عريض هو مزيج من أضواء وألوان مُمتعة من بعد الجزء المُظلم الأول من الأنبوب ليشم من بعده روائح ذكية قد روته وأشبعته حتى وصل لنقطة محددة من هذا الأنبوب ليجد نفسه وقد قُذِفَ به عائداً من هذه النقطة الى خارجها حيث الجسد المُسجَّى وقد رآه من يحيطون بجسده وقد راحوا يبكونه فيدخل فيه ليتحرك الجسد من بعد رحلةٍ قد وصفها جميع من خاضوها بالإمتاع والجمال والروعة ..
لكلٍ منا رحلته مع الموت وقد خاض مثل تلك التجربة وربما قد لا يستطيع المرء أن يتمسك أمام ربه بعودته للحياة من جديد حتى يعبده حق عبادته اذ إلقول الحق ساعتها أنه قد عاد من بعد موت مرَّةً للحياة لكنه لم يفعل ما يطلب العودة لأجله .. لذا فى نظرى أن كل إنسان قد خاض تلك التجربة وبإختلاف مشاهدها لكنها فى المضمون واحدة ..
ذات يوم وأنا طالب بالجامعة إعتليت أحد أعمدة الإنارة الكهربية بغية توصيل مصباح كهربائى به وإذا بقاطعة الأسلاك بكفِّى قد قُطِعَ منها جزء من العازل لتتسرب الكهرباء الى جسدى ولم أستطيع الحركة لأننى أصبحت وعامود الإنارة ذاته جزء من الدائرة الكهربائية المغلقة .. ساعتها أدركت بالموت لا محالة حتى سلَّمت أمرى له لكنى لا أستطيع حتى التلفظ بالشهادة بينما ولحظة الخروج النهائى للروح من جسدى قد رأيت جسدى محمولاً بأيدى لا أراها وكأنها جناح طائر قد حملتنى بحُنُوٍ شديد فإستلمت جسدى حاملةً إيَّاه من فوق عامود الإنارة مُستلقٍ على ظهرى حتى وضعتنى فيه أرضاً وكأننى كنت أطير ساعتها فى سعادةٍ ما بعدها سعادة وراحةٍ لا تُدانيها راحة وبهجةٍ حُلوِة المذاق .. لكن لم يفصلنى عن الموت فى نظرى غير صرخة قد شعرت بعدها بخروج الروح من بدنى لكنِّى بعدها وعلى الوصف الذى ذكرت قد وصلتُ نائماً مُستلقياً على ظهرى سعيداً وكأن طائراً يحملنى فى هدوء وسكينة حتى أوصلنى للأرض بلا آلامٍ قد شعرت بها أو ثمة إصاباتٍ قد حدثت ببدنى ..
ما هذه الصورة التى نصفها وهل للموت الفعلى أن تسبقه سعادة ؟!
نعم يسبقه هذه السعادة وربما تتوالى مراحل الجماليات والأنوار الرائعة والروائح الذكية فيه كما ذكرها الآخرون غيرى لكنى لم أتجاوز عنهم فى هذه الحالة التى ذكرتها غير المراحل الأولى للتجربة ..
اذاً الموت ما هو إلَّا إنفصال المرء عن الصندوق الذى يحتويه بينما فالعودة منه الى الحياة انما عودة الى هذا الصندوق والإستقرار به كما وأن المتعة كل المتعة على غير ما هو معروف عن الموت هى فى الإبتعاد عن هذا الصندوق بينما فالمعاناة الحقَّة هى فى الإستقرار بهذا الصندوق وهذا يعنى أن الموت وعلى عكس ما يحاول إقناعنا به الآخرون حتى العديدُ من رجال الدين هو فى حقيقته مُغادرة للروح من سجن البدن والإنطلاق بها إلى عوالمٍ أخرى من الجمال والإبهار والمتعة وكيف لا وقد أصبح بصرُ المرء من حديد من بعد فكاك الروح وتحررها من أسوار الجسد .. إذ الأشياءُ المضيئة والمخلوقات النورانية قد أصبحت محل رؤية للإنسان وقد خلقها الله من نور كما ونور الله ذاته سيكون لاريب محل رؤية اذ يحيط بكل شئ وبكافة مخلوقاته بينما فبصر الميت قد إستطالت قواه وبلا حدود.. هوصحيحٌ لايستطيعُ الإحاطة به لكنَّهُ غير ممنوعٍ من التمتُّع بجمال هذا النور وبهائه ..
الموتُ إذاً هو رحلة جديدة الى الأصل والأساس والى حال المنبت والنشوء والخلق .. وكما أنَّهُ دائماً الفطرة تكونُ هى الأجمل للإنسان فإن عودة الروح الى أصلها ومنبتها من بعد حبسها داخل أسوار البدن هى الأجمل لها والأمتع والأكثر روعة .. وكيف لا وقد ذكرها الله فى قرآنه الكريم فى قوله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)) وقوله (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ) وهذا كله يعنى أن الروح بالموت تكون قد عادت الى حضن أصلها ومنبتها الدفئ فهى من أمر الله ذاته وكما ذكر سبحانه وعلت صفاته .. كما وأنها من روح الله ذاته والتى قد تكون هى أحد خلقه المُقرَّبين والذى إختصَّهُ بتنفيذ الأمر كُن فى خصوص منح الروح للإنسانِ ونزعها فيكون ....
فهل سيشقى من عاد الى أصله وأساسه ومنبته .. كيف إذاً ستشقى الروحُ حتى يخيفوننا من هذه الرحلة .. خاصةً والإنسان يخشى بفطرته المجهول وكل ما يوصف بالغموض والإبهام بينما فقد دأب الإنسانُ ومُنذ خُلِق رغم هذا الخوف من المجهول ومصيره الذى لا يعلم وبمجرد أن يخوض هذا المجهول بالفعل وأن يتناغم معه ويعتبره الأجمل والأروع مما كان يحيا فيه ويعيش ولو طُلِبَ منه العودة إلى ماكان عليه فسيرفض وبشده كحال الطفل يبكى عند ولادته لمغادرته حياته التى قد دأبها وعلمها الى حياة هو لم يعلمها بعد .. بينما ومن بعد ولادته لو طُلِبَ منه العودة لرحم أمه بكل أمانه ورحمته وأُنسهِ السابق به فلن يرضى ولن يقبل ..
هو ذات الأمر فى حال من يُغادر الحياة الأولى بالموت .. لاشك أنه لن يرضى لنفسه بالرجوع إليها من بعد مغادرتها وقد كان يَعُدُّ حياته الثانية من بعد موته مجهولاً مُخيفاً من قبل وهو الآن المُستمسكُ به غير القابل بالعودة منها إلى الأولى ..
وهل تقبل دودة القز وقد صارت فراشة من بعد تابوتها وهو الشرنقة أن تعود الى طورها الأول كدودةٍ فى مراحلها الأولى بالطبع لا وقد عَلِمَت هذا الواقع والذى أعدَّتهُ من قبل مجهولاً لها أنَّهُ هو الأفضل والأجمل والأكثر إبهاراً وإمتاعاً ..
وفى نظرى أن شرنقة دودة القز إنما قد خلقها الله ليضرب للناس بها مثلاً لحياة البرزخ الفاصلة بين الحياتين للمرء وهما الدنيا من قبل الموت والآخرة من بعده وقد جُعِلت تلك الحياة البرزخية لكى يدخل الإنسان فى طورٍ آخر ليس كحال دودة القز ولكن بما يتناسب به للعيش بالحياة الثانية من بعد موته..
ولكن فى كل الأحوال بما يجعله يتلاءم مع هذه الحياة الثانية ليشعُر بها وبأنها الأكثر إشباعاً له بجمالها وروعتها وروائحها الذكية ..
ومن ثم لو أمعنَّا النظر فى الموت وعنصر الإبهام فيه والمجهول الذى يكتنفه كما وكل ما حولنا ستطمئن قلوبنا وتعى بأنه لا يمكن للمخلوق ألَّا يشعُر بالغِبطةِ والسِعادة إذا ما عاد لخالقه وهو الرب الرحيم اللطيف الودود ذو العرش المجيد الفعَّالُ لما يريد ..
كانت تلك محاولةً لقراءةٍ فى لُغز الموت ومفهومه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.