منذ سنوات أصبحت ثقافة التشكيك سمة سائدة بين المواطن وأجهزة الدولة، خصوصا تلك التي تخرج علينا كل فترة بأرقام مختلفة تارة بالزيادة وتارة بالنقصان بينما حال المواطن "محلك سر" إن لم يكن في تدهور، وأهم جهاز مختص بإصدار الأرقام في مصر "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" التقينا رئيس الجهاز اللواء أبو بكر الجندي ليكشف لنا عن كواليس العمل داخل الجهاز وآخر الإحصاءات التي قام بها ويستعد لها الجهاز خلال الفترة المقبلة، فكان هذا الحوار. هناك تشكيك في الأرقام والإحصاءات التي تخرج عن الجهاز، وأن هناك ضغوطا تمارس عليكم من مؤسسات سيادية في الدولة لتخرج الأرقام بنسب معينة؟ هذا يحدث لغياب الوعي الإحصائي، للأسف هو شعور عام وكلها مجرد اتهامات عشوائية فلا نجد من يأتي إلينا أو يرد علينا في قضية معينة، ويقول إن أرقامكم غير دقيقة وأنا عندي الأرقام الحقيقية، وهذا ناتج عن عدم الثقة بين المواطن والقيادات وهي ظاهرة موجودة منذ فترة طويلة، وأتحدى أي شخص أن يكذّب أرقامنا يأتي بأرقام أخرى صحيحة أو يشكك في أدواتنا، وذات مرة خرج أحد الاقتصاديين الكبار وشكك في أرقام الجهاز وإحصاءاته في أحد البرامج التليفزيونية، وقال كل أرقام الجهاز غير دقيقة، فطلبنا لقاءه وجاء إلينا وقلت له "سيبك" من كل الأرقام التي تتحدث عنها و"إمسك" أسوأ رقم تدعي أنه غير دقيق وقل لنا أسبابك في عدم دقته، وكيف نتحرى الدقة من وجهة نظرك وما الأدوات التي نستخدمها في ذلك، صمت وفي النهاية لم يفدنا بأي شىء ولم يضف أي جديد، فقط كله مجرد كلام، وفيما يخص الضغوط والإملاءات تستطيع أنت كصحفي أو أي شخص أن يدخل الجهاز ويقف في أي دور ويدخل على أي موظف ويسأله عن عمله، وإذا كان أحد يمارس عليه ضغوطا أو إملاءات. هل دواعي الأمن القومي قد تضطر مؤسسة "الرئاسة" أن تطلب منكم إعلان أرقام محددة لتهدئة الرأي العام؟ أقولها لله وللوطن وللتاريخ .. لم يحدث مطلقا أن طلب مني أحد في أي وقت أن أقول شيئا أو يخرج رقم أو إحصاء مني أو من الجهاز على مزاجه أو كيفه وأنا لا أدعي البطولة أن أحدا طلب مني وأنا رفضت، لكن في الحقيقة لم يطلب أحد ذلك، بالعكس أحيانا تخرج الأرقام صادمة للمسئول وعلى غير المتوقع فمثلا في 2008 كان النظام السابق يقول إننا حققنا أعلى معدل نمو والجهاز أعلن أن التضخم 25% ولم يعلق أو يعترض أحد على ذلك ولم يعزلوني من منصبي أو عينوا شخصا آخر يقول ما يريدون. على ذكر التضخم هل حقيقي أن معدل التضخم انخفض خلال الفترة الأخيرة عما كان عليه وهو ما يعني زيادة معدل النمو الاقتصادي؟ ليس بالضبط، ولكن لغياب الوعي كما ذكرت لك لا نفهم مدلول الرقم أو التصريح، الملاحظ أن معدل زيادة الأسعار والتضخم كان في ازدياد مستمر في أشهر يناير وفبراير ومارس حتى إبريل، عن المعدلات الطبيعية في مثل هذه الفترة من الأعوام السابقة، نتيجة لتحرير سعر الصرف وارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه، فكان الملحوظ أن شهر مايو حدث فيه انخفاض لتلك الزيادة فقط، بمعنى أن مؤشر الارتفاع هو الذي انخفض وليس معدل التضخم لأن معدله مازال مرتفعا بنسبة 9 % عن مايو 2012 لأن القدرة الشرائية عند المواطن انخفضت ولم يواكبها زيادة في المرتبات تستطيع تجاوز زيادة الأسعار. هناك تصريح منسوب لكم بأن 256 جنيها تكفي الفرد في الشهر؟ لم أقل هذا، أنا قلت إن حد الفقر 256 جنيها للفرد بمعنى أن من لا يستطيع أن ينفق هذا المبلغ في الشهر أي بمعدل 1000 جنيه لأسرة تتكون من 4 أشخاص تكون أسرة تعيش تحت خط الفقر وهؤلاء نسبتهم 60 % ، بمعنى أنه فقط يحصل على احتياجاته التي يعيش بها وأن يظل على قيد الحياة، يعني بالكاد يأكل (والأكل لا يكون صحيا أو مفيدا) ويلبس (هدمة واحدة) لو خلعها ليغسلها يكون «عريان» وينام في أي مكان، بدون لا تعليم ولا صحة ولا مواصلات ولا ترفيه ولا أي خدمات أخرى، فهل المواطن المصري خلق ليعيش بهذه الطريقة وهذا المستوى؟! بالطبع لا، ومن هنا هذا المبلغ لا يكفي، ومن يأكل ويشرب وينام ويركب مواصلات ويستطيع أن يشتري قرص الأسبرين فقط إذا مرض نسبتهم 40 ٪ وهم من يقفون عند خط الفقر، المشكلة أننا ليس لدينا وعي إحصائي حتى لدى بعض المسئولين . كيف ذلك؟ نعم البعض لو يعرف كيف نستخلص هذه الأرقام لأخذها وهو مغمض وواثق 1000% أنها صحيحة، أنت تعرف أننا كي نحصل على معدل التضخم نجمع أسعار 1000سلعة لنحصل على متوسط أسعار السلع وهذا من 15ألف مصدر في جميع المحافظات بشكل أسبوعي وشكل نصف شهري أو شهري، أذكر أن الغرفة التجارية أصدرت بيانا برقم مختلف عما أصدرناه لسعر إحدى السلع، وعندما بحثنا لنعرف كيف حصل على هذا الرقم وجدنا أن أحد العاملين في تلك الغرفة نزل وسأل في السوبر ماركت الموجود أسفل بيته، بينما نحن نجمع متوسط أسعار 15 ألف مصدر بشكل أسبوعي على مستوى الجمهورية . آخر إحصائياتكم أن نسبة العمالة في الريف أعلى من المدن، هل هذا معناه أننا مازلنا دولة زراعية؟ طبعا.. عندما تنظر إلى نتائج إحصاء آخر في القوى العاملة تجد أن 30 % فى الزراعة، 11 %في الصناعة، 11 % في التشييد والبناء، 8 %في الاتصالات. وهل للجهاز القدرة على تقديم رؤية أو مشورة لصانع الجهاز بناء على تحليل تلك الإحصاءات؟ لا.. ليس دورنا التحليل لأننا نقوم بجهد كبير في جميع المجالات، ولكن عملنا مثل الكاميرا نلتقط صورا للواقع والمسئول هو الذي يحلل ويضع الخطط، فقط نساعده عندما نعمل مقارنات بسيطة بين إحصاءات العام الحالي بالعام الماضي.. يستطيع تبين إلى أين نحن سائرون؟ البطالة .. مازلنا نضعها في مقدمة القضايا التي لها مؤشرات عالية إلى أين وصلنا في 2013 ؟ المؤشرات خطيرة جدا، فقد وصلنا إلى زيادة بنسبة 40 % عما كانت عليه، قبل الثورة في 2010 حيث كانت 8.9 % وزادات لتصل الآن إلى 13.2 % وهذا مؤشر كبير، وثق تماما في أن هذا الرقم دقيق للغاية لأننا نملك جيشا من العاملين في الجهاز يعدون الإحصاءات بدقة متناهية. على ذكر العاملين في الجهاز، هل تكفي ميزانية الجهاز لخطط العمل المرصودة كل عام؟ بالكاد تكفي لما هو مخطط إجراؤه من إحصاءات هذا العام، ولكن مطلوب ميزانية أعلى لتمويل الأبحاث التي لم نقم بها بعد وتنقصنا الأرقام فيها. وماذا عن تعداد 2016 والتخطيط والإعداد له؟ لك أن تعلم أن تعداد 2016 تم وضع خطته قبل الإعداد لتعداد 2006 ، بمعنى أن المجموعة التي تم اختيارهم وتعينهم للقيام بتعداد 2016عينوا بقرار قبل تنفيذ تعداد 2006 . ولماذا تمت هذه الخطوة بهذا الشكل؟ حتى يكون عندهم الوقت الكافي لجمع الملاحظات وتجنب نواحي القصور لإخراج تعداد 2016 على أكمل وجه، وعندنا ما يسمى بلجنة التواصل في الجهاز مهمتها الإشراف على تلك النقطة، وقد قمنا بمرحلة أولى استعدادا لتعداد 2016 في محافظتين على 10 آلاف أسرة والتجربة الثانية في نوفمبر المقبل في 3 محافظات بنفس ورقة تعداد 2016 ونفس المعلومات والأسئلة وظهرت النتائج الأولية التي تعطينا مؤشراً لنجاح أدواتنا في التعداد المقبل. وهل طلبت منكم جهات سيادية "الرئاسة" وضع سؤال عن الديانة لحصر عدد المسلمين والأقباط؟ طبقا للتوصيات الدولية فإن السؤال عن الديانة اختيارى، لكن إذا الدولة تريد السؤال عن الديانة وقالت لنا جهة رسمية اجمعوا معلومات عن أعداد المسلمين والمسيحيين وتصنيفهم إلى كاثوليك وأرثوذوكس نظرا لاحتياجات ومتطلبات داخلية قومية سنضرب بالتوصيات الدولية عرض الحائط ونعمل ما تحتاجه الدولة، برغم أنه في رأيى الشخصي لا أهمية لهذا الحصر، لأننا نتعامل مع المواطن بأدائه وقيمته وليس بديانته والعقيدة بينك وبين معتقدك وما تعبد. نسبة الزواج بين الحاصلين على مؤهلات متوسطة 36.5% بينما الحاصلون على مؤهلات عليا 15% فقط، بماذا تفسرها؟ السبب بسيط جدا وهو أن أعداد الحاصلين على المؤهلات المتوسطة أعلى من هؤلاء الحاصلين على مؤهلات عليا، وليس معناه أن هناك عزوفا عن الزواج بين المؤهلات العليا أو أن هناك ضعفا في إمكاناتهم المادية مقارنة بالمؤهلات المتوسطة. أيضا زيادة نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع لأعلى مستوى 27.2-29.1 % فى أسيوط، هل هذا مؤشر على ازدياد الفقر في الصعيد؟ بالتأكيد، لأن هناك أمورا مرتبطة ببعضها، خصوصا الدخل الذي يترتب عليه القدرة على الإنفاق سواء في التعليم أم الصحة أم الغذاء الصحي وخلافة، وأقل الأقاليم في فرص التنمية وقيمة الدخل في ريف الوجه القبلي فتجد عندهم كل الظواهر السلبية أمية وفقر ومرض. ماذا عن الزيادة السكانية، هناك تصور أننا عدنا لمعدل أعلى مما كنا عليه قبل 1996 لإهمالنا تنظيم الأسرة؟ الأرقام تقول إننا وصلنا لأقل مستويات نمو في 2004-2005وهى 1.9 % ، أما الآن 2.6% ونحن في زيادة مستمرة، ونحن في التاريخ وصلنا لمراحل أخطر من هذا بعد حرب 73 حيث وصلنا لنسبة 3.8 %، وبالطبع المؤشر ضخم والمشكلة تتفاقم لأن نسبة النمو في الدول النامية 1.5 % والدول المتقدمة 0.6 % والإعلام لابد أن يساعدنا للتوعية بخطورة تلك الزيادة. وصلنا لأقل مستوى للاحتياطي النقدي بعد الثورة، وهناك اتهامات متبادلة تلقي اللوم على فترة حكم المجلس العسكري أو النظام الحالي، وأنتم جهة رصد، ما السبب الحقيقي في استنزاف ذلك الاحتياطى؟ من أين يأتي الاحتياطي النقدي! أليس من الأنشطة ومصادر الدخل مثل الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج، وقناة السويس، وانخفاض الإنتاج بسبب الإضرابات وتراجع السياحة بسبب الانفلات الأمني، هل هذا يرجع بسبب المجلس العسكري أو النظام الحالي أم أن وضع المجتمع كله سبب في الانخفاض. قناة السويس هل شهدت تراجعا فى دخلها؟ وأين تذهب إيراداتها وكيف توجه؟ دخل قناة السويس كان من المعتاد أن يشهد زيادة سنوية ليصل حوالي 5مليارات دولار في السنة، فقط في العام الماضي شهد ثباتا في مستواه، لم يزد وأيضا لم يحدث فيه انخفاض. من وجهة نظرك الشخصية، كيف ترى مشروع تنمية محور قناة السويس المثار حوله جدل سياسي منذ فترة؟ كمواطن أرى أن هذه فرصة لنوجد مشروعا قوميا كبيرا نصطف حوله ويشغل العاطلين ويدر دخلا ثابتا ويحدث ثورة في الاقتصاد، وكل الإمكانات متاحة في هذا الموقع، وإذا كانت صياغة القانون لا توافق الجميع وهناك من يعارضه، فيجب أن نأخذ بوجهة نظرهم ونشكرهم ونعطيهم أولوية في وضع وجهة نظرهم وتحسين مواصفات المشروع، ويكون العمل في المشروع بالقانون المصري وليس أن تصبح هناك دولة داخل الدولة. كم عدد العاملين في الجهاز الإداري بالدولة؟ 6 ملايين. ألا ترى أنهم يمثلون بطالة مقنعة؟ طبعا .. وبدون حساسية وبكل صراحة، عندنا في الجهاز 5000 موظف أستطيع أن أعمل بشكل أفضل مع 1500 فقط يكونون متخصصين لكن في نفس الوقت ما ذنب الباقين، أين يذهبون، عندهم أسر والتزامات ولهم الحق في حياة كريمة، والدولة لكي تعيد تنظيم ذلك ستأخذ وقتا كبيرا لأنها مشكلة معقدة والنظام السابق كان عاجزا عن إيجاد حلول وأسهل حل كان إيجاد وظائف لهم في القطاع العام، والنظام الحالي مطالب بإيجاد بدائل على المدى البعيد لتشغيل تلك العمالة، نحن عددنا فى الجهاز يفوق أكبر جهاز إحصاء فى العالم بأربعة أضعاف. منذ سنوات ونحن نشكو من انقراض الطبقة الوسطى حزام الأمان للمجتمع المصرى؟ مقاطعا.. من قال هذا ؟! لا .. لم تنقرض فهناك من يتقاضى مرتبات من الشباب ما بيين 3000-5000جنيه شهريا ولو نظرت إلى كم السيارات الموجودة في الشارع 6 ملايين، تستطيع أن تدرك أن هناك أعدادا ليست بالقليلة متوسط دخلها 3000 جنيه شهريا برغم أن نسبة الفقر عندنا 25 ٪ . في تصريح سابق لك أنك تثق في نزاهة الانتخابات البرلمانية السابقة التي أشرف عليها الجيش، ولكن لا تثق في ديمقراطيتها ولا الأغلبية التي ستأتي بها ستكون معبرة عن الشعب المصري، ما رأيك بعد أن نجح التيار الإسلامي؟ مازلت عند كلامي، الأغلبية جاءت في انتخابات نزيهة، لكن ليست معبرة عن الشعب المصرى