جمعتنى ليلة حوار شيق وشائك مع الدكتور كمال الهلباوى، شيق لأنه ضم كوكبة من المتحاورين المحترمين مع رجل المهام الصعبة والسرية فى عالم الإخوان المسلمين، وشائك لإحساسه بالأسى على جماعته ومصيرها المحتوم ، وهى تتهاوى تحت ضربات الكراهية الشعبية. والهلباوى قطب إخوانى منذ 60 عاما، تاريخ يسير على قدمين، لا يبدأ من مصر، ولا ينتهى فى أفغانستان وإنجلترا، ولا يتوقف فى إيران والسودان، هو دورة كاملة فى أفلاك الإخوان المسلمين، ومع نهاية التسعينيات كان الهلباوى يقف علنا فى لندن أمام وسائل الإعلام العالمية ليكشف عن هويته بأنه ممثل الإخوان المسلمين فى أوروبا، فى زمن كانوا فيه ممنوعين من الصرف. قبل ذلك كان الرجل يلتقى ويتحاور ويقترب من كل جماعات الإسلام السياسى، ورموزها الكبيرة، وعلى يديه تبلورت آراء وتشكلت فرق، وهل ننسى أحمد مسعود شاه، وحكمتيار، وعبد الله عزام، وسياف فى كابول، وهل ننسى الحسن بنى صدر وإبراهيم يزيدى، وعلى شريعتى، وروحانى، الرئيس الآن فى طهران، وكيف لا نتذكر حسن الترابى وقطبى المهدى، ومكى فى السودان، وطبعا لا ننسى جماعات التقريب بين المذاهب وآية الله تسخيرى ورجال حزب الله فى بيروت. الهلباوى اختار أن يكون محطة مهمة يتوقف عندها قطار مريدى جماعات الإسلام السياسى الهاربين من الشرق إلى الغرب، ومن خلال هذا الموقع العلنى أدار حوارات علنية وسرية مع مستشرقى الغرب المهتمين بعالمنا البائس، ولا نقرأ بحثا غربيا عن الإسلام وإلا ونجد فيه بصمات الهلباوى، المؤلف، والمحاضر. وقعت الواقعة فى يناير 2011، واشنطن قررت تغيير الأحصنة، سقط حائط برلين المصرى، عاد المنفيون والهاربون إلى بلادهم، تحرر المعتقلون من السجون بقرارات أملتها ضرورة التغيير المرتب، وعاد الدكتور الهلباوى إلى القاهرة بعد سنوات غياب، زار خلالها بلادا كثيرة إلا بلدين حليفين: السعودية وأمريكا! لعله وقف ضد الحرب الأمريكية المدعومة سعوديا فى كل من أفغانستان والعراق. فى القاهرة اكتشف الحقيقة، حقيقة جماعته وهى تتملكها رغبة السلطة، فجماعته المحصنة ترشح المهندس خيرت الشاطر لمقعد الرئيس، ويرفض الهلباوى، ويقرر الانشقاق فى منتصف 2012، ويهاجم الفكرة من أساسها، فكرة أن يحكم الإخوان مصر حتى لو باتفاق مع واشنطن، ف «المتغطى بأمريكا عريان»، ولا يزال الهلباوى ينظر إلى أمريكا باعتبارها قوة غاشمة مجرمة، يرفض أن يتحاور معها سرا، ودعته السفيرة الأمريكية آن باترسون للحوار الخاص أخيرا عن طريق أحد الصحفيين المصريين! لكنه رفض، ولقن هذا الصحفى وسفيرته درسا لن ينسياه!