كما بدا الفارق كبيرا بين أقوال وأفعال بعض دعاة المدنية والديمقراطية وسقطت اقنعتهم حين طالبوا بعودة العسكر للحكم, وحين لم يقبلوا يوما نتائج الصندوق (إن أتت على غير ما يشتهون), بدا أيضا البون شاسعا بين (افعال) كثير من الإسلاميين (واقوالهم السابقة) ...يهتف كثير منهم هتافا خالدا (رسول الله قدوتنا) ..حتى إذا وجدت افعالهم سارعت بتذكيرهم: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ..فيرد عليك : وأين نحن من رسول الله؟ وسارع أخر بقوله: وهل زمنه كزماننا؟ وهل خصومه كخصومنا؟ .. فتقول له: وكأنك تقول أن الاقتداء برسول الله كان أمرا تاريخيا لا يصلح لزماننا أو عصرنا؟ أليس هذا عين ما يقوله غُلاة العلمانيين؟ مواقف للذكرى مع الخصوم 1/ مع الكفار (عدي بن حاتم الطائي – مثالا) يقول عُدى : كان محمد قبل أن أقابله أشد الناس كرهاً فى قلبى ؛حين دعاني لمقابلتي فذهبت وقلت لنفسى ولما لا أقابله ؛ فإن كان صادقاً علمت ؛ وان كان كاذباً لم يضرنى ؛ فلما دخلت علىه وعرفنى لقينى بالبشاشة مرحباً ؛ وأخذ بيدى يصطحبنى ضيفاً فى بيته ؛ فهدأت نفسى ؛ وأطمأن قلبى ؛ وسرنا سوياً كل منا بجوار الاخر ؛ متساويان.. 2/ مع الفلول (أبو سفيان – مثالا) حارب ابو سفيان النبي (ص) والصحب الكرام 21 سنة ..تعذيب تهجير ..حرب .. وعند الفتح ..عند التمكين, يمنحه النبي شرفا وجاها (مع النظام الجديد) فقال : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن !! 3/ العطاء لمن لا يحب في يوم حنين أعطي النبي (ص) لمسلمة الفتح"الذين حاربوه أكثر من 20 سنة" عطاءً كبيرا حتى لانت قلوبهم , بل إن الإسلام خصص سهما من الغنائم للمؤلفة قلوبهم لاستمالتهم واشعارهم بأن مصالح جديدة (حلال) ستكون لهم (مع النظام الجديد)!! 4/ تقديم أهل الكفاءة بعد وقت قليل من دخوله الإسلام منح النبي (ص) القيادة في سرية ذات السلاسل لعمرو بن العاص وجعله قائدا على خير الناس بعد الأنبياء (أبو بكر وعمر بن الخطاب), وهكذا مع خالد بن الوليد وغيره,في رسالة مؤداها أن "النظام الجديد" يقدم أهل الكفاءة على أهل الثقة.. 5/ طريقة حل الأزمات أستنجد شعب عديم الأهلية (لايكادون يفقهون قولا) بذي القرنين (وقد اعطاه الله من كل شيئ سببا – من مال وجند وعتاد وامكانيات وغير ذلك) – ارادوه لمنع الضر عنهم – فعقد معهم شراكة كاملة (مع أنه لديه القدرة الكاملة "بدونهم" كما أنهم فاقدي القدرة أصلا - .. هكذا فعلها النبي (ص) عند إدارة أزمة وضع الحجر الأسود حين بسط رداءه لتحقيق المشاركة الكاملة, فنزع فتيل أزمة كادت أن تُحسم بالسلاح .. وفي مرحلة انتقالية (عند الهجرة) – الانتقال من الاستضعاف للدولة – أشرك النبي (ص) معه الشيخ الكبير (ابو بكر) والمرأة (اسماء) والشاب (على بن أبي طالب) والكافر (عبد الله بن أريقط) .. وغير ذلك كثير مما لا يتسع المقام له ...استطاع النبي (ص) أن يحول أشد الخصوم الى الحياد, ثم تحويل أشد الخصوم الى أحباء ومؤيدين .. بأداء رفيع وفن بديع للعمل السياسي .. مما يجعلنا نتحسر اشد الحسرة على تطبيقات أخلت وخدشت الشعار الخالد (رسول الله قدوتنا). بارقة أمل أصدر د. علاء عبدالعزيز- وزير الثقافة- قرارًا بتعيين د.خالد فهمي، أستاذ اللغة العربية، بكلية الآداب، جامعة المنوفية، رئيسًا لدار الكتب والوثائق القومية.. د. "خالد فهمي" اسلامي واسع الأفق من طراز فريد .. حين استلم منصبه تظاهر مجموعة من المتظاهرين أمام مكتبه يتصدرهم الفنان "محمود قابيل" لصورة ذهنية مسبقة,فلم يكن يعرف الرجل ..نزل اليهم د.خالد بهدوء بالغ وقال للفنان تفضل لمكتبي لتتناول كوبا من الشاي مع من شئت من المتظاهرين, ثم قال له تجول في الدار كما تشاء وتفقد اجراءات الأمان للوثائق, وقد حدث ..بعدها اعتذر محمود قابيل للدكتور خالد فهمي وقال له سأخرج لصرف المتظاهرين وأعلن ذلك للصحف ...هاهو الفنان المعارض الذي جاء بذهنية معينة عاد بغير الوجه الذي ذهب به ..بغير القناعة التي كان عليها .. علم د.خالد فهمي بمرض الاستاذة سكينة فؤاد – فأجرى اتصالا بها وقدم لها ثناءً حقيقيا وصادقا على اسهاماتها الفكرية ... وعلم بمرض الاستاذ بهاء طاهر فأرسل له باقة من الورد مع كلمات رقيقة ...فاذهلما بتواصله ورقته وصدقه وعدم تكلفه ...وأحسب أنه استطاع تغيير قدرا معتبرا من النظرة السلبية نحو انتمائه الفكري .. ربما لو كان غير د.خالد فهمي في منصبه ..لقال : إن فلانا علمانيا معاديا ..وفلانة فعلت كذا ..واساءت في كذا .. وأن هذا الفنان الداعر ما شأنه بالثقافة ... وكلمات مثل هذه .. وافعال مشابهة لها .. تزيد من مساحة الخصوم وعداوتهم .. إن التيارات الإسلامية التي قدم كثيرون من ابنائها نصائح معتبرة لقادتها في كثير من المسارات, لم يتم الاستماع لها, وتصور بعضهم أنه يحق لهم تصنيف الناس,هذا مؤيد, وذاك مشاغب, ولم يعتبر بعضهم يوما أن بعضا من ابنائها (من موقع الحرص) قدموا أخلص النصح لها .. خرجت هذه القيادات للمجتمع (بنفس النفسية) التي تعاملت بها مع ابنائها يوما لتتعامل بها مع غير المنتمين لها, فكان ما كان في كثير من مواضع الشقاق ....نعم توجد عداوة لن تنتهي وخصومة لن تتبدد .. لكن يبقى التعميم مُخلا واعتبار المعارضين حزمة واحدة لا يصح...واختم بقول الله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)..هل يمكن لمؤمن أن يقول أن هذه الطريقة لا تنفع.. وحاشاه سبحانه أن يأمر بما لا ينفع. ** مصطفى كمشيش قيادي سابق بجماعة الإخوان وحزب مصر القوية