جاءت وفاة أحمد الباز، الطالب بالفرقة الثالثة بهندسة الأزهر، وإصابة أكثر من 50 طالبا بحالات تسمم جديدة.. لتسكب المزيد من البنزين فوق النيران التى لم تكد تهدأ حتى اشتعلت من جديد. فقد كانت كامنة تحت الرماد بعد حادث تسمم طلاب المدينة الجامعية بجامعة الأزهر، الذى كانت توابعه ذات أبعاد سياسية لم تقتصر على إقالة الدكتور أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر، بل تخطتها لتشمل اتهامات بالتواطؤ والتآمر للإطاحة بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عقابا له على رفض الأزهر مشروع الصكوك الإسلامية وزيادة شعبيته لدى الرأى العام. وتوالت الاتهامات التى بنيت على أساس نظرية «المؤامرة»، مؤكدة أن الحادث استهدف أيضا إقالة رئيس جامعة الأزهر الدكتور أسامة العبد للتعجيل بإجراء انتخابات لاختيار رئيس جامعة جديد ينتمى للتيار الإسلامى إخوانى أو سلفى، أبرزهم الدكتور عبد الرحمن البر عميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة عضو مجلس شورى جماعة «الإخوان» وصاحب الفتوى المثيرة للجدل بتحريم تهنئة الأقباط فى أعيادهم. ويرى البعض الآخر أن الحادث جاء نتيجة للإهمال الجسيم من إدارة جامعة الأزهر، وقد رجح هذا الرأى وفاة الطالب أحمد الباز بسبب إهمال الرعاية الطبية فى المدينة الجامعية، فالفترة الأخيرة أيضا شهدت أحداثا ساخنة مشابهة جعلت هناك كثيرا من الريبة فى طريقة تعامل الحكومة معها، فعلى سبيل المثال لا الحصر ضبطت لحوماً فاسدة بالمدن الجامعية بجامعة القاهرة وثبت فساد مياه الشرب بالمدن الجامعية بجامعة بورسعيد ووفاة طالبة أثناء مظاهرات بجامعة المنصورة وتم اقتحام الحرم الجامعى بجامعة عين شمس من قبل مجهولين وشهدت الجامعة أحداث عنف كبيرة تم على إثرها تعليق الدراسة لفترة ولم نر أى رد فعل من رؤساء الجامعات أو تحويلهم للنيابة أو تشكيل لجان لتقصى الحقائق، كما حدث بجامعة الأزهر وحتى لا يظن القارئ أننا فى موضع الدفاع لا الرصد نؤكد أن السطور المقبلة ستشهد وقائع وتساؤلات خفية لها علاقة بأحداث جامعة الأزهر وفقاً لروايات وتسريبات ومعلومات مؤكدة من جهات ذات صلة بالقضية: أولاً: تصريحات خاصة للدكتور فريد حمادة نائب رئيس جامعة الأزهر والقائم بأعمال رئيس الجامعة، يؤكد فيها قيام الطلاب المنتمين لتيارات إسلامية بشراء وجبات من خارج المدينة ربما تكون «مسممة» لإثارة الرأي العام ضد الجامعة وشيخ الأزهر الذى نجح أخيراً فى الإفراج عن 106 متهمين مصريين لدى دولة الإمارات. وأوضح أنه من المستحيل أن تحدث واقعة تسمم أخرى من شركات توريد الأغذية بعد الواقعة الأولى والتى لم يثبت تورطها فيها حتى الآن. ثانياً: تصريحات مدير عام مستشفيات جامعة الأزهر د. أسحق عبدالعال، ويشير فيها إلى تفاوت روايات الطلاب المصابين حول حالات التسمم التى تعرضوا لها والتى تختلف بشكل كبير عن أعراض الإصابة الطبيعية لتناول وجبات فاسدة. ثالثا: رئيس جامعة الأزهريتحمل مسئولية جامعة تعد من أكبر جامعات مصر بها أكثر من 74 كلية، بها نصف مليون طالب على مستوى الجمهورية وليس معه أى نواب منذ أكثر من 7 أشهر، حيث لم يمض على تعيين النواب الجدد سوى شهر أو أقل قبل الحادثة، بسبب عدم اعتماد الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء لترشيحات الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر منذ بداية العام الدراسى باعتباره وزير شئون الأزهر. رابعاً: هل يعقل أن تكون جامعة بحجم جامعة الأزهر ميزانيتها ثلت ميزانية أى جامعة أخرى مثل جامعة القاهرة، حسبما أكد الدكتور أسامة العبد، رئيس الجامعة. ومن المفارقات الغريبة التى لم يعلن عنها والتى يكشفها على عبدالواحد، مستشار رئيس الجامعة للشئون الجامعية، أن المدن الجامعية بها ما يقرب من 10 آلاف طالب وطالبة فوق القدرة الاستيعابية لأماكن المدن الجامعية بالقاهرة فقط، حيث تستوعب المدينة الجامعية للطالبات بمدينة نصر 8 آلاف طالبة، وذلك بعد عمل توسعات بالمبانى ويوجد بها الآن ما يقرب من 13 ألف طالبة، وبالنسبة لمدينة الطلاب - والكلام مستمر لمستشار رئيس جامعة الأزهر للمدن الجامعية - فإنها تستوعب 9 آلاف طالب ويسكن بها الآن 14 ألف طالب، وذلك بسبب قيام الطلاب الذين تم استبعادهم من التسكين بعد إشغال جميع الأماكن بناء على التقديرات بالتظاهر والاعتصام أمام جامعة الأزهر، والقيام بالمبيت بالمدينة الجامعية دون وجود أسرة أو فرش للضغط على إدارة الجامعة لتسكينهم، مما اضطر رئيس الجامعة بالقيام بالاتصال بالدكتور على جمعة، المفتى السابق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مصر الخير الحالى، لتوفير دعم لتطوير المدينة الجامعية وتوفير أسرة للطلاب بقيمة تصل إلى 10 ملايين جنيه، منها شيك بمبلغ مليون و600 ألف جنيه لشراء أسرة ومراتب، وأضاف عبدالواحد، أن الحجرة الواحدة بالمدن الجامعية بها 6 طلاب، بالإضافة إلى وجود أكثر من 25 طالبا بالصالون الواحد، مما يؤثر بالسلب على مستوى الخدمة بسبب عدم زيادة حجم المطابخ وعدد العاملين. كما فجر عبدالواحد فى تصريحات خاصة ل «الأهرام العربى» مفاجأة هى أن رئيس جامعة الأزهر خاطب كلاً من محافظى الإسماعيلية والسويس والمنوفية لاستئجار الجامعة لبعض العمارات القريبة من الجامعة والتابعة لتلك المحافظات، لتسكين الطلاب بها إلا أن الطلب قوبل بالرفض بحجة قصر تسكين تلك العمارات على طلاب تلك المحافظات فقط مع فراغ تلك المبانى السكنية. وقال عبدالواحد: إن المفاجأة الأخرى أن تقرير وزارة الصحة الذى تم إيداعه فى القضية، يؤكد أنه لم يثبت أى تسمم، ولكن ثبت وجود تلوث غذائى، وأن معظم الطلاب كانوا صائمين فى هذا اليوم واحتفظوا بالغداء منذ الصباح فى حجرتهم وقاموا بالإفطار معا بشكل جماعى مما يعنى إمكانية حدوث التلوث نتيجة طول فترة احتفاظهم بالغداء، مشيرا إلى أن هذا موثق بشهادات الطلاب أنفسهم “cd" قامت بتجميعه إدارة الشئون القانونية بالجامعة أثناء تحقيقاتها فى الأزمة وأودعته ملف القضية. ومن المفارقات الغريبة والتى كشف عنها طلاب المدن الجامعية قيام بعض طلاب التيار الإسلامى وعلى رأسهم الطالب أحمد عبدالرحمن، بحشد الطلاب بصورة غريبة لتنظيم وقفة أمام إدارة الجامعة، وتنظيم مسيرة لمشيخة الأزهر للمطالبة بإقالة رئيس جامعة الأزهر، الأمر الذى صادف تنظيم مظاهرات فى نفس التوقيت بكليات جامعة الأزهر بالأقاليم للمطالبة بنفس المطالب، للضغط على الرأى العام ، ولابد أن نذكرأن رئيس جامعة الأزهر كان قد، شكل لجنة من كلية الزراعة ذلك لضمان سلامة الغذاء بالمدن الجامعية قبل الحادث . وكشفت مصادر مقربة من شيخ الأزهر أن الدكتور الطيب لم يكن ينوى إقالة رئيس الجامعة، حيث اجتمع معه بالمشيخة قبل قرار الإقالة بيوم، ووجه إليه اللوم الشديد وطالبه بالقيام بالتشديد على متابعة المدن الجامعية، ولكن سرعان ما قام طلاب التيارات الإسلامية بالأزهر بحشد كبير أمام مشيخة الأزهر أثناء اجتماع المجلس الأعلى للأزهر صباح يوم حادثة التسمم، بالإضافة إلى اتصال عدد كبير من مسئولى الدولة، مما اضطر شيخ الأزهر بإقالة رئيس الجامعة حتى يهدأ الموضوع ويتم تفويت الفرصة على الجميع لتشويه صورة الأزهر. وأكدت المصادر أن الطيب أثنى للعبد على أدائه طوال فترة رئاسته للجامعة والتى شهدت أكبر موجة اعتصامات واضطرابات لم تشهدها جامعة الأزهر عبر التاريخ، حيث تم تكسير الباب الرئيسى لمبنى إدارة الجامعة، بالإضافة إلى باب مكتب رئيس الجامعة نفسه، مما اضطر إدارة الجامعة إلى تركيب أبواب حديدية لجميع مخارج الجامعة بدلا من الخشبية. يأتى ذلك فى الوقت الذى لم يكن يعلم فيه العبد ولا يتوقع قرار إقالته، حيث أجرى «الأهرام العربى» اتصالاً هاتفياً معه ليلة قرار المجلس الأعلى للأزهر، وكان ينوى صباح المكالمة عمل مؤتمر صحفى لتوضيح جميع الحقائق، ولكن داهمه القرار قبل المؤتمر. وأوضح العبد فى تصريحات خاصة أنه راض تماما عن أدائه طوال فترة توليه مسئولية الجامعة، حيث تم تعيين أكثر من 6 آلاف طالب وطالبة من أوائل الكليات منذ عام 2002م كمعيدين بالجامعة، وهذا الرقم لم يحدث بأى جامعة، بالإضافة إلى تثبيت معظم المؤقتين بجامعة الأزهر. وأشار أنه تم إنشاء العديد من الكليات الجديدة بجامعة الأزهر، منها كلية الطب للبنات بدمياط وعدد من الكليات الإسلامية الأخرى بالأقاليم، وتحويل شعب بالكليات إلى كليات مستقلة مثل شعبتى الصحافة والإعلام والتربية الرياضية، علاوة على فصل فروع الكليات بالأقاليم إلى كليات مستقلة، مثل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ، وكليتى الدراسات الإسلامية والعربيه للبنات بمدينة السادات والعاشر من رمضان، بالإضافة إلى استكمال إنشاء المستشفى التخصصى الجديد الذى تصل سعته إلى ألف سرير، ومنشأ على 25 فدانا بتكلفة مليار جنيه، والمتوقف منذ 25 عاما برعاية شيخ الأزهر ومعاونة الدكتور إسماعيل شبايك مدير المستشفى. وفى النهاية يرى المعنيون بجامعة الأزهر أن حادثة تسمم طلاب الأزهر الشريف تحتاج لإعادة البحث، وألا تمر مرور الكرام من جميع النواحى، وبأن تنظر الدولة والسيد رئيس الجمهورية للجامعة بعين الاعتبار ومعاملة طلاب الأزهر مثل أقرانهم من الجامعات الأخرى، بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لهم، وألا يكونوا آخر من يتم النظر إليهم خصوصا أن جامعة الأزهر هى المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية الأكبر فى العالم، وثانى جامعة أنشئت فى العالم بعد جامعة “القرويين" بالمغرب، بالإضافة إلى التحقيق فى المتسببين فى تلك الأحداث سواء بالتدبير أو بالمؤامرة أو بالتقصير, وألا ننسى إنجازات رئيس الجامعة.