عماد أنور - يلقبونه ب “كبير المهدية".. ولمن لا يعرف هذه المنطقة، فنقول له: إنها قلب سيناء ودائما ما تشير إليها أصابع الاتهام بأنها وكر لتجارة السلاح والمخدرات “والذى منه". لكنها فى الحقيقة الأقرب لحدودنا مع إسرائيل. عندما تجلس مع “أبو أشرف" كبير المهدية فى ديوانيته، عليك أن تعرف الفرق بينك وبين إسرائيل هو كيلو متران فقط. كعادته، استقبلنا أبو أشرف استقبال الحافلين، لكنه افتقد ابتسامته ليحل محلها تجهم وعبوس، استطعنا أن نلحظه منذ اللحظة الأولى التى بدأ يتحدث فيها معنا. أسرار وعلامات استفهام ربما نجد إجابتها عند هذا الرجل. بدأنا كلامنا معه بالحديث عن أحوال سيناء، فقال: لابد أن نفهم “مصر عاوزة إيه من سيناء.. وسيناء عاوزة إيه من مصر؟ هل الدولة تأخذ سيناء كورقة تلعب بها وقت الحاجة، وهل يخفى عن المسئولين أن سيناء ورقة خشنة، يرفض أهلها استخدامهم فى المساومات الرخيصة، على حساب الأمن والمواطنة». أما نحن فى سيناء، فلا يعنينا من الذى يحكم مصر، هل هو مسلم أم مسيحى أم ليبرالى، أو ينتمى لأى تيار، بل يعنينا ما يحدث على أرض سيناء، ولابد أن نشعر أننا مصريون ننتمى إلى هذا البلد. وأَضاف أبو أشرف، الحكومة تسعى جاهدة لعزلنا عن البلد، مش فاهم ليه، وكل القرارات خاطئة تحت ستار الأمن القومى، أى أمن قومى الذى يريدون تحقيقه فى حين أن حدودنا منتهكة، والدليل ال 16 جنديا اللى راحوا فى رمضان: ومالهومش دية". عاوزين يطبقوا قرار تفريغ الشريط الحدودى بعمق 5كم من السكان أو حتى بناء البيوت، لابد أولا من وجود حزام أمنى ضد أى أجنبى، وليس ضد المصريين، ولماذا يعاملوننا على أننا بلا عقول، والحقيقة أن الأمن الذى يريد الرئيس مرسى تحقيقه هو أمن فى صالح إسرائيل، لا ينبغى أن يمس اتفاقية “كامب ديفيد" من قريب أو بعيد، حتى يضمن بقاءه على الكرسى. قاطعناه متسائلين، يعنى مفيش تغيير؟ قال: مافيش أى تغيير، ما يفعله الرئيس مرسى الآن، هو نفس ما كان مبارك يفعله من قبل، وهناك أشياء يخفيها عنا النظام ولابد من توضيحها، فإذا كانت هناك ضغوط على الرئيس مرسى حتى تظل كما هى عليه دون تنمية أو إصلاح، لابد أن يضعنا فى الصورة، كما أنه يجب ترك الماضى، وفتح صفحة جديدة مع أهل سيناء، لأن الناس ثقتها فى النظام انعدمت، بعد أن فرحنا بالتغيير وشعرنا بالأمل، لكن كل هذا تحطم أمام نظام جديد يدعى الإسلام. وبلهجة مليئة باليأس أكمل أبو أشرف: فى عام 1970 قامت سيناء بتهجير الناس من أراضيها، والآن يتبعون نفس الأسلوب معنا هنا فى مصر وعلى أرضنا، يريدون تهجيرننا، ولم نحصل على أى شئ من مصر سوى بطاقات الرقم القومى، وهذا الوضع أنا متأكد أنه لن يتغير مهما تعاقبت الأنظمة على حكم مصر، لأن إسرائيل يبدو أنها أقوى من أى نظام. سألناه: ولماذا لم تطالبوا بحقوقكم أثناء مقابلتكم مع الرئيس مرسى؟ ابتسم بسخرية، ثم قال: أنا قلتلكم مافيش أى فايدة، وكله بيوعد وبس، عندما قابلنا الرئيس مرسى، أول شئ وعدنا به هو الإفراج عن المعتقلين، وحاولنا إقناعه أنهم مقبوض عليهم دون سند أو قضية حقيقية، على الرغم من أن هناك من يستحقون السجن المؤبد. قاطعناه: ماذا تعنى؟ ومن هم؟ قال: أقولكم حكاية غريبة جدا، أثناء اللقاء، قلت للرئيس مرسى على اسم أحد ضباط مكافحة المخدرات الذى يتعامل مع الجهات الإسرائيلية، وأخبرته أنه يتقاضى 1000 جنيه عن كل مصرى يقوم بتسليمه للسلطات الإسرائيلية، وعندما تم القبض عليه، اكتفى المسئولون بوقفه عن العمل، وتم الإفراج عنه، لكن أين الناس الذين تسبب فى وضعهم بالسجون الإسرائيلية؟ وأين حقوقهم؟ ومن سيدافع عنهم؟ وما معنى أن يعزل عن العمل بعد أن جمع ثروة كبيرة، شئ غريب أليس كذلك؟ وأضاف، الأغرب من ذلك، أن المسئولين حتى الآن يلعبون معنا بورقة المطالبة بالمحكوم عليهم غيابيا، حتى ينقلون صورة سيئة عن أهل سيناء، بأننا تجار مخدرات وأسلحة، وأقول لهم: ارفعوا أيديكم عنهم، لأنهم قوة لنا، لأنهم أهلنا وعزوتنا، وفى المقابل يغض المسئولون البصر عما يحدث فى القاهرة من حرق للمنشآت وتخريب وتعطيل مصالح، أليس من يفعل ذلك هو المجرم الحقيقى، نحن شعب لا نعرف المعنى الحقيقى للحرية ونفهمها على أنها التخريب. سألناها: ولماذا تتصف المهدية بأنها معقل الجرائم؟ هذا الكلام يقال عنا دائما، لأن أهل المهدية هم من يبدأون التصدى الفعلى للجرائم، مقاومة المجرمين تبدأ من هنا، والوقوف أمام ظلم الداخلية يبدأ من هنا، ولا أنكر عليكم أن أهل المهدية يملكون سلاحا، ولديهم مقومات الدفاع عن النفس، حتى لا يفكر أحد فى التعدى عليهم، خصوصا فى ظل عدم الأمان الذى نعيشه. ولماذا تلاحق أهل سيناء الاتهامات بالخيانة؟ هذا الكلام عار تماما من الصحة، وازداد منذ عام ونصف العام تقريبا، ولن يتغير مع مرور الزمن، لأن هذا كله يصب فى النهاية فى صالح العدو الصهيونى، وفى صالح النظام الإخوانى الذى تتوافق مصالحه مع حماس التى تريد تنفيذ مخططها فى سيناء، ولذلك خرج علينا مهدى عاكف يقول إن أهل سيناء يعملون مع تجار المخدرات وأمن الدولة، وأنا أرد عليهم وأقول: إنه فى 6 شهور فقط تم القبض على 700 عميل من الإسماعيلية، أما نحن فعلى الرغم من تعرضنا للاحتلال على يد إسرائيل، وقعدوا معانا ولم يتم القبض على سيناوى واحد متهم بالخيانة. يجب على الجميع أن يعلم أن ما بيننا وبين إسرائيل “تار" ولا يمكن التنازل عنه أبدا، لأن اللى راح دم أهالينا، وعندنا فى البدو فيه مثل بيقول: “ناطور على كرم" ويعنى “غفير على غيط" وهذا المثل يحكى أن هناك مزارعا كان يعمل بالفأس وفى أثناء عمله قطع ذيل حية، وبات هناك ثأر بينهما، فقامت الحية بقتل ابن المزارع أخذا بالثأر، وبعد مرور عامين، حاولت الحية تصفية الأجواء، فرد عليها المزارع قائلا: “مش هينفع نتصالح، لأن كل ما أشوفك هافتكر ابنى، وكل ما تشوفينى هتفتكرى إنى قطعت ديلك". لماذا تقول إن الأمن فى سيناء غائب؟ طبعا الأمن غايب، نحن نتحايل على الضباط كى ينزلوا إلى الشوارع لتحمينا من البلطجية، وللعلم فإن أغلب البلاغات التى تذاع فى التليفزيون عن الضبطيات كاذبة، ولو حدث أن هناك مهربين فهم موجودون فى الجبل وليس فى الشارع العام، وما يحدث فى سيناء مهزلة، وأى شخص يستطيع دخول سيناء ويعبث فيها كما يشاء. وما رأيك فى مشروع الوطن البديل؟ شعب سيناء لن يسمح أبدا بالوطن البديل، كما أننى أثق ثقة عمياء فى أن الشعب الفلسطينى لن يترك بلده، ولن يرضى هو الآخر بوطن بديل، وإن كانت حماس تسعى إلى ذلك، فإن فلسطين مش حماس، ونسبة التأييد لحماس تراجعت من 2007 حتى الآن إلى النصف، والشعب مؤمن بقضيته ولن يوافق على الترحيل، كما أن الفلسطينيين أنفسهم لم يشعروا بالعزلة إلا مع النظام الحالى، ولو أجريت انتخابات لن تحصل حماس على نفس نسبة الأصوات. وأعود لأقول لكم إن كل هذه المؤشرات تؤكد أن “مافيش تنمية فى سيناء"، وأنا شخصيا أتوقع أن هناك اتفاقا دوليا يمنع مشروع التنمية، وإن حدث تعديل فى اتفاقية البلاوى اللى اسمها “كامب ديفيد"، لن يكون التعديل ضارا بأمن إسرائيل، نحن نريد أن تكون لنا سيادة على سيناء. وما الحل من وجهة نظرك؟ لابد من الوصول إلى حل، لأننا نعرف جيدا أن الإخوان لن يتركوا الحكم بالساهل، لذلك لابد أن نترك الرئيس مرسى يكمل مدته كاملة، وهى مدة كافية لأن يعرف الناس القيادات على حقيقتهم، وتظهر كل السلبيات، لنفسد الفرصة عليهم إذا ما فكروا فى الترشح للانتخابات المقبلة، وأعتقد أنهم لن يستطيعوا تزوير الانتخابات، لذلك لا يجب أن يهاجم مرسى بهذه الطريقة. وفى النهاية أحب أن أؤكد أن سيناء عاوزة حقوقها كاملة، نريد أن نشعر بالمواطنة، نشارك فى الثروة والسلطة، نخدم فى الجيش والشرطة ونشارك فى المنظومة الأمنية. وأحذر المسئولين مما حدث فى 1967، لأن سيناء ممكن فى وقت الجد يتخلى عنها الجميع، لكن نحن لن نتركها لأى مغتصب.